شبكة ذي قار
عـاجـل










يبدو أن البعض من قادة هذه الامة لازالوا مصرين على أن يستثمروا سياساتهم في الزمان والمكان الخاطئين، على الرغم من تجاربهم السيئة التي كلفت الامة الشيء الكثير، بل انهم لم يتعظوا بكل تلك التهديدات التي جرتها سياساتهم الفجة، حتى على أقطارهم، والتي جعلت أراضيهم تحت مرمى النيران المعادية. كما لم تحصد الامة من مواقفهم ومن علاقاتهم الدولية الاستراتيجية، ومن أموالهم ومن خبرتهم في السلطة والحكم على مدى أكثر من قرن من الزمان، غير الخراب وضياع الحقوق، على الرغم من الزعامة السياسية والدينية المعقودة لهم في العالمين العربي والاسلامي، ونحن نقصد هنا بالتحديد السياسة التي تمارسها القيادة السعودية.


ففي كنف هذا الحراك الشعبي الثوري الذي يجتاح الشارع العربي، منذ أن فتحت مصاريع بواباته الثورة التونسية الرائدة، والذي امتد شرره الى كافة أصقاع الوطن العربي الكبير، فتناغمت معه الثورة المصرية الباسلة، يطل علينا موقف القيادة السعودية الغريب من الحدث المصري والمنحاز انحيازا أعمى الى الرئيس حسني مبارك، حتى أنها تجرأت في وصف الشباب الثائر بأنهم ليسوا سوى مجموعة مندسين وعابثين بأمن مصر واستقرارها، ويبدو واضحا جدا أنها كانت تبغي من وراء هذا الدعم لحسني مبارك، وهذا الوصف الساذج والظالم للثوار، في موقفها المبكر، الذي سبق مواقف دول الاقليم كافة، الى استغلال قطبيتها في المنطقة العربية للضغط على الاخرين، خاصة دول الخليج العربي لاتخاذ نفس الموقف، وقطع الطريق على أي موقف أخر يكون داعما للثوار، وبذلك فقد ارتكبت خطيئة كبرى في حق الشعب العربي المصري، الذي أدارت ظهرها له وفضلت مصالحها وطبيعة علاقاتها الحكومية مع ذلك النظام عليه، في وقت كان من الحكمة السياسية أن تنحاز اليه، أو أن تقف على الحياد حتى ينجلي الموقف، أو أن تلوذ بالصمت وذلك أضعف الايمان.


ان موقف القيادة السعودية من الثورة المصرية قد يكون غريبا بعض الشيء في النظرة السطحية للامور، لكن الدراسة المعمقة له تبين أن ذلك الموقف كان لابد أن يكون كذلك، ولا شيء غيره، لانه نابع من مصلحة النظام السعودي الذي يرى أن سقوط النظام المصري، انما يجعل ما يسمى محور الاعتدال العربي في مواجهة غير متكافئة اطلاقا مع قوى الثورة العربية، كما أن سقوطه قد يشكل دافعا للولايات المتحدة الامريكية لان ترفع تدريجيا غطاءها عن النظام السعودي أيضا مستقبلا، وهذا الذي أكدت عليه وزيرة الخارجية الامريكية، في تصريحها قبل أيام، عندما قالت (يخطئ من يعتقد من زعماء الشرق الاوسط أنه في مأمن من التهديدات السياسية) اضافة الى أن هذا الموقف انما ولد من طبيعة العلاقة الاستراتيجية التي ربطت النظامين على مدى عقود من حكم الرئيس مبارك في مصر. فلقد شكل النظامان جناحي غراب السياسة المضادة للمصلحة العربية، وتفتيت المواقف العربية الى محاور، واسكات كل الاصوات التي تدعو الى المطالبة بالحق العربي، واشاعة ثقافة التخويف بين أبناء الامة، كما حرصا تماما على المصالح الاجنبية في المنطقة العربية، وتمرير المشاريع الامريكية والاوروبية المعادية لتطلعات الامة، وكان اصرارهما واضحا تماما في تقديم المبادرات وعقد المؤتمرات لاعداء الامة، مثل مبادرة الملك عبدالله التي سميت مبادرة السلام العربية، التي قذفها العدو الصهيوني عشرات المرات في وجه مبادريها، وبقي النظامان السعودي والمصري يسوقانها سنة بعد أخرى طمعا في رضى الراعي الامريكي. وكذلك مؤتمرات حوارات الاديان التي حرص فيها النظامان على جعلها محاولة لكسر الحاجز النفسي بين الشعب العربي وأعدائه، من خلال توريط علماء الامة في مصافحة أعدائهم، من دون أن يقدم الاعداء أي تنازل عن الحقوق العربية، كما أنهما حاولا التفرد بالموقف العربي واحتكار الزعامة السياسية والاستحواذ على كل حيثيات المنطقة العربية، وتشكيل أنظمة سياسية موالية لهما في هذا البلد العربي أو ذاك، حتى وصل بهما الحال الى تأليب الدول الغربية على اية دولة عربية تحاول الخروج عن نطاق سياستهما في المنطقة العربية.


ان كل هذه المشتركات وغيرها كان لابد أن تكون عنصرا فاعلا في قرار دعم حسني مبارك من قبل القيادة السعودية، والنأي بنفسها عن الاستثمار السياسي الصحيح في الشعب المصري، الذي قدم الغالي والنفيس في الدفاع عن مصالح الامة، وكان أكثر المتأثرين اقتصاديا واجتماعيا وعسكريا من الحروب العربية، بينما كان الاخرون يبنون امبراطورياتهم المالية، والذي مارس دور الاخ الكبير لاشقائه العرب وترك ثيابه ممزقة كي يلبس أشقاؤه الحرير، وهاجر الى كل أصقاع الكون كي يعمل في وظائف بائسة كي يستر جوعه، بينما أشقاؤه الاخرون يسيحون في دول العالم الغربي ينفقون أموال وثروات الامة بأنانية مفرطة.


ان موقف القيادة السعودية المجافي لحقائق الواقع، والداعم لرئيس مخلوع خرج عليه شعبه في كل مدن مصر، رافضا بيعته ومطالبا اياه بالرحيل، بعد أن حول مصر من دولة عربية محورية الى قاعدة خلفية ساندة لكل السياسات الامريكية، وعمل كوكيل تحقيق عندما وضع سجونه ومحققيه في خدمة المخابرات الامريكية للتحقيق مع من يسمونهم (الارهابيين)، وفتح أكاديمياته العسكرية بأمر الامريكان لتدريب قوات ما يسمى الجيش والشرطة العراقية والفلسطينية، على فنون تعذيب وقتل المواطن، وأثرى على حساب شعبه مع شلة الفاسدين مصاصي دماء الشعب المصري، الذين أتى بهم الى السلطة، نقول ان هذا الموقف يذكرنا بموقف القيادة السعودية من النظام السياسي الذي كان قائما في العراق، منذ العام 1991 وحتى العام 2003 والذي يتناقض تماما مع موقفهم اليوم من نظام حسني مبارك. فلقد تآمرت على العراق أرضا وشعبا وقيادة سياسية، ووضعت كل امكانياتها المالية والسياسية والعسكرية في الجهد الذي كان يستهدف تدمير البلد، واشترت بأموالها الكثير من الاصوات لهذا الغرض، ولملمت بعض اللصوص والانتهازيين من دول أوروبية لتشكل منهم ما سمي (المعارضة العراقية)، ودعمتهم بالمال والاعلام والسياسة، بل تطرف سفيرهم في واشطن وأحد أعمدة العائلة المالكة في موقفه عندما عاهد المجرم بوش، بأن لا يحلق ذقنه الا بعد احتلال العراق واسقاط نظامه السياسي، ثم جاءت وثائق ويكيليكس لتقول بأن الملك عبدالله بن عبدالعزيز كان قد حث الامريكان ليس على اسقاط النظام السياسي القائم فيه فقط، بل والتخلص من صدام حسين شخصيا، وكان الكثير من الشخصيات القومية العربية من دول الخليج يصرحون في زياراتهم السرية الى بغداد، عن الضغط السعودي عليهم كي يباركوا سعيهم الهدام ضد العراق، حتى تجرأت بعض الاصوات على النيل من القيادة العراقية والتهجم عليها، والطلب من صدام حسين التخلي عن السلطة ومغادرة البلاد، وكان في مقدمة هؤلاء وزير الاعلام الاماراتي آنذاك الذي يتولى حقيبة الخارجية اليوم، والذي نأى بنفسه عن التصريح بمثل تلك التصريحات بحق حسني مبارك، ولم يطلب منه مغادرة البلاد، على الرغم من أنه يسمع جيدا اليوم صوت الشعب العربي في مصر طالبا منه الرحيل.


ان المفارقة الكبيرة في موقف القيادة السعودية الداعم لحسني مبارك والمتخوف من رحيله، هي أنها لم تجد أي صدى لموقفها في أي بقعة من العالم، حتى من قبل حلفاء مبارك المخلصين، مثل الامريكيين والغربيين، الذين أجمعوا على ضرورة رحيله الان وليس غدا، سوى موقف بعض الاطراف الصهيونية، ومنهم بنيامين بن اليعازر أحد الاقطاب اليمينية البارزة في حزب العمل ووزير الدفاع السابق، الذي يقول (اسرائيل لا تقوى على فعل شيء غير أن تعرب عن دعمها للرئيس حسني مبارك) وينتقد الولايات المتحدة الامريكية لفشلها في دعمه، وقد يكون موقفه هذا مفهوما على اعتبار أن الشروط التي تضمنتها معاهدة كامب ديفيد، لا يمكن أن تكون أزلية ولمصلحة اسرائيل، الا في ظل قيادات سياسية على شاكلة حسني مبارك، وان أي تغيير في هذه القيادات سيجعل تلك الاتفاقية في مهب الريح، كما يقول بذلك وزير الخارجية الاسرائيلي موشيه أرينز (أنظمة دكتاتورية فقط هي التي يمكنها، الوفاء بتلك الشروط لصالح اسرائيل، وسيصعب على أي ديمقراطية قبولها).


ان المنطق السياسي العقلاني السليم الذي يفترض أن يكون عليه الموقف العربي الرسمي، ومن ضمنه موقف القيادة السعودية، انما هو الوقوف الى جانب الشعب العربي المصري الذي يطالــــب بحقوقه المهدورة من سنين طويلة، كما أنها مصلحة عربية جامعة أيضا، بعد أن جعل هذا النظام من مصر ثغرة لتهديد الامن القومي العربي لصالح العدو الصهيوني، وان عليهم التيقن من أن مبارك ذاهب اليوم أو بعد غد، بينما مصر، أرضا وشعبا، باقية وأن دورها وتأثيرها لصالح الامة لابد أن يستمر  .

 

 





الثلاثاء٠٥ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٨ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مثنى عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة