شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد الغزو واجتياح بغداد مباشرة ، وفي سفارتنا في مصر، حيث انقطع الاتصال مع بغداد، كنا – نحن الموظفين – نتساءل مع انفسنا وفيما بيننا : هل نجلس في بيوتنا ؟ أم نستمر في الحضور الى السفارة؟ ولم تطل حيرتنا .. أمسك السفير د. محسن خليل بزمام الموقف كالعادة، وطلب منا ان نستمر في العمل. اخترع لنا عملا. كان يعقد لنا اجتماعات ويطلب من كل منا ان يقدم تحليلا للاحداث ومايتوقعه في المستقبل. كانت المرة الأولى في عمر سفارتنا التي يجتمع فيها الجميع : الموظفون الكبار مع الصغار على طاولة واحدة لتبادل الرأي. أصبح هذا نشاطنا اليومي حتى جاء اليوم الذي ذهب بعضنا الى بيوتهم واستمر البعض في خدمة الاحتلال.


وكأن ذلك كان اشارة الانطلاق ليبدأ الدكتور محسن خليل مرحلة جديدة من النضال . أشرع فكره وقلمه يحارب بهما احتلال بلاده. كنا نجده في اول صفوف الندوات والمؤتمرات المناهضة للاحتلال داخل القاهرة وخارجها . كان يكتب عمودا صحفيا كل اسبوع ومقالات هنا وهناك . كانت كتاباته زاخرة بالمعلومة والتحليل.
مرة سألته : لماذا لا تجمع مقالاتك في كتاب؟


وظل السؤال معلقا، وقد ازاحه بكلمات لم تقنعني ، ولكني خرجت يومها بانطباع انه كان زاهدا في مجد شخصي كما نظن نحن الكتاب أنه لن يتحقق الا اذا وضعنا اسماءنا على غلاف كتاب. ولكن المجد الحقيقي ان تضع اسمك على شغاف القلوب.


في بيته كان كريما ، مضيافا، يقصده من يريد جوابا لسؤال يشغله، او من يريد ان يستمع الى حديث شجي او يدخل في نقاش ثري، أو من يريد ان يحتفل بذكرى من ذكريات الوطن، كنا نقصد ذلك البيت الذي اصبح الوطن الصغير في قلب القاهرة.


بعد أن غزاه المرض، كان عليه حينها أن يقاوم احتلالين: في وطنه وجسده. وقد أبلى بلاء جيدا في المقاومة على الجبهتين، وفي النهاية ، استطاع أن يهزم الاحتلالين بالعبور الى حياة حرة طليقة.


كان الأخ وكان الأب .. كان الطود المتين الذي نرتكن اليه، كان الوطن في غربتنا حيث يكون كل شيء على مايرام طالما كان موجودا. كان الدكتور محسن خليل هذا النوع من الرجال. النوع الذي لو لم يكن عراقيا نباهي به الآخرين لتمنينا أن يكون عراقيا . كان دمث الاخلاق، لطيف المعشر، قليل الكلام الا بما ينفع، صحيح الحجة ، مثقفا، رزينا، راسخا على مبادئه، متواضعا مع الناس صغيرهم وكبيرهم، وفي نفس الوقت شامخا بكبرياء العراق. هذا النوع من الرجال .. لا يموت.

 

 





الثلاثاء٠٤ ذي القعدة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٢ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب بثينة الناصري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة