شبكة ذي قار
عـاجـل










ان الولوج إلى نقاش موضوع المسيحيين في المشرق بالاستناد إلى رؤية قد تختلف عن رؤى آخرين، هو المدخل الصحيح لمعالجة هذه المسألة التي قفزت إلى واجهة الاهتمام الشعبي والسياسي خلال الفترة الأخيرة والمتواصلة فصولاً.

 

إن هذه المسألة قفزت إلى الواجهة وشغلت مساحة واسعة من الاهتمام بها، نظراً لكون وضع المسيحيين في المشرق بدأ ينظر إليه وكأنه موضع إشكالية. وهذه الإشكالية نتجت عن معطى موضوعي قائم في المنطقة، ومعطى ذاتي بسبب اختلاف الرؤى في مقاربة موضوع المسيحيين في المشرق العربي تحديداً.

 

وإذا كان المعطى الموضوعي قد تجلى في الإطباق العام الدولي، الذي تقع المنطقة العربية تحت تأثيراته، وتتحكم بتحديد اتجاهاته العامة مراكز التقرير الدولي الأساسية والتي تمثل فيها أميركا الموقع المقرر والذي قاده (المحافظون الجدد) الذين أمسكوا بمفاصل القرار مع بداية عهد ريغان وتقاطع إيجابياً مع الرؤية الصهيونية للخارطة السياسية للمنطقة العربية، فإن المعطى الذاتي تجلى في انكفاء الحركة الوطنية العربية، وبروز حركات سياسية ذات تركيب بنيوي ديني مذهبي على مسرح الأحداث، بحيث أدى ذلك إلى بروز شروخات عامودية في التكوين المجتمعي، هذه الشروخات أدت إلى إعادة تركيب الاصطفاف الشعبي على قاعدة المحوريات الدينية والطائفية والمذهبية الداخلية على حساب المحور الوطني الواحد.

 

وانه من خلال الرؤية الشاملة لطبيعة التكوين العددي وتنوع الانتماء الديني يتبين، ان المسيحيين على اختلاف توزعهم بين الفرق الكنسية هم أقلية بالقياس إلى المسلمين ان كان على مستوى الكل لعربي، وان كان على مستوى الجزء الكياني. وهذه الأقلية تختلف من بلد أي آخر، بحيث تشكل نسبة معقولة ومقبولة كما هي الحال في مصر ولبنان والعراق وسوريا وفلسطين، وتقل نسبياً في أقطار عربية أخرى ويبدو واضحاً ان وجود المسيحيين كانتماء إيماني ديني يتركز في مشرق الوطن العربي امتداداً حتى مصر. ولهذا فإن إشكالية التعامل معهم تطرح في هذه الأقطار بالنظر إلى عددهم.

 

والخروج من التعميم إلى التخصيص، يتبين ان البلدان العربية التي تشهد توترات سياسية في الداخل أو مع الخارج هي التي تجعل المسيحيين يعيشون حالة اضطراب وتوتر أيضاً. وهذا أمر طبيعي ان يحصل، لأن التوتر والاضطراب عندما يضرب بنى مجتمعية، إنما يطال كل المكونات وكل الأطياف. وباعتبار ان المسيحيين هم واحد من الطيف الشعبي، فإنهم لن يكونوا بمنأى عن التأثيرات التي ترخي ظلالها على الكل الوطني. هذا حصل في فلسطين، وحصل في لبنان وحصل ويحصل في العراق و في مصر.ايضاً حيث الواقع المأزوم ما يزال قائماً لأنه يراد فرض واقع جديد في المجتمع العربي تستحضر فيه عوامل النزاع الديني والصراعات المذهبية والطائفية وكأن الأمر في بداية التبشر الديني بأديان جديدة أو بإعادة تصويب الرؤية المذهبية لتفسير الأحداث التاريخية.

 

وعلى هذا الأساس فإن من يريد أن يقيم الدولة الدينية، فإن انسجامه مع نفسه يجعله يقدم نفسه مرشداً للدولة والمجتمع على خلفية منظومته العقائدية المستندة إلى النص لديني، وهذا بطبيعة الحال يفرض إقصاء الآخرين المنتمين إلى أديان أخرى عن إدارة شؤون الدولة والمجتمع وهذه إشكالية كبيرة، نظراً لكون الذين يريدون الحكم استناداً إلى خلفية فكرية دينية، يعتبرون الآخرين أهل ذمة وهذا يؤدي إلى التعامل معهم من موقع استعلائي دون إيلاء أي اعتبار لمبدأ المساواة في المواطنة.

هذه النظرة للتعامل مع الأقليات الدينية لا تقتصر على فئة دون أخرى، إذ ان كل من يريد ان يقيم دولة دينية، سيجد نفسه يتعامل مع الأقليات الدينية الأخرى بأنهم أقلية دونية في الحقوق المدنية، وهذا ما اختبر أثناء تشكل الدولة الدينية سابقاً والنماذج القائمة حالياً والكيان الصهيوني واحد من هذه النماذج حيث يعاني المسيحيون من التمييز الاجتماعي في خطوة تبين الطابع العنصري للدولة الصهيونية، إذ انهم لا يحصلون على التقديمات الاجتماعية التي يحصل عليها اليهود رغم انهم يدفعون الضرائب فهم لا يخدمون في الجيش ولا يتبوأون وظائف معينة في الدولة، كما لا يمكنهم شراء أراضٍ أو منازل في عدد من الأماكن وفي المدة الأخيرة أصدر عدد من الحاخاميين فتوى تحظر على اليهود بيع أو تأجير منازل للعرب (والمسيحيون يعتبرون عرباً) في خطوة تبين الطابع العنصري للدولة الصهيونية.

لقد أشرنا إلى ذلك، لنقول بأنه حتى الدولة التي تزعم بأنها دولة ديموقراطية وهي "إسرائيل"، يسقط ادعاؤها عندما يبرز النهج العنصري في التعامل نع المواطنين الذين يحملون جنسيتها ولا ينتمون دينياً إلى دين الأكثرية، فكيف إذا كانت دول أخرى ترفع جهراً شعار بناء الدولة الدينية؟ هل تمنح حقوقاً متوازنة لمواطنيها؟ ان الجواب البديهي كلا، لأن ذلك يناقض طبيعتها.

 

إن هذه الإشكالية الناتجة عن تعامل الساعين إلى إقامة الدولة الدينية، لا بد وان تؤدي إلى حدوث توترات مجتمعية بحيث يضع الأقليات أمام خيارين لا ثالث لهما، الخيار الأول هو الرضوخ، وهو ذروة الاستلاب الاجتماعي للذات المجتمعية، والخيار الثاني هو الخروج من البلاد وهذا دفع للانسلاخ عن الوطن الحاضن، وفي كلا الحالين فإن الأقليات تكون الضحية.

 

لكن هل هذه هي الإشكالية الوحيدة التي تواجه الأقليات التي تنتمي دينياً إلى غير دين الأكثرية في الانتظام الاجتماعي العام؟ قطعاً لا، لأن إشكالية أخرى تبرز أيضاً وهي لا تقل سلبية عن الأولى، ألا وهي النظر إلى الأقليات الدينية باعتبارها أقليات قومية. وهذه النظرة باعثها ان أصحابها يعتبرون الدين هو المكون الوحيد للأمة، وبالتالي يقتضي الأمر اعتبار المنتمين إلى أديان أخرى هم مكونات لقوميات أخرى.

 

هذه النظرة غير الصحيحة وغير المطابقة لواقع الحال تدفع إلى التعامل مع الأقليات الدينية بأنهم متمايزون ليس بالدين وحسب، بل أيضاً بالتكوين المجتمعي، وهذا يؤدي إلى التعامل معهم إما على قاعدة الدمج القهري وإما إلى التهجير القسري وفي كلا الحالين الحرمان من المساواة في حقوق المواطنة.

 

هاتان الإشكاليتان، جعلتا الواقع المجتمعي يعيش حالة قلق دائمة، وهذا أدى إلى بروز ظاهرتين سلبيتين. السلبية الأولى، أن أصبحت هذه المسألة مصدر أزمة داخلية دائمة، والسلبية الثانية، انه أفسح المجال أمام أشكال مختلفة من التدخل الخارجي لتحقيق أهداف سياسية تحت ذرائع دينية، أي حماية الأقليات.

 

وان استعراض بعض النماذج والعينات، يبين، ان التدخل الخارجي يحمى وطيسه ويشتد كلما ارتفعت حمى الأزمات الداخلية. ومن يستعرض واقع المسيحيين في الشرق العربي يقف على حقيقة ثابتة وهي ان المسيحيين يرتفع منسوب الضغط عليهم في حالات التوتر والأزمات الداخلية وفي حالات التوتر مع لخارج.

 

ففي حالات التوتر والأزمات الداخلية، ينظر إليهم باعتبارهم هم الحلقة الأضعف وفي حالات التوتر مع الخارج ينظر إلى وضعهم باعتباره سبباً يبرر التدخل، وهذه ثابتة، بدأت مع الحملات الصليبية، واستحضرت في طرح المسألة الشرقية، ويتم اليوم وضعها على طاولة رسم الخريطة السياسية للمشرق وحوضه العربي بشكل خاص.

 

استهداف المسيحيين مرتبط بالتوتر

 

وهنا يطرح التساؤل الأساسي، لماذا يستهدف المسيحيون عندما ينفجر الوضع السياسي في بلد من البلاد العربية. كما حصل في لبنان وكما حصل في العراق وكما حصل في مصر، وكما حصل ويحصل في فلسطين.

 

إن الجواب بسيط وواضح، إن المخطط العام الهادف إلى إحياء نظرية المسألة الشرقية، أعيد ضخ الحياة فيه انطلاقاً من فلسطين لإقامة الدولة الدينية.

 

إن إقامة الدولة الدينية في فلسطين هو تبرير لإقامة الدولة الدينية في المحيط العربي، وهذا لن يتم إلا بإزالة وشائج التعايش الديني بين المسلمين والمسيحيين في بلاد العرب، وبطبيعة الحال فإن الأمر لن ينتهي عند هذا الحد، بل يراد الاستمرار به، وصولاً إلى إقامة دويلات الطوائف والمذاهب أسوة بالحالة التي سادت في الأيام الأخيرة للخلافة العباسية. ومن يستعرض واقع الحال، يرى كيف تناقص عدد المسحيين في فلسطين منذ بدأ المشروع الصهيوني إقامة ركائز كيانه الاستيطاني وبالاستنتاج ان وجود المسيحيين في فلسطين تناقص يوم اغتصب الكيان الوطني الفلسطيني، وفي العراق، ان المسيحيين تعرضوا ويتعرضون للقتل والتهجير بعد الاحتلال الأميركي. أي أن المسيحيين اضطرب وضعهم وتناقص عددهم يوم أسقط الكيان الوطني العربي وأقيم نظام طائفي بدعم دولي وإقليمي. وفي لبنان البلد المميز، تعرض وجود المسيحيين للاضطراب والاهتزاز وتناقص عددهم بسبب تداعيات الأزمة المستمرة فصولاً. وهذا ننظر إليه في سياقه العام دون الدخول في تحميل المسؤوليات لعناصر الفعل الذاتي. لأنه أياً كانت مسؤولية أطراف الداخل في تأزيم الأوضاع، إلا أن الصحيح أن الهجمة برافعاتها الإقليمية والدولية كانت أقوى من قدرة الداخل على احتواء ضغطها، ولهذا كان الوضع ينفجر كلما اختلت توازنات الخارج المنعكسة على لبنان باعتباره يقع ضمن دائرة صراع الاستراتيجيات المتقابلة.

 

وفي مصر، البلد العربي الأكبر، العريق في تراثه المؤسساتي، تعرض المسيحيون إلى ضغط سياسي ونفسي وأمني كان أكثره ترويعاً تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية. وهذا الذي حصل في الإسكندرية وقبله وبعده في مناطق أخرى وطال المسيحيين، لم يكن ليحصل، لو لم يكن الوضع الداخلي في مصر قد بلغ درجة من التأزم وضع البلاد على حافة الانفجار وقد انفجر وأطاح السلطة بكاملها والتي ما تزال ضمن مديات المرحلة الانتقالية واعادة تشكلها.

 

إن المسيحيين في مصر تعرضوا للخطر على أمنهم الاجتماعي في الفترة الذي زاد فيها التوتر الاجتماعي وانكفاء مصر عن دورها الوطني ببعده القومي بحيث أدى ضعفها في حماية أمنها الاستراتيجي الذي كان آخر مشهدية له، انفصال جنوب السودان إلى إضعاف حضورها في حماية الأمن المجتمعي والذي كان المسيحيون ضحيته البارزة.

 

إذاً، وجود المسيحيين في المشرق العربي يتهدده الخطر، كلما كان الخطر، يهدد الكيان الوطني، كما حصل سابقاً في فلسطين ويهدده الخطر عندما يتم إسقاط الدولة الوطنية كما حصل في العراق، ويتهدده الخطر عندما تسقط الدولة ويرتفع منسوب التوتر السياسي الذي يأخذ بعداً طائفياً كما هي حال لبنان، ويتهدده الخطر عندما تصبح الدولة في موقع العاجز عن توفير مستلزمات الأمن للمكونات المجتمعية كما هي حال مصر.

 

على هذا الأساس، وانطلاقاً من تشخيص الحالات التي تبين المواقع التي يتعرض فيها وجود المسيحيين للخطر يقتضي الانطلاق لتحديد ركائز البيئية الآمنة للمسيحيين كما لغيرهم.

 

ركائز البيئية الآمنة

أولى الركائز، تنطلق من مسلمة أنه لا أمن حيث لا دولة. لأنه إذا انهارت الدولة، وتحلل ضابط العقد الاجتماعي الناظم وانهار النظام العام، تعود المجتمعات إلى مرحلة ما قبل الدولة، حيث تسود العصبيات القبلية والطائفية والعشائرية، وهذا يعرض أمن الجميع للخطر وأن بنسب متفاوتة.

 

إذاً، وجود الدولة هو الذي يشكل ألف باء ضرورات البيئية الآمنة، والدولة المقصودة بذلك، ليس أي دولة، بل يجب أن تكون دولة لا دينية، لأن الدولة الدينية هي لب المشكلة، والدولة اللادينية هي التي تكون محكومة بالقانون المدني في إدارة شأنها العام.

 

وأما ثانية الركائز، فهي النظر إلى المسيحيين ليس باعتبارهم أقلية دينية أو قومية بل باعتبارهم جزءاً عضوياً من النسيج الاجتماعي ومن المكون الوطني والقومي الشاملين.

 

وإذا كان المسيحيون في العديد من الأقطار العربية أقل عدداً بالنظر إلى انتمائهم الإيماني الديني، إلا أنهم ليسوا أقلية في انتمائهم الوطني والقومي. ولهذا يجب الإقلاع عن التعامل والنظر الى المسيحيين في البلاد العربية بأنهم أقلية دينية أو أهل ذمة، بل يجب النظر إليهم بأنهم من المكونات الوطنية الأساسية للأمة العربية. وأن انتماءهم إلى عروبتهم هو فوق أي التباس. وهذا لا نقوله إلا لكونه الحقيقة وإذا ما استعرضنا دور المسيحيين في النهضة الفكرية والسياسية العربية، لوجدنا أنهم كانوا في طليعة الداعيين لاستنهاض الأمة العربية والدفاع عن حقوقها ضد استعمار الخارج وتخلف وتجزئة الداخل، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر المدرسة اليازجية والبساتنة، وجرجي زيدان وخليل مطران وقسطنطين زريق ومكرم عبيد رفيق سعد زغلول، وميشيل عفلق وأنطون سعادة وجورج حبش وكمال ناصر وطارق عزيز والمطران كبوجي والمطران بولس الخوري ونجيب عازوري وآخرين لا يتسع المجال لذكرهم، وأن الحركات الوطنية العربية، لم يكن لديها أية تحفظات أن يكون قادتها منتمون إيمانياً إلى المسيحية كدين طالما أنهم منتمون إلى شعوبهم بالقضية الوطنية والقومية ولهذا قاتل وناضل هؤلاء. واستشهدوا دفاعاً عن أوطانهم ضد كل الأخطار والتحديات. وأن عروبة المسيحيين لم تكن يوماً موضع شك أو تشكيك إلا من الذين يريدون ذرع بذور الفتنة وإثارة الصراع الداخلي لتبرير التدخل الخارجي. وهنا استشهد بقول شديد الدلالة لراعي أبرشية جبل لبنان المطران جورج خضر إذ قال في لحظة السجال السياسي والفكري حول لبنانية المسلمين بعد الاجتياح الصهيوني للبنان. قال يومذاك في مقابلة مع النهار العربي والدولي، "إن المطلوب ليس إثبات لبنانية المسلمين بل التأكيد على عروبة المسيحيين لأن المخطط المعادي يهدف إلى سلخ المسيحيين عن عروبتهم". وفي السياق نفسه قال الدكتور بديع أبو مراد وهو من النخب الفكرية اللبنانية، "نحن عرب أرثوذكس ولسنا روماً أرثوذكس". ويقول الأب جورج مسوح في مقالة منشورة في جريدة النهار 23/1/2011، "يدرك المسيحيون المشرقيون أنهم مدعوون إلى أداء الشهادة في أوطانهم مهما قست الظروف وانقلب الدهر عليهم. وهم لا يعتبرون أقلية، لأنهم أبناء البلد وشركاء كاملون في صنع مستقبل مجتمعاتهم وهم ليسوا دمى في يد أحد حتى يحكى عن وصاية غربية عليهم بدعوى حماية الأقليات المسيحية". والى العراق حيث أن كثيرين لم يكن يعلمون أن طارق عزيز هو مسيحي بالإيمان الديني، وهو كان من قادة حركة النضال القومي وما يزال يصارع الاحتلال في زنزانته.

 

أما الأب شنودة بابا الأقباط، ألم يكن في الموقع المتقدم في معارضة اتفاقية الصلح مع "إسرائيل" والذي نفي وحجر عليه بسبب مواقفه الوطنية؟، ألم يقل أنه لن يحج إلى القدس طالما هي محتلة ولن يزورها إلا برفقة مفتي الديار المصرية.

 

من هنا، فإن المخطط الذي يستهدف الأمة العربية إنما يستهدفها باعتبارها تشكل مكوناً قومياً واحداً والمسيحيون هم جزء عضوي من هذا المكون. وإذا كانت الهجمة تشتد عليهم فلأنهم كانوا واستمروا طليعيين في مواقفهم الوطنية والقومية، وإذا ما ظهرت بعض الأصوات وبعض ظواهر التي خرجت عن هذا السياق العام لدور المسيحيين العرب، فهذه لا تعدو كونها أطرافاً أفرزها عدم مناعة الجسم العربي وهي سارت عكس الاتجاه وعكس المزاج العام.

 

أما ثالثة الركائز، لتحقيق مستلزمات البيئة الآمنة، فهي أولاً، العودة إلى النصوص الدينية والى سيرة السلف الصالح في التعامل مع المسيحيين إلا تقول الرواية، أن الراهب بحيرى قال لأبي طالب عندما استوقف القافلة إلى الشام وكان محمداً مع عمه.

 

"ارجع بابن أخيك إلى بلده وأحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفت منه ما عرفت ليبغينه شراً، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم".

ثم ألم يرسل النبي محمد أنصاره إلى ملك الحبشة لتوفير حماية لهم من عبده الأوثان في قريش.

 

ثم ألم يوثق القرآن الكريم في سورة المائدة (الآية 82) علاقة المسلمين بالمسيحيين "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا، اليهود والذين أشركوا. ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا، قالوا ان نصارى، ذلك أن منهم قسيسين ورهبان وأنهم لا يستكبرون".

 

ثم ألم يمتنع الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب عن الصلاة في كنيسة القيامة في القدس كي لا يتخذها اللاحقون حجة لتحويلها إلى مسجد بالاستناد إلى واقعة: هنا صلى عمر.

إن النصوص والأحداث التي حفل التاريخ بها منذ بدء الدعوة الإسلامية، تفيد أن المسيحيين كانوا دارة سلام ولم يكونوا دارة حرب وهم لم يكونوا عرضه للخطر وتهديد حياتهم إلا عندما كانت المشاريع الكبرى تطل عبر رايات الاحتلال والتوسع.

 

ومع العودة لقراءة النصوص لدحض حجة الذين يحرضون على المسيحيين من منطلق ديني، يجب ثانياً، تعديل التشريعات الدستورية التي تخرق مبدأ المساواة في المواطنة.

 

إن المساواة في المواطنة، في الحقوق والواجبات هي ركائز الدولة المدنية، ولهذا يجب أن يكون الجميع متساوون في الحقوق السياسية أياً كان انتماءهم الديني، طالما هم منتمون إلى مكون وطني واحد، فالمسلمون ليس أكثر ولاء وطنياً من المسيحيين، والأمثلة التي أشرنا إليها على المثال لا الحصر هي خير إثبات على ذلك. هذا من جهة وجوب تمتع الجميع بالحقوق السياسية على قدم المساواة، أما من ناحية ثانية، فإنه في ظل عدم وجود قانون مدني للأحوال الشخصية، فإن العدل والإنصاف والمساواة التي نصت عليها كافة الدساتير الوضعية توجب أن يحظى جميع المواطنين بتكافؤ الحقوق فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، وذلك بأن يعطى المسيحيون الحق بنظام للأحوال الشخصية أسوة بما يعامل به المسلمون، وإلا كنا أمام خرق لمبدأ المساواة. فإما أن يكون الجميع محكومون بنظام واحد للأحوال الشخصية وخاصة الحقوق الشخصية اللصيقة والإرثية، وأما أن تراعى الخصوصية الدينية لكل فئة.

 

إن توفير هذه الركائز الثلاث من شأنه أن يوفر بيئة آمنة تعيد الاطمئنان لمن اضطرب وضعهم الاجتماعي وألحق ضرراً بهم كما بالوضع العام.

 

العروبة هي الكامنة

خلاصة، ان المسيحيين في الشرق والعربي منه بشكل خاصة، هم جزء عضوي من المكون القومي، فهم ليسوا أقلية دينية ولا أهل ذمة، بل هم عرب يعودون بعروبتهم إلى مرحلة ما قبل الإسلام في جزيرة العرب وبلاد الشام ومصر وبطبيعة الحال قبل الاستيطان الصهيوني في فلسطين. إن الدولة المدنية هي التي تحمي حقوق الجميع على قاعدة المساواة في الحقوق المدنية والسياسية، والأحوال الشخصية، وأن التهديد يزداد عليهم في لحظات التوتر الداخلي ومع الخارج، ولذلك فإن المصلحة الوطنية هو توفير ركائز الاستقرار المجتمعي لأن الصراع وأن كان بين مذاهب أخرى إنما ينعكس عليهم باعتبار أن الجميع يتعرضون للخطر كلما تعرض الاستقرار الوطني والمجتمعي للاهتزاز والخطر. وكلمة أخيرة وحازمة ان العروبة كانت ويجب أن تبقى حاضنة لكل أبنائها واختبارها الجديد هو اليوم حيث يتعرض وجود المسيحيين كواحد من مكوناتها في الشرق العربي للخطر.

 

 





السبت٢٥ جمادي الاخر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٨ / أيـــار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة