شبكة ذي قار
عـاجـل










ألقى الرئيس الأمريكي أوباما قبل أيام خطابا من مقر وزارة الخارجية الأمريكية يعلن فيه عن مساندة أمريكا للتغيرات، وليس للثورات التي يشهدها العالم العربي، معلنا حزمة من المساعدات لتونس ومصر، وعن رؤيته والإدارة الأمريكية لما يجري في الشرق الأوسط حيث ما تزال الولايات المتحدة تخوض فيه حرب احتلال العراق منذ ثماني سنوات، وتساند من دون قيد وشرط الاحتلال الصهيوني وتمدده الاستعماري في فلسطين وباقي الدول العربية. لم نسمع نحن أهل الشرق الأوسط، خاصة في العراق وفلسطين، خطابا لرئيس أمريكي من بوش الى أوباما يهتم فيه بما يجري لشعوبنا وبلداننا، بل غالبا ما نسمع ما لا يسرنا وما يصب فقط بمصالح الولايات المتحدة وإسرائيل وسلامة وأمن جيوشها ومرتزقتها وموظفيها المحتلين للعراق وفلسطين. وحتى خطب أوباما التي ألقاها بعد انتخابه والموجهة للعالم الإسلامي لم تكن الا خطب بروباغندا دعائية تصب في خدمة حروب الولايات المتحدة في العراق ومساندة الكيان الصهيوني ضد شعوب المنطقة وضد دولها.


وهذه هي المرة الأولى التي يتكلم فيها رئيس أمريكي، هو اوباما، مباشرة عن التغيرات السياسية التي شهدها العالم العربي، ويزج بأنفه وأنف وزارة خارجيته للتحدث عن الشعوب العربية التي: ارتقت للمطالبة بحقوقها السياسية، والتغير الذي حصل في تونس ومصر، قائلا ان زعيمين تنحيا وكثيرين قد يلحقون بهما. وللوهلة الأولى يبدو ان الخطاب الرئاسي هو خطاب دبلوماسي تجاه العالم العربي واحداثه، لأنه ألقي من الخارجية الأمريكية، لكن متابعة ما قاله اوباما يظهر ان الإدارة الأمريكية، وعلى رأسها أوباما، تريد فرض رؤيته ورؤية إدارته الحربية والاستخباراتية على المنطقة ودولها التي تعيش التغيرات والثورات، ليقول ان ادارته ستستمر على السياسة السابقة ولا تغيير لا في فكرة الحرب على المنطقة ودعم الأنظمة الديكتاتورية، ولا على مفهوم الحرب على الإرهاب الإسلامي، رغم ان أوباما حذف من خطبه السابقة جملة الإسلامي وبقيت جملة الحرب على الإرهاب. فلماذا يعود الرئيس الأمريكي للكلام عن الحرب على 'القاعدة' والإرهاب الإسلامي؟ هل عاد في خطابه هذا بسبب الثورات العربية المقاومة ولاحتوائها ولتعود الولايات المتحدة من جديد الى كذبة 'القاعدة' لتصفية أي مقاومة عربية ضدها وضد الكيان الصهيوني ولفرض التطبيع في المنطقة بالحرب الشاملة، كما فعلت في الصدمة والترويع ضد العراق؟


لقد أجبرت ثورتا تونس ومصر وتظاهرات الشعوب العربية في ليبيا واليمن والعراق والأردن والمغرب والبحرين وسلطنة عمان والسعودية ضد الظلم والفساد والاحتلال الرئيس الأمريكي على القول ان الشعوب في الشرق الأوسط أخذت زمام أمورها. معللا ذلك بأن السلطة هناك تتركز بأيدي عدد قليل للغاية من الأفراد.


لكنه وبعد هذا الاعتراف الخجول دخل الى صلب الموضوع والى الكلام الجدي، أي كلام الحرب الأمريكية على المنطقة العربية ودولها. فبدأ بالحديث عما تسميه أجهزة مخابراته الـ(سي أي أيه) بـ'القاعدة' ورئيسها وفشل هذا التنظيم باستقطاب الناس وتجريم بن لادن ورسالته التي وصفها برسالة الكراهية. فما علاقة التغيير والثورات في تونس ومصر وغيرها من الدول العربية بأسامة بن لادن وتنظيمه؟ ولماذا يتكلم اوباما عن التغييرات العربية ويفرض علينا الإشارة الى من تسميه مخابراته برئيس تنظيم 'القاعدة' وخسارة قضيته وعدم استجابة الملايين من المسلمين لها؟


من الواضح في هذا الخطاب ان رسالة ادارة الحرب الأمريكية الى دول المنطقة التي تقوم الشعوب فيها بثورات: تقول لها ان معركتكم خاسرة معنا لأننا سنسمي كل مقاومة أو ربما 'ثورة' بـ'القاعدة' وان 'القاعدة' خسرت معركتها لأن الملايين لم يستجيبوا لها وان من يموت مقاوما ضد المحتل هو ليس شهيدا لأن بن لادن لم يكن شهيدا، بل كان قاتلا سفاحا بعث برسالة كراهية ـ هي رسالة الجهاد والمقاومة.


بمعنى آخر أن الولايات المتحدة ستعمل كل ما في وسعها للاستمرار بسياستها العدوانية والإجرامية في المنطقة بالأساليب التي سبق لها ان مارستها. وهي اتهام تنظيم 'القاعدة' بإدخال المرتزقة العرب ممن تجندهم بعض الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة الذين يعملون بإمرة المخابرات لاحداث أعمال عنف وعمليات إرهابية واستعمال مثل هذه الأعمال حججا للتدخل في ما بعد لتصفية واعتقال كل من تسول له نفسه بمعارضة ومقاومة الوجود الأمريكي. هكذا تم غزو العراق وأبيد جيشه ودمرت دولته وهجر شعبه وقامت جمعيات بتهجير شعبه تحت مسميات التوطين وإيجاد وطن بديل لهم، ونهبت ثروته وقسم واستبيح للجيران كما للأغراب. وقد اتهم المتظاهرون العراقيون المطالبون برحيل القوات الأمريكية وحكومة الاحتلال منذ الخامس والعشرين من شباط/فبراير الماضي، بأنهم ينتمون الى تنظيم 'القاعدة' وأنهم يتلقون الأموال من جهات خارجية. وقال القذافي ان الثوار هم من 'القاعدة' وسمعنا نفس التبرير من الأنظمة الأخرى التي خرجت شعوبها تطالب بالتغيير ومغادرة الحاكم وشلته الفاسدة والظالمة. وقام بلطجية النظام المصري باحداث فتنة دينية بين المسلمين والأقباط. هل هي فقط مصادفة أن يقوم الاعلام الغربي والأطلسي بنشر خبر عن تعيين خليفة لابن لادن، وهو شخص تسميه سيف العدل، بحسب صحيفة بريطانية هي 'ميل أون صندي' وما هي مصادر هذا الصحيفة؟ وكيف علمت بالخبر القائل بأن هذا الرجل يخطط لشن هجوم كبير في لندن وأمر أتباعه بسحق العاصمة انتقاما لمقتل زعيمهم بن لادن، كما نشر الاعلام الأمريكي أخبارا دقيقة حول آخرين ربما سيخلفونه، وعن حياتهم وعملهم، مما يثير أسئلة حول صناعة هذه الجماعات والشخصيات من قبل الولايات المتحدة وحلفائها وليس من العرب المتهمين بها دوما.


أما الإشارة الثانية والغريبة التي وردت في خطاب اوباما، فهي ربطه بين أسامة بن لادن ونهاية الحرب على العراق. كما في عام 2002 وفي أوج حرب الولايات المتحدة على أفغانستان والتحضير لغزو العراق، خاطب المجرم بوش الشعب الأمريكي ليقول ان صدام حسين له علاقة بـ'القاعدة' وبتفجير برجي مركز التجارة العالميين في نيويورك عام 2001 فصدقه 80'من الشعب الأمريكي. ويبدو ان أوباما والإدارة الأمريكية تعيد تسويق هذه الكذبة التي ثبتت ضد سلفه بوش وأصدقائه من المجرمين الجدد، فقد ألصق اوباما بنفس الطريقة العملية الكاذبة لمقتل أسامة بن لادن بإنهاء حرب العراق بالقول: 'بعد أن أنهينا حرب العراق وقضينا على أسامة بن لادن'. فهل يهدد اوباما والإدارة الأمريكية بحروب وتدخلات أخرى وبالأخص ضد الثورات العربية بنفس الحجج الكاذبة التي سوقها سلفه على العراق؟ عن هذا السؤال تجيب هيلاري كلينتون: 'بخصوص رياح التغيير التي تكتسح الشرق الأوسط والمغرب العربي فان الولايات المتحدة بحاجة لطرق جديدة ومبتكرة'، فما هذه الطرق الجديدة والمبتكرة؟


لقد نجحت الولايات المتحدة ولعقود خلت في افساد مجاميع من السماسرة والتجار في الدول العربية، من ملوك ورؤساء وعسكريين وصحافيين وباحثين، كما هو الحال في مصر والخليج والأردن ولبنان وعراق اليوم وغيره من الدول العربية التابعة للأطلسي، فخصصت لمصر ملياري دولار وللأردن مليارا آخر من دون ذكر الأسلحة والمعدات الحربية للبعض الآخر. ملايين من الدولارات تقدمها الولايات المتحدة ليس من بنوك مرابيها الذين يسرقون وينهبون، بل من بترودولار الشعوب العربية المخزونة من قبل الدول الخليجية في البنوك الغربية والتي أصبحت بنكا لحروب الولايات المتحدة وحلف الأطلسي، خصوصا ضد العراق وضد الثورات المعادية للولايات المتحدة في العالم. لذا سمعنا هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية تسوق نفس العملية السابقة لضخ الأموال عبر قروض مغرية من صندوق النقد ـ النهب الدولي لدعم البعض وشراء ذممهم ليحلوا مكان من خلعتهم الشعوب العربية التي لم تعد تخيفها عصى وإرهاب الدولة التابعة للإمبراطورية. فتحدث ثوار مصر عن تقديم المملكة السعودية مبلغ أربعة مليارات دولار لهم للعفو عن مبارك واقتراح آخر بمليارين لرئيس دولة عربية يقوم شعبه بالتظاهر لإسقاطه.


لقد انتهى مفعول الصدمة والترويع والحرب الشاملة باسم الحرب على الإسلام و'القاعدة' لإبادة خيرة أبناء شعبنا العربي وتهجيرهم واجتثاثهم ونشر الفتنة الدينية والطائفية، ولم تعد تخيفهم بعد اليوم قنابل اليورانيوم بأنواعه والكيميائي بأنواعه، انتهى مفعول تصدير الديمقراطية المغشوشة وقيم الغرب والعالم الحر صاحب ألف خطاب وخطاب، وجاء عصر الحرية وكسر حاجز الخوف لمواجهة الطغاة والغاصبين والمحتلين ممن نشر في أرضنا وبيننا الدمار واليباب والإبادة زارعا الفساد وقيم السرقة وخراب النفوس وبيع وشراء الذمم، مبشرا بالسجون للأبرياء، مطبعا ومشرعا أنواع التعذيب والحصار، لا يهمه الا ربحه وسرقته ونهبه لبلداننا وثرواتنا. لقد هبت الشعوب العربية من المحيط الى الخليج تريد الحرية والكرامة والتحرر من أنظمة القهر متظاهرة في ساحات التحرير وعلى تخوم الحدود مع فلسطين لتقلب موازين القوى بينها وبين الحكام والإمبراطورية التي تدعمهم.


ان خطاب أوباما هو خطاب حرب مكمل لخطب المجرم بوش وليس خطابا متعارضا معه، كما تحب احدى الفضائيات العربية تسويقه للشعب العربي لأن حروب الولايات المتحدة الإجرامية على العراق وفلسطين وثورات المنطقة الفتية لن تنتهي الا بهزيمتها على ايدي كل الشعوب العربية المنتفضة والمتظاهرة والموحدة اليوم وليس على يد المقاومين المقاتلين فقط.

 

 





الاربعاء٢٩ جمادي الاخر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠١ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ولاء السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة