شبكة ذي قار
عـاجـل










ثانيا

النظام الرسمي العربي


 

كلنا يعرف كيف نشأ وولد النظام الرسمي العربي بعد الحرب العالمية الأولى، وأين تكمن مأساةَ الشعب العربي في القرن العشرين، فهي تتلخص بأنَّ كل أنظمتنا جاءت وأوجدت ككيانات بموجب مُعاهدة سايكس- بيكو عام 1918، تلك المعاهدة العدوانية على العرب، شعبا وأرضا ومقدسات، بل إن معاهدة سايكس بيكو ليست عدوانا إعتياديا على الأمة فحسب، إنما هي عدوان يستهدف وجود الأمة ووحدتها وثرواتها ومقدساتها وارضهاَ، أي أن المستهدف في تلك المعاهدة الخمس اللاتي فرض الله تعالى في رسالاته وكتبه التوراة والإنجيل والقرآن القتال دونها، ووعد الذين يقاتلون فيها يقتلون أو يقتلون بأن لهم حسن الجزاء عند الله سبحانه، وفي حقيقة الأمر فإن تلك الأنظمة، هي عبارة عن مجاميع مختلفة منهم من جندهم البريطانيون والفرنسيون قبل الحرب العالمية الأولى، مثل بعض مشايخ الخليج ووعدوهم بالسلطة وجهزوهم ومولوهم وعقدوا معهم المعاهدات على أن يكونوا حلفاء لهم ولا يخرجوا عن طوعهم، وقد وصلت درجة الإرتماء لهذه الأنظمة الى حد أنها صارت أكثرُ حُرصاً من الإنكليز والفرنسيين بالعمل على تنفيذِ غايات تلك المعاهدة العدوانية والمُحافظة عليها، بل أن الكثير من أؤلئك الحكام تواطئوا في أكبر جريمة في التاريخ البشري، وهي جريمة إعطاء أرض العرب المقدسة في فلسطين وطنيا للصهاينة اليهود، وهم شركاء في جريمة إغتصاب فلسطين، فالدول الإستعمارية كانت تريد التخلص من اليهود الصهاينة ومشاكلهم في أوربا، ففكرت بذلك فتكون قد حققت هدفين، الاول: أن يكون الكيان الصهيوني المستحدث قاعدة متقدمة للعدوان على الأمة العربية،يكون هذا الكيان الإرهابي العنصري الفاشي نقطة إرتباط شرق الوطن العربي (الجزء الآسوي) مع غرب الوطن (الجزء الأفريقي)، والثاني:  إبعاد الصهاينة والتخلص من مشاكلهم ومخططاتهم من المجتمع الغربي، وبهذا صار الصهاينة حلفاء للغرب وقاعدته المتقدمة ضد العر وآسيا وأفريقيا، بدل أن كانوا سبب كثير من المشاكل في مجتمعاتهم والفتن بين حكامهم.

 

لقد شكلت دول الإحتلال البريطاني والفرنسي حكومات في دويلات الوطن العربي التي قامت على ضوء معاهدة سايكس- بيكو والمعاهدات السرية مع مشايخ وأسر لها نفوذ ديني أو قبلي في الوطن العربي، كما هو بالنسبة لعائلة الشريف حسين أمير مكة والذي سموه العرب المتطلعين لتحرير الوطن العربي وإقامة دولتهم القومية الموحدة زعيما للثورة العربية الكبرى، وفعلا تفاوض مع دول الحلفاء الذين وعدوه بتحقيق هدف الثوار في إقامة الدولة العربية الكبرى في المشرق العربي وأن يكون أبنائه ملوكا أو أمراء فيها، وأن يدعموها ويتحالفوا معها، وكذلك فعلوا مع الاسرة السونسية في ليبيا والهاشمية في المغرب والخديوية في مصر مصر الكبرى (مصر والسودان)، وبعد أن تعرت حقيقة تلك الأنظمة ودورها الخياني والتابع للمخطط الإستعماري قام عدد من الضباط الأحرار بإنقلابات عديدة، وفعلا نجح الضباط الأحرار في كل من مصر وسوريا والعراق والسودان واليمن ثم ليبيا بإسقاط الأنظمة الملكية الشكلية، وتم طرد وإجلاء قوات الإحتلالين الانكليزي والفرنسي في تلك الأقطار، لكن حتى تلك الأنظمة التي جاءت على أثر الثروات الوطنية والتي حررت الأقطار المذكورة ولحقتها الجزائر بعد ثورة بطولية دامية خاض فيها الشعب العربي في الجزائر أحدى أبرز معارك التحرير الشعبية وقدم فيها أكثر من مليون شهيد، وكذلك إلتحقت جمهوريتي لبنان وتونس كنموذجين للأقطار الديمقراطية التي تكونت من بداية الإستقلال الشكلي، أي بعد إنتهاء مرحلة الإنتداب والإنتقال لمرحلة الوصاية في إسلوب تعامل دول الإستعمار مع العرب، حتى هذه الأنظمة الوطنية التي تكونت بعد الثورات لم تستطع أن تتخلص من النهج الذي أقامه الإستعمار وعمل على ترسيخه، من خلال جملة من الإجراءات والقوانين ومن خلال الدساتير المعبرة عن رؤية دول الإستعمار التي وضعت تلك الدساتير، والخادمة لمخططها مستقبلا، فلم تعمل بشكل جدي للعمل على رفض التجزئة والشرذمة التي نفذته دول الإحتلال بموجب معاهدة سايكس بيكو، اللهم إلا تلك الخطوة الجليلة التي قام بها حزب البعث العربي الإشتراكي عام 1958 بحل تنظيمه في سوريا ومصر لتحقيق الوحدة بين القطرين، لأن الزعيم عبد الناصر إعتبره شرطا لتحقيق الوحدة، ولقلة تجربة عناصر النظام الذي ولد نتيجة الوحدة والأخطاء القاتلة والسلوكيات الأنانية ورسوخ التفكير القطري وحب السلطة كل هذه العوامل خدمت التآمر العربي والدولي ضد الوحدة فكان الإنفصال عام 1961، فكانت الأنظمة الجمهورية لا تختلف في منهجها وخاصة في الموقف من القضية القومية عن الأنظمة الملكية بشيء كثير، بل وبحجة الأستعداد للمعركة القومية ومواجهة التآمر الغربي وحماية الثورات فرضت الطواريء وغيبت الدور الكبير للشعب، وفسدت الأنظمة وترهلت وتوسعت قوات أمنها لمواجهة إحتجاجات الشعب وردعه، وصار الهدف حماية الأنظمة وتعزيز قبضتها والأثراء للحكام وأتباعهم ونسيت وأهملت القضايا الوطنية والقومية، وبغياب الزعماء الثوريين بتقادم الأعمار والأيام تحولت تلك الأنظمة الى ملكيات جمهورية، وعادت لتتحالف مع قوى الإرهاب والعدوان الطامع بوطننا وثرواتنا.  

 

لقد ساهمت تلك الأنظمة بأشكال شتى في تسهيل قيام هذا الكيان العدواني، وعقدت معه معاهدات علنية وسرية، وأقامت معه علاقات، وتبادلوا ممثلين عنها الزيارات والتجارات معه وغير ذلك، وكمثال: معاهدة كامب ديفيد، ووادي العربة، ومدريد وأوسلو، ومعاهدات وإتفاقات غير معلنة ولكنها معروفة، وشاركوا في وضع خرائط طريق لكيفية تسلمه الأرض، وتطبيع وتطوير العلاقات مع ذلك الكيان، وكانوا أي هؤلاء الحكام أكثرُ التزاماً بما جاء بتلك المعاهدات والإتفاقات العلنية المشهورة، أو الآخرى التي يتصوروا أنها مستورة، لدرجة تفوق إلتزام الكيانِ الصهيوني نفسه بها، وحاربوا علانية وسراَ كُل مَنْ يسعى بجد لتحرير فلسطين، وما موقفهم من المرحوم جمال عبد الناصر إلا شكلا من ذلك، وما جريمة تدمير العراق وإحتلاله بمالهم وكل قدرت أمتنا ومشاركتهم إلا إعلانا لإنتمائهم الحقيقي، فهم من الأعداء للعرب والإسلام لا حكام لنا، ولا توجد بيننا وبينهم أي رابطة، وفهم أعداء لنا، وهم يعادون كل من يتحدث بالقضية القومية، وهموم الأمة، نعم مجرد أن يتحدث أو يطرح موضوعة الأمة ومعاناتها والأخطار التي تهددها، حتى صارت العروبة والإنحياز لها والتغني بماضيها ودورها، والتأكيد بأنها أمة الرسالات التي كلفها الله تعالى وألهمها التقوى والأيمان، وفطرها على الخير والمحبة والتسامح والقيم الفاضلة، لتكون مؤهلة لما أراده سبحانه وتعالى، نعم صار ذلك جريمة يعاقب عليها القانون في كل البلدان العربية، وتهديدا للسلم والأمن الدولي تحت ذريعة الإرهاب ودعم "الإرهاب.

 

لقد كانت ثورة 17-30 تموز القومية الإشتراكية تغييرا نوعياَ، وتوجها منظماَ عبر برنامج إيماني قومي حضاري لبعث دور الأمة الإنساني، لهذا حشدت الحشود وأغلقت الحدود في حملة غير مسبوقة في التاريخ الإنساني، أن تفرض حرب إبادة شاملة وقتل جماعي لشعب قبل شعب العراق، وحل الجيش العراقي، وصدر قرار ينم على الحقد والبغي على العرب والمسلمين عموما، وهو ما سموه قانون إجتثاث البعث، لقد أرتكبت جريمة لم يفعلها لا فراعنة ولا متوحشون ولا جهلة ولا مغول ضد كل مظاهر الحياة ومعانيها بلا إستثناء لشيء، وفعلوها من يدعون المدنية والتحرر والديمقراطية ويتشدقوا بحقوق الإنسان وحق الشعوب، لكن الأشد ألما على العربي والمسلم والأكثر غرابة، أن يعجل ويعطي الشرعية ويشارك من يدعوا أنهم عرب ومسلمون في ذلك الحشد الكافر المعادي لله ورسالاته وعباده، والمستهدف لتدمير العرب كأمة والمنطقة كوحدة جيوسياسية، ويبغي الهيمنة والتحكم بالبشرية كقرار سياسي وقدرة إقتصادية، وبموافقة ومشاركة دول وشعوب هي مشمولة بالحملة الإمبريالية، وأخرى سكتت أو صوتت مع قراراتهم الإجرامية، فكانت شريكة بالجريمة من حيث لا تقصد ،أو أنها ساومت على مبادئها وثوابتها، أليس هذا سقوط شامل للنظام الرسمي العربي.

 

لقد أرتكبت جرائم عديدة من قبل النظام الرسمي العربي، فيما أسموه الأمريكان وحلفائهم من أعداء العروبة والإسلام حرب تحرير الكويت، فكان العدوان الذي سبقه الحصار وإمتد بعده للعدوان المجرم واللاشرعي على العراق، ونفذه النظام الرسمي العربي ونظام لإيران بدقة متناهية تنم عن عداء مستحكم وحقد دفين واحدة من أكثر الجرائم بشاعة بالتاريخ البشري القديم والحديث، لقد كان الهدف من الحصار إذلال وإستسلام وخنوع الشعب العربي كل عربي، متمثلا بالعراقي، والمؤمن كل مؤمن مسلما أو مسيحيا أو غيرها من الديانات متمثلا بمؤمني العراق، ورغم فداحة ما قدم شعب العراق فقد بقى مؤمنأ متمسكا وثبته الرب على قول الله عز وجل: (لتبلونّ في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب والذين أشركوا أذى كثيراَ وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور) صدق الله العظيم (البقرة :186). نعم أثبت شعب العراق المؤمن رائد الحضارة والمدنية في الكون، وأنه صاحب العزم في مواجهة الأمور الخطيرة، وتحدي الظلم والفواحش والبغي والوحشية والكفر والنفاق، وأثبتوا بمواقفهم أنهم جند الله الأشداء أولي البأس الشديد، وكانوا فعلا المهتدون، كما جاء في قول الله عز من قائل: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوع وَنَقْصٍ مِنَ الْأمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة: 155/ 156 /157(.

 

 فقد قدم شعب العراق قرابة مليون ونصف المليون شهيد نتيجة الجوع والمرض والحرب، وقاوم وجاهد ما فرض عليه من الحرمان التام من العلم والتعلم والطعام والعلاج والحاجات الإنسانية والتصرف بثرواته، وعندما ضن زعماء الإرهاب ومجرموا العالم وفاشيو العصر أنه وهن وضعف، هجموا عليه بكل جيوش الكفر والعنصرية وأسلحة الدمار الشامل المحرمة دوليا، وأولها الأسلحة النووية والفوسفورية والفراغية والعنقودية، وسموا عدوانهم وغزوهم الصدمة والرعب، وإستخدموا أقذر وسائل الحرب وهي الفتن الطائفية والإثنية والمذهبية، وسعوا بكل جهدهم لقيام الحرب الأهلية في العراق، بتشكيل وتمويل أطراف معدة لها وتغذية أسبابها لإشعال فتيلها، لكن الله أطفئها كما وعد وليس لوعده تغيراَ، وظل الشعب العراقي أبياَ عظيماَ كما خلقه الله وأراده، فأسقط الفتنة وكشف كل أطرافها، وكان بحق كما وصفه سيد الخلق وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم (سنام العرب وجمجمة الإسلام). اللهم أحفظ العرب وحررهم، وزدهم هدىَ وإيماناَ، وآتهم حكمة وألفةَ، وآلف بين قلوبهم وإجعلهم بنعمتك إخواناَ، وأهدهم طريق الحق والوحدة والصلاح والمحبة والسلام، وأخذل أعدائك وأعدائهم، ومن يسعى لفرقتهم، ومزق كل من يريد الشر بأمة محمد، ويريد تمزيق أمة العرب المؤمنين ومن آخاهم في الله بحق ويقين، إنك أنت القوي العزيز.

 

 





الخميس٢٦ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣١ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الله سعد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة