شبكة ذي قار
عـاجـل










1 ـ قراءة عـــــامة


اقترن الحراك السياسي الوطني غداة تراجع القوة الاستعمارية عن الاستعمار المباشر إلي الاستعمار غير المباشر بتباينات حاد بين اتجاه تبعي تغريبي يستند إلي الدعائم الاقتصادية و الاجتماعية التي خلفها المستعمر معتمدا نظرة براغماتية (البورقيبية) و اتجاه وطني قومي مستقل يستند إلي جملة مبادئ و قيم ثورية ببعديها الوطني و القـومي ( اليوسفية) . تباين بلغ حد الاقتتال الداخلي الذي حسم لفائدة الاتجاه الأول بدعم واضح من حكومة بن عمار التي نصبها المستعمر في فترة الحكم الذاتي مع بداية الاستقلال و أفضي إلي ظهور الدولة الحديثة ... التي عملت علي استنساخ قيم الحداثة دون تفعيل لها بموروثنا الحضاري ... و إن حصل فبشكل انتقائي بما يمكنها من الهيمنة و تفعيل شرعيتها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ..أو تحسبا من عودة الاتجاه الثاني (بالرغم من اغتيال قياداته) بما يمكنه من كسب مساحات علي حسابه سواء علي مستوي الإدارة أو الشارع (حركة الأزهر الشرايطي و رفاقه) لينتهي الوضع السياسي بالبلاد إلي إقامة نظام سياسي يستند إلي دستور( ماانفكت تعديلاته تتواتر) امتدد لخمسة عقود بنيته سيطرة الحزب الواحد و الشخص الواحد أو العائلة الواحـدة ( جهة أو أقرباء) يعاونه في ذلك فاسدون و طامحون ... فلا تعددية حزبية أو إعلامية و لا تداول للسلطة عبر انتخابات تجري علي أساس أنظمة انتخابات ديمقراطية... فالحاكم (اختصر الشعب في ذاته هو الوحيد الواعي و المالك للحقيقة ـ عندنا غيره الكلمة التي تعترض كل من حاول وضعه موضع التساؤل ـ) له وصاية مطلقة علي الشعب بفئاته و انتماءاته كافة ( الحكم مدي الحياة) بيده الإعلام المسير للرأي العام و المزيف لإرادة الشعب و المزور للانتخابات (99.9%) و المسوق لمشاريع التوريث أو القيادة بالنيابة عن الورثة إناثا كنّ أم ذكورا لم يبلغوا سن الرشد بعد ( صانع التغيير). وصاية مقترنة بالسيطرة علي السلطة التنفيذية (الحكومات /أدوات لا غير) من خلالها تمت له السيطرة علي السلطتين التشريعية و القضائية باستخدام ميكانيكي لنفس الشخوص/ الوجوه التي تنتقل من هذا المكتب (الوزارة) إلي ذلك و ما تلبث أن تعود إلي نفس الموقع في دائرة تكاد تكون مغلقة و إن حصل إبعاد لأي منها و هي حالات نادرة يعلن عنها بصيغة (نقل إلي مهام أخري دون أن يكون عرضة للمسائلة أو تبيان السبب في الحد الأدنى ) فقط بما يلمع صورة السيد الحاكم ويبرزه من أنه مطلع علي أحوال البلاد و العباد . فلا الدولة دولة حق ولا الحكم حكم قانون (في دولة رفعت شعار دولة القانون و المؤسسات منذ 1987) ... دولة بيد الحاكم أمنية بامتياز أجهزتها تنتهك حقوق المواطنين و حرياتهم الخاصة و العامة ... تشجع الوشاية و الاستلاب الفكري و الروحي ( تكميم الأفواه ـ منع الأحزاب إلا من ارتضت التبعية و تلميع حذاء السيد الذي به داس أعناق الشرفاء من المعارضة الحقة) علي المستوي السياسي الداخلي أما خارجيا الارتهان التام للغرب عامة و أمريكا خاصة و التفريط و التآمر علي القضية الفلسطينية ( طرح الحلول في مرحلة أولي ـ بورقيبة ـ و جر المقاومة إلي التخلي عن ثوابتها في مرحلة ثانية ـ اتفاقية أوسلو فترة بن علي ـ) و الأمن القومي و الاستقلال و تسليم اقتصاديات البلاد للعولمة و الليبرالية الاقتصادية و النهب الخارجي و الداخلي ... سياسات الخوصصة و ما رافقها من عمليات الفساد المالي و الرشوة و المحسوبية و تخريب لمؤسسات و تحويلها بأسعار تكاد تكون رمزية لفائدة من هم في دائرة الحاكم دون إخضاعها حتى للإشهار و المنافسة و السرقات و العمولات و تنامي الديون الخارجية التي التهمت عائدات الثروة الوطنية و اقتطعت أقساط تسديدها من جهد الشعب و أفضت مجتمعة إلي ارتفاع غير مسبوق لمعدلات الفقر و انحصار واضح للثروة بيد فئة محضوضة و أغلبية مسحوقة في اقتران بائن بثقافة اجتماعية عنوانها المثل الشعبي السائد ( اعمل كيف جارك وإلا حول باب دارك) من خلال .


تحويل التعليم و المعرفة من قطاع هادف تنمية الموارد البشرية كمصدر أساسي لتنمية ثروة البلاد إلي قطاع الهدف منه تنمية الاقتصاد ألريعي ... مستغلا عقدة الشعب الايجابية في توقه للمعرفة.


تعميق الوهم و الأحلام في الحصول علي شغل ( نظام التشغيل المعتمد بالنسبة لأصحاب الشهادات الجامعية ) أي إغراق الكفاءات في العدمية و اليأس.


العبودية الجديدة ( شركات المناولة ـ ضرب تام لكافة الضمانات الاجتماعية ـ ) لبقية الباحثين عن موطن شغل جاعلا من الحاصل علي عمل عن طريقها بمثابة المحظوظ .


سياسة اجتماعية فتحت الباب واسعا أمام تفكك الأسرة من ناحية و من ناحية أخري قادت إلي وضع القيم التي تميز مجتمعنا موضع التساؤل في العديد من مفاصلها الحيوية.


مظالم مركبة سياسية و اقتصادية و اجتماعية حركت المواطن للانتفاضة / الثورة ... التي رفعت شعارات/ أهداف (الكرامة ـ الحرية ـ الخبز) واضعة البلاد علي مفترق طرق تفرض علينا تأشير الطريق الصواب تأشير يتأكد من خلال تحديد طبيعتها و القوي التي أفرزتها و العراقيل التي تقف بالضد من تحقيق استحقاقاتها و الحلول الواجبة لذلك.


2 ـ الانتــفاضة / الــثورة . الايجابيـات و العـراقيل


أ ـ الايجـــابيات


إن انتفاضة/ثورة شعبنا هي ثمرة تراكمات شعبية هائلة من الضغط و الاضطهاد المركب و المتداخل التي ازدادت قوة تحت طائلة تعميم الوشاية حد الصمت ... الذي فجره قرار احتجاج فردي (قرار الشهيد البوعزيزي) علي وضع معاشي مزري يشترك فيه مع الآلاف من أبناء البلاد ... قرار مثل الشرارة التي أسقطت خيار الصمت أو الاحتجاج السلبي فاتحة بوابة دخول جماهير شعبنا عصر الانتفاضة الشاملة من أجل الكرامة ـ الحرية ـ الخبز النتيجة انتفاضة/ثورة عفوية مفاجئة لكل الأطراف قطريا و قوميا و عالميا.


قطريا الأحزاب و الاتحاد العام التونسي للشغل و الشخصيات الوطنية
قوميا الأطراف الرسمية و حتى الشعبية


عالميا المفاجأة حد الذهول التي أصابت أجهزة المخابرات الفرنسية و الأمريكية خاصة التي كانت تتوقع تحولات ما (تتحكم فيها و تؤشر هي بداياتها و نهاياتها) إلا انتفاضة/ثورة خاصة عند نجاح الانتفاضة/الثورة في تحييد المؤسسة العسكرية لا بل انحياز هذه المؤسسة إلي جانبها بالرغم مما أثير حول قيادتها من أعلام مشبوه يطمس حقيقة و عيها الوطني ورسمت طريق نجاح تاريخي مذهل في إسقاط قيادة النظام بأسلوب الاستشهاد و روحية التضحية من أجل تونس حرة مستقلة و مستقرة في ظل عدالة اجتماعية و اقتصادية وقانونية ... محركها الأساس وعي شعبي سابق وعي النخب السياسية مثله عدم الاكتفاء بإسقاط رأس النظام و إنما الإصرار علي إسقاط النظام و استئصال جذوره بالكامل(اعتصامات. القصبة) مسقطة الدعاية و التثقيف الغربي علي صورة العربي (الخائف ـ المتردد ـ الأناني ـ الجشع ـ السطحي) و راسمة صورة حقيقية للعربي (الشجاع ـ المقاوم ـ المضحي بنفسه ـ الذكي ) من أجل القيم ألكبري التي لخصها في الكرامة و الحرية...و في ذلك تعبير واضح علي مدي عظمة شعبنا و خطورة ما طرحته الانتفاضة/الثورة علي القوي المعادية فما هي العراقيل؟


ب ـ العراقيــــــل


منها ما هو وليد الايجابيات نتيجة طبيعة الانتفاضة/الثورة .. و تأخر وعي القوي السياسية بحكم ظروف القهر و الإقصاء الذي عرفته خلال العقود الخمسة و خاصة العقدين الأخيرين و منها ما له علاقة بالأطراف الخارجية في علاقتها بمكونات المشهد السياسي الذي أوجدته الانتفاضة/الثورة و ما أفرزه من اصطفاف طوعي أو إجباري.


ـ طبيعة الانتفاضة/الثورة و تأخر وعي القوي السياسية : مثلت عفوية الانتفاضة/ الثورة و بقائها موحدة ضد النظام برموزه و هياكله و تأخر القوي الوطنية في تنظيمها رغم وضوح ذلك في ضميرها بما ينقلها من العفوية التي أدت وظيفتها كأحسن ما يكون إلي التخطيط و العمل الاستراتيجي المتكامل بما يجنب الانتفاضة/الثورة للخنق أو الاغتيال و هي بعدها في المهد... رغم ما مثلته ( جبهة 14/01 و تكون المجلس الوطني لحماية الثورة ) من بارقة أمل إلا أن تأخر وعي الأطراف السياسية حتى الآن و لهفتها المصطنعة للظهور و كسب مساحات داخل الشارع جعلها تسبّق فعلها الميداني (الإشهار) أو ظروفها الداخلية(الهيكلة) علي ما هو سوقي (استراتيجي) يفرض عليها التوافق المرحلي كما فرضته حركة الشعب سياسيا في بيانها المؤسس للمجلس الوطني لحماية الثورة ليتحول من هيكل آني إلي هيكل ذا بعد استراتيجي مرحلي من حيث التخطيط و التوجيه و بما يجعل من النبتة التي سقاها الشهداء بدمائهم تتحول إلي شجرة/وطن يستظل بها الشعب كله دون إقصاء وبما يعمق حبه و التضحية في سبيله ..تسابق في الفعل الميداني و تغييب الفعل الاستراتيجي.


ـ الأطراف الخارجية و علاقاتها بمكونات المشهد السياسي الذي أوجدته الانتفاضة/ الثورة : أفضي تغييب الفعل الاستراتيجي المنظم الي فتح الباب أمام عراقيل مركبة استغلته القوي المعادية سواء داخلية أو خارجية لكسب الوقت و استيعاب المفاجأة/الصدمة و تحريك رصيدها علي مستوي الشارع و صياغة خطاب جديد ينسجم مع طبيعة الواقع القطري الخالي من الأقليات أو الطوائف الدينية و تفعيل سياسة فرق تسد من خلال هيمنتها علي مؤسسات القرار بعد تلقفها لمفهوم الحكم بشرعية الثورة بما يجعله خادما لمصلحتها( الهيئة العليا و ما أثارته من نقاش و مراوحة ـ حل التجمع و السماح لقياداته بتشكيل كارتل سياسي لتشتيت التركيز الشعبي علي هيكل واحد وصم بالفساد ـ تحريك بعض التيارات الدينية و العلمانية و فتح قنوات الإعلام أمامها تحت لافتة دمقرطة الإعلام لإشعال فتنة الطائفية السياسية لتتحول الندوات السياسية إلي مجالات لإثارة الشغب و الاحتراب المقترن بالعنف مهددا الوضع الاجتماعي باحتقان لا يخلو من سلبيات الاقتتال الغير مبرر) بما حرف الفعل الهادف اجتثاث بقايا النظام المنهار و تعميق ثقافة التوحد الوطني التي خلقته الانتفاضة/الثورة .. و سمح لها بإعادة بناء المشهد السياسي بما يخدمها و جعل موعد انتخابات المجلس الوطني 24/07/2011 (الديمقراطية) و كأنه الحل السحري لمشاكل البلاد رغم أنه عمليا لا يعدو أن يكون أكثر من حصان طروادة ينجب مجلس و حكومة تبدو ظاهريا ديمقراطية إلا أنها نتاج تحالف حددته المؤثرات التالية.


الحكومة الانتقالية و ما تملكه من مؤثرات إعلامية و تحكم في أجهزة الدولة و قوة مالية ... و تحالفها مع الطرف الممثل للوبي المالي الإسلامي فرضه التقاطع الاستراتيجي بين الرأسمال الإسلامي ألريعي و الرأسمال المالي العالمي(ريعي أيضا) من ناحية و من ناحية أخري ظرفية استعجاليه تقترن بحركة (أخوة الأمس أعداء اليوم) التي تهدد البلاد بالإرهاب بما يجنب هذا الطرف العداء المزدوج من الشعب و السلطة في ذات الوقت خاصة و أن هياكله القاعدية لا تتردد في الإفصاح عن مدي تعلقهم بأخوة الأمس القريب و اشتراكهم معا في نفس المنحي و التصور لبناء الدولة و صياغة المجتمع .


عراقيل جعلت المشهد السياسي يبدو ظاهريا أن كل القوي قد احتلت حيزا ما لدي الشارع/الشعب أما من الناحية العملية فكلها تعيش عالم افتراضي في تصورها للشارع هذا إن لم يشمل هكذا تصور رصيدها الخاص ... مما يجعل من تفعيل شعارات/ أهداف الانتفاضة/الثورة و كأنها لا زالت حلم يراود الشارع/الشعب و يدفع به للوقوف علي الحياد ... أو حني رفضها فما هي الحلول؟


3 ـ الحـــــــــلول


من المتأكد في كل التجارب أن مصلحة أعداء الثورة و طموحات الشعب في الكرامة و التحرر هو إحداث الفتن و اضطرابات تخلط الأوراق بما يعرقل وصول قوي وطنية للسلطة من خلال إشعال صراعات بينها و بما يمكنها من العودة إلي أساليب القمع التي كانت سائدة ما قبل 14/01/2011 بشكليها المادي و المعنوي تحت لافتة هيبة الدولة ... و إذا كانت البلاد محصنة ضد هكذا مخطط و هي ميزة هامة فمن الضروري و الواجب الوطني و القومي افتراض الأسوأ و عدم الاكتفاء بايجابيات الوضع الديني و الاجتماعي الحالي و استحضار وعينا الاستراتيجي بما يمكننا من تحديد ما يخطط له العدو المشترك لكل الأطراف الوطنية المناهضة له و لما يمارسه من أفعال ميدانية خطيرة و لا تخلو من خبث متراكم بحكم التجربة ...و عي يعيد للانتفاضة/الثورة اشراقتها التي خفتت محليا نتيجة المراوحة و غياب الحلول و ألحقت بها ردات خارجية تهدف تشويهها و محاصرتها كما هو الأمر في ليبيا ـ اليمن ـ سوريا ـ البحرين( و لنتذكر تصريح وزير خارجية حكومة الاحتلال في العراق عند زيارته للبلاد حول النظام الذي يجب أن نقتدي به /قمة العمالة)...و بما يجعلها من جديد سباقة في صياغة الحلول التاريخية قوميا و إنسانيا لا قطريا فحسب كما كانت سباقة في تحريك عوامل الرفض عند أبناء الأمة لأنظمة الفساد و التبعية و هذا لا نعتقد أن يتم من خلال طرف واحد مهما كان ثقله أو مجموعة أطراف بل الأكيد من خلال جبهــــة عريضة وطنية وقومية وإسلامية تقدمية تقطع مع حالة العداء الذي طبع علاقات أطرافها من ناحية و من ناحية أخري يجمعها خندق واحد يفرض الوضوح مع أهداف المرحلة و ينأى بأطرافها عن الخطاب المزدوج من مهامها


أولا . وضع برنامج وطني شامل سياسي و اقتصادي و اجتماعي يضع الحلول العملية لمشاكل البلاد المتراكمة أهمها الفساد و البطالة و الفقر... و يفعل دورها علي مستوي الأمة و قضاياها المتأكدة في حريتها و استقلالها و طرد النفوذ و الاحتلال الأجنبي من أقطارها.


ثانيا . وضع ميثاق شرف و طني ملزم للجميع يقر من قبل الشعب عبر استفتاء يقوم علي.


مبدأ الاحتكام للديمقراطية و تجنيب البلاد الانقلابات أو الانفراد بالسلطة و رفض معالجة المشاكل بروح العداء و الإقصاء و التنافس غير الشريف .
مبدأ محاربة الإرهاب مهما كان مصدره و طبيعته و العمل علي محاصرته و اجتثاثه ثقافة و سلوكا.

 

 





الثلاثاء٠٥ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٧ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب يوغرطة السميري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة