شبكة ذي قار
عـاجـل










 

قبل الخوض في غمار هذا الموضوع , احببت ابين للقارئ الكريم ماذا اقصد بالانحدار الامريكي نحو القاع, فقد يتبادر الى ذهن القارئ مسالة زوال امريكا وفناءها كما حاول البعض  الوصول الى هذه النقطة, لكنني لست من اللذين يؤمنون بهكذا نظرية, نظرية زوال وفناء امريكا الكامل, الا انني سأحاول  أن اصل الى مؤشرات تدل على ان امريكا في طريقها الى فقدانها للسطوة التي امتلكتها كدولة احادية عظمى, و بأن امريكا ستفقد مكانتها كنظام يفرض اجندة معينة كيفما يشاء على سائر دول العالم, و بأننا ربما لن نرى امريكا مجددا كدولة عظمى باغية , بل سوف نرى امريكا دولة ضعيفة ينخر جسدها الفساد والمديونية وقد يصل الامر بها الى التقسيم فتتكون اكثر من دولة جديدة على انقاض امريكا الباغية المتسلطة.

 

هناك فريقان يحملان رأيان متناقضان بالنسبة للاجابة على عنوان هذا المقال , فريق يرى ان السقوط الامريكي محال وهي مازالت الدولة العظمى ذات الامكانات المالية والبشرية والصناعية الهائلة ما يجعلها ان تستمر كدولة عظمى وحيدة في العالم لجيل او جيلين في اقل تقدير, اما الفريق الثاني فهو مؤمن بأن امريكا على وشك السقوط كدولة عظمى وان هناك مارد جديد بدا يظهر في الافق وقد يكون هذا المارد هو الصين, لكن دعنا نطرح تساؤلا على اصحاب الفريق الثاني , وهو على ماذا استند الفريق الثاني في اعتقاده بالسقوط الامريكي المبكر , من ثم نناقش الاسس التي بنى عليها اعتقاده .

 

التاريخ البشري شاهد على تكون الدول والامبراطوريات الكبرى التي امتد نفوذها وتعاضمت قوتها ومن ثم اخذ الترهل والفساد ينخر في انحاءها حتى انهارت وتفككت اوقامت على انقاضها دول فتية اخرى لتبدأ من جديد دورة الحياة والموت, مثل الحضارة الفرعونية وحضارات سومر واكد واشور وفارس ثم الدولتين الاموية والعباسية ثم العثمانية وفي العصر الحديث لدينا الامبراطورية البريطانية التي لم تكن تغيب عنها الشمس والمانيا الهتلرية والاتحاد السوفيتي اذن متى ستنهار الولايات المتحده الامريكية وتتشرذم او تختفي من الوجود؟ وما هي السيناريوهات المحتملة لهذا الانهيار؟ امريكا نشأت قبل اقل من قرنين ونصف ونمت وتوسعت واصبحت الدولة الاقوى في العالم عسكريا واقتصاديا فهل آن اوان انهيارها؟ ومتى ستنهار؟ امريكا الان ليست في افضل حالاتها , ليست اقوى من قبل , قوتها في افول, لم تعد تستطيع ان تحارب على عدة جبهات أوان تشن حربين في مكانين مختلفين في آن معا وبالامكان ملاحظة كيف غرزت قدمي امريكا في وحلي العراق وافغانستان حتى اصبحت ايران تصرح علانية بان امريكا لا تملك الجيوش ولا الموارد الكافية لمهاجمتها , امريكا الان الاضعف اقتصاديا في كل تاريخها فمتى ستنهار؟  فهل انتهى العصر الأمريكي قبل أن يبدأ فعلا ما أسماه المجرم بوش وأعوانه قبل سبع سنوات فقط بالقرن الأمريكي الجديد؟, ففي عام 1992م، أصدر فرانسيس فوكوياما (ياباني الأصل وأمريكي الجنسية كتابًا بعنوان نهاية التاريخ والإنسان الأخير، لقي ذيوعًا وانتشارًا من طرف الساسة والمثقفين، وفكرة الكتاب الجوهرية أن الصراعات الأيديولوجية وما يتبعها من جوانب اقتصادية (النظام الرأسمالي) واجتماعية وثقافية.. في العالم ستتلاشى لصالح النظام الليبرالي، وبذاك يبلغ التاريخ نهايته... والسؤال المطروح: هل فعلا وصل التاريخ إلى سقف يستحيل الرجوع به إلى القهقرى، أو بداية نكوص هذه المرحلة والاستعداد لمولود إمبراطوري جديد يمحو آثار المجال الحيوي الأمريكي كما أقر فوكوياما بنفسه في حديث لجريدة (Le MONDE) الفرنسية؟.

 

لقد كانت بريطانيا إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس ، كما كان يتشدق كبار الجنرالات الإنجليز ، وكانت هذه الإمبراطورية هي التي ترسم سياسيات العالم ، وتضع المعايير لكل ما هو مسموح وغير مسموح به في السياسة الدولية ، وإفراز الكيان الصهيوني واغتصاب فلسطين جاء بناء على وعد من  بلفور وزير خارجية بريطانيا إبان الحرب العالمية الأولى ، وكل التقسيمات الحدودية بين الدول التي حازت استقلالها كان بتدبير من قسم الحدود السياسية في وزارة الخارجية ... واتفاقية سايكس بيكو ونشؤء خارطة الشرق الاوسط التي هي قائمة اليوم كان لبريطانيا العظمى دور كبير في رسمه وتخطيطه وتنفيذه, وما من خلاف سياسي اعتصر واستنزف التكتل الدولي في تلك الأيام إلا وكان لبريطانيا العظمى دور ما في توجيهه وحسم خياراته . ولكن الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية كانتا قد استنزفتا الكثير من طاقات تلك الإمبراطورية، ومع أن تكاليف الحربين استحصلت بغالبيتها من المستعمرات البريطانية، وخاصة في مجال التموين الحربي الغذائي بل والبشري في كثير من الأحيان إلا أن استنزاف الموارد كان له دور في تقليص النفوذ المالي البريطاني الذي وجه كل إمكانياته نحو الطاقة الحربية ، ومثل هذا يقال عن المارد الألماني الذي ظهر على حين غفلة من الاستعمار البريطاني ، فقد تعاظم دوره وتفاقم إلى أن اندحر هو أيضا إثر الاستهلاك النازي لموارد ألمانيا في حرب لا هدف من ورائها إلا انتزاع النفوذ من الغير.  

 

لقد كانت الطاقة منحصرة في الفحم الحجري آنذاك ، وكانت بريطانيا صاحبة أكثر مناجم الفحم الحجري إنتاجا في أوروبا وآسيا وأفريقيا، وسيطرت بريطانيا على كثير من المراكز التجارية ومعابر الاقتصاد المهمة سواء البحرية والبرية ، ولم يكن للطيران الجوي نفوذ ذو بال مثل هذه الأيام … مع ذلك كله عجزت حكومة تشرشل أن تجمع بين نصر الحرب العالمية الثانية على ألمانيا ، وبين الصمود أمام حالة الكساد العالمي التي قضت على كل طموحات الحكومات الأوروبية في إنقاذ ما تبقى من ويلات الحرب الكونية ، مما جعل أوروبا لا تتورع عن طلب العون من المارد الصغير الذي خرج من قمقمه منذ قليل ، ألا وهو الولايات المتحدة الأمريكية التي ما دخلت في تجمع التحالف إلا عندما دمر اليابانيون الأسطول البحري لأمريكا في بيرل هاربر ، مما شجع الكونجرس على اتخاذ قرار الحرب بشجاعة لم تكن معهودة في السياسة الأمريكية منذ استقلت أمريكا عن بريطانيا في القرن الثامن عشر الميلادي .  من كل ما سبق يمكننا أن نستعرض الوضع الراهن الذي تمر به الإمبراطورية الأمريكية متمثلة في كل ما هو أمريكي ، بداية بالاقتصاد وانتهاء بالأوضاع الاجتماعية الداخلية.

 

بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، علق كاتب ومفكر دانماركي من المتعصبين للفكر الرأسمالي، بشيء من الذهول، وبنبرة استشعرت خطراً على تحالف الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، عندما قال ((... من نحن؟ وماذا سيكون مصيرنا إذا لم يكن ثمة عدو الشيوعية نتوحد في مواجهته؟...)), لقد جاءت التساؤلات المتوجسة للمفكر الدانماركي مستشرفة مأزق الرأسمالية ومشروعها الامبريالي، فيما ظن كثيرون ان العالم ستقوده سفينة واحدة في بحر بلا موج ولا أنواء، لنجد أن الولايات المتحدة غارقة الآن في أكثر من مستنقع، فبجانب أزماتها المالية، تواجه الولايات المتحدة بداية تحرر الدول اللاتينية من أنظمة ديكتاتورية نصبتها في زمن صراع القطبين، وتواجه تنامي دول الممانعة في الشرق الاوسط، وتواجه اكثر من مأزق في العراق وأفغانستان، وتواجه خوفاً متحكماً على أرضها من عمليات إرهابية، دفعت الكثيرين من الأمريكيين لطرح السؤال الآتي(( لماذا يكرهوننا؟)),


ان الحاجة الماسة والمستمرة إلى عدو يبرر حضور امريكا وسيادتها على العالم، هي التي دفعتها لتظهير الإرهاب على أنه صنيعة التطرف الاسلامي، فكانت القفاعدة كصناعة امريكية صرفة وكانت هجمات الحادي عشر من ايلول على نيويورك استفادت منها أمريكا لتقود حملتها ضد الارهاب، ولتسوّق فيما بعد احتلالها لأفغانستان والعراق.

 

لا يشك أحد أن اقتصاد الولايات المتحدة اقتصاد ضخم وخرافي وأمريكا تستمد جزءاً كبيراً من تفوقها وقوتها وإمبراطوريتها من ضخامة وقوة هذا الاقتصاد ؛ وبالتالي فإن أية هزة أو ضعف أو انهيار في هذا الاقتصاد يعني اهتزاز وضعف وانهيار الإمبراطورية كلها .‏ والاقتصاد الأمريكي وبإجماع الخبراء الاقتصاديين أخذ يعاني في العقد الأخير من ضعف وعجز خطير ، ويعود السبب في ذلك إلى حالة التمدد الفرعوني التي عملت باتجاهه القوة العسكرية الأمريكية في كل قارات المعمورة ، وحالة التمدد الاستعماري التي يراد منها فرض الأجندة  الاستراتيجية الأمريكية بالقوة والإكراه ، ستحتاج إلى إنفاق مالي كبير ؛ وبمقارنة بسيطة لقيم الإنفاق العسكري لعام 2004 و لامريكا نجد انها بلغت ( 600 مليار دولار ) مقابل ( 65 مليار دولار ) لروسيا ، و( 47 ) مليار دولار للصين أما اليابان فقد بلغ إنفاقها(30,4) مليار دولار و( 35,4 ) مليار دولار لبريطانيا و( 33,6 ) مليار دولار لفرنسا وبحسبة بسيطة نجد أن إنفاقها العسكري يفوق بثلاث اضعاف هذه الدول مجتمعة ، وهي مضطرة لذلك حتى تحافظ على تفوقها العسكري لتبقى قوة الوحيدة العظمى ، وهذا أشبه بالمقامرة الاقتصادية ، لأن بقاء حالة التفوق العسكري ؛ والبذخ غير المحسوب عليه ؛ سيصل بها إلى الوقوع في الفخ الذي وقع فيه الاتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة ، حيث دخل في سباق تسلح مع الولايات المتحدة أرهقه كثيراً ، وأثر سلباً على مجالات داخلية حيوية كثيرة أدى فيما بعد إلى أنه خسر ثقة مواطنه به ؛ مما أدى إلى ضعف الإيمان بالإيديولوجية الشيوعية ؛ حتى وصل الأمر في نهايته إلى تفكك وسقوط الإمبراطورية السوفيتية .‏

 

الخبيران الاقتصاديان ( إيريش فولات و جيرهارد شيرول ) تحدثا في دراسة نُشرت لهما في الـ(دير شبيغل ) الألمانية الشهيرة عدد كانون الأول 2003 عن انهيار الإمبراطورية الأمريكية ، ولقد بنى كل منهما في تلك الدراسة توقعاته على عوامل اقتصادية بحتة . فقد تحدثا عن العجز الحاصل في الاقتصاد الأمريكي ، والآخذ بالازدياد سنة بعد سنة بشكل مخيف ، وبناءً على ذلك فإنهما توقعا أن يرتفع العجز الاقتصادي في عشر السنوات القادمة من ( 500 ) مليار دولار في عام 2003 إلى ( 1800 مليار دولار ), (( وقد صدقت توقعاتهما حيث ارتفع العجز الاقتصادي الامريكي الى ثلاثة ترليون دولار مؤخرا)), وبضعف العامل الاقتصادي الداعم لبقاء الإمبراطوريات أصلاً ؛ سيتقلص نفوذ الإمبراطورية الأمريكية خارجياً ، وستصاب بأزمات داخلية خانقة ؛ قد تحاول التغطية عليها بحروب محدودة خارجياً مما يؤدي إلى فقدان ثقة الشعب فيها ؛ وسيصل بها الأمر إلى الانهيار .‏ وبيَّن نعوم تشومسكي أن الأنفاق المتزايد على العسكرة سيؤدي إلى خلل خطير في البرامج الاجتماعية فقال : الجانب المتشدد لمذكرة الأمن القومي رقم 68 تاريخ 1950 يستلزم تضحية والتزاماً بمعنى آخر : إنفاقاً عسكرياً هائلاً وخفضاً في البرامج الاجتماعية ،وسيكون من الضروري أيضاً تقليص التسامح الذي سيجلب اختلافاً داخلياً أكثر من اللازم‏ ,ويؤكد حسنين هيكل أن الاقتصاد الأمريكي يعاني من انهيار واضح لا يمكن أن يُخبأ حيث قال : الاقتصاد الأمريكي بدأ يتآكل ويتناقص ؛ فقد خرجت أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية ولديها من الذهب ( 37 ) ألف طن كاحتياطي وفي عام 2004 لم يبق منه إلا ( 7 ) آلاف طن . والمجتمع الأمريكي مهدد بانفلات أمني خصوصاً إذا علمنا أن هناك قرابة ( 200 ) مليون قطعة سلاح موجودة بين أيدي الشباب وحتى الأطفال ، والجريمة المنظمة آخذة بالارتفاع ، وهذه القضايا تحتاج إلى إنفاق كبير لمحاولة ضبطها .‏ واليوم نشهد تدهوراً للاقتصاد الأمريكي نتيجة سياسة الولايات المتحدة الاستكبارية ؛ التي ترى أن القوة هي السبيل الوحيد لحل كل أزماتها الخارجية ، والإدارة الأمريكية لا ترى سبيلاً لحل أزماتها في العالم إلا بالقانون التي نشأت عليه والمتمثل بالقوة هي الحق ، وهذا سيزيد الأمور تعقيداً ، وسيجعل الإدارة الأمريكية تستنزف قدراتها الاقتصادية في حروب غير أخلاقية ولا قانونية ؛ يرفضها الرأي العام العالمي .‏

 

يقول ديفيد وركر كبير مفتشي الحكومة الأمريكية، وهو الممسك بالملف الوطني الأمريكي كله.. ((...إن الولايات المتحدة الأمريكية تقف الآن على حافة الهاوية، وذلك في صورة سياسات وممارسات لا تطيقها البلاد, تسببت في العجز الشديد في الميزانية، والنقص الحاد في الرعاية الصحية، وتزايد التزاماتها العسكرية الخارجية مما يهدد باندلاع أزمة طاحنة.. إن وضع البلاد يشبه وضع روما القديمة قبل احتراقها وانهيارها. فعلى مدى أكثر من نصف قرن، كان الدولار الأمريكي قويا لأنه كان يمثل 40% من الناتج الاقتصادي العالمي. اما الآن فقد تغير الحال، إذ لا يمثل الاقتصاد الأمريكي اليوم إلا 10% من الناتج الاقتصادي العالمي...)), اما الخبير الفرنسي (إيمانويل تود) في كتابه (ما بعد الإمبراطورية) يقول فيه ((...إن الولايات المتحدة أصبحت مشكلة بالنسبة للعالم، بعد أن كنا نراها تقدم الحل لمشاكله، وكانت تضمن الحرية السياسية والنظام الاقتصادي خلال نصف قرن مضى، أما اليوم فقد بدأت تظهر كعامل فوضى.. فهي تستفز اليوم دولاً كالصين وروسيا، وتحتم على العالم أن يعترف بأن هناك دولاً تمثل محوراً للشر، وتضع حلفاءها في موقف حرج باستهدافها المناطق المجاورة لهم التي لهم فيها مصالح حيوية كاليابانيين والأوربيين.‏..)), فماذا جرى للاقتصاد الامريكي؟ هل يمكن لاقتصاد أعظم أمة في كل مواردها وأمكاناتها أن تجد نفسها بين ليلة وضحاها تعيش كارثة اقتصادية؟ وما هو المعلن والمعروف من أدوات وقنوات أستنزاف للاقتصاد الامريكي جرى التعامل معها بغباء ومكابرة وبيروقراطية وانانية مفرطة من قبل الادارة الامريكية؟؟..

 

مؤشرات الانحدار الامريكي

 

1ـ  كلفة الحرب

 فحتى كانون الأول عام 2009م بلغت التكاليف حوالي ثلاثة تريليون دولار وفقًا للأرقام الرسمية الأمريكية. أما مكتب الميزانية التابع للكونغرس فقدر هذه التكلفة بـ24 تريليون دولار على المدى الطويل منها 19 تريليون من أموال دافعي الضرائب. والتكاليف في ازدياد مستمر بسبب التضخم العالمي.

 

الهزيمة النفسية للجيش الأمريكي

في تقرير نشرته وكالة رويترز في 15 من اذار 2008 عن مسح أجراه الجيش الأمريكي، جاء فيه أن أكثر من جندي من بين كل أربعة جنود أمريكيين في مدة خدمتهم الثالثة أو الرابعة يعانون اضطرابات في الصحة العقلية، كما أشار التقرير إلى ارتفاع نسبة الطلاق بين الجنود، وأن نسبة الاضطرابات في العلاقات الزوجية للجنود وصلت إلى 85% منذ اجتياح العراق. وأشار تقرير نشرته وكالة الأنباء الفرنسية في 19 من اذار  إلى أن عدد الجنود الذين يعانون آثارًا نفسية عميقة منذ بداية الحرب على العراق وحتى الآن، بلغ أكثر من مليون جندي، وقد سعى كثير منهم إلى الانتحار. وحسب دراسة أعدها مركز نيو أمريكان سيكيورتي على عينة من الضباط الأمريكيين، فإن 60% من ضباط الجيش يرون أن الجيش الأمريكي اليوم أضعف مما كان عليه قبل خمسة أعوام.. إن الهزيمة الحقيقية للجيوش ليست الهزيمة العسكرية، فكم من جيوش هزمت عسكريا ثم استعادت قوتها ومجدها وحولت الهزائم إلى انتصارات، لكن الهزائم النفسية للجيوش لا يمكن إلا أن تصنع هزائم عسكرية متتالية تقود في النهاية إلى نهاية دولها، يبدو أن الولايات المتحدة تسير على هذا الطريق

 

3ـ ظهور قوى دولية منافسة

وإذا كانت الولايات المتحدة الممثل الأول على المسرح العالمي ,فإنه في المقابل، هناك أخطبوط يعمل في صمت ودهاء، وهو الممثل الصيني الذي يتأكد كل يوم وجوده الاقتصادي الفاعل على المسرح العالمي كله، بل إن وجوده العسكري بدأ هو أيضا يتحرك وراء وجوده الاقتصاد, وإلى الشرق من الصين وإلى الغرب من الولايات المتحدة الأمريكية نفسها يوجد ممثل آخر هو اليابان التي خرجت من الحرب العالمية الثانية مدمرة اقتصاديا ومعنويا، وأصبحت الآن بعد نصف قرن من الزمان قوة اقتصادية جبارة تؤثر في موازين القوى في العالم تأثيرًا غير قليل.  وإذا تركنا الشرق، واتجهنا نحو الغرب، سنجد قوتين أخريين بازغتين, الاتحاد الأوربي الذي يعرف تطورًا متناميا ومذهلا وتزايدًا في عدد أعضائه (27 عضوا بعد انضمام رومانيا وبلغاريا في سنة 2007م)، ولعل الإشارة الأكثر وضوحا والتي لا تحتمل المراوغة ما دعت إليه المستشارة الألمانية ميركل، من ضرورة التفكير في إحداث جيش أوربي مشترك وروسيا، التي بدأت تصحو من جديد. وكل منهما الاتحاد الأوربي وروسيا يمثل قوة اقتصادية وثقافية وعسكرية وأيضًا على المسرح العالمي لا يستهان بها.  وكذلك، على نحو أقل، علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بكثير من دول العالم الثالث.


4ـ أمريكا والخشية من إمكانية الاستمرار

مع كل الإمكانات التي تحظى بها الولايات المتحدة اليوم والتي جعلت منها قطبًا أحاديًّا منفردًا يتربع على عرش الكرة الأرضية، إلا أنها ما زالت تستشعر أن لديها الكثير من النقص الذي يهدد بقاءها واستمرارها ضمن هذا الوضع الحالي، وهذا الشك في إمكانات الاستمرار والبقاء السياسي القوي والفاعل لا يحمله أولئك الذين يكرهون أمريكا ويتمنون زوالها فحسب، بل هو يسري حتى في عروق أولئك الذين ساعدوا بكل ثقل في رسم سياسات أمريكا على مدى عقود من الزمن، ففي كتاب (رقعة الشطرنج الكبرى) يفصح زبغنيو بريجنسكي عن هذا الهاجس الذي يجعله لا يرتقي بطموحه لبقاء أمريكا حتى لأكثر من جيل واحد، إذ يقول ((...لسوء الحظ كانت الجهود المبذولة من أجل تحديد هدف مركزي وعالمي جديد للولايات المتحدة، منذ نهاية الحرب الباردة وإلى حد الآن، ذات بعد واحد. فقد أخفقت في ربط الحاجة إلى تحسين الوضع الإنساني بضرورة المحافظة على مركزية القوة الأمريكية في الشئون العالمية..))..

 

مؤشرات اخرى  ارتبطت بسلسلة من الأخبار والمواقف والتصريحات، فيمكن رؤيتها على سبيل المثال دون الحصر انه لم يسبق في سنوات احتلال امريكا للعراق والى الان أن صدر عن أحد من المسئولين الأمريكيين موقف مشابه لموقف وزير الدفاع الأمريكي الآن وهو يعلن العجز عن إرسال مزيد من القوات إلى أفغانستان ويظهر مغزى هذا الموقف عند التذكير بصدوره بعد أيام معدودة من إعلان المجرم بوش الابن نفسه عن إرسال المزيد من القوات قبل نهاية ولايته وكذلك بصدوره متزامنا مع إعلان جهات رسمية غربية أخرى، كالمعارضة السياسية الفرنسية، أن طالبان تسيطر مجددا على أكثر من نصف الأراضي الأفغانية. كما لم يسبق أن واجهت الولايات المتحدة الأمريكية تحديا مباشرا من دول صغيرة كما واجهت بطرد سفيرها من بلد بحجم بوليفيا، وطرد الآخر من فنزويلا لمجرد التضامن الاستعراضي مع بوليفيا. ولم يسبق أن وقف وزير مالية في دولة حليفة مرتبطة ارتباطا غربيا وثيقا بالدولة الأمريكية، كما صنع وزير المالية الألماني شتاينبروك، ليقول في بيان حكومي رسمي وليس في تصريح عابر،((... إن الولايات المتحدة الأمريكية ستخسر تدريجيا مكانتها كدولة عظمى على الصعيد المالي، وإن الدولار الأمريكي سيفقد مكانته يوما بعد يوم أكثر مما مضى، وإن الحكومة الأمريكية ارتكبت أخطاء فاحشة في سياساتها الاقتصادية والمالية...)), وهنا كان وكان وزير المالية الألماني بالغ الدقة في صياغة عباراته الآنفة الذكر، فلم يقل (انهارت الولايات المتحدة الأمريكية ماليا) بل ذكر بوضوح أنَّها ستفقد سيطرتها المالية العالمية.. تدريجيا، وهو ما يعني أنها ستبقى قوة مالية قائمة، ولكن لن تستطيع بعد اليوم امتصاص ثروات الآخرين لصالح اقتصادها ورفاهية المعيشة فيها، ثم لتوظيف ذلك لمزيد من السيطرة، وهذا بالذات ما يعنيه تصدّع أحد الأعمدة الثلاثة لوجود الإمبراطورية الأمريكية عبر عشرات السنين الماضية، وهو تصدع علني لا يخفى على أحد.

 

ان الأحتلال الأمريكي للعراق وبغطاء دولي يعتبر سابقة خطيرة في القانون الدولي والسياسي والأقتصادي فاليوم بات واضحا بالرغم من أستمرار الأحتلال الامريكي الصهيوصفوي من ان هناك معادلة ذو طرفان الطرف الاول هو امريكا ومعها  المجتمع الدولي المخدوع من قبلها لدفعه لمشاركتها اللعبة القذرة في العراق، والطرف الآخر من المعادلة هي المقاومة العراقية الحرة الباسلة ,تلك المقاومة التي أستعانت بأبسط الأسلحة لتقابل أعتى قوة عسكرية في العالم، وجوبهت بأهمال شديد من الأخوة والأصدقاء، في وقت حرج كانت فيه بحاجة الى رصاصة أو كلمة حق تقال في تضحياتهم، تلك لن يراها الكثير اليوم بالرغم من وضوحها بسبب تداخل الأحداث والصورة المشوشة التي فرضها المحتل وعملائه. وعلى العالم كله، شعوبا وحكومات، ان يتعاملوا مع هذه الحقيقة المطلقة... حقيقة ان المقاومة العراقية البطلة قد اذهلت كل من كان يؤمن ويروج لامريكا على  انها اكبر واعظم من ان ينتصر عليهم العراق ومضى اكثر في الوهم حين تصرف على ان العراق قد سقط وان الغزو المجرم قد حقق غاياته واهدافه.

 

فمنذ المشهد الاول لاحتلال العراق عام 2003 الى المشهد الراهن الآن عام 2010, أي منذ يوم اعلان المجرم بوش من على احدى البارجات الامريكية بعد الاحتلال بوقت قصير بأن العمليات الحربية على العراق انتهت وكانت خلفه لافتة مكتوب فيها (المهمة انجزت  Mission accomplished ) ,الى ما جاء في خطاب اوباما الاخير والذي اعترف بأن الاحتفال بالنصر في العراق مازال مبكرا وايده بذلك (غيتس)و وزير دفاعه ووزير دفاع بوش السابق ايضا ,  يتأكد لنا حقيقة بيضاء ناصعة لاغبار عليها من ان, الانهيار الاقتصادي الامريكي المروع ما زال مستمرا ومازال يجر الامبريالية الامريكية الى هاوية التفتت والموت التام باذن الله.

 

يقول باتريك بوكانن  الذي كان مستشاراً لثلاثة رؤساء أميركيين و كان ايضا مرشحا لرئاسة الجمهورية في الولايات المتحدة, في كتابه (موت الغرب The Death of the West  ) مايشير الى ان الغرب يتجه وبقوة نحو الموت والنهاية من خلال مؤشرات منها , انخفاض معدلات المواليد ،وذوبان العائلة واندثارها كوحدة اجتماعية، وعزوف النساء عن الحياة الطبيعية التقليدية مثل الزواج وانجاب الاطفال ورعايتهم، وعزوف الشباب عن مؤسسة الزواج، وشيوع الجنس واللواط والحماية القانونية لهذه النزعات غير السوية، يقابل هذا نمو المجتمعات في العالم الثالث وخاصة الاسلامية منها حجما وكيانا ، وتشكيلهم كينونة ثقافية مغايرة للكينونة الغربية ومتحديه لها .

 

ختاما اقول هل يوجد دولة في العالم استمرت الى الابد ؟ طبعا لا فاذا ان تساؤلاتي في محلها ولكن التوقيت نتركه للزمن ومن لا يعرف ماذا يجري داخل امريكا لا يعرف الحقيقة الكاملة وخصوصا اذا تتبعنا الانهيار في اسعار البورصة الذي اذهل المراقبين وبدون اي سبب وجيه فان هذا هو احد اسباب انهيار او تراجع الدول العظمى لتصبح في النهاية دول عادية.  ويبقى هناك  سؤال اخر, هل الأجيال الحالية في مختلف بقاع العالم ستعيش هذا السقوط على المباشر أم أن أجيالا أخرى مستقبلية هي التي ستصنع الحدث وتشاهد سقوط ورثة صقور أمريكا على المباشر؟ التاريخ وحده هو الكفيل بالإجابة الحتمية ومن يشك في هذا عليه أن يسأل نفسه الأسئلة التالية ليقتنع, أين العظماء والحكماء أين الامبراطوريات والممالك , أين النظم والحكومات ,أين الملوك والرؤساء سواء الذين عاثوا في الأرض فسادا أو سواء الذين أقاموا فيها صلاحا؟ كم لبثوا من عقود يحكمون ويتسلطون على رقاب الناس أو ينصفون المظلوم ويقهرون الظالم؟ أما بالنسبة لسقوط أمريكا، فالأكيد ان امريكا ستنحدر نحو الهاوية, ربما خلال عقد من الزمان، يزيد أو ينقص، ولكن ليس لأن أحداً حلم بذلك، بل لانها زادت في العالم فسادا واستكبرت وظلمت , لانها جابهت في العراق مقاومة مقدسة مؤمنة جاهدت وما زالت تجاهد لتحرير العراق الذي سيتم في القريب العاجل وسيكون تحرير العراق المسمار الاخير في نعش الامبراطورية الامريكية.

 

عاش العراق حرا عربيا ابد الدهر

عاشت المقاومة العراقية الباسلة بجميع صنوفها وبجميع فصائلها وبجميع مسمياتها

المجد والخلود لشهداء العراق وفي مقدمتهم شهيد الحج الاكبر صدام حسين رحمه الله

الحرية لاسى العراق الابطال في سجون الاحتلال الامريكي الصهيوصفوي

 

 





الجمعة٢٩ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٨ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل ابراهيم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة