شبكة ذي قار
عـاجـل










تعالت اصوات الشركاء السياسيين عندما اقترب مركب التعهد الحكومي بالاصلاح من الوصول الى مينائه الاخير رقم مئة، من دون نتيجة تذكر كما هو متوقع. حاول المجلس الاعلى الاسلامي القفز قبل رسوه كي ينجو بنفسه قبل المحطة الاخيرة، وكي يقول لنا بانه لم يقدم شيئا يذكر في المئة يوم، ولم يستطع اصلاح هذا الخلل الكبير في الحياة العراقية، خاصة انه الخاسر الاكبر بعد الحزب الاسلامي في عملية اقتسام كعكة الوطن في الانتخابات الاخيرة. فعلام يتحمل وزر افعال وتعهدات الحيتان الكبار. فسحب ممثله من مجلس الرئاسة العديم الصلاحيات، مطلقا تنظيرات دينية ودنيوية بان المجلس المذكور يكلف الدولة العراقية اعباء مالية، يستحقها المواطن في هذا الظرف العصيب. صفقنا له ودعونا الله ان يمن علينا بحسن النية في افعال شركاء العملية السياسية، بعد ان اقتاتوا على دمائنا ومستقبل وطننا واجيالنا طيلة اكثر من ثماني سنوات. لكن المجلس لم يقل لنا لماذا سحب عادل عبدالمهدي وهو الذي يتقلد منصبا بلا صلاحيات، وتم التصويت على تعيينه قبل ايام قلائل فقط، ولم يسحب وزراءه الذين فشلوا في تطوير وزاراتهم خلال المئة يوم، وهم اصحاب الصلاحيات وعليهم تقع المسؤولية؟ ولماذا مازال الزعيم عمار الحكيم يعلن تأييده لحكومة المالكي على الرغم من ادعائه الانحياز الى الشعب والوطن، وهو يعلم جيدا ان الشعب قد نأى بنفسه عن هذه الحكومة؟


قائمة العراقية كعادتها فتحت نيران تصريحاتها، فاندلعت من افواه الناطقين الرسميين باسمها وهم كثر، اسمى آيات الاوصاف الوطنية لقائمتهم ولقادتها وحرصهم على مستقبل الشعب والوطن، وكيف انهم تخلوا عن استحقاقهم الانتخابي كي لا يهدموا العملية السياسية، متهمين الاخرين بخيانة المواعيد والعهود، والتخلي عن مبدأ الشراكة الوطنية الذي تم تثبيته في كتاب اربيل المقدس، ومجلس أمن وطني مفصّل وفق قياسات زعيم القائمة، وتعطيل كل بنود معادلة مسعود بارزاني للحوار الوطني، الذي جمع على طاولة اربيل اصفارا، فكانت النتيجة صفرا حسب قوانين العلم والمنطق. وكي يكتمل سيناريو الهروب من التعهد الحكومي الذي هم جزء منه، فقد عادوا للبكاء على اطلال استحقاقهم في تولي رئاسة الوزراء، على الرغم من وجود المطلق جنبا الى جنب في المسؤولية مع المالكي، والهاشمي مع الطالباني، ورئاستهم مجلس النواب وتقلدهم وزارات اخرى مهمة. ثم عقدوا اجتماعا لقادتهم لتدارس الوضع الراهن في البلاد، محذرين من انهم قد باتوا قاب قوسين او ادنى من التخلي عن المسؤولية، لانهم ليس لديهم أية مشاركة في القرارات السياسية في البلد، وهو السبب الوحيد في تردي كل شيء وعدم حصول تقدم في المئة يوم، وان رسالتهم هذه هي الاخيرة الى المالكي والسفير الامريكي والامم المتحدة، ومع ذلك فان هذا الموقف حسب الناطق الرسمي باسمهم (لا يعني تخليهم وخروجهم من العملية السياسية). فهل هنالك انتهازية سياسية وتلاعب بالكلمات والمواقف اكثر من مواقف العراقية؟ فاذا كانت القائمة المذكورة تعاني كل هذا التهميش والاستلاب الانتخابي والسياسي، فلماذا لا تحترم نهجها وتعلن انتهاء مشاركتها في العملية السياسية برمتها؟ ولماذا المتاجرة بالاصوات الانتخابية بينما المصوتون لازالوا يعانون شظف العيش في المعتقلات وخارجها، في حين يتربع قادة القائمة على عروش السلطة حتى لم نعد نسمع اصواتهم، كحالة السيد صالح المطلق ورافع العيساوي اللذين سكتا عن الكلام المباح، منذ توليهما المناصب الحكومية؟


اما التيار الصدري الذي كال للمالكي شتى انواع الشتائم قبل تشكيل الحكومة، ووصفه باشنع الاوصاف، واقسم اغلظ الايمان انه لن يسمح له بالمرور ثانية الى منصب الرئاسة، ثم عاد لتأييده بحجة ان القائد سوف يحاول هدايته الى الطريق المستقيم، بعد ان افتت مرجعية قم وطهران بان نصرة المذهب تتطلب تأييد المالكي، فانه حاول ان يغطي على فشل المالكي والحكومة التي شارك فيها خلافا لرغبة جماهيره، والوعد الذي قطعته الحكومة على نفسها وهو جزء منها، بأن يثير الغبار في الساحة السياسية، من خلال استعراض قوة عضلاته بجيش تلطخت سمعة منتسبيه بالاحداث الطائفية في العراق، فأثار زوبعة الخوف مجددا في اوساط اجتماعية كثيرة، بعد ان صرح احد قادته، بان منتسبي الجيش هم (قنابل موقوتة بيد السيد القائد والمرجعية)، ولا نعلم لماذا يمسك السيد بكل هذه القنابل، بينما صفته دينية ودراسته وطموحه اجتهادي فقهي كما يقال؟ كما لا نفهم لماذا تحشد المرجعية كل هذه القنابل الموقوتة، وهي مصدر افتاء ديني يرجع اليها المؤمنون في قضايا دينهم؟ اما المالكي الذي اكتسب خبرة التشبث بالكرسي حتى النهاية، وكيفية اللعب باوراق الطائفة والمذهب والدين والوطن والعشائر و(القيادة العامة للقوات المسلحة)، من اجل استمرارية وجوده في المنصب الاول، فقد اوعز الى الناطقين باسمه بان يفتوا بان المئة يوم (وضعت للتقييم اما حل المشكلات فانه امر يحتاج الى وقت اطول) كما قال حسن السنيد القيادي في قائمته. و(كانت ترمي الى رسم ملامح العمل خلال السنوات المتبقية من عمر الحكومة)، وهي (خارطة طريق لعمل الحكومة ولمعرفة ما اذا كانت وزاراتها تسير في الاتجاه الصحيح)، وان الفشل هو وجود وزراء غير كفوئين سيحاول اخراجهم من الحكومة، او تشكيل حكومة اغلبية سياسية جديدة. وهو نفس المنطق الذي قاله زين العابدين بن علي وحسني مبارك، عندما حاولوا القاء تبعة كل الفشل على الوزارات والمستشارين، طالبين مهلة اخرى في سبيل البقاء في السلطة وتبرئة الذات، لكن شعبنا العربي كان اوعى منهم بكثير عندما قال لهم كلا يجب الرحيل، فرحلوا وبدأ الحساب عليهم وعلى اتباعهم. فهل سيحذو الشعب العراقي حذو اشقائه في تونس ومصر؟


ان شعبنا في العراق ليس مختبر تجارب لعملية سياسية فاشلة، حتى يقول لنا المالكي ورهطه بان نبقى مشاريع قتل وجوع ومرض وفقر مدقع واغتصاب واعتقال في سجون سرية وعلنية واحتلال، بانتظار ان ينهوا صراعاتهم على المناصب التي دامت تسعة اشهر، ثم تنقضي ستة اشهر من عمر الحكومة الناقصة، فنتبين بانها مجرد مرحلة تقييم للاداء الحكومي حسب رأيهم، وخارطة طريق للمرحلة المقبلة. ولماذا نتحمل مسؤولية تخبط وزراء فاشلين في وزارات اوجدتها النظم الادارية لخدمة المواطن وليس لتدريب الفاشلين؟ وهل اصاب رحم العراق العقم فلم يعد فيه علماء وكوادر تدير الدولة العراقية حتى نبقي مصائرنا بايدي الجهلة واللصوص؟ وكيف دخل الجميع بانتخابات قالوا عنها ديمقراطية بدون منهج علمي مرحلي واستراتيجي لادارة الدولة والنهوض بالمجتمع؟


اننا نعتقد ان الرهان اليوم يجب ان يكون على الشعب وحده، وعلى وسيلته الرائعة في الثورة التي بدأت في تظاهرات الخامس والعشرين من شباط/فبراير الماضي والمستمرة حتى اليوم. واذا كانت السلطة قد استخدمت كل احتياطيها في الدفاع عن وجودها الطفيلي حتى بلغ مدياته القصوى، من خلال اعتقال المتظاهرين، ومواجهتهم بالرصاص الحي وقتلهم، وقطع الطرق ومنع التجوال، وتلفيق التهم ضدهم ومنع الصحافة من التغطية وترهيب الصحافيين، ووضع الجهد الاستخباراتي في ملاحقة المتظاهرين، فعلى الحكومة ان تعرف ان المتظاهرين لم يستخدموا بعد كل امكانياتهم، ولم يحشدوا بعد كل قواهم، ومازال احتياطهم فيه الشيء الكثير من المفاجآت غير المتوقعة، وان كفة المعادلة هي الان في صالح الثوار المتظاهرين، في ظل الظروف التي يعيشها الشارع العربي عموما، التي ستدفع اطراف العملية السياسية الى أكل بعضهم البعض الاخر، والتي بدأت ملامحها من خلال تبادل الاتهامات في ما بينهم.


اننا نتمسك بالدفاع عن انفسنا كشعب ووطن، بعيدا عن التخندقات الطائفية والاثنية، وبكافة الوسائل السلمية التي اجازها القانون والمنطق، بعد ان تبين لنا بان جميع الساسة يتخندقون ضدنا، ويسرقون ثرواتنا، ويبنون امبراطورياتهم المالية على حساب مستقبل اولادنا، ويلبسون عمائم ديننا، ويُهرّبون قاتلينا من السجون، ويُطعمون اطفالنا ما يلقى من طعام عديم الصلاحية الى الحيوانات، حتى أبى من ادعى الشرف والوطنية ان يكون في موقع المعارضة السياسية للدفاع عن حقوقنا في زحمة التكالب على المناصب. وبذلك فقد اتخذنا قرارنا بان نقف بالضد من جميع الاطراف، وان نتولى حماية حقوقنا في العيش بكرامة، وان انتهاء مدة المئة يوم من دون نتيجة تذكر، دليل صواب منهجنا الذي سنطور وسائله بما يتلاءم مع كل مرحلة قادمة.

 

 





الثلاثاء٠٥ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٧ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مثنى عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة