شبكة ذي قار
عـاجـل










(( قل ما تريد واصرخ حيثما تريد واستنكر وقتما تريد ونحن نفعل ما نريد ))

 

 

يعيش العالم ظروفاً سياسيةً واقتصادية صعبةً وأزمات اخلاقية مستعصية بسبب تسلط القوة الوحيدة المتنفذة في هذا العالم ممثلة في الاستعمار العالمي ورأسه الولايات المتحدة الأمريكية . ومع التغيرات العالمية الجديدة زاد التركيز على عالمية حقوق الإنسان و أصبحت حقوق الإنسان جزء من القانون الدولي بوجود أكثر من 100 معاهدة و وثائق عهد دولية وافقت و صادقت عليها معظم الدول في العالم ،و أصبحت هذه الاتفاقيات مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان هي المرجعيه الدوليه لحقوق الانسان.

 

 ولما كانت الشرعية الدولية تعني توافق الممارسة الدولية وعلاقات الدول بعضها ببعض, مع القانون والاتفاقات والأعراف الدولية، فان ما يجري اليوم هو محاولة الغرب بقيادة الولايات المتحدة(القطب المنفرد) فرض ممارسات دولية تضرب بعرض الحائط مرتكزات الشرعية الدولية القائمة، وفرض شرعية جديدة تعكس وتعبر عن الموازين الجديدة للقوى المتسمة بالهيمنة الأمريكية المتجهة نحو تسخير المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة لخدمة المصالح الإستراتيجية لها، خاصة بعد أن  أصبح  النظام الدولي الجديد بالنسبة لأمريكا يعني احتكار حكومتها لأسباب التفوق العسكري التقني والعلمي، وتنصيب نفسها وصية على كل ما يجري في المعمورة، وأي قرار دولي عليه أن يكون أمريكيا خالصا مع فرض القيم الأمريكية ،وان كان الطريق الوحيد لفرضها  وسائل كالتهديد والوعيد احيانا ،والاحتلال العسكري المباشر احيانا اخرى, ما يعني أن  الخروج عن السيطرة الأمريكية يشكل تهديدا عالميا يدرج من يرفضه ضمن لائحة معسكر الشر .

 

و عندما نتكلم عن عالمية حقوق الانسان فالمقصود هو هذه المنظومة من العهود و الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان و قد أنشأت الأمم المتحدة آليات لمراقبة تنفيذ الاتفاقيات المهمة من هذه المنظومة و على الدول المنظمة لهذه الاتفاقيات أن تقدم تقارير دورية توضح فيها مدى التقدم الذي أحرزته في تطبيقها .كما ان فكرة العالمية في مجال حقوق الانسان هي الاساس في الاعلان العالمي لحقوق الانسان والتي على أساسها انتقلت حقوق الانسان من مجرد شأن من الشؤون الداخلية لتصبح جزءا من القانون الدولي .و تاريخ حقوق الانسان و تجربة الأمم المتحدة و ممارساتها و من قبلها عصبة الأمم تؤكد عالمية الحقوق ،كما أن جميع الدول أعضاء الأمم المتحدة بمجرد انضمامها إلى المنظمة الدولية ألزمت نفسها بمبدأ عالمية الحقوق الواردة في ميثاق الأمم المتحدة و الإعلان العالمي لحقوق الانسان و من هنا أكدت العالمية لمجال حقوق الانسان أهمية خاصة.

 

لكن سياسة ازدواج المعايير والكيل بمكيالين التي يمارسها الغرب قد زحفت بشكل مؤثر تجاه القضايا الدولية والمشكلات العالمية لكي تصل إلى تنفيذ المخططات والاطماع التوسعية للغرب المتمدن , فظهرت هذه السياسة المزدوجة التي يمارسها الفكر الغربي, ففي ظل هيمنة الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في هذه المرحلة على الأمم المتحدة والعالم، وليس غريبا المسعى الأمريكي للاستحواذ على  الأمم المتحدة لجعلها أداة في يده ،  من هنا يبدو إصرار الولايات المتحدة لاستغلال مجلس الأمن كأداة دولية تبرر له قرارات الحصار والحظر وتسمح له بإعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية والدولية على الرغم من أن واجبات مجلس الأمن محددة بمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة ، فالولايات المتحدة تنظر إلى الأمم المتحدة على أنها واجهة تمارس من خلالها مصالحها وسياستها الخارجية، كذلك تعمل على ابتزاز المنظمة من خلال الامتناع عن الوفاء بالتزاماتها المالية لها.لهذا يصبح العمل على التمسك بمبادئ الأمم المتحدة وقراراتها والقوانين الدولية أمر بالغ الأهمية، والكفيل الوحيد لوضع حد للسيطرة الفردية، وإعادة المنظمة للاحتكام إلى القانون الدولي وليس لأهواء ومصالح دولة معينة ، ومن ثم إدخال إصلاح على نظامها الذي يتحكم بآلية عملها، وإغلاق كل المنافذ التي يمكن أن تسمح لدولة بالاستفراد بمقاليد السياسة الدولية أو تسمح بفرض سياسة الازدواجية في المعايير أو الانتقائية تحت مظلة الأمم المتحدة.

 

وقد أكدت الأحداث الدولية أن المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة ما هي إلا أجهزة وأدوات لخدمة الأهداف والمصالح الإستراتيجية للدول الكبرى، والصيغة الإنسانية والقانونية ما هي إلا يافطة معلقة وديكورات لها بعد أن أصبحت القوة سيدة الموقف ،خاصة عندما تتعرض مصالح الدول الكبرى وحفاؤها للخطر. فالغرب لا زال غير  راغب في تعريض مصالحه وعلاقاته الجيدة مع دويلة الكيان الصهيوني للخطر، ويبدو أن الاتحاد الأوروبي ومعظم الدول الأوروبية تتبع واشنطن بطريقة عمياء، فعقدة الذنب عند الغرب المسيحي تجاه الهولوكست تلعب دورا كبيرا في عملية صناعة السياسة الأوروبية ولكن أساسا الاتحاد الاوروبي هو جزء من النظام الغربي ويتبع خطى واشنطن، فالولايات المتحدة تستخدم حق الفيتو داخل مجلس الأمن لحماية دويلة الكيان الصهيوني، وواشنطن لا تعبأ بالأبعاد القانونية للصراعات ولا بالأصول أو المبادئ الدولية ذات الصلة بتسويتها بشكل متوازن وبدون انتقائية ، فالتقاليد تؤكد على أن أمريكا توظف مبادئ القانون الدولي ومقررات التنظيمات الدولية ذات الصلة بالكيفية التي تخدم مصالحها.

 

من هنا يرى المتتبع لواقع المنظمة الأممية وقراراتها أن هنالك فرقا واضحا بين القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وضد الدول العربية والدول المغلوب على أمرها، حيث تكون قرارات واضحة وصارمة في إجراءات تنفيذها أو عدم تنفيذها، فيما يطغى عليها أسلوب التراضي والاسترضاء إذا ما صدرت  ضد إحدى الدول الكبرى أو حليفاتها فتكون ألفاظها قابلة للتلاعب والمتغيرات مخالفة بذلك نظرية الأمن الجماعي الدولي، التي تقوم على مجابهة العدوان من قبل دول المجتمع الدولي.

 

لقد أعطى الغرب - بشقيه الأوربي والأمريكي - منذ صعوده وتحكمه في السياسات الدولية، الحق لنفسه في ممارسة الوصاية على العالم، في صورة المعلِّم والموجِّه للشعوب والأمم؛ يعاقب هذا ويداهن ذلك، متخذا من قيمه ونظمه نموذجا لا يرقى إليه التشكيك، ومن آلة ردعه العسكرية وعقوباته الاقتصادية، زاجراً لكل من لا يحقق مصالحه أوينساق مع سياساته. غير أن هذا العالم، فقد مصداقيته، وأذهبت معاييره المزدوجة بريق تلك القيم الإنساتية الجميلة، ولم يعد أحد يكترث لبكاء التماسيح الذي يصدر من تلك الدول ودوائرها المختلفة، على قيم العدل والديمقراطية، وخصوصا في الدول التي لا تخضع تماما لإملاءاتها، أو لا تدور في فلكها. إن تلك المصداقية قد فقدت منذ زمن بعيد لدى الكثيرين، غير أن الجديد فقط هو إفلاسها وانكشافها أمام العالم أجمع.

 

إن ما يثير السخط والغضب من مواقف هذه الدول، ليس هو ذلك التناقض بين الشعار والممارسة، في دعم أعتى الظالمين، والتباكي على حقوق الشعوب الرازحة تحت وطأته الثقيلة، فتلك أمور تعود عليها العالم من هذه الحضارة المفلسة، بل إن ما يجعل المرء ينفجر غضبا وحنقا، هو الوقاحة التي يظهر بها هؤلاء وهم يحاولون استغفال العالم، ففي الوقت الذي تثور ثائرتهم، ويستيقظ فيهم الضمير الإنساني في بعض الدول التي يعادونها، وتأتي مطالباتهم سريعة وصارمة، بضرورة الاستجابة للمطالب والحقوق للشعوب في هذه الدول، يصيبهم البكم ويغشاهم العمى عن ممارسات حلفائهم الوحشية تجاه شعوبهم. كل ذلك في نفس اللحظة، وكأن العالم مجموعة أطفال لا يميزون بين المواقف، ولايفرقون بين الأمور.

 

وهناك قوى خفية ( الماسونية), اصبحت تتحكم بالعالم وتحكمه, قد استولت على زمام الأمور منذ أمد بعيد ودمجت نفوذها المالي والإعلامي لتهيمن على العالم بشكل مباشر احيانا وغير مباشر احيانا اخرى وعليه فإن محاولة شخصنة المشكلات بهذا الرئيس أو ذاك سواء في امريكا او غيرها ما هي إلا لعبة أتقنها هؤلاء القابضون على السلطة الدائمة والحقيقية في الولايات المتحدة. فلم تكن أجندة فترة ولاية المجرم جورج دبليو بوش الصغير جنوحاً لشخص حلم بالليل وأدار حلمه بالنهار ليصبح حقيقة. انما كانت أجندته هي أجندة المؤسسة (الخفية)الحقيقية الدائمة التي أتت به وتأتي بمثله من الرؤساء وتذهب بهم متى تشاء , وأخلاقيات هذا النظام تسمح ببيع السلع والسياسيين واقتراف الجريمة باعتبارها عمليات سوق لا تخضع لمعايير أخلاقيه فقد عمدت هذه المنطومة او القوى الى المزج بين قوة المال وقوة الإعلام وقوة علوم التسويق للبضائع والسياسيين، وهذه العناصر تسمى في بالإنكليزية The Three Ms لأنها جميعاً تبدأ بالحرف M Money) ، Media،(Marketing .

 

فليس للأباطرة أصدقاء ولا صداقات. مات ماركوس في منفاه، وضاقت الأرض بما رحبت لقبرٍ يوارى به جثمان شاه إيران. جندت الولايات المتحدة ألوف المتطوعين البسطاء ليجاهدوا معها ضد الكفار السوفييت في أفغانستان. وبعد أن قضي الأمر، أين أصبح هؤلاء؟ منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر في غوانتانامو! وآخرهم قائدهم بن لادن الذي قتلوه ورموا جثته في البحر ولا احد يعلم الحقيقة, ثم أين هو سوهارتو؟ وأما مانويل نورييغا فلقد بدأ حياته مخبراً ثم عميلاً من الدرجة الممتازة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، حيث أوصلته إلى حكم جمهورية بنما. واصبح فيما بعد يحمل  الرقم 41586 كسجين في أحد سجون ميامي الفيدرالية بولاية فلوريدا, كذلك بالنسبة لمبارك او بن علي او غيرهم كثيرون.

 

نقتبس هنا  قول البروفيسور كويغلي Quigly من جامعة جورج تاون، والذي علّم طلابه (ومنهم بيل كلينتون) أن برامج الحزبين الأمريكيين في جوهرهما برنامج واحد في خطوطه العريضة، وأن الإدارات التي تأتي للسلطة تأتي لتنفيذ تلك المخططات مع حرية حركة تكتيكية محدودة. وتتحمل الإدارات الأمريكية كل ((أوساخ)), تلك البرامج باعتبارهم المسؤولين عنها، وذلك بمنأى عن أصحاب النظام الحقيقيين الذين جيّروا تلك البرامج لمصالحهم الضيقة. جاء كلينتون وراح كلينتون، جاء بوش، وراح بوش، وجاء أوباما وسيذهب أوباما، وقد علقت بهم كل أوساخ النظام لفترات حكمهم، لكن أصحاب النظام الحقيقيين باقون، يلعنون مع الجمهور ((وساخة)) هذه الإدارات، وتبدأ ماكينة إعلامهم بالتبشير أنه ما علينا إلا أن ننتظر الإدارة التي ستأتي حتى تصبح كل الأمور على ما يرام, فالمشكلة في هؤلاء (الأوغاد) كما أسماهم البروفيسور غويغلي, هذا ما يريد أصحاب النظام أن يوحوا به، مع أن المشكلة والأزمة هي أزمة نظام

 

ولعل أخلاقيات النظام الذي تسوّقه الرأسمالية المعلوماليّة ليصبح نموذجاً للعالم يحتذى به قد تم وصفه جيداً من والدة الرئيس الأمريكي كلينتون، حينما وصفت مدينة هوت سبرنغز التي نشأ بها كلينتون بأنها (( .. مكان ينظر فيه إلى الخارجين على القانون باحترام، حيث يتم وضع القوانين لتكسر، وحيث المال والقوة، كيفما تم الحصول عليهما، هما المعيار لقيمة الإنسان .. )). أو كوصف الكاتب الأمريكي روجر موريس Roger Morris حين وصف المدينة نفسها هكذا (( .. وفي الخمسينات، أصبح الفساد أكبر من ماكنات قمار وبنات هوى، وكما في بقية أمريكا، تم مأسسة الفساد وأعمال الهوى فأضحت مؤسسات وشركات، وأصبح أصحاب الجريمة المنظمة وتآلف أصحاب تلك المؤسسات مع الدولة يتحكمون في السوق السوداء لنوادي الليل والقمار وما هو أكثر، ولقد أصبح كل شيء خاضعاً للشراء بمن في ذلك السياسيون أنفسهم .. )).

 

ان القراءة الغربية لحقوق الانسان او المقصود الغربي لحقوق الانسان والذي بلورته وثيقة فيرجينيا و إعلان الدستور الأمريكي ،وكذلك إعلان الحقوق الانسان الذي أعلنته الثورة الفرنسية استمد أصوله من المذاهب الفلسفية التي ظهرت في القرنين 17 و 18 حول الفرد المستقل و عن حقوقه الطبيعية و هي ليست حقوق مستمدة من النظم السياسية و لكنها مؤسسة على حقوق طبيعية أسبق من سيادة الدولة بل أسمى منها أيضا و قد تم تمتل هده الأفكار بل اعتبارها تفسيرا و تبريرا في الوقت نفسه للنظام الرأسمالي الذي يعتبر الملكية الحد الأساسي للنزعة الإنسانية البرجوازية و التي تعني تأكيد ذات الانسان ضد قيود الاقطاع باسم الفردية و ضد الكنيسة باسم حرية التفكير و ضد قوى الطبيعة باسم ارادة الانسان الذي يريد لها أن تصبح سيادة الطبيعة و مالكتها, و في الممارسة استعمل الغرب حقوق الانسان لتحقيق مكاسب السياسة متل ضغطه المتزايد على الاتحاد السوفياتي وقت الحرب الباردة بالسماح لهجرة اليهود إلى فلسطين على رغم أن ذلك كان انتهاك لحقوق الفلسطينيين و تقرير السياسة العنصرية هي قانون العودة الصهيوني الذي هو قانون عنصري.وتم هناك استخدام مصطلح الارهاب ضد حركات التحرير الوطنية  و تعتبر كل مقاومة للاحتلال الصهيوني إرهابا تم تحمي دويلة الكيان الصهيوني من أي إبادة في  مجلس الأمن حتى عندما قامت العصابات الصهيونية بمذبحة قانة الشهيرة و غيرها من المذابح المنافية للانسانية و حقوق الانسان. لقد استخدمت امريكا الفيتو لصالح الصهاينة أكتر من 150 مرة في سابقة فريدة في تاريخ الأمم المتحدة .

 

هناك خلط بين المنظومة العالمية لحقوق الانسان و بين الممارسات الغربية الاروبية والامريكية على وجه التحديد في الانتقائية و تطبيق المعايير المزدوجة التي تعتبر في حد داتها انتهاك صريح لحقوق الانسان العالمية .و المشكلة الحقيقية هي أن هده الدول تحترم حقوق الانسان حقوق الانسان العالمية و تتمسك بها لمواطنيها أما عند تعاملها مع الخارج فلا تراعي الا مصالحها الداتية و يساعدها في ذلك خلل نظام دولي فهو نظام غير ديمقراطي تتحكم فيه دولة واحدة .

 

على سبيل لا الحصر فقد تلاشت تماما قيم العدالة والحرية في التعامل الأمريكي مع المسألة العراقية، من خلال حرب واحتلال أبيد فيها البشر، وأهدرت فيها القيم والحقوق في الحرية والاستقلال، ونهبت الثروات، وقوضت أركان الدولة تحت ستار حجة واهية هي وجود أسلحة للدمار الشامل تهدد العالم الغربي، بل العالم كله، ثم اتضح أن ذلك كله محض كذب وتدليس وغش، شارك فيه الساسة الكبار وأجهزة إعلامهم التي تدَّعِي الحرية والنزاهة، وأجريت التحقيقات بعد ذلك في ما جرى من كذب وتضليل، انتهت إلى إقالة بعض المسئولين، وتوجيه اللوم إلى آخرين، أما دماء الشعب العراقي وثرواته وحرياته فمن يعوضهم عنها إن كان يمكن ذلك التعويض؟؟ .. وتحدث العالم بعدها عن المعايير المزدوجة في النظر إلى السلاح النووي والكيماوي الموهوم في العراق والترسانة النووية والكيماوية في الكيان الصهيوني الغاصب التي لا يتحدث عنها أحد .. أما السبب في هذا الازدواج المزري فمعروف؛ إذ إن الكيان الصهيوني نموذج غربي ووكيل استعماري، يجل عن النقد ويترفع عن الاتهام, ولينعم الإنسان الغربي بالرفاهية على حساب البترول العربي والثروة الإسلامية، وليأمن أطفالهم في فرشهم الوثيرة، أما أطفال العراق وأفغانستان وفلسطين فجريرتهم أنهم خارج سباق الحضارة الغربية؛ الأنانية والعنصرية.

 

بداية  انحراف المؤسسة الأممية عن خط سير عملها  ترافق مع ما شهده العالم من  تطورات دولية جديدة تمثلت بانهيار احد القطبين المتنافسين، إضافة إلى التحولات التي لحقت  بالمنظومة الايديلوجية والاقتصادية والثقافية، لتترك آثارها تباعا على موازين القوى على المستوى العالمي وبالتالي تأثيرها القوي والمباشر على المنظومة القانونية (الشرعية الدولية) بشكل كبير، وهو ما يصطلح عليه اليوم بأزمة الشرعية الدولية أو ازدواجية المعايير في التعامل مع الشرعية الدولية.

فبعد عام 1991م صدر ضد العراق ستة عشر قرارا خلال ستة شهور فقط،  نفذت  جميعها بقوة التحالف الأمريكي البريطاني الذي نجح بقيادة ثلاث وثلاثين دولة فكانت السرعة غير متوقعة في تنفيذ تلك القرارات، مجبرة العالم في ذات الوقت على المشاركة بالجند والعتاد اللوجستي والمالي رغم مخالفة تلك القرارات لميثاق الأمم المتحدة حسب بعض فقهاء القانون الدولي، كيف لا و الهدف الحقيقي غير المعلن لأمريكا ليس تحرير الكويت بل حماية مصالحها ومصالح حلفائها في منطقة الخليج البترولية، وإبقاء دويلة الكيان الصهيوني دولة متفوقة عسكريا على دول المنطقة.

 

استكمالا لما سبق  وقبيل الحملة الأمريكية العراقية الأولى عام 1991،رفضت الولايات المتحدة مبدأ ربط تطبيق الشرعية الدولية بشكل متوازن على حالتي (العراقي و للكويت ) والاحتلال الصهيوني للأراضي العربية منذ عام 1967 زاعمة أن الأمر مختلف بين الحالتين، فقضية الصراع العربي الصهيوني قديمة ومعقدة وبحاجة إلى وقت لمعالجتها، أما التهديد العراقي فيشكل خطرا آنيا لا بد من التصدي له، هذا تعبير عن ازدواجية المعايير الأمريكية في مقارنة القضايا المتشابهة.

 

فهل هذه الممارسات الاخلاقية المزدوجة المعايير من قبل الغرب ((المتمدن والمتحضر والديمقراطي جدا جدا)), يدعونا ان نعتبر اننا نعيش ونشهد حالة الجاهلية الاخلاقية في الغرب؟

 

للاجابة على هكذا تساؤل لابد ان نعرف إنه لا توجد جاهلية واحدة فى التاريخ خالية من جميع الاخلاق فليس في طاقة البشرية ان تفسد كلها وفى كل شىء. لقد كانت الجاهلية العربية حافلة بألوان من الفضائل كان فيها الشجاعة والإقدام، وبذل النفس رخيصة فى سبيل ما تؤمن به من هدف والكرم والأنفة واباء الضيم . ولعل من أشد ما يفتن فيه الناس فى الجاهلية الحديثة أنها ذات ((أخلاق)). أنظر إلى هذا الرجل الغربي المهذب إنه شخص ذو أخلاق  إنه لا يكذب عليك ولا يغشك ولا يخادعك. إنه يحدثك فى استقامة. ويعاملك بأمانة. ثم إنه مخلص فى عمله، صادق النية فى خدمة وطنه  مثالي في كل شيء, والجاهلية الأوربية حافلة بألوان من الفضائل فى مجال التعامل الفردى, الصدق والإخلاص فى العمل والاستقامة والأمانة ونظافة التعامل ولكنها ربما لبعدها عن منهج الله تنحرف عن طريقها القويم

 

وفى ظل هذه الجاهلية فى التصور ، ولدت  المكيافيلية التى تسم بطابعها السلوك الغربى كله. فى كل مجال تجد فيه أوربا أن ((المثل)) لا تسعفها بالفائدة المطوبة  وبدأت المكيافيلية فى السياسة, فكانت السياسة أول ما تأثر بعملية الفصل بين النظرية والتطبيق وسارت أوربا فى السياسة على أساس أن الغاية تبرر الوسيلة , فكل وسيلة مهما كانت قذارتها وبشاعتها   مستساغة ما دامت توصل إلى الهدف المطلوب. وفى الداخل والخارج طبعت المكيافيلية سياسة أوربا بطابعها. الملوك والأشراف ورجال الدين يتبعون أخس الوسائل للمحافظة على ما لهم من سلطان. والرأسمالية من بعدهم ترثهم وترث وسائلهم وتزيد عليه .. بشاعة زائدة فى التواء السلوك لتحقيق المصالح غير المشروعة التى تعيش عليه .. حتى لا يعود هناك مانع في نظر الرأسمالية الأمريكية مثلا من قتل كنيدى للمحافظة على مستوى الأرباح, أما فى الخارج فالأمر أشد بشاعة ,فالاستعمار يتوسل بكل سفالات الأرض ودناءاتها ليوطد سلطانه، ويمتص دماء الناس  ولا يرى فى ذلك انحرافا, فالغاية تبرر الوسيلة, ولا يهم أن تكون الغاية ذاتها نظيفة. وهكذا انفصلت السياسة عن الأخلاق فى أوربا وقال الناس لا ضير  إنها هكذا السياسة لا صلة لها بالأخلاق .

 

كذلك الحال مع الاقتصاد من بعد السياسة ينفصل عن الأخلاق , حقيقة إن الوضع الاقتصادي فى أوربا كان قائما منذ البدء على أساس غير أخلاقي فقد كان نظام الإقطاع المعتمد على عبيد الأرض قائما فى الإمبراطورية الرومانية من قبل المسيحية بكل شناعاته ورذائله، ولم تستطع المسيحية أن تخضع الوضع الاقتصادي فى الإمبراطورية لقواعد الأخلاق المستمدة من الدين لأنها اعتمدت الفصل بين الدين والدنيا. بل إن الكنيسة ذاتها انقلبت بعد أجيال قليلة إلى مؤسسة إقطاعية، تمارس فى ممتلكاتها كل ما يمارسه الإقطاعيون من مظالم كريهة باسم الدين, ومع ذلك فقدكان الانحراف فى الاقتصاد الإقطاعي محصورا فى هذا الوضع الموروث من قبل، الذى عجزت الكنيسة المسيحية عن تعديله.

 

ولما جاء الانقلاب الصناعى والرأسمالية كان الناس قد بعدوا أشواطا عن العقيدة وأشواطا عن الأخلاق, ومن ثم لم تجد الرأسمالية حاجزا يحجز عن انتهاك من مبادىء الأخلاق والربا المحرم فى المسيحية واليهودية وكان هو الأساس الذى قامت عليه الرأسمالية من أول لحظة، بكل ما يشتمل عليه من قبائح وظلم، واغتصاب للجهد المبذول ، وإنما يأتيه الكسب سهلا وهو قاعد مستريح, ثم كان الاستغلال البشع لجهد العمال لقاء القوت الضروري، بل لقاء أجر يقل عن الكفاف  وكان استغلال الأطفال يعملون الساعات الطويلة المنهكة وكان استغلال المرأة لمضاربة الرجل وتفتيت عزيمته حين أخذ يطالب برفع الأجور وتحسين أحوال العمل ثم استغلالها لإرضاء شهوات الرجل الهابطة ، وقهرها على بيع عرضها لفاه لقمة الخبز .

 

وكان إفساد الأخلاق بالجملة لإتاحة فرص الربح المجنون للرأسمالية، فى الملاهى والملذات، وأدوات الزينة والملابس و المودات و التقاليع  وكان نهب المواد الخام من البلاد المستعمرة لتحصل الرأسمالية على الربح الفاحش وتترك الملاك الأصليين فى الفقر والتأخر والجهل والمرض والعجز مع تصدير المفاسد الخلقية إليهم لتربح الرأسمالية في طريقها مزيدا من الأرباح وكان شراء الذمم والضمائر فى السياسة الداخلية  لضمان تسيير السياسة حسب أهواه الرأسمالية الحاكمة، وفى السياسة الخارجية للإبقاء على مصالح الرأسمالية والاستعمار وسخرت الرأسمالية أيما سخرية من الذين يواجهونها بالدعوة الخلقية والرجوع إل مبادىء الأخلاق وظهرت نظريات علمية تقول إن الاقتصاد له قوانينه الخاصة قوانينه الحتمية التي لا علاقة لها بالأخلاق بل لا علاقة لها بالناس ، على الإطلاق وهكذاانفصل الاقتصاد عن الأخلاق انفصالا كاملا وهز الناس أكتافهم ، وقالواهذا شأن الاقتصاد كما السياسة إنه لا يخضع لقواعد الأخلاق .

 

ولو قارننا الاخلاق الغربية في حاضرها اوفي ماضيها, بالاخلاق العربية والاسلامية لوجدنا ان لتراتنا العربي و الاسلامي في مجال حقوق الانسان ما يجعلنا ان نفتخر اانا نتبع هذه الامة ,فقد ساهمت أمتنا حتى قبل ظهور الاسلام في تأسيس وثيقة حقوقية مهمة هي حلف الفضول الذي تأسس في أواخر القرن السادس في ديار أحد وجهاء مكة عبد الله بن جدعان فقد اجتمع عدد من فضلاء مكة و تعاهدوا الا يتركوا في مكة مظلوما الا وكانوا معه على ظالمه حتى ترد مظلمته وقد حضي هدا الحلف بمباركة الرسول الذي قال عنه (( .. لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الإسلام لأجبت .. ))، وربما يكون هدا الحلف هو أول جمعية لحقوق الانسان علافت على وجه الأرض.كما وضعت أمتنا عند تأسيسها أول مجتمع اسلامي في المدينة المنورة وثيقة أخرى بالغة الاهمية هي صحيفة المدينة التي أكدت حقوق غير المسلمين وحق المواطنة و قد كان للعرب مساهمت فعالة في صياغة وثيقة (الاعلان العالمي لحقوق الانسان ) حيث كان هناك اثنان من العرب ( مصر و لبنان) و على هدا الاساس لم يكن غريب على حقوق الانسان في المادة الاولى (( .. يولد أحرارا و متساوين في الكرامة و الحقوق .. )) ,وهي مقولة عمر بن الخطاب نفسه (( .. متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرار .. )).

 

 

عاش العراق حرا موحداعربيا ابد الدهر

عاشت المقاومة العراقية الباسلة بكل فصائلها وبكل صنوفها وبكل مسمياتها

المجد والخلود لشهداء البعث والعراق والامة العربية وفي مقدمتهم شهيد الحج الاكبر صدام حسين المجيد
الحرية لاسرانا في سجون الاحتلال

 

 





السبت٢٣ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٥ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل ابراهيم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة