شبكة ذي قار
عـاجـل










ما قد نسميه تقاليد قد لا نكترث كثيرا إلى جذورها، يسميها آخرون أصولا أو ثوابت، ربما مبادئ، قواعدا وقوانينا استراتيجية، وهي لذلك في أعراف العارفين لا يمكن الانزياح عنها ما لم يوجد بديل حقيقي لها، وأي تبديل لها سيجلب لصاحبها الخراب والفشل أو على الأقل السخرية، تماما كما قد يحدث للاعب الخفة التجديدي الأرعن حين يستبدل الأرنب بالقطة مثلا ليبدو مختلفا أما الجمهور، الذي حتما سيضحك كثيرا على المساخر الساذجة التي سيراها أمامه، هذا ما لم يضج مطالبا بثمن نقوده التي دفعها لهذه المهزلة السخيفة..


***


حسنا.. علينا أولا أن نتفق، أو لنقل.. عليك أنت أيها القارئ أن لا تكون أبتداء من الجمهور الذي يصفق لألعاب الخفة بمرح، أو مدمنا عصبيا على المصارعة الحرة أو حتى مؤمنا بقدرة حقك الانتخابي في تغيير واقع ما وممن ينتظرون ثمار الديمقراطية بمعناها الشائع.


رغم أنني لن أشترط عليك ألا تكون ممن فرحوا لفوز قطر باستضافة كأس العالم، إلا أن عليك أن تكون جاهزا لتعترف بشجاعة أن فرحتك كانت عفوا ومفاجئة لحظية، كما هي مفاجئة العنين الذي عاين انتصابا واكتشف بعد لحظة أنه كان بفعل حصر البول لا أكثر، فما قد يبدو سعيدا للوهلة الأولى قد يكون علامة على مشكلة أخرى بعد المعاينة.


وإذا كنا نبدو نهوى التشاؤم فإن الضحك على ذقوننا أيضا لا يبرر تصفيقنا لهذا الانتصاب المخادع في فحولة إنجازاتنا العربية، في محافل هذا العالم المسلوب.


على الرغم من شعور داخلي كان ينبئني منذ البداية باختيار قطر لتنظم المونديال الكروي عام 2022، إلا أن نظرية تحليلية كانت تنافح عن فكرتها بأن هذا أمر مستبعد، حتى ولو كان للأمر أبعاد استغلالية نهمة لهذه المنطقة التي لا تزال عذراء بالمعنى الرأسمالي الحديث، وحتى لو كان الأمر يبحث عن انتزاع توافقي للتطبيع الذهني بين الجماهير العربية. فالمكاسب التي سيجنيها المتنفذون والمسيطرون من شركات وأفراد ضمن الشبكة الواسعة التي تبدو (الفيفا) أحد خلاياها سنتكون أكثر وفرة بمعظم المعاني لو نظمت هذه البطولة في أمريكا مثلا، كما أن قيمتها التطبيعية -فيما بين الشعور العام العالمي والعربي الاسلامي خصوصا وبين العلم والشعار الأمريكي- هي أكثر إلحاحا لمنح أمريكا هذا الحق الجماهيري ، فمن سيكترث ل”إسرائيل” بالله عليك إذا كانت أمريكا في طور التردي..


فمن جانب، أوحال العراق وأفغانستان التي تغطي تمثال الحرية النيويوركي، ومن جانب ثاني طوفان الوثائق الويكيليكسية، ومن آخر التحشيد الطائفي تحت عناوين الديمقراطية والجمهورية، ورابعة الأضلاع هي الحزام الاقتصادي الذي يكاد ينفتق عن الكرش الأمريكي المترهل ويفسد أرباح آلاف الشركات حول العالم التي ستحيل أوراق الدولار الى أقل من أوراق تواليت القذرة لن يرغب فيها أحد. وقد كان بإمكاني أن اعتقد بصوابية هذا التحليل وأؤكد عليه بناء على تصريح أوباما النازف خيبة بأن اختيار قطر على حساب أمريكا كان قرارا سيئا، لولا أنه كان علي أن أعود إلى عنوان الموضوع وقراءته، لأكتشف ببساطة أن 2022 لا تشبه 2014 على حيث ترقص روسيا طربا، أو2012 حيث يعتقد المؤمنين بنبوءة المايا بتاريخ نهاية العالم ويرى الماسونيون بأنه سيشهد فجر سيطرتهم على العالم



*


يعتقد الحكام المتنفذون في الولايات المتحدة أنهم يسيرون قدما نحو تحقيق طموحهم في فرض تلك الحكومة العالمية التي ستنضوي تحت قوانينها كل شعوب العالم المتحضر وغير المتحضر والذين كان مستشار الأمن القومي السابق زينغو برجينسكي أكثرهم وضوحا في التبشير بهذا الطموح، وما المشاعات عن الانتكاسات المتواترة هنا وهناك إلا آثارا جانبية لهذا الهدف، أو هي أصلا ليست بشرور بقدر ما هي خير في خير ينتج عنه دائما المزيد من النفوذ.. فهل القضية بضع مئات أو ألوف من قتلى العرق الأبيض هنا أو هناك؟ فليذهبوا إلى الجحيم ومن يكترث لهم، ما دام أن الهدف الأسمى يقترب بزيادة أكداس الذهب المتأتية من الاستثمارات في الكوارث في الدول المحتلة، وإبقاء شعوبها ونخبها تحت السيطرة بانشغالها الدائم بواقعها اليومي الآني.


I


الحكومات الحليفة وعلى رأسها الحكومة الأمريكية تخسر!

وماذا في ذلك طالما أنها منذ البداية ووفق أبسط بديهيات الاقتصاد خاسرة منذ وقعت على قوانين الاقتصاد الحديث والرأسمالية الحرة، ففي النهاية هي لن تكون إلا سلطات تنفيذية وأمنية للنخبة المالية العقائدية.


II


هذا يعني أن هناك رؤيا أخرى للخراريف الوكيليكسية!


وهل تجاوزت كونها خراريف مستنسخة بطريقة رديئة لقصتنا التراثية الأكثر مللا عن إبريق الزيت. بالمناسبة هل تعرفون قصة ابريق الزيت؟ إنه ابريق الزيت! هذه هي الحكاية، التي لا يراد لها ان تنتهي، فأمريكا لا ترى ضيرا من أن تبدو ساذجة أمام الجمهور طالما كان هو ساذجا، تماما كالبهلوان لاعب الخفة الذي يتظاهر بالغشم حين يضع أرنبه في القبعة ويتظاهر بالمفاجئة حين يخرج من صدرية مرافقته، فيضحك الأولاد ويصفق الأباء، على تلك الملايين من الوثائق التي -ويا سبحان الله- تسربت من قبعة الساحر الأمريكي وخرجت بين ليلة وضحاها في يد شاب سويدي لم يسمع به أحد، ولا أحد يسأل عن المصدر ولا عن الطريقة ولا عن الزمن الذي خرجت فيه تلك الوثائق والتي لم تقل شيئا لا يعرفه أصغر ولد في أزقة مخيم الوحدات، سوى أنها ستكون مصدقة لأن أمريكا لا تريد أن تكذبها أو تتجاهلها كما جرت على عادتها، ولا أظن أن فيروسا إلكترونيا تمكن من الوصول الى المفاعلات الذرية الإيرانية ليعطلها سيكون عاجزا عن إيقاف تسرب أصغر معلومة قد تمر على الانترنت ولا يريدها صاحب الفيروس، أو تمضي على اي وسيلة إعلامية دون أن يكون في ذلك تعليمات من فوق، فوق وفوق!


III


وماذا عن عشيرتي الببليكيز والديموكراتيس! فهل كل البعابيص التي يواجهها أوباما هناك محض مزاح مدرسي؟


أحب أن أسميها مسلسل مصارعة حرة مسائية بلا حلقة أخيرة على قناة الام بي سي أكشن، وإذ أذكر من هذه المصارعة عقودا انصرمت حين كنا (الأولاد) مفتونين بالتأويل السياسي لحماسة الكبار تجاه هذا المصارع ضد ذاك على الحلبة الزرقاء، وعلى هذا الأساس كان الأسمر(تيتو سنتانا) سليل الهنود الحمر هو بطل مراهقي المخيم الأول، فيما كانت التعاطفات بعد ذلك تتوازن بين (بغ دادي) و(سنوكا) وغيرهم، فيما لم يكن يجرؤ إلا أصحاب الأهداف الوظيفية في التعبير عن انحيازهم لرمز الغرب الأمريكي (هالك هوغن) وكانوا بطبيعة الحال الحال قلة منبوذة لا يمكن استقبالها في حلقات تدخين عيدان الملوخية وشواء العقارب والسحالي على رأس الجبل إذ كانت حكرا على أصحاب الطموح الفدائي ولا مكان للعملاء بينها..


لكن كما الوعي بقيادتنا (الثورية) المراهقة المرهقة قد تغير فإن رؤيتنا لمشاهد العنف الإرضائية للغرائز البدائية المجيشة على وسائل الإعلام والتسلية توضحت، بأن الأمريكي من أصل أفريقي في مواجهة ممثل الغرب الأمريكي لم تعدو كونها تمثيلية ممجوجة على حلبة المصارعة السياسية لأقوى نظام يحكم سيطرته الذهنية قبل المادية. الكل قبل الصعود الى الحلبة متفقون على الخاسر والرابح وعلى المكافئة، وكل لاعب تعاطى حبوبه المخدرة التي تساعده على استيعاب ضربة طائشة من خصم زلت ذراعه باتجاه الأنف لتنز دما حقيقيا يمكن استثماره أكثر في إثارة أكبر للقطيع المتهيج على المدرجات، ولأن الزمن أمريكي، فإن اللعبة صارت لعبة هذا الزمن..!


V


وما قصة الكوارث المالية التي نرفض أن نصدقها، والدول التي تكاد تنهار لتقنعنا بهذه اللعبة!؟


هذا يمكن ببساطة تركه لصديقنا (أرخميدس) في حوض استحمامه وبحثه عن صابونته، فسواء أكان نط عن عمد في المغطس أم أنه تزحلق فيه، فقد أثبت لنا أن الحيز الذي تتركه الحكومات لن يملأه إلا أصحاب النفوذ ممن سطو على مجالها الحيوي، فالدول التي تبيع (تخصخص)مرافقها الاستراتيجية ستشكو حتما من العجز والانهيار، والكوارث التي ستحيق بالشعوب ستجد فيه الشركات الخاصة ما يستنزف تحت بنود القانون الوضعي أو القانون الطبيعي الفيزيائي، لذلك فليس هناك ما يجعلنا نقفز من مرحاضنا هاتفين..( يوريكا يوريكا) لتفسير الانهيارات الاجتماعية والاقتصادية التي عانتها وتعانيها الدول والشعوب، ولا أن نتوقع انهيار الغرب نتيجة لذلك لأن الغول يتغول باستمرار، وكل ما هنالك هو أن شعوبه الحمقاء المغرورة تدفع ثمنا على اي حال سيكون أقل مما سندفعه نحن حالما يصل البلل إلى ذقوننا بعد سنوات قلائل..وبهذا نستنتج أن 2022 لن يغير كثيرا في واقع حاصل، بل هو ما نفترض أنه سيكون تتويجا للإرهاصات التي نعايشها اليوم في وطننا العربي الحزين.


**


لنعد إلى الفطبول وكأسها العالمية التي تراكلت في سبيلها الدشاديش العربية كرامتها.. أو دعنا لا ندخل في صيغ الكرامة، فالجماعة تعتبرها صيغ شاعرية لا تليق بعملية الزمن الواقع!


سنقول أنها تراكلت مستقبلها العملي وواقعها بعد أن تبلغ من العمر عتيا، وبذلت في سبيل ذلك برقع العروس وأرض الربع وترعة البلد، فعلت فعل قبائل الإنكا والأباتشي التي استبدلت بالزجاج الملون الأرض والحاضر والمستقبل وبطبيعة الحال التاريخ الذي لا يصلنا إلا من منشورات “بنكيون”!


نبدأ من حيث لامسنا أول نوبات الغثيان حين بدا أن الأمر لاعتراف الأمم بحقوقنا يأتي من باب الركوع تحت عتبات اليهود، لا لنطهو طعامهم أو نغسل أوانيهم حيث ترفض تعاليم التلمود والتوراة ذلك، بل لنثبت جديتنا في تمني تحقيق أي شيء دون ذلك.. الحديث العابر للولد اليهودي الذي كان عليه أن يظهر انتماءاته الدينية كما نعتقد والعرقية السياسية كما يعتقدون بارتداءه “للكبه” المدورة على الرأس في مواجهة بريئة مع الولد العربي الذي يصافحه بسعادة.


يأتي التأكيد لاحقا، ومرارا وتكرارا على لسان كل متحدث باسم ملف قطر عن” زوال الانطباعات المسبقة عن الشرق الأوسط” – هنا يفسر الشرق الأوسط بالمنطقة العربية التي يتحدث الشيخ القطري نيابة عنها، وهذا التعهد يحمل في طياته تلميحا بالقضاء على المعارضة الفطرية الشعبية للتعامل مع العدوان الصهيوني الغربي على الأرض العربية من جانب، ومن جانب أكثر وضوحا يأتي التفسير بقدرة قطر على ضمان أمن وحماية الإسرائيليين من أي احتمال للاعتداء عليهم، ما يبدو أكثر من مجرد تلميح لتغيير قواعد الاشتباك ما بين النظم الحاكمة وبين الجماهير المعارضة، وبالنظر الى المدة الزمنية الطويلة مقارنة مع تحتاجه الاجراءات الأمنية من زمن بسيط للتغيير، فهذا يعني تغييرا ثقافيا وذهنيا يشمل جيلا كاملا على مر 12 عاما يعطي تفسيرا حقيقيا وعمليا لمعنى تغيير “الانطباعات” و”الصور النمطية عن الشرق الأوسط”


ثم يأتي التركيز الشديد عن تعبير” الشرف الشرق الأوسطي” بالحصول على الاستضافة، وهي زبدة الموضوع، فبالعودة الى الفرح الطفولي اليهودي العربي المسلم كما يفترض أنه تفسير للمستقبل الذي سيبلغ فيه الولدين اشدهما وسيكونان فيه شريكين في قطف مكاسب هذا الاحتفال العالمي، الذي سيقام في إقليم إداري وسياسي واحد في ذلك الزمن يسمى الشرق الأوسط بتعريف سياسي يعبر عن منطقة سياسية وجغرافية حقيقية بعد ان ظل طوال هذه السنوات مجرد تفسير تعريفي لمناطق نفوذ استعمارية مجزئة، وهذا هو التعبير النهائي الذي طالما حذر منه المقاومون العرب،ونعني بذلك استنساخ تجربة الاتحاد الأوروبي -التي يطرحها أزلام الاستعمار بصيغة الحلم- على الوطن العربي ومحيطه الإسلامي لكن مع سيادة إدارية لن تخرج من قبضة الكيان الصهيوني، الذي صنع لينظر إليه بوصفه جنة التكنولوجيا والمعرفة والقوة في المنطقة، التي ستغدو دولها دويلات حكم ذاتي إقليمي تتولى فيها الحكومات تسيير الحد الأدنى من أمور الشعب الإدارية، بعد أن تكون الأرض البكر بالنسبة لنفوذ الشركات الكبرى قد تهتكت وفقدت عذرية معظم مجالاتها الحيوية لصالح الخصخصة والسوق الحرة.


**


لقد علمنا التاريخ الحديث الكثير من العبر عن ظروف مشابهة للاقتحام الرأسمالي في أمريكا اللاتينية.. تشيلي، البرازيل، الأرجنتين، أورغوي، المكسيك، فنزويلا، بوليفيا.. وفي آسيا ماليزيا وأندونيسيا دون أن نغفل أوروبا وامريكا التي عاشت الانقلاب مبكرا حتى اصبح أمرا واقعا لا يخرج عليه الا متهم بالإرهاب.


واقع الأمر أن ما نقلناه عن أثقال أمريكية خاصة فيما يتعلق ببند الاقتصاد ستبحث عن كاهل قطر وباقي أقطار الوطن العربي والأمة الإسلامية المحيطة لتأكل من أكتافها بدواعي التطوير والتنمية الاقتصادية.


لا علم لي بما ستفعله على وجه التحديد الخمسين مليار دولار المعلن عنها لتحديث بنية قطر التحتية في استقبال المتنافسين على الكأس الذهبية،ولا أقصد بالتأكيد الشكل المجرد للتصريحات التي تتحدث عن حفر شبكة قطارات وبناء ملاعب وتجهيز فنادق، بل ما هو أعمق من ذل،ك وذلك نتركه لفقهاء الاقتصاد العروبيين والأصدقاء حول العالم الذين يقع على عاتقهم تشريح الصورة الاقتصادية المقبلة لنا وتهيئة أدوات الصراع في مواجهتها، لكني أعلم أن أقل من هذا المبلغ تسبب بملايين الضحايا بين قتلى ومفقودين ومعتقلين ومشوهين عدا عما يلحق ذلك من فقراء ويتامى ومشردين، في الدول التي أسلفنا الذكر عنها.


الأمر كان دائما واضحا لدهاقنة السوق الحديثة، من “تلاميذ ميلتون فريدمان” أو “صبيان شيكاغو” أو “مافيا كلية الاقتصاد” وغيرها من الألقاب التي كانت تخلع علي فلاسفة السوق الحديثة في كل بلد اقتحموها بنظرياتهم الوحشية، بأن المقاومة ستكون أكيدة من جماهير ستدافع عن حقوقها الوطنية التي ستسرق بقوة القوانين الوضعية لتوضع في ايدي قطاع طرق أمريكا الجدد، وبذلك استبقت دائما الأحداث باختراق الطبقة السياسية الحاكمة بضخ المزيد من الخريجين الجدد الذين انهوا دراساتهم الأكاديمية في امريكا، خصوصا في جامعة شيكاعو سيئة الذكر، وتزويد الجامعات بأساتذة من نفس المنهج، وبذلك يكون أولائك المتحمسون ربيبوا الثقافة الامريكية الرأسمالية المتحررة جاهزون لسن القوانين التي تبرر الاقتحام الهمجي للسوق، بدعوى نمط السوق الجديدة بعيدا- سواء- عن فساد أو عدم خبرة-سيان- المسؤولين الرسميين، فتطرح كل القطاعات في الدولة للخصخصة، وتسرح النسب الأكبر بين العمال، وترتفع الأسعار وتخفض الضرائب على الاستثمارات العابرة للقارات، ويقمع المعارضون بتهمة الفوضى وتعكير الأمن والاعتداء على الممتلكات الخاصة- حيث لن يوجد شيئ عام في تلك الأثناء سوى السجون.


ستنتعش تلك الدول مجازيا في بادئ الأمر، لكن مع غياب نفوذ الدولة ينفلت الجشع من عقاله، وبعد أن تكون الدولة قد باعت كل ما تملك ستجد نفسها مضطرة للاستدانة من القطاع الخاص أو من البنوك العالمية أو حتى صندوق النقد والبنك الدوليين وتوقع على مزيد من الشروط وترهن أجيالا أكثر وأبعد.. باختصار ستخرب مالطا ولا داعي للمزيد من الشرح


**


في حالتنا العربية مع قطر، أرض الغاز وبوابة الانفتاح الجديدة إلى جانب شقيقتها المجروحة دبي، سيتفجر لدينا وضع مشابه، ولا نستبعد أن يكون عنيفا مثلما كان في امريكا اللاتينية أو آسيا، لكننا نرجح اللعب على وتر الثراء الحاصل أساسا في تغييب الألم، وهذا يعيدنا الى نظرية لاعبي الخفة التي تحدثنا عنها سابقا، والتي تشترط بديهيا على لاعب الخفة الناجح في خدعة الطاقية والأرنب ألا يستخدم حيوانا آخر، فالأرنب حيوان يبدو جبانا إلى درجة أنه يتجمد خوفا عند أقل مواجهة، وهو مسالم لأبعد حد حتى أنه لا يتلوى عند ذبحه، وبالتالي هو نموذج رائع لمن أراد أن يسيطر على جمهوره المخدوع. على عكس القط، الذي سيكون مثار قلق لإفساد أي خدعة قد تقوم بها، إنه مثل قطط المغني فكتور جارا والكاتب كارلوس فونتيس والوزير روجييه والشاعر بابلو نيرودا إلى آخر قائمة الشهداء والمبعدين الذين يجب القضاء عليهم في أمريكا اللاتينية حتى تبدأ اللعبة، بخفة وبدون ضجيج.


أما هنا فنخشى أن الأمر أكثر طواعية مع الأرنب الموشى بذهب كأس العالم، الذي سيفتح علينا بوابة العصر الجديد.. عصر الشرق الأوسط على مصرعيه، حيث ستضيع الهوية العربية حتى القطرية منها، ليمكن لدولة صغيرة مثل قطر من استيعاب هذا الحدث العالمي الذي لن تقوى، وربما لن ترغب باقي الدول العربية الغيورة مساعدتها فيه، ولن يملك تلك الإمكانات -لا نعني المادية- سوى فتح السوق الشر أوسطية بحرية أمام شركات القطاع الخاص العابرة للقوميات، وتحت نظر جنة التكنولوجيا والادارة “اسرائيل” الشريكة


قد تنشب حرب أو اثنتين خلال هذه الأعوام، ستتغير ملامح شرقنا العربي والإسلامي إلى الأبد، ولكن ليس في هذا كارثة، لأن المصيبة ستكون حين يحدث كل هذا دون مقاومة شعبية تذكر تحت الاقتناع بمخدرات لفظية كثيرة، أعني من ذلك النوع الذي أصبحت فيه تتوالد شركات خاصة لحفر القبور الجماعية دون وجود من يجرؤ على البكاء عليهم..

 

 





الاحد٠٦ محرم ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٢ / كانون الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد لافي ''الجبريني'' نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة