شبكة ذي قار
عـاجـل










 

ننشر في ادناه نص الرأي الشرعي الذي ادلى به فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتورعبد الحكيم عبد الرحمن السعدي أستاذ اصول الفقه - بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة قطر حول الدعوات الطائفية المشبوهة التي تروج لتقسيم العراق تحت واجهات واعذار شتى لتلتقي مع المخطط الاستعماري الصهيوني الصفوي الرامي الى تفتيت وانهاك وانهاء أمة العرب والمسلمين وفي المقدمة منهم العراق واهله. وفيما يأتي نص رأي العلامة السعدي:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

رأي في الدعوات المشبوهة لتقسيم العراق

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :-

فقد كتبت قبل فترة بحثاً في مدى مشروعية وضع الحدود الفاصلة بين الدول الإسلامية وعدم مشروعيتها خلصت فيه إلى أن الأصل في الشريعة الإسلامية أن الدولة الإسلامية دولة واحدة يجب توحديها تحت مظلة الحكم الإسلامي ولا يجوز جعلها دولاً إلا بقدر ما تتطلبه ظروف العيش والضبط الأمني والإداري والاقتصادي لكن بشرط أن تبقي مرجعيتها واحدة وقيادتها واحدة.

 

لكن شاءت إرادة الله أن لا يتحقق ذلك للأمة لعوامل متعددة في مقدمتها تخطيط أعدائها لها إذ لا يروق لهم أن تكون للمسلمين دولة واحدة لها شخصيتها وتمتلك قرارها وقوتها وسيادتها فأصبحت دولاً متعددة.

 

والسؤال الذي يطرح الآن :-

هل يجوز لهذه الدول أن تـُقسّم من جديد لتصبح الدولة الصغيرة الواحدة دويلات متعددة؟ كما هو الشأن فيما ينادي إليه أذناب المستعمرين المحتلين تحت غطاء الفيدرالية أو أية مسميات أخرى؟

 

والإجابة على هذا السؤال واضحة تنحصر في قول واحد لا ثاني له وهو أن تقسيم الدولة الواحدة إلى دويلات حرام شرعاً وأن وحدة كل دولة واجب وأن من ينادي بخلاف ذلك آثم بل مرتكب لجريمة يستحق التعزير عليها شرعاً، هذا في حالة ما إذا كان التقسيم لمجرد التقسيم، أما إذا كان ذلك بدفع من عدو لإنهاك قدرة البلد أو تسهيل مهمة التمكن منه والسيطرة عليه والاستيلاء على ثرواته فإن ذلك يعد ردة يستحق الداعي إليها ما يستحقه المرتدون من عقاب، وذلك بناء على أن الإسلام أوجب علينا الدفاع عن الأرض والعرض بأدلة قطعية لا خلاف فيها ومعلوم أن من يفتي أو يدعو إلى أمر مخالف للنص القطعي مستحل له فإنه كافر مرتد عن دين الله.

والمؤسف جداً أنه ظهرت في الآونة الأخيرة دعوة لتقسيم العراق طائفياً بعد أن نادى بتقسيم العراق جغرافياً المحتلون له وأذنابهم. وكانت هذه الدعوة – أعني تقسيم العراق طائفياً – من قبل من تظاهر بالحرص على أهل السنة والمحافظة عليهم وإنقاذهم من براثن الشيعة (كما يدعي). وقد إقترح لهذه الدعوة توقيع ما أسماه (عقد اجتماعي بين السنة و الشيعة) في العراق يضع حداً فاصلاً بين المذهبين.

 

أقول : إن هذا الطرح أعني توقيع ما أسماه (عقد اجتماعي بين السنة والشيعة) يخفي وراءه ما يخفي مما يفهمه العقلاء والشرفاء من العراقيين، ويغمض عنه العينين الخونة والعملاء.

 

وأود أن أوضح لأصحاب هذه الطرح الخطير أن العراقيين شعب واحد من سنة إلى شيعة ومن عرب إلى أكراد ومن مسلمين إلى مسيحيين إلى باقي الطوائف الأخرى. ولم يعرف العراق على مدى تاريخه تنازعاً دينياً أو عرقياً إلا عندما دخله المحتلون الذين كان آخرهم الأمريكان والفرس عبر عملائهم المأجورين الذين تخلوا عن المبادئ وباعوا دينهم ووطنيتهم بثمن بخس للشيطان.

 

أما حقيقة واقع العراقيين على مدى التاريخ فإنهم كتبوا العقد الاجتماعي والسياسي والإداري والقانوني في كل مناحي حياتهم.

فقد كتبوا عقدهم الاجتماعي يوم أن قاموا سنة وشيعة بثورة العشرين ضد الانكليز والمستعمرين.

 

وكتبوا عقدهم الاجتماعي يوم أن تصاهر السني مع الشيعي وكذا العكس ولم تصدر فتوى من عملائهم بفساد هذه المصاهرة أو بطلانها وتناسلوا وجعل الله بهذه المصاهرة البعيد قريباً والأجنبي نسيباً.

 

وكتبوا عقدهم الاجتماعي يوم أن كان السني مجاوراً الشيعي في السكن يتعاطفون ويتزاورون ويشارك بعضهم الآخر أفراحهم وأتراحهم لا يخطر ببال أحدهم أن هذا من مذهب مخالف لمذهبه فيتوجس منه خيفة أو شكاً.

 

وكتبوا عقدهم الاجتماعي يوم أن كان صاحب المصنع يشغـّل عماله لا يسألهم من أي مذهب انتم، ليقصي من كان مخالفاً لمذهبه ويبقي من كان مع مذهبه ويعمل الجميع بإخلاص لا يفكر احدهم بالإضرار بالآخر على أساس أنه من مذهب أخر.

 

وكتبوا عقدهم الاجتماعي يوم أن كان المقاول الشيعي يعمل معه عمال من أهل السنة وكذلك العكس لا يفكر بالتمييز بين هذا وذاك أو تدركه ريبة من هذا أو ذاك في توقع الخيانة والغدر ممن هو مخالف لمذهبه.

 

وكتبوا عقدهم الاجتماعي يوم أن فتح السني مطعمه فيأكل فيه الشيعي كما يأكل فيه السني دون ريبة أو خوف من خيانة أو غدر.

وكتبوا عقدهم الاجتماعي يوم أن كان على رأس قيادة العمل في الوزارات والدوائر من الشيعة أو من السنة ليعمل لديه موظفون من غير مذهبه دون أن يخشى غدراً أو خيانة أو فساداً مالياً أو إدارياً ممن هو مخالف لمذهبه.

 

وكتبوا عقدهم الاجتماعي يوم أن كان إبن الأنبار السني يجوب شوارع النجف وكربلاء والشيعي يمشي بطوله في الانبار والموصل وكل العراق لا يخشى أحد من أحد ولا تصيبه أية ريبة أو خوف.

 

وكتبوا عقدهم الاجتماعي يوم أن جلس الطلبة في المدارس جنباً إلى جنب شيعة وسنة عرباً وأكراداً على مقاعد الدراسة في مناهج موحدة ونظام موحد يتولي تدريسهم السني تارة والشيعي تارة أخرى لا يرتاب أحد من أحد، حتى تخرج فيها علماء أصحاب كفاءات عالية يشهد لهم القاصي والداني.

وكتبوا عقدهم الاجتماعي يوم أن كان الطبيب السني يعالج المريض الشيعي وبالعكس لا يرتاب أحد من أحد من غدر أو خيانة.

 

وكتبوا عقدهم الاجتماعي والعسكري يوم أن تلاحم العراقيون سنة وشيعة عرباً وأكرادا مسلمين وغير مسلمين للدفاع عن العراق والأمة العربية من خلال وقفتهم البطولية أمام الاعتداء الغاشم من الفرس على مدى ثمان سنوات أذاقوا السم الزعاف للخميني – حسب اعترافه - عندما انهزم.

 

وقدم في ذلك الجميع أرواحهم رخيصة أمام الوطن الغالي، لم يتراجع أحدهم أمام الأخر تحت إدعاء المذهب أو العرق أو الدين وكان هم الجميع صد العدوان والدفاع عن كل ذرة من تراب العراق.

 

وهكذا تتوالى الشواهد في كل مناحي حياة العراقيين ليؤكدوا أنهم شركاء في هذا الوطن سواء بسواء فهل يفهم ذلك الذين ينادون الآن بضرورة توقيع عقد اجتماعي بين السنة والشيعة وكأن الشيعة ليسوا من أبناء هذا الوطن إنما هم من أهل الذمة أو مستأمنين في البلاد.

 

إن هذا الطرح الطائفي دعوة لتقسيم العراق – الذي قلنا بتحريمه في حالة ما إذا كان الطرح عن اجتهاد خاطئ وبردة قائله في حالة ما إذا كان مؤامرة لتسليم العراق لأعدائه – على أساس طائفي ديني بعد أن فشلت دعوة الأمريكان وأذنابهم لتقسيم العراق تحت ذرائع ومسميات أخرى.

ونحن بدورنا نحذر من هذا التوجه ونعد الذين يتبنونه وينادون به لا يختلفون عن الذين ينادون بتقسيم العراق تحت مسميات أخرى من الخيانة لهذا الوطن والتفريط به وبشعبه وبثرواته ومقدراته.

 

وأن هذه التوجهات صادرة أما من جاهل لا يفهم الشريعة الإسلامية وأحكامها وفقه الواقع فيها حتى وإن إدعى ذلك وتظاهر به، وإما من حاقد على العراق وأهله مندفع مع توجهات أعدائه تحت غطاء ديني.

 

أما التذرع لطرح التقسيم بما يحدث الآن في العراق من قتل وتشريد وهتك للأعراض وسلب للأموال فإن تلك ذريعة يقصد بها إيجاد غطاء لهذه الخيانة العظمى، لان هذه الأفعال وإن كانت من نصيب السنة أكثر من غيرهم، لكن الواقع أن الشيعة لم ينجوا منها أيضا وإن كانت بنسبة أقل وأن وراء ذلك دفع مبرمج من قبل أعداء العراق أمريكان وغيرهم الغرض منه زرع الفتنة الطائفية بين أبناء البلد الواحد لتفتيت البلاد وإنهاكه وتمزيق لحمة شبعه وبالتالي يسهل الاستيلاء عليه والسيطرة على مقدراته وثرواته.

 

وليس أدل على ذلك من أن العراق لم يشهد – كما قلنا – إبان الحكم الوطني صراعاً طائفياً إلا بعد دخول المحتل الأمريكي وسيطرة الفرس وأعوانهم عليه. فقد عشنا زمناً طويلاً لم نسمع ولم نر شيعياً قتل سنياً لمذهبه ولا سنياً قتل شيعياً كذلك، ولا عربيا قتل كرديا لقوميته ولا مسلما قتل مسيحيا لدينه وكذلك العكس فلم يشهد العراق قتلا على الهوية.

 

لذا فإننا نؤكد أن حل مشكلة العراق – اليوم – لا تكمن في تهميش أي من أبنائه وإقصائه، بل الحل في تلاحمهم – كما كانوا – لطرد المحتل أياً كان نوعه ومعاقبة الخونة والمجرمين من أبنائه، ليعود العراقيون الشرفاء -كما كانوا – أخوة يشد بعضهم إزر بعض لبناء عراق موحد، وعندئذ يستعيد مكانته الطبيعية ويتبوأ الصدارة – كما كان – بين الدول القوية المتمكنة وهذا ليس ((حلما ولا وهماً)) كما وصفنا بذلك دعاة التقسيم بل هو اليقظة بعينها والحقيقة التي كانت وستعود قريباً بعون الله ثم بهمة الشرفاء المخلصين من أبناء هذا الوطن أن شاء الله.

 

 

الأستاذ الدكتور عبد الحكيم عبد الرحمن السعدي

أستاذ اصول الفقه – بكلية الشريعة

والدراسات الإسلامية – جامعة قطر

٢٧ ذي القعدة ١٤٣١

٠٤ / تشرين الثاني / ٢٠١٠

 

 





الاحد٠١ ذي الحجة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٧ / تشرين الثاني / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة