شبكة ذي قار
عـاجـل










ما من إنسان إلا وانبهر من المشهد المصري، وقبله التونسي، وبكل الحراك الشعبي الذي شهدته وتشهده ساحات عربية عدة في مغرب الوطن العربي مشرقه. هذا الانفجار الشعبي الذي أسفر حتى الآن عن إسقاط سلطتين سياسيتين، ويطرق بقوة أبواب سلطات أخرى هو تطور نوعي في الحراك الجماهيري لم يشهد الوطن العربي مثيلاً له على مدى العقود السابقة.

 

وإذا كان لكل قطر عربي ،ميزات تختلف عن الآخر لجهة المكونات التي تؤلف المجموع الشعبي، فإن ما أتضح سريعاً أن الشعوب التي لا تعيش تحت وطأة الانشطار العمودي في تكوينها البنيوي، هي الأكثر قدرة على استمرارية تزخيم تحركها وإعطائه بعداً وطنياً شاملاً وبالتالي تحقيق نتائج سياسية أسرع في سياق عملية التغيير الشاملة. وان النموذجين الأبرز، هما النموذج المصري والتونسي. فيما التحركات الشعبية في أقطار أخرى تواجه صعوبات أكثر، نتيجة للتعقيدات التي تحيط بواقع مجتمعات هذه الأقطار، من أثنية وطائفية وقبلية وعشائرية.

 

في غمرة هذا الانبهار العاطفي، بهذا التحرك الشعبي، يجب قراءة هذا الحراك، قراءة موضوعية هادئة للتعرف على الأسباب الفعلية لهذا الانفجار الشعبي، ومن ثم التأشير على الاحتمالات المستقبلية للصيغ السياسية التي سترسو عليها المحصلة النهائية لهذه لانتفاضات الشعبية.

 

من خلال قراءة الواقع بهذه الانتفاضات الشعبية، يمكن تلخيص أسباب هذا الانفجار الشعبي بثلاث:

 

سبب أول يرتبط، بالأزمة الاجتماعية التي تفاقمت في الآونة الأخيرة، وعدم قدرة النظام السياسي على تقديم حلول لهذه الأزمة واحتواء تداعياتها، بسبب شراهة الرأسمال الاستثماري الذي تجمع في أيدي قلة متناقصة، امسكت بمفاصل السلطة، ووظفت العام في خدمة الخاص. وكان من جراء ذلك، اسشتراء الفساد وانعدام فرص العمل أمام العدد المتنامي من المتقدمين إلى سوق العمل، وانعدام المساءلة بسبب تمكن الممسكين بمفاصل السلطة من التحكم بالهيئات الرقابية، قضائية كانت أم ادارية أم شعبية.

هذه الأزمة الاجتماعية كانت تدفع دورياً فئات جديدة إلى ما دون خط الفقر، بحيث كانت الطبقات الفقيرة تتسع أفقياً في انعدام ملحوظ للتوازن مع الطبقات الأخرى.

أما السبب الثاني، فيرتبط بضعف أو انعدام الهيكلة السياسية للمجتمع، حيث أن بعض الأنظمة حرّمت العمل السياسي المنظم، وبعض آخر انشأ احزاباً سياسية بقرارات سلطوية وسن قوانيناً جعلت حراك الأحزاب السياسية المعارضة، ضمن دائرة المحاصرة وانعدام الفرص المتكافئة.

 

إن غياب الديموقراطية عن الحياة السياسية في المجتمعات العربية، جعل من عملية تداول السلطة، عملية منعدمة الوجود، ودفع النظم الجمهورية، لأن تتحول فعلياً إلى نظم ملكية تتوارث السلطة على قاعدة الوراثة العائلية، وكأن الدولة هي إرث شرعي، وملك شرعي، لها حق التصرف به، وحق التحكم بمقدراته دون اعارة أي اعتبار للحق العام. حق الشعب بمقدراته، وحق الشعب في اختيار سلطته السياسية، وفي أحسن الحالات حصر حق الخيار بما يقرره رأس النظام.

 

هذا التغييب للديموقراطية، أدى إلى تهميش القوى المجتمعية وجعلها أما عرضه للالتحاق بالنهج السلطوي السائد، وأما الملاحقة لمن يصر على ممارسة سياسية، وأما الدفع إلى خارج البلاد. وهذا ما جعل القوى المجتمعية تثّقل بعبء الضغط الناتج عن غياب ديموقراطية العمل السياسي والذي تلاقي مع التثقيل الناتج عن الأزمة الاجتماعية الاقتصادية.

 

أما السبب الثالث، فيرتبط، بأداء النظام الرسمي العربي تجاه القضايا القومية، وخاصة قضية الوحدة وفلسطين.

إن الجماهير العربية، التي تفتح وعيها السياسي منتصف القرن الماضي على قضية الوحدة باعتباره هدفاً تسعى إليه، وتجد نفسها من خلاله، وعلى قضية فلسطين باعتبارها قضية مركزية، وجدت نفسها، في انكفائية مرعبة، لم تقتصر اثارها على التقوقع في حدود الكيانات القطرية وحسب، بل تحت تأثير قوى ضاغطة للنزول تحت سقف التقسيمات القائمة، إلى تقسيمات ترتسم بحدود الطوائف والمذاهب والأثنيات. كما وجدت نفسها تقع تحت تأثير تطبيع ثقافي وسياسي، يبرر للاعتراف بشرعية الاغتصاب الصهيوني لفلسطين، وإقامة علاقة طبيعية مع هذا الكيان الذي لم يقم إلا حساب الحقوق العربية والمصالح العربية الأهداف العربية.  وأكثر من ذلك، فإن الأمر لم يقتصر على هذا الأمر وعلى خطورته وحسب، بل وقفت الجماهير العربية، على انخراط أنظمة عربية في ائتلاف سياسي وعسكري أجنبي يشن عدواناً على أقطار عربية، فيحتل بعضها ويدمر بعضاً آخراً، في اصطفاف غريب يناقض الطبيعة السياسية للشعوب.

 

وعندما كانت الجماهير العربية تتحرك وتتظاهر ضد العدوان الأجنبي على القطر العربي الذي يتعرض للعدوان أو للحصار، كانت هذه الجماهير تقع تحت تثقيل أمني وملاحقة، وأن أعداداً كبيرة زجت في السجون، وأعداداً أكثر حرمت من فرص عملها لمجرد أنها اتخذت موقفاً مناقضاً أو معارضاً للنظام السياسي  الممالىء والمتحالف مع قوى العدوان الأجنبي. وقد انكشف النظام الرسمي العربي، والمفاصل الأساسية فيه انكشافاً مدوياً من خلال التعامل مع موضوع العدوان على العراق، الأول والثاني وما بينهما من حصار، والعدوان على لبنان، وأخيراً وليس آخراً، الموقف من العدوان على غزة وحصارها.

 

من هنا، فإن اداء النظام الرسمي العربي، من القضايا المحورية التي تهم المواطن العربي، في أمنه الاجتماعي والسياسي والقومي، كان في اتجاه، فيما اتجاه المزاج الشعبي كان في الاتجاه المعاكس. وهذا ما أدى في بعض الحالات إلى تصادمات حادة، لكن في حالات أخرى، تحول هذا التعارض إلى غيظ مكبوت والى احتضان متراكم. وقد أدى هذا الغيظ المكبوت والاحتقان المتراكم إلى تفجر بعدما امتلأت الخزانات الجوفية للجماهير وطفح كيلها.

 

وإذا كانت الحركة الشعبية العربية، قد غطت بحراكها حتى الآن غالبية ساحات الأقطار العربية، فلأنها كانت على مستوى الوطن العربي تعيش معاناة واحدة وأن بتلاوين مختلفة وهي تتواصل فيما بينها كتواصل الأوعية المستطرفة. إذ لا يعقل أن يرتفع منسوب التوتر المجتمعي في كل من مصر وتونس ويصل إلى مدياته العليا، وأن تبقى حلقة الوصل الليبية على مستوى متدن من الانخفاض. ولهذا، لم تتأخر الحركة الشعبية في ليبيا من إطلاق حراكها، بعدما استطاع الحراك المصري والتونسي إفراز وضع سياسي، أسقط رموزاً سلطوية، في تراتبيه مختلفة، دون أن يتمكن من إسقاط النظام بكل ضوابطه ومنظومة مؤسساته وإقامة نظام بديل.

 

وهنا يطرح التساؤل الأساسي؟ هل تتوقف مسيرة التغيير، عند حدود ما حصل حتى الآن، أم أن تغييرياً بنيوياً يطال بنى الأنظمة التي تهاوت سلطاتها الحاكمة تحت ضغط التزخيم الشعبي؟؟ ان الاجابة على هذا التساؤل، لا تتطلب تنجمياً ولا غوصاً في الا حجية التي لا تقرأ كلماتها ولا تفك الغازها. بل يتطلب تشخصياً موضوعياً للمتغيرات التي حصلت حتى الآن بأسبابها وما رست عليه حتى الآن من نتائج.

 

من يراقب تطورات الأحداث ونموذجها المصري هو الأهم وهو المتخذ كمثال، كونه المحوري، نظراً لأهمية الموقع المصري وتأثيراته على مداه القومي ومحيطه الإقليمي، يتوقف عند المعطيين التاليين:

 

المعطى الأول: أن الحراك الجماهيري تجاوز قدرة القوى السياسية سواء مما كان في موقع السلطة أو خارجها على احتواء هذا التحرك، أما تطويعاً من قبل القوى السلطوية، وأما قيادة من قبل المعارضة. وهذا ما أدى إلى تسريع في تحقيق نتيجة حاسمة لأبرز عنوان سياسي مرفوع إلا وهو رحيل الرئيس، وترداد شعار" الشعب يريد إسقاط النظام". فقوى النظام وجدت نفسها مكشوفة كلياً من أي تغطية شعبية، وقوى المعارضة وجدت نفسها اعجز من قدرتها على ضبط حركة ضغط الشارع الذي رفض المساومة على شعاره الأساسي. ولهذا اندفعت قوى كثير لركوب موجة هذا التحرك الشعبي، لكنها لم تستطع، لأن حجم الحراك كان أكبر من قدرة هذه قوى على احتواء هذا الانفجار الشعبي الهائل.

 

وبما أن الجماهير المدفوعة بحماسة شديدة لا تجادل،رضخ النظام للشعار الأساسي الذي رفعته الجماهير.

 

المعطى الثاني: أن الجماهير التي احتشدت في ميادين المدن المصرية الأساسية، بحت حناجرها وهي تردد "الشعب يرد إسقاط النظام" لكن الذي تبلور خلال الفقرة القصيرة التي أعقبت رحيل الرئيس عن رأس الهرم السلطوي، أن النظام لم يسقط، بل سقطت السلطة السياسية التي تدير شؤون البلاد. وهذا ثابت من خلال ما يلي:

 

1- ان الجيش الذي يعتبر المؤسسة التي تتولى حماية النظام العام، أنيطت به مهمة الإشراف على إدارة السلطة ريثما تتم الاجراءات الدستورية التي تمكن من إنتاج قوى سياسية جديدة تأخذ على عاتقها مهمة إدارة السلطة. ومؤسسة الجيش تقاطع عندها موقف شعبي مؤيد، وموقف سلطوي غير ممانع لدور للجيش في ضبط الإيقاع السياسي خلال المرحلة التي سميت انتقالية.

 

2- إن السلطة السياسية، التي سقط رمزها الأول، ومعه الحاشية الحاكمة أن على مستوى العائلة وأن على مستوى رموز حزب السلطة، وأن على مستوى كتلة المال والسلطة التي أمسكت بالمفاصل الأساسية في الدولة، الفت حكومة قبل السقوط، وهذه الحكومة التي تعمل بإشراف المجلس العسكري، وأن أجرت تعديلات على تركيبتها وخاصة لجهة الوزارات الخدماتية إلا أن المواقع الأساسية في الحكومة والتي تتولى مسائل الأمن والدفاع والخارجية بقيت دون أن يطرأ أي تعديل عليها. وهذا يعني أن السياسة العامة في قضايا الأمن الداخلي والخارجي والسياسة الخارجية، لم يطرأ أي تغيير جوهري على اتجاهاتها العامة، وكان اللافت أن المجلس العسكري أصدر بياناً أكد فيه على التزام الدولة المصرية بكل الاتفاقيات الدولية والاقليمية التي سبق ووقعت عليها.

 

3- إن الجماهير التي احتشدت في الميادين، غابت عن شعاراتها، تلك المتصلة بالقضايا القومية والتي كانت الأبرز في ثورة 23 يوليو /1952، ولم تتوسع في تعداد مما تريد تحقيقه على الصعيد المطلبي، بل ركزت على شعار رحيل الرئيس وإسقاط النظام، وهذا ما أدى إلى إبراز حالة الشخصنة السياسية، بحيث وأن أدى ذلك وظيفة إيجابية في التسريع بالرحيل، إلا أنه لم يؤدي وظيفة إيجابية في سياق التغيير الشامل وهذا ما يبدو غير متوفر حتى الآن وللأسباب التالية:

 

السبب الأول: إن الذي اتضح حتى الآن، ان مؤسسة الجيش لم تكن بعيدة بعواطفها ومواقفها الضمنية عن الشعارات التي رفعتها الجماهير في الميادين. لأن هذه المؤسسة التي تدير شؤون البلاد منذ عام /1952 عبر رموزها التي تبوأت المواقع الأولى في هرمية السلطة، انتابتها هواجس من سياسية التوريث التي كانت السلطة السياسية تحضر نفسها لها. فالمؤسسة العسكرية كانت ضد التوريث لكنها لم تكن ضد الرئيس، ولهذا تعاملت معه بمرونة تامة لتقطيع المرحلة الانتقالية. وأنه بما رست  عليه الأمور الأولية، يمكن القول بأن المؤسسة العسكرية، استردت السلطة بسلاسة وتحت شعارات ديموقراطية التغيير.

 

وأن تشرف هذه المؤسسة، على إنجاز ما جاء في رسالة التعديلات الدستورية التي أعلنها مبارك قبل تخليه عن الرئاسة، فإنما هو الاثبات بأن بصماتها ستكون واضحة على التعديلات الدستورية التي ستمكن من إنتاج سلطة سياسية ومدنية بطبيعة المحال، لكن تحت رقابة المؤسسة العسكرية التي وافق الجميع على إناطة السلطة بها خلال المرحلة التي سميت انتقالية.

 

أليس مستغرباً أن ينتفض شعب لتغيير نظام ويطلب من الجيش استلام السلطة الجديدة ولو لمرحلة انتقالية ؟

 

السبب الثاني: ويرتبط بالأول وهو أن الحركة الشعبية التي انخرطت بأشكال مختلفة في الحراك الجماهيري، وطلبت أن يعهد للمؤسسة العسكرية إدارة شؤون البلاد، لتهيئة الظروف لإنتاج سلطة جديدة، هي دون إمكانية قيادة المرحلة حتى في المرحلة التي سميت انتقالية، وهذا أن دل على شيء فإنما يدل، على أن القوى السياسية التي انخرطت في التحرك أو التي ركبت موجته وجدت نفسها أمام مأزق كبير، ناتج عن عامل المفاجأة في تحقيق الشعار المحوري، وبالسرعة التي حصل بها، وأيضاً عامل القصور التنظيمي والفراغ السياسي الذي لم تستطع القوى المنظمة الموجودة والعاملة ملأه. مما دفعها لأن تلجأ إلى المؤسسة العسكرية باعتبارها تملك بنية تنظيمية وخبرة في إدارة الشأن العام، إضافة إلى سمعتها الوطنية.

 

السبب الثالث: ان ضعف الهيكلة السياسية للمجتمع المصري تجعل القوى الشعبية التي وجدت نفسها في الشارع وحققت إنجازاً عظيماً في وقت قياسي، تبحث عن نفسها من خلال إطارات سياسية جديدة، وهذه الإطارات لا يكفي الإعلان عنها وحسب، بل يجب أن تحوذ شرعية قانونية. ومنح هذه الشرعية هي الآن بيد المجلس العسكري. وأن غياب التأطير التنظيمي للقوى الشبابية الواسعة، سيجعلها تفرق في تعددية تتناسخ كالفطريات، وكل يدعي سبق الدعوة والفعل في التغيير. وهذا ستستفيد منه القوى ذات الباع الطويل في خبرة العمل التنظيمي، ولن تستطيع الحماسة الزائدة أن تفرز قوى جديدة ذات تأثير فعال في التعديلات الدستورية لأن ذلك مرتبط بشكل أساسي بسن قانون جديد للأحزاب، يفتح الفرص أمام الجميع على قاعدة المساواة.

 

لهذه الأسباب الثلاث، يتبين، أن المرحلة الانتقالية الفعلية، ليست تلك التي يتولى بها المجلس العسكري ادارة الشأن العام، بل هي مرحلة ما بعد هذه الفترة التي تنجز التعديلات الدستورية. وقد بات واضحاً أن التعديل الدستوري سيركز بشكل أساسي، على قانون الانتخاب ، وقانون تنظيم الحياة السياسية الذي يختصر بقانون الأحزاب والجمعيات. إن هذين التعديليين الدستوريين، سيحددان ضبط العملية الانتخابية، آليات ومراقبة، وتحديد ضوابط العمل السياسي. ان هذين التعديليين، هما بلا شك، يحتلان أولوية في تحديد آليات إنتاج سلطة جديدة، وطبيعة  وحجم القوى التي ستدخل معترك الحياة السياسية وايضاً خارطة اصطفافها.

 

من هنا، فإن الحكم على مسار الاتجاهات العامة في مصر  سيتوقف على ما ستفرزه العملية السياسية بعد إنجاز التعديلات وإعادة إنتاج سلطة جديدة.

 

إن الثابت حتى الآن، ان النظام لم يسقط، بل السلطة السياسية برموزها الأساسية هي التي اسقطت.وطالما أن الجهد ينصب على حصر التحولات الجديدة، بالتعديلات في بعض أحكام الدستور، فإن العملية السياسية تتم ضمن سقف النظام القائم، وهذا يعني، أن التغيير لم يكن بحجم الطموح الشعبي الجامح، وهذا أن كان من سبب له، فلأن الحركة الجماهيرية لم تكن مؤطرة ولم تكن تملك برنامجاً متكاملاً للتغيير.

 

ـ إنه كي يصح إطلاق مفهوم الثورة على حراك جماهيري، فأول ما يجب توفره، الاداة الثورية ومن ثم البرنامج الشامل. أما الجماهير فهي مادة الثورة التي يوظف ضغطها المادي والمعنوي لإسقاط السلطة كمقدمة لا بد منها لتبدأ الأداة الثورية ادارة دفة الأمور لوضع برنامجها التغييري موضع التطبيق الشامل. وحتى تتضح الصورة الجديدة، فإننا أمام إصلاح سياسي للنظام ضمن ضوابط ثوابته الأساسية. وعليه يمكن القول أن اقتصار التغيير على التعديل، إنما بشكل تجديداً لشخصيته النظام السياسي، على قواعد جديدة لأدارة العملية السياسية.

 

إن هذا الاستقراء للابعاد التي سترسو عليها نتائج التحرك، لا يقلل من قيمة الحراك الجماهيري، بل يسلط الضوء عبر قراءة موضوعية لما ستؤول عليه الامور مستقبلاً، إذا ما بقيت سائرة وفق المخطط الموضوع.

 

إن الذي حصل في مصر، هو أمر عظيم جداً، لانه اعاد الاعتبار لدور الجماهير في صنع التغيير السياسي، وأثبت أن الجماهير، ليست مادة تستعمل للاستهلاك والتعبوية وحسب، بل هي حقيقة حية، قادرة على إثبات وجودها من خلال حراكها واستعدادها للتضحية دفاعاً عما تعتبره مصالح حيوية وأهدافاً تسعى لبلوغها.

إن الذي حصل في مصر، وقبله في تونس، وبعده في أقطار عربية أخرى، وأن حاولت قوى كثيرة، ركوب موجته، بهدف احتوائه وتجييره بغير الاتجاه الذي حركت أحاسيس الجماهير، يبقى مؤشراً، بأن الليل مهما طال، لن يحجب بزوغ فجر جديد، والأهم من كل ذلك، أن هذه الجماهير، يجب أن تبقى على تأهبها لممارسة الرقابية الشعبية، وحتى تحول الإصلاح والتعديل إلى تغيير، وهذا لا يتم إلا بتوفر الأداة السياسية التي تستطيع أن تصيغ مطالب الجماهير في سياق مشروع متكامل. لأن الشعب مهما بلغ نضجه السياسي فإنه يحتاج إلى قيادة، وهذه القيادة يجب أن تكون منبثقة عنه وهنا أهمية أن تكون هذه الانتفاضة الشعبية قادرة على إفراز قيادة سياسية ضمن سياق إعادة هيكلية الحياة السياسية.

 

إنه مهم جداً، وضع حدٍ لحالة التوريث السياسي، حيث حلت ولفترة طويلة مجالس قيادات العائلات مكان مجالس قيادة الثورة، ووضع حدٍ، لمفهوم التملك العائلي للدولة، ووضع حد لتحالف رأس المال الجشع والطفيلي مع إدارة السلطة ووضع حد لحالة الفساد المالي والإداري والتصرف بمقدرات الشعب وكأنها ثروة شخصية، ووضع حد لغياب المساءلة والرقابة وعدم التوازن بين السلطات.وغياب ديمقراطية العمل السياسي.

 

إن مصر تدخل مرحلة جديدة، وعنوان هذه المرحلة أي انتظام السياسي سترسو عليه الأمور؟ إننا نأمل لأن تكون استعادة لدور الموقع المصري، كموقع عربي قومي جاذب، يكون رافعة وحاضنة لقضايا النضال العربي، ويكون رائداً في إدارة عملية سياسية على قاعدة الديموقراطية وتداول السلطة، وجعل السلطة في خدمة الشعب، وليس الشعب في خدمة السلطة. وفي مطلق الحالات، فإن الوضع الجديد أفضل بما لا يقاس من الوضع السابق، لأنه وأن كان يراد أن يقتصر الأمر على تجديد شخصية النظام، إلا أن الجماهير التي جددت شخصيتها قادرة على تكون رقيباً دائماً، لكن المطلوب يبقى توفر الأداة الوطنية التي تستند في تحركها وتحريكها إلى البرنامج الوطني الذي يقدم حلولاً لقضايا الأمن والاجتماعي وديموقراطية الحياة السياسية وعلى قاعدة العلاقة الجدلية بينهما ....

 

 

 





الاثنين٢٥ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٨ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة