شبكة ذي قار
عـاجـل










تشهد الدبلوماسية العراقية العريقة منذ الغزو الأمريكي ولحد الآن سكرات الموت البطيء، فهي في حالة تدهور من سيء إلى اسوأ. ولاشك إن إستمرار إحتكار هذه الوزارة السيادية من قبل هوشيار زيباري ورهط البيشمركة من شأنه أن يعجل بموتها. إن إداء الوزارة منذ تسلم الزيباري قيادتها كان مهينا بل هو لطخة عار في جبين الدبلوماسية العراقية منذ فجر تأسيسها. وكل من يظن بأن هذا الإداء سيتغير أو يتحسن في المستقبل القريب فهو في ضلال مبين. لسبب بسيط وهو ان كل ما يقام على الباطل فهو باطل. وعندما يكون الأساس ركيك فمن المتوقع ان ينهار البناء وهذا ما جرى في وزارة الخارجية خلال الحقبة الاحتلالية.


كما أن كل من يعتقد بأنه خلال الدورة النيابة الجديدة ستجري إصلاحات جوهرية في الحقل الدبلوماسي فهو قصير النظر بسبب ثقل التركة الزيبارية للسلف فهي اشبه ببرميل من البارود لا يؤتمن شره. فالقيادة المتهرئة للوزارة بوجود الزيباري أو غيره سوف لا تتغر إلا شكليا! وهي قيادة مبنية على أساس المحاصصة الطائفية والعنصرية. كما ان السفراء الذين عينوا بطريقة أختيار مهرجي السيرك كما اشار لذلك عدد من النواب الذين استعرض السفراء الحاليين مفاتنهم أمامهم، قد عينوا ايضا بموجب المحاصصة التي يتبرأ الجميع منها في الظاهر ويتمسكوا جميعا بها في الباطن. أما تعيين الدبلوماسين الخدج فحدث ولا حرج. وقد شخصنا وغيرنا الكثير من السلبيات في هذا الموضوع ولاحاجة إلى التكرار.


لذلك سنتحدث عن زريبة تربية وتدجين سفراء الاحتلال، ولكن لا بد من لمحة بسيطة لتسليط قليل من الضوء على طبيعة عملهم. حيث يقوم السفراء عادة بمهام خطيرة اهمها تمثيل بلادهم لدى الدول المعتمدين فيها، فهم بلا شك عيون بلادهم في الدولة المضيفة ينقلون لها بأمانه مجرى الأحداث السياسية والاقتصادية المهمة وانعكاساتها على مجمل العلاقات الثنائية ويقدمون التوصيات اللازمة للإرتقاء بتلك العلاقات، وتذليل المصاعب وبناء الجسور الجديدة او ترميم التصدعات في الجسور القديمة، كما يتولون مهمة تبادل الآراء ووجهات النظر بشأن العلاقات الثنائية وتنميتها من ثم نقل توصياتهم إلى ديوان وزارة الخارجية التي ترسم بدورها اللوحة المستقبلية لتلك العلاقات بما يتوافق والمصالح الوطنية العليا.


السفراء إذن هم رسل الخارجية ويتم إختيارالرسل عادة ضمن مواصفات بالغة الدقة لذلك جاء في الامثال العربية القديمة "سفير السوء يفسد البين". بل بالغ العرب في شروط السفارة فوضعوا شروطا إضافية كالجسامة والوسامة. ومن أبرز الصفات المطلوبة الثقافة العامة والمعرفة الجيدة بالقانون الدولي وحفظ نصوص وروح إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية, والإلمام بالقوانين النافذة في الدولة المعتمد فيها السفراء، ومعرفة لغة البلد أو إجادة أحدى اللغات الأجنبية الواسعة الإنتشار كاللغة الإنكليزية أو الفرنسية أو الإلمانية أو الإسبانية التي تمكنه من التفاهم مع وزارة خارجية الدولة المعتمد فيها أو اقرانه السفراء.


ومن الصفات المطلوبة سرعة البديهية والرزانه. لأن السفير يمثل بلاده وحكومته وليس نفسه، علاوة على قوة الشخصية وتأثيرها على الآخرين والحكمة فقد قيل "أرسل حكيماً ولا توصه". وتفهم الخطوط الرئيسة لسياسة وزارته وكذلك السياسة الخارجية للدولة المضيفة. والتمتع بقوة تساومية وفهم فنون التفاوض وكيفية إدارتها مع الطرف المقابل فالتفاوض أمسى من أهم فنون الدبلوماسية. يضاف إلى ذلك اللباقة والذكاء والخبرة والمعرفة بأصول الأتكيت والمراسم. والأهم من ذلك كله معرفة الحصانة الدبلوماسية وحدود صلاحياته والخطوط الحمراء التي يجب مراعاتها وعدم تجاوزها في الدولة المعتمد فيها والتي نصت عليها إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية وهو ما لخصه أجدادنا بالقول " ياغريب كن اديب".


ونظرة عامة لسفراء العراق المحتل سنجد أنه بالإضافة إلى فقدان عامل الوطنية فأن معظمهم متعددي الجنسيات كالقوات المتعددة الجنسية التي سلطتهم على عراقنا الجريح. فهم يفتقدون إلى معظم تلك المواصفات بما فيهم وزيرهم آغا زيباري البريطاني الجنسية. لذلك فهم بحق رسل الإحتلال وخير ممثلين لمصالح الدول التي خربت وما تزال تخرب العراق. وربما بعضهم وليس كلهم يصلحون لإدارة فرع صغير في زريبة الخضراء! ولكن بشكل قاطع ليس سفارات تمثل وجه العراق الحضاري.


هذه الوزارة المهمة يتولى إدارتها وزير ووكلاء وسفراء لا علاقة لهم لا بالعمل الدبلوماسي ولا بالعراق، فهي وزارة متخصصة لخدمة أقليم كردستان اولا ولخدمة مصالح الأحزاب السياسية التي رشحتهم ثانيا. ولمنفعة السفراء الشخصية ثالثا. فما أن تنتهي مهام عملهم حتى يولوا وجوههم القبيحة شطر الدول التي جاءوا منها بعد أن تحولوا من أكباش نحيلة إلى ثيران متعافية. وخير دليل على كلامنا هو مصير الوجبة الأولى من سفراء الأحتلال الذين عينهم رئيس الوزراء السابق أياد علاوي بمشورة وموافقة المستشارة الأمريكية (مس جونسون ذات الاصل الآسيوي)في وزارة الخارجية بعد الغزو، وبمشورة شيخ العمالة محي الدين الخطيب. وهو أحد أقطاب الإحتلال وفي طليعة المدمرين الأوائل لوزارة الخارجية على مستوى تعيين السفراء. فقد قام هذا الوغد العميل بدور تدميري مزدوج من خلال إجتثاث العناصر الكفوءة من الدبلوماسيين القدامى من جهة والمجيء بسفراء أوغاد على شاكلته وزعهم كالخلايا السرطانية في اوصال وزارة الخارجية, معظمهم من اقاربة ومعارفة منهم سعد الحياني واسعد المسعودي اللذان عبثا بوزارة الخارجية ودمرا مقومات العمل الدبلوماسي بتعيين موظفين خدج لا علاقة لهم بالعمل الدبلوماسي ولا العمل الوظيفي من اقاربهم ومعارفهم. اما الصفحة الثانية من تدمير العمل الدبلوماسي فكانت على يد الوزير الزيباري ورهطه البيشمركة. كأنهم اقسموا جميعا بأن لا تقوم للخارجية قائمة مطلقا فكان لهما ما أرادوا.


ولو ألقينا نظرة منصفة عن إنجازات السفراء منذ الإحتلال وحتى الآن سنصطدم بحقيقة مرعبة فالفساد الإداري والمالي والأخلاقي كان سيد الموقف وبلا منافس في معظم السفارات العراقية, فلم يقم أي من السفراء بمعالجة أوضاع الجالية العراقية البالية في الخارج أو وضع حدا للهموم التي يعانون منها كسوء المعاملة من قبل الدولة المضيفة او تعدد الجوازات التي لا تحترمها أضعف وافسد حكومات العالم والمشاكل اليومية في المطارات الدولية وغيرها. بل أن البعض منهم كان بحق سيفا مسلطا على رقاب أبناء الجالية، ومارس الطائفية بأحقر مستوياتها كما حصل في رومانيا واليونان وإيران وبولندا وممثلية العراق في نيويورك.


ورغم العودة غير الميمونة للسفراء من الوجبة العلاوية الأولى(نسبة لأياد علاوي) وهم مكللين ببشائر الرذيلة والفساد, فأن الزيباري لم يتمكن من محاسبة أي منهم رغم لجان التحقيق الكثيرة التي شكلت بحقهم، ولم يتمكن أيضا من إعادة الحق إلى نصابه لمن كانوا ضحايا لفساد السفراء وطائفيتهم أو عنصريتهم. وذلك لأن السفير تدعمه احدى الأحزاب العميلة الحاكمة. فهو ذو حصانه خارج العراق وداخله أيضا! وهذه مفارقة عجيبة في العمل الدبلوماسي. ومن يجادلنا في هذا الأمر يمكنه أن يطلعنا عن مصير السفراء السابقون ومن بقى أو سيبقى في العراق؟ وما هي نتائج التحقيق في ملفات الفساد المالي والإداري والأخلاقي؟وهل تمت محاسبة الشراذم الفاسدة؟ وهل تم رفع الغبن عن ضحاياهم الذين رفضوا الانقياد لنزواتهم الشيطانية؟ إذا تسلمنا الجواب وهذا من عاشر المستحيلات! سنقدم عندئذ إعتذارنا ليس للزيباري فحسب وإنما للسفراء جميعا بما فيهم الفاسدين.


ولو نظرنا إلى الوجبة الجديدة من السفراء سيتبادر الى ذهننا فورا المثل العراقي المشهور(( الزمال نفس الزمال لكن العليجة تغيرت)). فمرجعية السفراء ليست الزيباري! وإنما للأحزاب التي رشحتهم للعمل وفرضتهم على وزير الخارجية. والمصلحة الوطنية أبعد ما تكون عن ناظرهم واقرب مثال على ذلك سفيرنا في الكويت السيد بحر العلوم او الاصح( بحرالعمالة) - إبن السيد المتأمرك عضو مجلس الحكم السيء الصيت- فقد تسلم السفير(10) مليون دينار كويتي عدا ونقدا من مدير إدارة شركة(الكويت للطاقة) نظير جهوده الجبارة بالتنسيق والمقاسمة مع أخيه وزير النفط السابق(إبراهيم بحر الجهل) لإرساء مناقصة إستثمار الغاز العراقي في حقلي السيبة والمنصورية للعشرين سنة القادمة. وهذا السفير كويتي الجنسية نشأ في الكويت ودرس وعمل فيها بمعنى آخر مملوء من رأسه لأخمص قدميه بالحقد على العراق وشعبه. وقد وافته الفرصة الذهبية لتفريغ شحنات حقده. وهو من فضلات معمل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية.


أملنا في الوزير القادم (( ما أضيق العيش لو لا فسحة الأمل)) في حال إزاحة الكتلة الزيبارية من طريق الخارجية - وهو أمر صعب وليس بمستحيل - بوزير يتمكن من إعادة بناء وزارة الحارجية وترميم الصدع الزيباري في جدران السياسة الخارجية. من خلال الإنفتاح على الأشقاء العرب والحد من النفوذ الايراني والكويتي بشكل خاص قي الشأن العراقي الداخلي. وكذلك إعادة تقييم إداء الوزارة خلال السنوات الماضية وتشخيص أسباب الفشل ووضع الحلول المناسبة لتلافي تكراره. كذلك إعادة هيكلة السفارات والقنصليات العراقية في الخارج التي أصبحت وبالا على الجاليات العراقية من جانب وفشلت في كسر الجمود في العلاقات الثنائية من جانب آخر. كذلك العمل بموجب قاعدة ((المقابلة بالمثل)) مع الدول التي تسيء للعراق وشعبه، وان يحترم سفرائها العراق ولايتجاوزون صلاحياتهم كما فعل السفير الإيراني الجديد. فليس من المنطق ان يعرقل دخول العراقيين إلى دول العالم في حين البلد مفتوحة ابوابه أمام من هبً ودًب بلا ضوابط! وأن لا تقف الوزارة كما عهدناها في الحقبة الزيبارية عاجزة مكتوفة الأيدي امام التجاوزات الخطيرة على حدود العراق ومياهه الإقليمية وينتهك المتبقي من سيادته لاسيما إيران والكويت.


واخير وليس آخرا أن ينصف الوزير القادم الموظفين الأكفاء الذين أجتثهم احمد الجلبي وعلي اللامي بهيئتهم المشبوهة والمرتبطة مباشرة بنظام الولي الفقيه فهناك عناصر يمكن الإستفادة منها ومازالت قادرة على العطاء وخدمة العمل الدبلوماسي تمتاز بالمهنية والخبرة والكفاءة. علاوة على إعادة النظر في ملفات ضحايا السفراء العنصريين والطائفيين الذي اجتثوا دبلوماسيين في غاية الوطنية والنبل والخبرة والكفاءة كما جرى في سفاراتنا في اليونان والنمسا ورومانيا ونيويورك وآخرين تعرفهم الوزارة جيدا.


وتبقى الفكرة منوطة بالوزير القادم! فهل سيبقى الزيباري ترسانة كونكريتية مسلحة لا يجرأ احدا على إزاحتها عن الطريق؟


وهل سيكون الوزير القادم بمستوى الإصلاح والتغيير المطلوبين؟ وينأى عن الجانب الطائفي والعنصري؟


هذا ما سيكشفه القادم من الأيام وليس لنا سوى الإنتظار.
 

 





الثلاثاء٢٤ ذي الحجة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣٠ / تشرين الثاني / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ضحى عبد الرحمن نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة