شبكة ذي قار
عـاجـل










من الأيام الجميلة التي مرت من عمري هي السنوات التي قضيتها في مملكة البحرين العزيزة .. ففي بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي و خلال الحرب العراقية الإيرانية زرت البحرين و أقمت فيها حتى عام 1986 و رأيت الصدق و الوطنية و الكرم عند أهلها النجباء و لم أحس بغربة في كل ساعة من تلك السنوات التي قضيتها هناك ..  و لكن الذي كان يؤلمني حينذاك هو التدخل الإيراني  السافر في الشؤون الداخلية لهذه الدولة  الصغيرة بحجمها و الكبيرة بقيمها الأخلاقية و الوطنية ،  فقد كانت السفارة الإيرانية في المنامة تنشط في أوساط كثيرة من المجتمع  و خاصة الطبقات الفقيرة منها مستغلة العقيدة المنحرفة لتتلاعب بعواطفهم كانت السفارة الإيرانية تستدرج العديد من المواطنين و تحثهم على السفر إلى إيران و لقاء مراجع الدين هناك مقابل إغراءات مادية أو استجابة لمتطلبات عقائدية و حتى لا يفتضح أمرهم كانوا يسافرون إلى الإمارات و منها إلى إيران حيث لا تختم جوازاتهم و يفضح أمرهم  للسلطات البحرينية  أو غيرهم ، و كانت تظهر إشارات بارزة لنشاطات طائفية في الشارع البحريني حيث كانت هناك شعارات تمجد بالخميني و الثورة الإسلامية في إيران و تتكلم بسؤ عن العراق ..  كما أن المواكب الحسينية التي  يقيمها المواطنون أغلبها يمجد بإيران  و يتكلم عن العراق بسؤ و كان أغلب هذه المواكب مموله ماديا من السفارة الإيرانية .. وفي السوق كان أغلب التجار يحرصون على أن يتكلموا الفارسية حتى بينهم كعرب .


كل ذلك و الحكومة البحرينية لم يكن لديها علاج بحجة عدم إثارة النعرات الطائفية و لكي يبقى البحرين أمينا و بعيدا عن هذه المشاكل و تبعاتها. .

 

سألت يوما أحدهم  لماذا  موقفكم سلبي من العراق و تصطفون بجانب إيران في الحرب ؟؟  قال لأن الحكومة  تقف إلى جانب العراق  علينا نحن أن نقف بالجهة الأخرى .. هكذا كانوا يفسرون وقوفهم ضد أبناء عمرتهم ..

 

و أليكم هذه القصة التي تدل بوضوح تأثير السفارة الإيرانية  بالشارع البحريني :-

 

الكثير من أبناء البحرين يؤدون   مراسم حج البيت الحرام بعد زيارتهم للعتبات المقدسة في العراق و خاصة  كربلاء و النجف  و يبدوا أن هذا كان عرفا عند الكثير من أبناء المذهب الجعفري ، و بسبب الحرب فقد حرم هؤلاء من حج البيت الحرام لعدم استطاعتهم السفر للعراق بحجة الحرب و عند استقرار الأمور في داخل العراق و انحسار الحرب على جبهات القتال بعد أن فقدت إيران قوتها الجوية خلال الأسبوع  الأول من الحرب ،  بثت السفارة الإيرانية إشاعة  مفادها أن السلطات العراقية في مطار بغداد أو في المنافذ الحدودية تقوم بسحب دم من الزوار دعما للمجهود الحربي  كما أنها تقوم بتبديل العملة  الصعبة أو الدينار البحريني إلى العملة العراقية و يكون الزائر منذ و صوله للعراق حتى مغادرته منها تحت رقابة المخابرات العراقية  .. و هكذا  و لهذا السبب لم يقم أي مواطن بحريني بزيارة العراق لغرض أداء زيارة المراقد المقدسة حتى منتصف عام 1984  ألي أن قام أحد  الوجهاء بزيارة السفارة العراقية و عرض عليهم الموضوع و طلب منها أن تقوم السفارة بتسهيل سفر مجموعة من الزوار إلى العراق و أن لا يتعرضوا لما ذكرناه .. أجابتهم السفارة  بأن العراق مفتوح أمام جميع أبناء الوطن العربي و بدون سمة دخول ولا توجد أي  من هذه الإجراءات المذكورة في كافة المنافذ الحدودية أو مطار بغداد و أن السفارة ستكون مسئولة أمام  أي مواطن يتعرض لمثل هذه الإجراءات  في كافة الأراضي العراقية .

 

بعد تلك الزيارة قام نفر قليل و بأسلوب  المجاميع السياحية بالسفر إلى العراق لغرض زيارة العتبات المقدسة وهم غير مصدقون لكلام السفارة العراقية ..  و بعد حوالي الشهر عاد الزوار وهم فرحون و تحدثوا بإسهاب عن الحياة في كل مدن العراق و الترحاب  و المحبة التي لاقوها من إخوانهم في الشارع العراقي بدءا من سائق التاكسي إلى أكبر موظف  تعاملوا معه خلال الزيارة و أن الأمان مستتب ويجري أعمار كبير في المراقد المقدسة على عكس ما كانت  تقوله السفارة الايرانية بأن الحكومة العراقية  أزالت أضرحة العتبات  في كربلاء و النجف و باقي مدن العراق ..  هذا ما أجمع عليه الزوار إلا واحد منهم أدعى بأن سلطات مطار بغداد قد صادرت منه كارتون  يحتوي على ترب تم شرائها من كربلاء و قد أهانته هذه السلطات  و أهانت الترب إلى غيرها من الادعاءات الكاذبة ..

 

قابل المواطن  الذي زار السفارة قبل السفر و عرض على السفير  ادعاء المواطن المذكور و حمل السفارة مسؤولية هذا الاعتداء وخرج من السفارة غاضبا .

 

بعد حوالي الشهر و النصف تلقى هذا المواطن اتصالا من السفير العراقي و الذي كان في حينه المرحوم ( ثابت نعمان العاني ) و طلب منه زيارته إلى السفارة و بصحبته المواطن  صاحب الشكوى.. شرح السفير الإجراءات التي قامت بها السفارة جراء هذه الشكوى ورفعتها إلى وزارة الخارجية العراقية والتي نقلت هذه الشكوى الى ديوان الرئاسة و الذي  شكل بدوره  لجنة برئاسة وزير الداخلية و وزير النقل و المواصلات و رؤساء الدوائر التي لها علاقة  بهذا الموضوع  ،  و أخبره بأنه قد وصل إليه من وزارة الخارجية ملفا يتضمن كل المعلومات  ورجاه الاطلاع عليه .. تناول  المواطن  الملف و واجهته أول ورقة من وزارة الخارجية  معنونه إلى السفارة و عليها توقيع وزير الخارجية فأستكبر ذلك و أبدى خجله لأن الموضوع قد وصل إلى وزير خارجية العراق و حاول غلق الملف و المغادرة لولا إصرار السفير على استكمال اطلاع المواطن على الملف ..  و بدأ يقلب الصفحة تلو الأخرى ليشاهد أوراقا تحمل أمرا من رئيس الدولة بتكليف وزراء للبحث في الموضوع و إجاباتهم عن النتائج و استدعاء شخصيات مهمة من الدولة العراقية و طلب أفاداتهم ..  و هكذا  و كلما مرت عليه ورقة تحمل أسماء أو تواقيع و وزراء  و ما دونهم إلا و تصبب عرقا  و عرف بعد ذلك أن هذا المواطن قد أنفرط من بين يديه  وهو في صالة المغادرة كارتون الترب و تبعثرت على الأرض مما حدا بإحدى العاملات من جنوب شرق أسيا إلا أن جمعت هذه الترب في مكان واحد و قام أحد الموظفين بوضع كارتون الترب و الترب المنفرطة في كيس و سلمه للزائر إلا أن الزائر رفض استلامه بحجة أن العاملة قد دنسته ..


بعد ذلك قدم السفير  الكيس المذكور و عليه   ليبل مثبت عليه اسم المسافر و رقم رحلته و ساعتها ..  استلم المواطن الوقور الكيس و نظر أليه و نظر  للمشتكي و الذي ضل صامتا لا يتكلم و حاول صفعه لولا تدخل السفير .. و خرج معتذرا و قدم تحياته للسفارة و الى كل رجال  حكومة العراق .

 

بعد هذه الحادثة و انتشار أخبارها بين أبناء البحرين عادوا لزيارة المراقد المقدسة ولم يسمعوا بعد آذ  تقولات سفارة إيران بالبحرين .
 

 

 





السبت١٦ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٥ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب احمد الدليمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة