شبكة ذي قار
عـاجـل










أعلن خمسة من أعضاء المحكمة العليا أن "الشركة" هي شخصية، "شخصية غير عادية"، بل هي فوق كل القوانين الطبيعية، ولا تخضع لإله، ولا لأي قانون أخلاقي، فهي تتمتع بسلطة مطلقة علي حياتنا، وقد منحها هذه السلطة قضاة يعدّون أنفسهم محققين كبارا ويربطهم هدف واحد هو مطاردة جميع الهراطقة الذين يفشلون في خدمة إلههم، إله المال. لقد أدي حكمهم إلي شرعنة ضخ الشركات الخاضعة للسيطرة الأجنبية أموالا غير محدودة إلي نظامنا السياسي المتضخم لتدعيم أي شيء فاسد لا نثق به ويبث فينا الخوف. إن "الشركة / الشخصية" التي حولها القضاة الخمسة، الموالين للـ (محافظين الجدد)، حولوا الولايات المتحدة إلي شيء لا صلة له بأمريكا التي عرفناها. فالشركات، وخاصة منذ انهيارنا الاقتصادي صارت ملكا للصين وروسيا وشيوخ النفط جنبا إلي جنب مع عدد قليل من البنوك الأجنبية. فهؤلاء لا يصوّتون في الانتخابات، لا يدفعون الضرائب، ولا يقاتلون في الحروب، لا يحتاجون رعاية صحية لأسنانهم، لا يستنشقون هواء نقيا، لا يقودون السيارات أو يرسلون الأطفال إلي المدارس. من هنا يكون مجنونا من يعتقد بأن هذه الأشياء هي شعب. وكل من يبيع حكومتنا لهم هو مجرم ومكانه السجن. بل حتي لا يوجد شيء في الدستور يبيح لهذه الـ "عصابة المكونة من خمسة" مهرجين مصاصي الرشوة أن يكونوا فوق القانون. كما لا يوجد نص في الدستور يذكر الشركات ليمنحهم بالتالي منزلة مساوية أو أعلي من منزلة المجالس التشريعية والتنفيذية والقضائية للحكومة.


ليس من حق المحكمة العليا في الولايات المتحدة بث حياة الإنسان في المجموعات الاستثمارية التي يملكها متعاطفون مع الإرهابيين وتجار الأسلحة الأجانب أو المجموعات التي تعمل علي تدمير الولايات المتحدة وكل شيء نؤمن به، ولكن القضاة الخمسة قد فعلوا ذلك بالفعل. لدينا الآن حكومة جديدة فوق حكومتنا، وفوق شعبنا، حكومة فوق أي قانون. لقد خلق قضاة خمسة تيارا مؤسساتيا عصاباتيا ليكون النموذج الجديد لحكومة الولايات المتحدة. لا يمكن البتة لأي جندي أمريكي الذهاب إلي الحرب لحماية أموال صينية، أو بنك ألماني أو شركة أسمدة سعودية. هل ستكون هناك مناقشات جديدة في الكونغرس بين أعضاء يمثلون أمراء حرب الأفيون ضد عصابات كولومبية؟ إن أموال هؤلاء والتي تسللت منذ فترة طويلة إلي شركة كبري أو بنك تلو آخر تتجه الآن نحو ممثليكم المحليين. والسؤال الآن إلي أي مدي يغدو مهما الاعتقاد بان حدود أمريكا الآمنة تتحول إلي ملك لهؤلاء المؤثرين في سياستنا؟


لسنوات طويلة كنا نتشكي من لجنة الشؤون العامة الأمريكية ــ الإسرائيلية (ايباك)، ونادي سييرا، وسلطة المصادر الطبيعية، والمحامين الجنائيين، والنقابات العمالية، والرابطة الوطنية للمصنعين، والكنائس التي حصلت جري توريطها في السياسة. إن وراء كل هذا أناس، مواطنون أمريكيون، وفي بعض المناسبات، أمريكيون حاربوا من أجل بلادهم، وربوّا أولادهم هنا وجري استثمارهم في بقاء أمريكا علي الرغم من أنهم لم يتصرفوا علي هذا النحو دائما. وكانت هذه مشكلة أمريكية. أما في الوقت الراهن فنحن لسنا متأكدين حتي من أن لدينا أمريكا بعد الآن.


مخطئ من يعتقد بأن تدفقات الأموال الهائلة للشركات إلي السياسة لن ينقل السيطرة علي مجلسي النواب والشيوخ إلي أيدي الدول الغنية التي هي أيضا في رأس قائمة أعدائنا الاستراتيجيين، أنتم تعرفونهم، أولئك المتخمين بأموال النفط، الذين تخصص أنظمتهم مبلغ عشر سنتات لكل ساعة عمل، أولئك الذين يطلقون النار بسرعة ويطرحون الأسئلة في وقت لاحق. لقد قيل لهؤلاء أن في مقدورهم شراء الولايات المتحدة، ليس حكومتنا فحسب، بل وقواتنا العسكرية، وحياة جنودنا. وهم في إمكانهم الآن صنع قوانيننا، وزيادة ضرائبنا، وتحديد حقوقنا المدنية، وأين يمكننا أن نعيش، إذا امتلكنا السلاح، علي مدي بقائنا أحياء، وأين نقود سياراتنا وماذا نقود، وفي نهاية المطاف، كيف نفكر. لقد منحت المحكمة العليا الشركات المملوكة لجهات أجنبية السلطة النهاية التي بإمكانها أن تسكتنا جميعا.


عندما ترتكب شركة جريمة لا أحد يذهب إلي السجن. وعندما تأتي الحروب، هم لا يقاتلون، بل هم ببساطة يغرفون الأموال. وعندما يتعرض الأطفال للتسمم أو يلقي عمال حتوفهم، فإنهم نادرا ما يدفعون غرامة. ومع ذلك، فهم عندما يريدون شيئا، مثل ضرائب بقيمة مليارات الدولارات أو عقود ضخمة أو قوانين خاصة، فإنهم يحصلون عليها دائما وبسرعة. لقد مضي 140 سنة علي معركة السيطرة علي الشركات. وكان الأمريكان يخسرون في تلك المعركة حينا وينتصرون حينا آخر. إن أعظم رؤسائنا هم الذين كبحوا جماح سلطة الشركات وبقوا يراقبون المال كي لا يتحكم بالإنسانية. تذكروا تيودور روزفلت، وودرو ويلسون وفرانكلين روزفلت وهاري ترومان ودوايت إيزنهاور وجون كينيدي.


ولولا أولئك الرؤساء لكنا الآن نعيش في مخيمات العمل، عالقين بالآلات طوال اليوم، وأطفالنا إلي جانبنا. ولكنا نتلقي الآن أجورنا عينية قوامها لحم خنزير وفول وملح، ونموت في عمر الأربعين في المزابل كما هو شان شعوب نجدها في أنحاء العالم كافة تعيش في بلدان تتحكم بها الشركات.


استنادا إلي القضاة الذين نريد محاكمتهم بوصفهم (محافظين) علي نهج ريغان بوش وقد تفكرون بان هذه مسألة ليبرالي محافظ. ولكن الأمر ليس بعيدا البتة عن الحقيقة. فليس ثمة شيء فعله "المحافظون" ضمن حكومتنا. ليس ثمة شيء فيه صفة "محافظة" حول محكمتنا العليا الماضية في جنونها والتخلي عن دستورنا واتخاذ قرارات طبية، ليس من أجل بث الحياة في الأجنة، بل لبث الحياة في الحسابات المصرفية.


هؤلاء ليسوا سوي مجموعة غير أمريكية وغير وطنية بالمرة، قوامها لصوص يعتقدون أن الأمريكيين قد تخلوا في الكثير من حرياتهم المدنية في صمت خلال الحرب العالمية علي احتيال الإرهاب الذي أدي إلي فتح "صندوق باندورا"، الخاص بالصراع الطبقي الذي يمكن أن يشعل فتيله كل من يريد ذلك حتي دون أن يفصح بكلمة واحدة. فشخصية الشركة هي الآن بمثابة بارون أو دوق، إقطاعي كبير من إقطاعيي فترة العصور الوسطي. وهنا لا بد من القول أن الأمريكيين الآن يتم توجيههم إلي القنانة. والآن ما هي نظرياتهم السياسية والاقتصادية؟ أهي توجه محافظ أم إقطاعي؟


إننا مثقلون بالفعل بحكومة تمثيلية ربطت نفسه إلي حنفية المال بسبب التكلفة الخيالية التي تتطلبها وسائل الإعلام لتغطية حملاتها. كان علي الساعين إلي الترشح لمنصب في روما القديمة شراء الآلاف الحيوانات وذبحها في الميدان. وكانت عمليات الإعدام جماعية تعادل الوقائع الإعلامية للحملات السياسية. والحقيقة أن الميادين العامة في المدن الرومانية كانت تبني لذلك الغرض، وقد استبدلت اليوم بالتلفزيون والإنترنت. كنا نظن أننا تغيرنا منذ ذلك الوقت. لكننا مخطئين.


لقد استحدث واضعو الدستور المحكمة العليا، الهيئة الانتخابية وكان لها في الأصل شيوخ معينون، غير منتخبين، لحماية أموال الأغنياء وأراضيهم من أن تستولي عليها الجماهير، ومن ثم تسيطر علي الحكومة. كان ذلك الإجراء في ثمانينيات القرن الثامن عشر. إن الدولة "الديمقراطية" الوحيدة التي نعرفها هي أثينا القديمة، حيث الغالبية العظمي من الناس الذين يعيشون فيها كانت من طبقة العبيد. لقد كلف الأمر 27 تعديلا في وقت لاحق، بما في ذلك لائحة الحقوق، وما زلنا نعمل علي تعريف العدالة واللياقة. أجيال تلو أجيال قاتلت وماتت من أجل الحفاظ علي الحياة في نظامنا الناقص منذ العام 1780. من كان يظن أن خمسة أشخاص يمكن أن يدمروا كل شيء؟ أحيانا ينزع النقاش السياسي في أميركا إلي التطرف، وغالبا ما يصل إلي تخوم العنف. المشاعر مستفزة. تري كم مرة سمعتم الناس يهددون بمغادرة البلاد بسبب غياب "أمريكتهم" من الواقع. ونحن نعرف أن عددا قليلا من الناس يعني ذلك حقا. فعندما يظهر خطر حقيقي مهدد، ليس ثمة شعب علي وجه الأرض يكون أشد ذعرا من الشعب الأمريكي. وعندما تظهر الحاجة إلي عون، فليس ثمة شعب علي وجه الأرض يمكن الوثوق به والاعتماد عليه كالشعب الأمريكي. هذا هو الفخر الذي نحمله في بلادنا وفي أنفسنا. ونحن لا نتفق أبدا علي أي شيء. وليس من المفترض أن نفعل، فنحن أمريكيون.


كل شيء بنيناه إنما بنيناه علي أساس التوازن والعرق والدين أو الإثنية والمكانة الاجتماعية، والمعتقدات السياسية والمصالح الإقليمية، وكلها تسعي جاهدة لبناء شيء نفخر به في سرنا، شيء لدينا جميعا الاستعداد للقتال من أجله والمستعدون لذلك كثيرون. يتفق الأمريكيون جميعا علي أمر واحد، هو أن حكومتنا في واشنطن خارجة عن السيطرة وكانت كذلك لبعض الوقت. لدينا جميعا أفكار مختلفة حول هذا الأمر ولكننا جميعا أيضا نتفق علي الحقيقة نفسها. ونحن نتساءل من أين أتي من السياسيون، الذين هم في كثير من الأحيان "أدني بكثير" من نظرائهم في الماضي. والواقع، أنهم أدني بكثير من المعدل. فأكثر القرارات المتخذة تجعل المرء متحيرا إزاءها علي الدوام، وواقع الأمر، أن من ينفذها صاحب كرش متعفن في إطار الفساد والمصلحة الذاتية. الآن، لدينا أعضاء خمسة هم المحكمة العليا، لم يصوت لهم الشعب، فهم مجموعة لا تستجوبها أي سلطة، وعلي ما يبدو لا تخضع لأي قانون أخلاقي، مجموعة مشهورة بالغلو، وسوء الحكم والانحطاط، قد تمكنت إما من خلال العمي، أو الطمع أو الجنون من القيام بأمر غاية في الضرر والظلم والتعسف وبما لا يتفق البتة مع دستورنا حتي أصبحوا هم أنفسهم "عدوا للشعب".


ما هي قوتهم؟ فما فعلوه هو لا يقع في نطاق السلطة الممنوحة لهم من خلال الدستور. أفعالهم خارجة علي القانون، وتصرفاتهم تنتمي لنوع تصرفات التآمر، وأفعالهم تهدف إلي تقليص حرياتنا ومؤسساتنا المقدسة بل أنها تهدد حياتنا أيضا. مثل هذه الأفعال والتصرفات عادة ما تسمي "جرائم" ويسمي مرتكبوها "مجرمين".


ما الذي قد يدفع قضاة، برغم أنهم قضاة عن طريق التعيين متواضعو الفكر كجزء من حيلة سياسية رخيصة، علي التخلي عن جمهور الناخبين الأمريكيين؟ ليس للشركات ديانة تدين بها. فهم لا يهتمون لشيء ما يزال وراء الأفق. ليس لديهم ولاء لعَلَم، أو أسرة أو أي أخلاقيات. لا يقدمون خدمة لأحد، لا يدينون بالولاء إلا لمالكي الأسهم، ولمجموعات غامضة من القلة الروسية والبنوك الصينية، والطغاة الفاسدين الذين يثرون من غنائم شعوبهم، والاتحادات الدولية للسندات، والمضاربين الذين تخلو، علي مدي عقود، عن أي قانون اقتصادي لبناء بيت أثيري من الكارتون اعتدنا تسميته بـ "الاقتصاد العالمي".


ومنحت لهؤلاء الفاسدين سلطة التحكم بالعملية الانتخابية الأمريكية. فلا مجال لبقاء سياسي في مكانه إن كان ضدهم. فقد اشتري هؤلاء منذ سنوات "صحفنا وشبكات التلفزة التي هي ملكنا. وأصبحت الحقيقة والصدق ما يريدون هم منا أن نصدقه علي أنه حقيقة وصدق. بل إنهم سيطروا علي كل ما يمكن أن يدور في بالنا أو تراه أعيننا أو تسمعه آذاننا. ومع ذلك لم يكفهم ذلك، فهم يريدون كل شيء. ومع نمو سيطرتهم، نما الإرهاب، والحروب المستمرة، والفقر الاقتصادي لملايين الأمريكيين، وعدم الاكتراث بالعدالة والإنسانية. والآن ما الذي يتوقعه المرء وينتظره من شركة ليس لها دم ولا قلب ولا وجه؟


كان الآباء المؤسسون يقودون أمريكا علي طريق الحرية وفي نهاية المطاف إلي الديمقراطية. لكن الفيدراليين حددوا قدرة أي ناخب متهور علي الاستيلاء علي السلطة و"إصلاح" أمريكا الغارقة في الفوضي والتشوش. لقد بني نظام الحكومة هذا علي أساس الاعتقاد بأن حب الوطن من شأنه أن يلتهب في أمريكا بوجود الحرية والتقدم والسخاء فكان المكافأة الحتمية لصناعتنا. ها هي الأمور تتضح الآن فقط؛ لقد حدث الكثير مما هو خارج نطاق التوقع. وتصحيح الأخطاء حيثما وجدت لا يتحقق من خلال نكراننا لتقاليدنا. هكذا كانت بداية تأسيس أمريكا. أما الآن فنحن نغرق في الأخطاء، ونتفق جميعا في النهاية علي هذه الحقيقة. لقد حان الوقت الآن. فالأحزاب السياسة فشلت. وما النظريات السياسية سوي كلام فارغ يهدف إلي التضليل والخداع. الدولة أصبحت الكنيسة والكنيسة أصبحت دولة. الدولة أقل عدلا والكنيسة أقل ورعا. وكل ما تبقي لنا هو "نحن الشعب". هذه هي الطريقة التي بدأنا بها وعلينا جميعا الآن أن نمضي في مسارها قدما. لقد حان الوقت للولايات الدعوة لعقد مؤتمر دستوري ليس فقط لتأسيس جمهورية، بل ولتأسيس ديمقراطية، من الشعب وإلي الشعب، أي لشعب الأمريكي، بأغنيائه وفقرائه، وأن نكون دولة موالية لنفسها، لا ترتبط بالشركات، ومنشآت الصناعة العسكرية الواسعة أو لها التحالفات الخارجية التي لا نهاية لها.


فإذا كانت هذه الدولة التي ندعو لتأسيسها أمة محافظة بحق، فيها حكومة صغيرة، وحريات فردية، وأقل قدر من الضرائب وأكبر قدر من الفرص، عندها ستكون لنا الدولة المنشودة، وسيتعين علينا جميعا أن نتعايش معها. أما الجثة التي استحدثناها في واشنطن فقد بدأت تنبعث منها رائحة منتنة لم نعد نطيقها. عندئذ سنقول وداعا للمحكمة العليا، ولنظام الأقدمية في الكونغرس وللآلات السياسية التي تتظاهر بأنها "أحزاب" وسنقول عندها مرحبا لبطاقات الاقتراع، وحرية الصحافة، وحدود المصطلح القدرة علي خلع أي وغد في الحكومة لحظة نمسك به متلبسا.


غوردون داف: محرر أقدم في صحيفة (فيتيرانس توداي)، محارب قديم في مكافحة البحرية ومساهم منتظم في القضايا السياسية والاجتماعية.


المصدر : فيتيرانس توداي

 

 





السبت٣٠ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٥ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ترجمة : بشار عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة