شبكة ذي قار
عـاجـل










انتهت المسرحية السياسية في العراق إلى حيث يجب أن تنتهي، وعادت المحاصصة الطائفية إلى الواجهة باعتبارها اللغة الوحيدة التي لا يستطيع الممثلون الذين جاء بهم الاحتلال على ظهر دباباته أن يتقنوا غيرها، وأيا كانت الجهة التي ستؤول إليها رئاسة الحكومة أو الجمهورية أو البرلمان أو وزارات السيادة فإن النتيجة واحدة، وهي تأكيد الطابع الطائفي للمسرحية السياسية.


وهذه النهاية الباردة للعبة "الديمقراطية" العراقية تقودنا إلى الخروج ببعض الاستنتاجات:
أولا؛ كل من تصور أن العملية السياسية ستنتهي إلى فرز جديد في الساحة العراقية كان واهما، فالمالكي أو علاوي أو الصدر أو الحكيم أو طالباني أو بارزاني كلهم جزء من منظومة واحدة تأسست في ظل الاحتلال بما يعنيه من سلب لإرادة العراقيين في اختيار النظام السياسي الذي يريدون وتصعيد الأشخاص الوطنيين الذين يخدمون مصلحتهم، ولا يمكن أن ينتج الاحتلال مؤسسات ديمقراطية أو أن يحمل شخصيات وطنية إلى الحكم تقول له انسحب أو سنرفع السلاح في وجهك..


لم يساورنا الشك ولو للحظة في صحيفة "العرب" في أن ديمقراطية الاحتلال، ورغم مسرحية الانتخابات والصخب الإعلامي الذي دار حولها، ورغم استمرار مفاوضات تشكيل الحكومة ثمانية أشهر كاملة، ديمقراطية شكلية ومضللة الغاية منها توفير غطاء يعطي الشرعية للغزو وقتل أبناء العراق وعلمائه وسرقة خيراته..


ونعتقد أن اتفاق المحاصصة الجديد الذي تم بين مختلف ألوان الطيف العشائري والمذهبي والطائفي السائر في ركاب الاحتلال، جاء ليؤكد عمق قراءتنا المبدئية التي أعلنا فيها أن الاحتلال باطل وما بُني على باطل فهو باطل.


هذه فرصة ليتأكد الشعب العراقي أن هذه الحكومة ومن يقف وراءها لا تفكر فيهم ولا تقيم لقضاياهم وزنا وأن ما يهم هذه "القيادات" هو الثراء الشخصي ثم تنفيذ أجندات أسيادهم خاصة في ما يتعلق بالتفويت في النفط العراقي للشركات الأمريكية وشركات الدول التي ساندت الغزو، وإثقال كاهل العراقيين باتفاقيات أمنية واقتصادية طويلة الأمد.


ثانيا؛ قلنا في هذا الفضاء أكثر من مرة إن التواطؤ الأمريكي الإيراني في غزو العراق كان احتلالا من الجانبين، فكما الاحتلال أمريكي فهو كذلك إيراني، وهذا يعني أن يتولى العراقيون مقاومتهما معا مع اعتبار الاحتلال الأمريكي عدوا استراتيجيا تتوجب مقاومته ودفعه إلى الهروب ثم التفرغ للاحتلال الإيراني باعتباره عدوا ثانويا يسهل مقاومته ثقافيا ومذهبيا وسياسيا وعسكريا مستفيدين من التراكم التاريخي للأمة في مواجهة هذا العدو.


لكن البعض من القوى الفاعلة في الأمة تركت العدو الاستراتيجي الذي تسبب في الغزو ونجاحه في تثبيت الاحتلال، لا قدر الله، سيجعله يتحكم في الأمة كلها ويهدد مستقبلها، وصارت تركّز جهودها السياسية والإعلامية على التصدي للاحتلال الثانوي، وتمترست من حيث لا تعي في الخندق الأمريكي فصار المرشح الأمريكي لتشكيل الحكومة العراقية هو المعبّر عن "عروبة العراق"، فهل بعد هذا القصور الفكري والسياسي سذاجة؟


والأجدر بالمقاومة الوطنية بمختلف مكوناتها أن توسع الخلافات بين طرفي الاحتلال وتلعب على التناقضات بينهما باعتبار تحالفهما تحالف مصالح يسهل اختراقه ومن ثمة تفكيكه وإضعافه.


ثالثا؛ أثبتت إيران أنها لاعب قوي في العراق، ليس فقط من خلال فوز الأطراف التابعة مذهبيا وسياسيا لها مثل أحزاب: الدعوة والمجلس الأعلى والتيار الصدري والفضيلة، وإنما، أيضا، تميزت إيران بأنها نجحت في إدارة ملف العراق في سياق حربها السياسية والديبلوماسية مع الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية التابعة.


فواشنطن توهمت أنها أجرت الانتخابات في العراق وفق مقاساتها، وأن النتائج ستسمح لها بالمرور إلى خطوة هامة في حربها ضد طهران، وهي خطوة تقليص قواتها على الأرض والاكتفاء بأعداد محدودة في القواعد العسكرية مع توفير عشرات الآلاف من المرتزقة بغاية فتح باب الحرب على إيران دون أن تكون رقبة الولايات المتحدة على المقصلة.


وهذا يعني ألا يكون الأمريكيون بالعراق رهائن لهجوم إيراني محتمل، وأن يتولى المرتزقة (الشركات الأمنية) مهمة التعطيل والتخريب وتوتير الوضع الأمني، لكن الخطة الأمريكية كانت تفترض بالضرورة وجود حكومة عراقية "صديقة" تحوز القبول الإقليمي ويكون دورها الأساسي قصقصة أجنحة إيران في العراق وإلهاء الأطراف التابعة لها بقضايا ثانوية ذات تفاصيل تشريعية وقانونية ووقف هيمنتها على وزارات السيادة (الأمن، الجيش، المالية، النفط).


المشروع الأمريكي مهدد بالفشل مع التفوق الإيراني العالي في مجال المناورة وحبك التحالفات وقراءة بنود الدستور الذي صاغه بريمر على هواه وتركه مليئا بالمطبات، أو لنقل بوضوح إن القوى الموالية لإيران هي من مررت تلك المطبات ووضعت البنود الملغمة في طريقه، لكن بريمر، الكوبوي المغرور، وقع في المحظور من حيث توهم أنه وضع الدستور على المقاسات الأمريكية.


رابعا؛ لا يمكننا الحديث عن دور عربي في المشهد العراقي لأن هذا الدور كان دائما خادما للأجندة الأمريكية تماما مثلما هو الأمر مع اجتماعات "المصالحة" أو قضية التمثيل الدبلوماسي أو المبادرة السعودية التي جاءت كمحاولة إغراء مالي وسياسي لبعض أطراف العملية السياسية في سعي واضح لقطع الطريق أمام النجاح الإيراني في فرض المالكي رئيسا للوزراء.

 

 





الاثنين٠٩ ذي الحجة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٥ / تشرين الثاني / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب جريدة العرب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة