يبحث المواطن العربي في أي حدث في المنطقة عن الدور الأمريكي ، وتتضارب آراء وتحليلات الناس في ذلك ، فمنهم من يعتقد أن أمريكا تختلق الأحداث ، ومنهم من يرى أنها تديرها ، والبعض الآخر ينتقد تضخيم دورها .
ولم تكن الأحداث التي شهدها العالم العربي خلال الأسابيع الماضية بمنأى عن هذا التباين في التحليل ، فسمعنا من يقول بأن أمريكا وراء نشوب هذه الثورات ، وأن وائل غنيم تم تجنيده قبل سنوات من ادارة المخابرات المركزية الأمريكية ، وأن الغرب يريد تغيير ( الطقم ) كاملا بما يتماشى مع المرحلة ، وآخرين ذهبوا الى أن الغرب ليس لديه يد في الموضوع ، بل انه فقد السيطرة على الأوضاع ، وأن التصريحات الرسمية للمسؤولين تثبت التخبط وعدم القدرة على الامساك بأي خيوط قد تعيد الأمور الى نصابها.
الثابت هو أن الجماهير تريد التغيير ، ونوع التغيير الذي تريده لا يلتقي لا من قريب ولا من بعيد بالذي تتمنى أمريكا والكيان الصهيوني حدوثه ، والدول التي نزلت الجماهير فيها الى الشارع خرجت عن المظلة الأمريكية ، وأصبح هامش السيطرة عليها شبه معدوم ، فلا ارادة ستفرض عليها من الخارج بعد اليوم ، الأمر الذي سببا حرجا للادارة الأمريكية أمام الكيان الصهيوني ، فتضاربت المصالح قصيرة المدى بينهما ، أوباما لديه وعود للشعوب الأمريكية يجب الايفاء بها ، وعود أوصلته الى البيت الأبيض ، سحب القوات من العراق وخفض الانفاق على الحروب وتحسين الاقتصاد ، الكيان الصهيوني مرتعد من سقوط أحجار الدومينو التي شكلت على مدى عقود جدارا يحميه من الشعب العربي ، الكيان الصهيوني يستطيع القضاء على الجيوش العربية الرسمية ، ولكن ليس بمقدوره التغلب على الشعوب ، عقد اجتماع مصغر عن ممثلي الثورة المصرية والتونسية والليبية والعراقية مثلا يخيفه أكثر من اجتماع طارئ لوزراء الدفاع العرب .
الخطر الحقيقي يكمن في الدول التي لم تثر شعوبها ، فبعد خسارة الغرب لحلفائه في المنطقة ، حتما ستحاول خلق حلفاء جدد ، وهذا الأمر شبه مستحيل في بلاد لا يزال فيها الشباب في الشارع ، كمصر وليبيا وتونس ، فستتجه نحو الدول الأخرى لمحاولة تغيير ( أو تجديد ) نظمها للابقاء على لعبة محور الاعتدال ومحور الصمود ، مع تغيير الأدوار ، حماية لمصالحها ومصالح الكيان الصهيوني ، ربما تعيد احياء خارطة الشرق الأوسط الجديد ، فتسعى لتقسيم هذه الدول حتى يحاط الكيان الصهيوني بدويلات اثنية وعرقية وطائفية صغيرة ، لتبقى اسرئيل الدولة الأكبر ثقلا في المنطقة ، وتضيع الفرصة على مصر في قيادة الأمة العربية من جديد .
طبعا هذا ما ستسعى له أمريكا ، ولكن هل ستنجح ؟ اعتقد أن الشباب العربي أثبت تلاحم اسطوري ، مسقطا كل الأوهام والخزعبلات التي حاولت تقسيم الأمة وشرذمتها ، وستحمل الأيام القادمة ما يسر الصديق ويغيض العدا ، فلننتظر ، الشعب يريد ... وأمريكا تريد ... والله يفعل ما يريد .