شبكة ذي قار
عـاجـل










(جلسة الغد البرلمانية ستكون الطلقة الاخيرة التي ستجهز على الفتنة والمؤامرات التي حيكت قبل وبعد الانتخابات، ستكون جلسة لتأسيس الدولة العراقية وليس لتشكيل الحكومة فقط). هكذا أراد المالكي أن تكون جلسة مجلس النواب التي عقدت في الحادي عشر من الشهر الجاري في المنطقة الخضراء، كما وصفها في خطابه الذي القاه على مسامع الحاضرين من أعضاء التحالف الوطني، والذي كان مليئا بالتهديد والوعيد للخصوم السياسيين الاخرين، بعد أن تحقق له ما أراد وعاد الى السلطة مرة ثانية .


فهل حقا كانت تلك الجلسة بداية تأسيس جديد للدولة العراقية؟ وهل كانت محطة شروع مختلف لتشكيل حكومة وطنية عراقية؟ أم أن كلام المالكي كان اعترافا صريحا منه بأنه لم تكن هنالك دولة ولا حكومة، وأن تصريحاته السابقة التي كانت تنضح بعبارات الوطنية كانت مجرد هراء، وأن أيام السيادة التي تشدق بها عند توقيع الاتفاقية الامنية العراقية الامريكية مرة، وعند اعلان انسحاب القوات الامريكية مرة ثانية كانت أوهام بطولة، وانه لاكثر من أربع سنوات لم يكن رئيسا لوزارة، لان الدولة لم تكن موجودة، بل كان يتربع ورفاقه على عروش فرق للموت تقتل وتسلب وتنهب في وضح النهار، وأن كل ما قيل عن وجود دولة كان لغرض استغلال صفتها وأجهزتها وجهدها المادي والمعنوي للوصول الى الضحايا الذين عارضوا الغزو والاحتلال، كما أشارت الى ذلك وثائق ويكيليكس.


يقينا أن كل من شاهد تلك الجلسة بات متأكدا تماما من أن التأسيس الجديد للدولة والحكومة العراقية، كما قال المالكي، انما هو هدف بعيد المنال، بل ان الوصف العلمي والمنطقي والعقلاني للمرحلة القادمة انما هو اعادة تسويق لكل منتجات المرحلة السابقة بالتشرذم الذي عانيناه، وبالطائفية التي شربنا كأسها المسموم، وبالفساد المالي الذي وضع البلد في صدارة الدول الفاسدة، وبالمحاصصة التي وضعت مؤسسات الدولة في خدمة الحزب والطائفة والقومية وتركت الملايين يعانون من البطالة ويتضورون جوعا، فها هي جموع الفاسدين والمفسدين تعود بنفس الحلة الى مقاعد البرلمان والحكومة، وكل يحفر خندقا للاخر كي يسقطه في أول جلسة برلمانية كي ينفرد بالسلطة، مما دفع أعضاء القائمة العراقية للانسحاب وأعلن رئيس البرلمان في جلسة (التأسيس) على رؤوس الاشهاد بان لا ثقة بين الجميع، وأن الشركاء قد ابتلعوا الاتفاق الذي تم تحريره قبل بضع ساعات، على الرغم من أن المحتل كان الضامن له، لتعود الوساطات ودبلوماسية الهاتف من القوى الدولية والاقليمية لاتمام حياكة السجادة التي شارك في نسجها النساج الامريكي والايراني، فكلاهما يسعيان الى ابتلاع أكبر قدر من الخيمة حتى اللحظة الاخيرة، وكلاهما يسعيان الى تعزيز أدوار أذرعهما المحلية في السلطة خدمة لمصالحهما، بينما يبقى العمق العربي يسعى الى النأي بنفسه عن الحالة التي يعيشها العراق وهو أحد أهم غرف البيت العربي.


لقد تأسست الدولة العراقية في العقد الثاني من القرن المنصرم وكانت ذات لون وطعم ورائحة عربية ووطنية خالصة، واستمرت النظم السياسية التي حكمت فيه حتى العام 2003 ذات طابع وطني بعيد تماما عن التبعية الاجنبية، بل كانت هنالك حساسية شعبية مفرطة في التعامل مع هذا الموضوع، جعلت الكثير من رجال العهد الملكي المحسوبين على قوى دولية النأي بأنفسهم عن ذلك واثبات توجهاتهم الوطنية والعروبية في كل مناسبة، بل اتجه الكثير منهم الى تأسيس أحزاب وطنية جامعة كان لها دور ملموس في الحياة السياسية، بعيدا عن أي توجهات طائفية أو عرقية، بينما نقف اليوم على مشارف التأسيس الجديد للدولة والوزارة (المالكية) الثانية، كما يدعي المالكي، وكل الطبقة السياسية لها ضامنون دوليون وأقليميون وتوزعت ولاءاتهم بصورة واضحة بين الاحتلالين الامريكي والايراني، حتى بات السفير الامريكي ساهرا مع القادة السياسيين حتى ساعة متأخرة من اليوم الذي سبق جلسة البرلمان كي يضع لمساته الاخيرة على تشكيل الحكومة، والرئيس أوباما ونائبه بايدن على الهاتف يوجهون التعليمات، بينما كان السفير الايراني في مكتبه في بغداد يوجه التعليمات والرسائل، في نفس الوقت الذي كان فيه نيجرفان البارزاني نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني يطلع القادة الايرانيين على تقاسم السلطة والوطن. كما أن الكل يتحدث عن ضرورة التوازن الطائفي والمذهبي والعرقي، ابتداء من منصب رئيس الدولة وحتى منصب ضابط مركز الشرطة في كل مدن وقرى العــــراق، بل ان أحد أبرز (المنجزات المهمة) التي توصل اليها قادة الكتل السياسية مؤخرا، هو الاتفاق على تشكيل هيئة وطنية تعنى بتحقيق التوازن الطائفي والمذهبي في المؤسسات الرسمية العراقية، محققين توازنا غريبا وغير منطقي تماما بين مفهوم الوطنية الجامعة ومفاهيم الطائفية والمذهبية المفرقة، لكن الغرابة تنتفي تماما حينما نسمع سياسيا (بارزا) ورئيس وزراء سابقا هو ابراهيم الجعفري يظهر على الملأ ليعلن بأن المجتمع العراقي ليس مجتمعا واحدا بل هو مجموع مجتمعات سماها (المجتمعية الشيعية، والمجتمعية السنية، والمجتمعية الكردية) وقد يطور نظريته هذه غدا لتصبح مجتمعية تركمانية ويزيدية ومسيحية وصابئية لتصل الى حد القبيلة والعشيرة والفخذ والعائلة.


ان التقسيم المتعمد للحمة النسيجية العراقية الى انتماءات أصغر فأصغر، وتحطيم الدولة العراقية مع سبق الاصرار والترصد، وتوزيعها الى حصص وأسهم على من يدعون التمثيل القومي والطائفي والعشائري، انما هو تحقيق لنظرية الضرب أسفل الجدار التي ابتكرها مستشار الامن القومي الامريكي الاسبق بريجنسكي، الذي دعى الى تقسيم مجتمعات الشرق الاوسط على أسس قومية وطائفية ومذهبية لديمومة حالة الاضطراب والفوضى فيها، وبالتالي تسهيل السيطرة الخارجية عليها، كما أنها تأتي أيضا تلبية للرغبة الايرانية التوسعية التي تحاول جاهدة اذكاء روح النزاعات الطائفية في المجتمع العربي عامة والمجتمع العراقي خاصة، لتحقيق التوسع الجغرافي ومد حيز مجالها الحيوي الى أبعد نقطة ممكنة في المحيط العربي، خدمة لمصالحها القومية وتحقيقا لحلم القوة الاقليمية الايرانية، وعودة جديدة لممارسة دور شرطي الخليج والمنطقة على حساب طموحات وآمال شعوب المنطقة، واذا كان التناغم بات واضحا بين الاهداف والمصالح الخارجية للدول الاخرى وبين الفعل السياسي للطبقة الحاكمة اليوم في العراق، من خلال السماح باستباحة الوطن ماضيا وحاضرا ومستقبلا، مقــــابل الاثراء المادي وتقاسم السلطة فيه على طريقـــــة تقاسم الفرائس، فان الدور المطلوب حاليا هو مزيد من الانخراط في جبهة القوى المقاومة والمناهضة للاحتلال والعملية السياسية، والضرب أسفل التوجــهات التي تعمل على اشاعتها تلك القـــــوى والاحزاب الطـــــائفية التي تتربع على السلطة، فســـقوطها المدوي بات واضحا وقد عكست جزءا منه جلسات البرلمان الاخيرة، التي أوضحت حربهم الداخلية ومستوى الحقد والكراهية التي يضمرها البعض للبعض الاخر.


ان شركاء العملية السياسية في العراق هم أبعد ما يكونون اليوم عن روح ومضمون التأسيس الاول للدولة العراقية، كما أنهم أبعد بمئات السنين الضوئية عن روح ومضمون وقيم وأخلاق الحكومات العراقية التي تعاقبت السلطة في العراق منذ التأسيس وحتى 9 نيسان/ابريل العام 2003، فهم رأس الفتنة الطائفية والاثنية والمذهبية وخراب وشرذمة المجتمع، وهم الذين حولوا أجهزة الدولة من خدمة المجتمع وترسيخ القانون الى أجهزة لقتل المواطن البريء وانتهاك أرضه وعرضه وتهجيره الى دول الشتات وسلب ارادته ولقمة عيشه، كي يثرى الاتباع وينتـــــفع الانتهازيون واللصوص، كما أنهم هم الذين كانوا أدوات المؤامرات التي حيكت منذ أكثر من سبع سنوات.

 

فهل بعد كل هذا ينتظر العراقيون أن يقوم هذا النفر بتأسيس جديد للدولة والحكومة العراقية؟ أم أن منطق الحق وقانون الشرائع السماوية والوضعية يتطلب أن يقف كل هؤلاء في خانة المحاكمات التاريخية كي ينالوا ما اقترفت أيديهم بحق الشعب والوطن؟

 

 





الاثنين٠٩ ذي الحجة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٥ / تشرين الثاني / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مثنى عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة