شبكة ذي قار
عـاجـل










 

 نشرت جريدة النهار صفحة قضايا بتاريخ 28/2/2011 مقالة للدكتور شبلي ملاط تحت عنوان "الخيارات الدستورية المصرية بعد ثورة النيل".

 

وقد تناول الكاتب في مقالته واقع الحياة الدستورية في مصر، منتهياً إلى طرح وجهة نظر في الخيارات الدستورية، الممكن العمل بمقتضاها في ضوء المتغير السياسي، الذي شهدته مصر مؤخراً. وخلص إلى أنه سيكتب لاحقاً عن التعديلات الدستورية التي يقترحها بشكل محدد.

 

إن المقالة التي أطلت باختصار على الواقع الدستوري في مصر منذ 23 يوليو1952 وانتهاء باللحظة الراهنة، تطرقت إلى مسائل جديرة بالاهتمام، لكن ثمة مسائل تطرقت إليها المقالة يجب التوقف عندها والرد عليها.

 

بدءاً لا بد من تسجيل ملاحظة على ما ورد في متن المقالة لجهة استعمال بعض المفردات  التي لا يجوز استعمالها ممن يقدم نفسه على أنه ذو باع طويل في التشريع الدستوري وهو معرف بأنه أستاذ زائر في كلية الحقوق بجامعة هارفرد.

 

هذه الملاحظة أنه استعمل مفردة التشدق في التعبير عن تطلعات شعبية دون تعديلات دستورية، وكنا نربأ بالدكتور ملاط ان لا يستعمل هذه المفردة في سياق نص تكتسب المفردة دلالة خاصة. إذ لا يجوز بنظرنا ان تدرج هكذا مفردات في متن مقالة يفترض فيها إلى تكون على درجة عالية من التقنية والموضوعية.فالجماهير عندما ترفع صوتها فهي لا تتشدق انما تصرخ من ألمها.

 

اما المسائل الأخرى التي سنتوقف عندها، فهي تتجاوز تقنية المفردة اللغوية إلى رد على إطلاق موقف سياسي في سياق مناقشة واقع دستوري.

يقول الدكتور ملاط من "ناحية الشفافية إذا كان على المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يبقى في الصدارة المرحلية وأن يعزز النداءات التي يطلقها فعليه الابتعاد عن إصدار بيانات عسكرية بأسلوب مستنسخ من البلاغ الرقم واحد المشؤوم الذكر الذي أصدره أسلافه في 23 يوليو 1952".

 

إن الدكتور ملاط، أراد من خلال ذلك، أن يمرر موقفاً سياسياً في سياق حديثه عن السياقات الدستورية، وكنا نتمنى عليه أن يكون موضوعياً في تناول هذه المسألة،  لأن الموضوعية تقتضي مقاربة الموضوع بكليته، بإيجابيته وسلبيته. إذ ليست كل تجربة، سلبية بالمطلق، كما أنها ليست إيجابية بالمطلق، والحكم على محصلة التجربة، تكون بتحديد رجحان أية كفة، السلبي منها أم الإيجابي.وبرأينا فإن الكفة الايجابية هي الراجحة في مسيرة ثورة 23يوليو.

 

ان  البلاغ رقم واحد الذي أصدره الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952، لم يكن بلاغاً مشؤوماً بل كان بشرى لأنه كان الإعلان الرسمي عن قيام الثورة التي نقلت مصر من واقع إلى آخر. وما يصح إطلاقه على حركة 23 يوليو  1952، أنها كانت ثورة. لأنها أسقطت نظاماً وأقامت نظاماً، وهذا يعني أنها أحدثت تغييراً بنيوياً في بنية الدولة. وتلك الحركة تختلف عن هذا الذي جرى في مصر حالياً، لأن التغيير ما يزال مفتوحاً على احتمالات استكماله أو احتوائه وبالتالي فإن المرحلة الحالية وربما المقبلة ستكون مرحلة ضبابية.

 

إن ثورة 23 يوليو كانت بأحد أسبابها، ثورة على الفساد والمحسوبية والارتهان، وهي استطاعت أن تعيد لمصر موقعها الطبيعي ووزنها السياسي. وأن تشكل على مدى عقدين من الزمن رافعة لقضايا النضال القومي. لكن يبدو أن الدكتور ملاط لا يستسيغ سماع كلمة نضال قومي. صحيح أن ثورة 23 يوليو تعثرت ولم تعط المسألة الديموقراطية حقها، لأنها لم تفسح في المجال أمام هيكلة سياسية للمجتمع المصري. لكن هذه الثورة استطاعت أن تؤمن ديموقراطية الرغيف وأن تحقق إنجازات هائلة في مجال ديموقراطية التعليم والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والأهم من كل ذلك إعادة الاعتبار للأمة العربية من خلال الدور الذي لعبته مصرتحديداً إبان الحقبة الناصرية.

 

وإذا كان الدكتور ملاط لا يستسيغ حكم العسكر ونحن معه، لكن ليس كل ما تفرزه المؤسسة العسكرية من قادة سياسيين، يعملون على قاعدة نفذ ولا تعترض ولا يؤمنون بالتغيير.

 

إن شخصية عبد الناصر كانت شخصية فريدة، وهي كشخصية ديغول القادم من المؤسسة العسكرية إلى الإدارة السياسية المدنية وشخصية ايزنهاور وشفافة كشخصية فؤاد شهاب وان اختلفت المقاييس والمعطيات والظروف لدى كل منها.

 

إن الجماهير التي كانت تحتشد للإنصات إلى خطابات عبد الناصر لم تكن محركة من الاجهزة والمخابرات، بل كانت تتحرك بوحي من أحساسها الذاتي بأن عبد الناصر يشكل حالة امتلاء نفسي لها وهي تجد نفسها عبر ما يطرحه من برنامج سياسي.

 

ويوم استقال عبد الناصر متحملاً بثقة  عبءهزيمة 67. ألم تنزل الجماهير بالملايين والى شوارع القاهرة وكل المدن المصرية و معها كل المدن العربية  لتطالب الرئيس بالعودة؟ هل كانت هذه الحشود الهائلة مدبرة ومفبركة، أم كانت استفتاء شعبياً على نهج سياسي؟؟

 

وإذا كانت الموضوعية تقتضي باحترام إرادة الجماهير فإن جماهيرية عبد الناصر تعني أن حركة التغيير التي أتت به على سدة الرئاسة لم تكن خارج سياق الإرادة الشعبية وبالتالي فإن البلاغ رقم واحد في 23 يوليو/1952  لم يكن بلاغاً مشؤوماً .كما يذهب لتوصيفه الدكتور ملاط.

 

أما المسألة الثانية والتي يجدر التوقف عندها، فهو اعتباره أن مأساة مصر بدأت سنة عام 1952 مع انقلاب ما يسمى بالضباط الأحرار.

وهنا نقول للدكتور ملاط، أن 23 يوليو لم تكن انقلاباً، بل كانت ثورة بكل المعايير الموضوعية. وأن الضباط الذين قادوا حركة التغيير لا يجوز أن يطلق عليهم تسمية ما يسمى بالضباط الأحرار. لأنهم كانوا أحراراً، ولولم يكونوا كذلك، لما استطاعوا أن يعيدوا لمصر موقعها ودورها، ولما استمرت الهجمة الاستعمارية عليها والتي كان عدوان 1956 واحد من نماذجها.

 

 لقد حكم الضابط الأحرار ما يقارب ثمانية عشر عاماً، وكل أسمائهم معروفة، فهل سجل على أحدهم أنه نهب المال العام، وهرب بثروته خارج البلاد؟ يكفي أن يدقق بثروة الرئيس عبد الناصر وما تركه من تركة لعائلته.والحقيقة ان مأساة مصر حصلت يوم حصل الارتداد على ثورة 23 يوليووانجازاتها.

 

أما المسألة الثالثة، فهي استعداد الدكتور ملاط لتقديم المشورة والمساعدة في صياغة دستور جديدة لمصر.

إننا نعرف وكما يعرف الدكتور ملاط، بأن مصر غنية بفقهاء الدستور والقانون، وإذا كانت المشورة الدستورية التي ستقدم لمصر على غرار المشورة والمساهمة الدستورية التي قدمت للعراقيين لصياغة دستور جديد في العراق، فعلى الدنيا السلام.ان الكل يعرف ماذا أحدثت الصياغات الدستورية في العراق والتي ساهم الدكتور ملاط في وضع قواعدها، ألم يقسم العراق واقعياً، وألم تطييف الحياة السياسية فيه بفعل نصوص الدستور العتيد؟

 

اما المسألة الرابعة والتي يجدر التوقف عندها، فهو المثال الذي أعطاه عن الدكتور سعد الدين ابراهيم.

بدءاً لا بد من التأكيد بأننا ضد ما تعرض له د.سعد الدين ابراهيم من سجن وتضييق وقمع لحرية الرأي سواء كان هذا التعرض بسبب نقده لنظام حسني مبارك أم لم يكن، لكن تقتضي الاشارة أن الإدارة الأميركية تدخلت وهددت بقطع المساعدات عن مصر أن لم يجر نقض الحكم الصادر بحق سعد الدين ابراهيم.

 

فإذا كنا نقول بمبدأ فصل السلطات، وعدم تدخل السلطة التنفيذية بأعمال السلطة القضائية، فهذا المبدأ يجب أن يكون موقفاً يطال كل من يتدخل في شؤون القضاء. فإذا كان ممنوع على السلطة التنفيذية في مصر الامتناع عن التدخل بعمل السلطة القضائية. اليس بالاحرى ان يكون الموقف ذاته من تدخل سلطة أجنبية في أعمال السلطة القضائية الوطنية. أليس في الأمر مفارقة؟فلماذا لم يشر د.ملاط الى هذه المسألة في اطار مقاربته للقضية؟؟

 

كنا نتمنى على الدكتور ملاط أن لا يمرر مواقف سياسية بالطريقة التي عبر عنها، فهو إذا كان يبدي حرصاً على الديموقراطية وهذا مطلب نبدي حرصاً عليه أكثر مما يتصوره لكن الثابت، أنه ليس بالرغيف وحده يحيا الإنسان وليس بالتوجه الدوري إلى صناديق الاقتراع يجد المرء نفسه أيضاً، بل بأن لا تكون المسالة الديموقراطية على حساب المسألة الوطنية والقومية ولا الأخيرة على حساب الديموقراطية والتي لا تمارس بشكل صحيح إلا في  بيئة معرفية شاملة.

 

 





الجمعة٢٩ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٤ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة