شبكة ذي قار
عـاجـل










يجب ان نعرف بان الانحطاط الذي بدأ منذ مئات السنين والذي أدى أخيرا إلى دخول الاستعمار الغربي ببلادنا لا يجوز أن يفسره عاملان فقط:

1- عامل خارجي.
2- عامل داخلي.


بل تفسيره الحق هو بوجود العاملين معاً. أولاً منا نحن فنحن مسئولون عنه. وثانياً بقوة خارجية معتدية استطاعت ان تدخل وتستغل الضعف الداخلي وان تضخمه وتستغله إلى ابعد الحدود وهذا شأن الاستعمار الغربي فانه استخدم كل علمه الحديث ووسائله الحديثة لا ليقتصر على الاحتلال العسكري وفرض سلطته بالقوة والإرهاب فحسب بل ليدخل كالسم في جسمنا القومي ويستفيد من الأمراض الداخلية يضاعفها إضعافا وهكذا حاول أن يفرق اشد الفرقة بين أبناء الوطن الواحد ليس بين قطر وآخر فحسب بل بين الطوائف ومختلف الفئات وخلق نعرات وعصبيات ومفاسد لانحلال الأخلاق وتدهور القيم. فأمة يمر عليها كل هذا إما أن يقضى عليها نهائيا تحت الكابوس و تحت ثقل الوطأة الاستعمارية فتتلاشى. وإما أن يكون فيها من مقومات الحياة ومن مقومات البعث ما يسمح لها بأن تنتفض وتتغلب على كل هذا وتخرج بثورة جديدة تستفيد من كل هذه المصائب والآلام لتقدم إلى الإنسانية تجربة جديدة عميقة. والشيء الثاني هو الذي حدث. إذ أن أمتنا العربية لم تمت بل انتفضت وكانت هذه المآسي والمحن بمثابة الحافز لها والعامل المخصب.. أخصبت روحها وحركتها ودفعتها إلى مزيد من التعمق والصدق فبدأت تحاسب نفسها في الوقت الذي بدأت فيه تحاسب أعداءها. كان واضحا منذ ذلك الحين أن أهم الأشياء وأقدس الأمور بدأت تطرح على النفس العربية وتوضع موضع التساؤل فهذا إن عنى شيئاً فيعني الثورة الأصيلة. ثم فعل الوعي الجديد فعله في الشعب وبدأنا بالصعود بعد التدهور والانحدار ودخل العرب مرحله جديدة وأصبح لهم شأن في العالم وما زالوا في بداية الطريق .

 

إن الواقع العربي يشير إلى أن في شعبنا العربي إمكانيات هائلة لم يستثمر منها بعد إلا الجزء اليسير وان نهضتنا لازالت مخضرمة بين القديم والحديث، بين التطور والثورة، وإنها لم تتسم بعد بالثورية الكاملة ونحن لو استسلمنا لهذا الانخداع والوهم المريح بأننا عملنا ما يجب وأكثر مما يجب فسيأتي يوم يصفى فيه الاستعمار -وليس هذا ببعيد- ليس بفعلنا فحسب وإنما بفعل شعوب الأرض كلها وعندما يزول الاستعمار نخشى أن نفتح عيوننا على فراغ أو ما يشبهه الفراغ، على لا شيء حققناه. إن التاريخ معنا والعصر والحق. فيجب أن نكون نحن مع الحق والتاريخ، أي أن نبذل أعمق الجهد والإرادة وصدق النظر لنستحق أن يكون الحق في جانبنا.


فالثورة الأصيلة هي التي تتميز أولا بالايجابية، بثقة بالنفس ولا تكتفي برد الفعل بان نصوب أنظارنا دوماً نحو الأعداء ونعدد مساوئهم وحقارتهم وإثمهم. الثورة الأصيلة هي التي تنظر في آن واحد وأولاً إلى نفسها باعتبار إن هذا هو الأساس والحقيقة الكبرى وان الاستعمار والأشياء الخارجية هي نتيجة لضعف الداخل.


هذه الثورة في أصالتها تشترط علينا أن نطبق على أنفسنا نفس القيم والمقاييس التي ندين بها الظلم الخارجي، والاستعمار الخارجي، نفس القيم التي ندعو بها شعوب العالم لتساعدنا. يجب أن نستلهمها لكي تهدم ما يجب أن يهدم من واقعنا وفي رفع بناء جديد.


فالشبه بيننا وبين الغرب في الواقع ضعيف جداً أو غير موجود. فالغرب لم يمر بما مررنا به من مآسي وآلام ومن خضوع للاستعمار والتجزئة.. الخ.. فالحركات القومية الغربية نشأت في ظروف مختلفة مصحوبة بالطموح واكتشاف ثروات جديدة واكتشاف العلم الحديث بقوانينه فأصيبت منذ ولادتها بأمراض التوسع والسيطرة. ولكن حركتنا القومية نشأت كأعمق جواب إنساني على ظلم الإنسان للإنسان.. على المصير الإنساني بكامله. نشأت ثمرة ناضجة لكل هذه الآلام التي عانيناها بأنفسنا وكأننا عانيناها نيابة عن شعوب الأرض كلها فالاحتمال ضعيف بأن ننتهي إلى حيث انتهى الغرب.


هناك حقيقة إن اغفلناها فإننا لن ندرك معنى الثورة والثورية وهذه الحقيقة هي أن الحياة شيء متصل، فالمستقبل يولد من الحاضر ومستقبلنا القريب والبعيد ماثل تحت بصرنا وبين أيدينا نصنعه ونعجنه بأفعالنا وتصرفاتنا وتفكيرنا وانه كائن كالبلور وسينضج ويكتمل مع الزمن. فلننظر ملامح مستقبلنا في حاضرنا.. ننظر إلى أي مدى نخلص لمبادئنا الثورية ليس بالكلام والتصريحات والكتابة وإنما في التطبيق والدراسة. كيف نعامل الشعب وباعترافنا هو المبدأ والغاية والأساس والركيزة الوحيدة، له نعمل وبه نعمل لأنه هو الذي يناضل وهو الذي يبني. كيف نربي هذا الشعب ونحترمه ونحترم إرادته وحريته؟.. هل نعامله معاملة القاصر.. هل نجامله بالكلام ونحتقره في أعماق نفوسنا؟.. هل نتودد له بالظاهر ونخاف منه بالحقيقة ؟ كيف نربيه لكي يصبح مسئولا ولكي يحمي هذه الثورة لأنها ثورته.. والقيادات تتغير وتزول ولكن الشعب يبقى فإن لم تُستغل هذه القيم والمثل لخدمة واقع الشعب الثوري ولم تصبح جزءاً من دمه ولحمه وإذا لم تصبح شيئاً أصيلا فيه فلن يحمي ثورتنا شيء وسوف تفشل ويعود علينا الاستعمار إلى أمد ما، لأننا لم نحرص على ثورتنا ولم نخلص لمبادئنا وأهملنا شعبنا الذي هو وسيلة الثورة وغايتها.

 

 





الجمعة٠٧ ذي القعدة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٥/ تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زيد احمد الربيعي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة