شبكة ذي قار
عـاجـل










قد يصنع الانسان من جسده قنديل ضوء حين يضرم النار فيه كي ينير طريق الثوار، كما فعلها محمد البوعزيزي في تونس فاصبح بطلا مخلدا في التاريخ بعد ان اسقط نظاما عتيا، وقبل ذلك كان قد بح صوته وصوت الملايين من ابناء شعبه صراخا من ظلم سجاني 'الباستيل' في ذلك البلد، امام صمت دول العالم المتحضر ومنظمات حقوق الانسان، التي يبدو انها لا تفيق الا على رائحة شواء الاجساد ولون الدم القاني المسفوح على الطرقات. عندها فقط تتحرك لا لمصلحة المظلومين ولكن للملمة بقايا مصالحها وستر فضائحها التي بها تغول الحكام.


واذا كانت البشرية قد عرفت هذا الاسلوب الاعتراضي على الاوضاع السياسية والاجتماعية في العصر الحديث، ومنحت القائمين بهذا الفعل صفات البطولة كون الجود بالنفس من اجل المجموع هو اقصى غاية الجود، منذ ان احرق الراهب الفيتنامي  ( ثيك دونك )  نفسه معترضا على الاضطهاد الديني في العام 1963 في ظل النظام الحاكم انذاك، ثم الامريكي  ( نورمان موريسيون )  في العام 1965 في احتجاجه على الحرب الامريكية في فيتنام، ثم تلاهم الطالب التشيكي  ( جون بالاتش )  في العام 1969 اعتراضا على الاحتلال الســــوفييتي لبلده، فان ثقافة الكثير من الاديان والفلسفات ربطت النار بمفهوم التطهر من الاثام، وانها وسيلة من وسائل التكفــــير عن الذنوب ومعاقبة النفس البشرية على ما اقترفته بحق الاخرين، وتنقيتها مما لحق بها من المفاسد والادران.


ان القيم العليا التي دفعت اولئك المضحين بانفسهم حرقا من اجل المجموع، فرضت على المجتمع البشري النظر اليهم بمنظار البطولة حتى من قبل المعترضين على تلك الطريقة في الاحتجاج، لانهم اجتهدوا في استفزاز المشاعر الانسانية للاخرين من اجل التحرك ضد الباطل وتحرير المجموع، ولم تكن لهــــم اية مصلحة ذاتية يبغون تحقيقها لانفسهم لانهم يعرفون جيدا بان حياتهم سوف تنتهي في تلك اللحظة المأساوية.


لكن الذي لا يمكن فهمه اطلاقا هو قيام البعض بدور الدلالة للمستعمرين على بلدانهم، واحراق شعوبهم، وتفتيت اوطانهم، والسطو على ارادة اهلهم من اجل مصالح ذاتية ضيقة، وهذا هو الذي ما زال يحصل في العراق منذ التاسع من نيسان العام 2003 وحتى الوقت الحاضر.


'فلقد تعمدت الطغمة الفاسدة المتسلطة على رقاب شعبنا التضحية بالشعب وحاضره ومستقبله، منذ ان كانت في خانة العمل المعارض في الخارج، والذي كان ابعد ما يكون عن العمل السياسي الشريف المعارض المعروف في ادبيات التراث السياسي العالمي، والذي يهدف الى تغيير اسلوب ومنهــــج محدد لسلطة سياسية معينة باسلوب اخر اكثر تقدما وحضارية في سبيل خدمة الوطن. فلقد غاب مفــــهوم معـــارضة السلطة السياسية عن اذهانهم تماما، وانتقلوا لمعارضة العراق كشعب وتاريخ ووطن وحضارة، فجعلوا من انفسهم بيادق تتحرك وفق اجندات دولية واقليمية معروفة بعدائها للعراق كوجود وهوية، وانطلقوا في تزييف الحقائق والوقائع في مرحلة الاعداد للغزو، من خلال مصادر المعلومات الكاذبة التي افتعلها الجلبي وعلاوي وطالباني والحكيم، من خلال علاقاتهم الاستخبارية مع الكثير من اجهزة المخابرات العالمية، فكان ان تم تمديد الحصار الظالم على شعبنا اعواما طويلة حصد الموت فيها الكثير من ارواح الشيوخ والاطفال، كما ساعدوا في اعطاء تلك الاجهزة الاستخبارية المبررات الكاذبة لاستمرار عمل لجان التفتيش التجسسية لتحطيم القدرات الوطنية العراقية الذاتية، من خلال ابتزاز علمائه وتهديدهم وتدمير اسلحته التي يمكن ان تشكل خطرا عليهم في المرحلة التي يغزون فيها العراق، كما قبلوا ان يكونوا ادوات تغيير لجغرافية الوطن التي اقرتها تلك القوى المعادية خدمة لمصالحها الاستراتيجية، فكان تطبيقها العملي واضحا على مدى السنوات الثماني التي سطوا فيها على السلطة تحت ظل الاحتلال، حتى بات العراق اليوم فيه الجزء يتحكم بالكل، وتعتدي فيه ما تسمى  ( الحكومات المحلية )  في المحافطات على حقوق المجتمع العراقي ككل وكانها دول داخل الدولة، وتتقدم المصالح الخاصة فيه على المصلحة الوطنية العليا، واصبح تقسيمه على اسس طائفية وقومية واضحا على ارض الواقع، كما هو اوضح من ذلك بكثير في تركيبته السياسية، كما اصبح الخطاب الاعلامي للقوى السياسية يحوي الكثير من المفردات المفرقة على اساس انها وقائع على الارض، كما ان افعالهم اصبحت اكثر دفعا للمواطن كي ينزوي في خيمة طائفية او اثنية بعيدا عن الخيمة الوطنية، حتى باتوا اليوم يتجرأون في الحديث عن الاقليم المسيحي والسني والشيعي والكردي، وان المجتمع العراقي ليس سوى مجموعة مجتمعيات شيعية وسنية وكردية وتركمانية وغيرها.


لقد ارتقى الاثم الذي ارتكبه اطراف العملية السياسية في العراق بكل صنوفهم والوانهم، سواء احزاب الاسلام السياسي السني والشيعي والاكراد الى مستوى الخيانة العظمى بحق الشعب والوطن، لما ارتكبوه من جرائم نهب وسلب وقتل واثراء فاحش، حتى بات الشعب العراقي يتسول الغذاء والدواء اسوة بدول العالم الفقيرة التي يضرب مجتمعاتها الجهل والمرض، وها هو المفوض السامي للامم المتحدة لشؤون اللاجئين يسعى من اجل توفير لقمة خبز الى اللاجئين العراقيين، فيوجه نداء استغاثة لدول العالم لتوفير مبلغ 280 مليون دولار لدعمهم بعد يومين من عودته من بغداد، التي يبدو انه فشل في اقناع المسؤولين فيها من الحصول على هذا المبلغ، بيـــنما وصلت حصة الرئاسات الثلاث واعضاء مجلس النواب وموظفيهم من مجموع الموازنة التشغيلية العراقية للعام 2011 الى نسبة 21'، حيث ان مخصصات النقل والضيافة والسفر والمنافع الاجتماعية تصل الى مليون دولار شهريا لرئيس الجمهورية وكذلك رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، في وقت يعلن فيه وزير النفط العراقي عن ارتفاع صادرات العراق النفطية الى اكثر من مليوني برميل يوميا في ظل ارتفاع اسعار النفط العالمية.


ان الارتماء في احضان الغزاة والمستعمرين والاصطفاف في صفهم ضد الشعب والوطن بمبررات عدم القدرة على التغيير الا بعد الاستعانة بالقوى الكبرى، التي روجت لها اطراف العملية السياسية لتبرير عمالتهم واجرامهم بحق الوطن، قد بان زيفها بعد ان استطاع الشعب العربي في تونس القيام بثورته المجيدة مستعينا بامكاناته الذاتية دون عون خارجي، فكان هذا الحدث تعرية لكل الاصوات التي شرعنت الاحتلال وايدته، وباركت العملية السياسية ونظرت لها في محاولة فاشلة لاضفاء الشرعية على ولادتها، كما انها ايدت صواب النهج الذي اختطه المعارضة الوطنية العراقية الشريفة التي رفضت الاصطفاف ضد الوطن وهو يمر بمحنة الحصار والاستعداد الغربي للعدوان عليه، والتي اختارت الوطن لا السلطة فطوت خلافاتها مع القيادة السياسية العراقية واختارت ساحة العراق لمواجهة الغزو.


ان الشعب العراقي الذي عانى كل هذه المأساة المهولة من قبل اطراف العملية السياسية اللااخلاقية، الذين فتحوا ابواب الجحيم على مصراعيها بوجهه وشرعنوا الاعتداء على ارضه وعرضه، وتزعموا فرق الموت لقتله بجهد الدولة واجهزتها ومناصبها وعناوينها، التي يفترض ان تكون لخدمته ورفاهيته وسعادته، انما يدعون قادة الكتل السياسية الذين صنعتهم المخابرات الاجنبية، احمد الجلبي، واياد علاوي، وعمار الحكيم، والطالباني، والبرزاني، ونوري المالكي، وابراهيم الجعفري، والذين التحقوا بركبهم فيما بعد كل من محسن عبدالحميد وطارق الهاشمي واسامة النجيفي ورافع العيساوي وصالح المطلك، يدعونهم الى تبصر الموقف الشجاع الذي اقدم عليه الشاب التونسي البوعزيزي وان يقارنوا فعلهم بفعله، عندها سيكون من اليقين الثابت اقدام كل هؤلاء على حرق انفسهم علانية امام العالم اجمع، تطهرا من الاثم الذي اقترفوه بحق ابناء شعبهم، ان كان مازال فيهم بقية ضمير يتحسس عمق ماساة اهلهم، او بعض ايمان باستحقاقات الوطن والمواطن.


اما المالكي فالاجدر به اليوم ان ينفجر باكيا لانه عجز عن ان يكون ضمير الامة مثل محمد البوعزيزي، وان يجلد ذاته بملايين السلاسل الحديدية، حتى تسيل الدماء من رأسه حتى اخمص قدميه، قبل ان يفعل ذلك في المناسبات والطقوس الدينية الحسينية التي يحرص على ممارستها، لان شعبه مازال يعاني من المأساة التي ادخلهم فيها، ومن السجون السرية والعلنية التي لازالت رائحة دماء الابرياء طرية فيها ومن شهوة السلطة التي تلبسته حتى فقد بصره وبصيرته، فراح يداهم بيوت الناس الابرياء ويغيب ابناءهم بعد ان تلبسه الظن بان الجميع يريد سرقة السلطة منه.

 

 





الاثنين٢٧ صفر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣١ / كانون الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مثنى عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة