شبكة ذي قار
عـاجـل










رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي دانا روهر باشير ، وعلى الرغم من أنه ليس عسكريا مشهودا له في ساحات الحروب التي خاضتها بلاده ضد الكثير من شعوب العالم ، إلا أنه في واقع الحال اعتمد واحدا من أهم مبادئ الحرب حينما اختار فكرة ( الهجوم خير وسيلة للدفاع ) ، ليطالب الحكومة العراقية التي جاء بها الاحتلال نفسه ، بتعويض بلاده عما تكبدته من خسائر في غزوها للعراق عام 2003 ، ولا يبدو على باشير شيء من رغبة المزاح أو الرغبة باستقطاب اهتمام أجهزة الأعلام في ما طرحه في بغداد بمنتهى الجدية ، وعلى الرغم من عدم توفر الصفة الرسمية له في الإدارة الأمريكية ، فهو على ما يبدو لا يمثل نفسه فقط بل يمثل شريحة واسعة من داخل المؤسسة السياسية التي خططت للغزو ثم دمرت بنية الدولة العراقية ، ويبدو أنه يحمل قناعة كاملة في كل ما يقول وألقى بحجر كبير جدا في بركة راكدة في الظاهر ولكنها في واقعها تمور كبركان سياسي على وشك الانفجار ، لم تتمكن مراكز الدراسات الأمريكية ولا الهيئات المكلفة بصنع القرار هناك من اكتشافه ، ولا الكومبيوتر من الوصول إلى مقترباته ، ولكن الأرقام عنده قابلة للنقاش وهو هنا يمن على العراق ألا تفرض عليه الولايات المتحدة غرامات حربية ، عن كل ما تكبدته من خسائر في حربها العدوانية على العراق ، والتي اتخذ قرارها جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني وشلة اليمين المحافظ الجديد ، دون أسانيد كافية على ما سيق من مبررات كاذبة عن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وكذلك علاقته المزعومة بتنظيم القاعدة مما أكدته لجان أمريكية لاحقا .


هذه اللعبة السياسية الاستباقية التي تلعبها الإدارة الأمريكية الحالية والتي انطلقت من الكونغرس والتي ثبت فشلها في الحروب الاستباقية التي كانت أحد المبادئ الرئيسة التي اعتمدتها إدارة جورج بوش الابن ، ليست أكثر حظا من سابقتها ، ولن تكون أكثر من بالون اختبار سريع الانفجار والاشتعال بمجرد إطلاقه ، فالعراقيون هم الذين يجب على الإدارة الأمريكية ( أية إدارة أمريكية ) ، أن تعوضهم أفرادا ومؤسسات عما لحق بهم وببلدهم من تدمير شامل بكل معنى الكلمة ومن خسائر بشرية هائلة ما كان لها أن تحصل لولا الاحتلال الأمريكي الذي أتى على كل شيء بناه العراقيون خلال عقود طويلة من الجهد والمثابرة ، وأن تعتذر للشعب العراقي عما لحق ببلده من دمار نتيجة العدوان الذي قادته عليه دون تفويض دولي ودون أن يطلب أحد من العراقيين منها أن تفعل ذلك ، باستثناء حفنة صغيرة ممن باع نفسه للمخابرات المركزية وأصبح جزء من منظومة عملها في المنطقة .


لقد كان للاحتلال تداعيات خطيرة على منظومة الأمن الوطني نتيجة شعور غامر لدى بعض دول الجوار وخاصة إيران بأن العراق بات من الضعف بمكان بحيث لا يستطيع الدفاع عن حدوده وأمن مواطنيه ، فبدأت سلسلة من الخطوات المنهجية لتغيير التركيبة السكانية وفرض اللغة الفارسية على العراقيين كلغة للتخاطب أو التعامل في المناطق الحدودية ومدن المراقد الدينية ، كما مضت بعيدا في استغلال الانهار المشتركة وحولت مساراتها وبدأت بإطلاق مياه البزل والمخلفات الكيمياوية للمصانع لتدمير خصوبة الأرض العراقية ، ولم يتوقف الأمر عند إيران بل أن تركيا زادت من تدابيرها التعسفية في حجب حصة العراق مياه دجلة والفرات خلافا للقوانين الدولية والاتفاقيات الثنائية المنظمة لحقوق الدول المتشاطئة على الأنهار الدولية ، مما يهدد وجود دجلة والفرات بحدود عام 2040 كما تشير دراسات منظمة المياه الأوربية ، وإذا كانت إيران وتركيا تستندان على قانون القوة في علاقاتهما مع العراق ، فهذا يعود أصلا لتجريد العراق من قوته من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الذين شاركوا في العدوان دون مسوغات قانونية ، فكأنهم زرعوا براميل بارود في أكثر مناطق العالم توترا وقابلية للاشتعال ، لأن اضعاف البلد الذي كان يحتل بيضة القبان في عصا التوازن الإقليمي ، سيعني إدخال المنطقة في حالة انعدام وزن طويلة جدا ويمكن أن تهدد الاستقرار الدولي والسلام العالمي بأخطار جدية .


ولم يقف الأمر عند حد تركيا وإيران بل لحقت بركبهما الكويت ولم تتوقف استفزازاتها عند حد الاستقواء بالقوى الدولية لفرض حدود شكلت تحديا لمشاعر العراقيين جميعا وشكلت عاملا لتعبئة طاقاتهم للوقوف ضد النوايا الشريرة الهادفة لخنق العراق بحريا وسلبه جزء كبيرا من اطلالته الضئيلة أصلا ، فأرادت أن تتحكم بمصيره وسياساته عن طريق التضييق عليه ، وفي هذه السياسة تتجاهل الكويت مصلحتها بالذات لأن القوة لا يمكن أن تفرض شيئا على بلد كالعراق على خلاف إرادته ، وإذا كان ظرفه الراهن لا يسمح له أن يمنع مثل هذه السياسات فإنه قادر في ظروف أخرى ، فلا القوة استمرت لأحد ولا الضعف استمر لأحد على الدوام ، ثم أن حصر بلد كالعراق في أضيق الخيارات ، لا بد أن يدفعه للبحث عن بدائل تجعل ممن ألحق به ضررا يندم كثيرا ويدفع له التعويضات ويزيل ما أقامه من انشاءات يراد منها الحاق الضرر به ، هذا كله ما كان ليحصل لو أن العراق لم يتعرض للاحتلال وقبله للحصار الظالم الذي دمر بنية الدولة ومؤسساتها العلمية والتعليمية والمصانع وأهم من كل هذا دمر منظومة الدولة واحساس المواطن بالطمأنينة في بيته ووظيفته ، وإذا كانت هناك امكانية لجرد الأضرار المادية وإذا كانت هناك فرصة لتقديم التعويض عن الضحايا الذين سقطوا معاقين أو لأسر من استشهد ، فالتهديد وانعدام الشعور بالأمن لا يمكن أن يعوض بأي حال من الأحوال ومهما بلغت التقديرات له .


من المعروف أن الدول التي تربح الحرب من حقها أن تطالب بالتعويض من الدول المهزومة ، على الرغم من عدم وجود معايير ثابتة للمطالبة بمثل هذا التعويض ، وهنا يقفز إلى الواجهة سؤال كبير جدا ، هل أن الولايات المتحدة كسبت الحرب العدوانية على العراق ؟ وهل حقا أنها قررت تقليص حجم قواتها في العراق إلى حدودها الدنيا من تلقاء نفسها ؟ أم أن هناك قوة هي التي أرغمت الولايات المتحدة على إعادة ترتيب أوراقها ونشر قواتها والإعلان عن أكثر من نهاية مزيفة للعمليات الحربية ؟ حتى أوشكت إدارة بوش بعد عامين على أكثر تقدير من بدء العمليات الحربية ، على الإعلان عن هزيمتها في العراق نتيجة الفعل البارز لحركة المقاومة العراقية الباسلة في مواجهات هي الأكثر شراسة في تاريخ الحروب الأمريكية في شتى بقاع الدنيا ، ولو أن حكومات الاحتلال تبنت خيارا سياسيا غير ما سارت عليه حتى اليوم ولو أنها عملت لغير صالح المحتلين ، لتمكنت من توظيف انجازات المقاومة لصالح الشعب العراقي وخاصة في طلب التعويضات للدولة العراقية أفرادا ومؤسسات ولكان بإمكانها أن تحقق كسبا سياسيا جراء ذلك ، ولما تجرأ مسؤول أمريكي ومهما كانت صفته على التطاول على حقائق التاريخ القريب ونتائج المعارك الطاحنة التي أدت إلى أسرع هزيمة للولايات المتحدة ، ولما سعى لقلب الحقائق الميدانية لصالح أوهام الغطرسة الأمريكية الجوفاء ، ولكن الهزيمة النفسية والاحساس بالضعف أمام جبروت القوة الأمريكية ، كان الطابع المميز لسلوك حكومات الاحتلال التي تعاقبت على العراق منذ عام 2003 وحتى الآن .


ربما تزعم إدارة الريس أوباما أن موقف وفد الكونغرس لا يعبر عن وجهة نظرها ، ولكن هذا الاسلوب المعتمد من قبل الادارات الأمريكية المختلفة ، يمثل خيارا راسخ الجذور في التقاليد السياسية الأمريكية ، وهو تجسيد لنموذج الاختلاف المتفق عليه بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة ، على ذلك فلا يجب التوقف عند مجرد الطلب من الوفد مغادرة للأراضي العراقية ، على الرغم من أن طلب المغادرة لم يأت بسبب حديث رئيس الوفد عن طلب التعويضات ، وإنما بسبب حديث لم ينل رضا الأطراف المرتبطة بإيران عما وقع في معسكر أشرف ، إن الرد على الموقف الأمريكي يتطلب أكثر من مجرد تصريحات يطلقها هذا المسؤول أو ذاك ، إن المطلوب تحول العراق من دولة ضعيفة خجولة ومستحية ، إلى دولة تنزع عن نفسها رداء الذل والهوان ، وتبدأ في ملاحقة الملفات الوطنية واحدا واحدا وخاصة المطالبة بالتعويضات من جميع الأطراف حكومات وأفرادا والتي ألحقت دمارا بالعراق وشعبه ، وعرقلت مسيرته نحو البناء وأخرت التحاقه بركب الدول المتقدمة ، وعلى المنظمات الحقوقية العراقية أن تباشر فورا بإعداد لوائح بالخسائر التي تكبدها العراق منذ عام 1990 وحتى اليوم من أجل عقد مؤتمر عراقي وعربي ودولي لفرض هذه الغرامات على الولايات المتحدة ، ولا يمكن للعراقي أن يقبل من حكومته أن تعوض الأمريكي بمبلغ مليوني دولار لمجرد احتجاز استغرق يوما أو بعض يوم ، ويزعم أنه سبب له أعراضا نفسية مدمرة ، ولا تطالب بتعويضه عن المأساة الإنسانية التي عاشها العراق لأكثر من عقدين من الزمن ، تقلب خلالها بين نيران الرعب والدم والقلق من المجهول وزوال الممتلكات وفقدان الأب والابن والأخ .


إن الولايات المتحدة التي جاءت عبر آلاف الأميال لتعتدي على العراق ، لم تتمكن من الحصول على تفويض من مجلس الأمن الدولي على الرغم من أنه تحول إلى أداة طيعة بيد واشنطن ، ولم يطلب العراقيون منها أن تفعل ذلك ، على هذا ومن أجل الوصول إلى عالم آمن ومستقر وخال من استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ، ومن أجل وضع قواعد قانون دولي جديد ، ومن أجل مصلحة الشعوب الأخرى التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها كما فعل العراقيون ، من أجل ذلك كله يجب أن تدفع الولايات المتحدة الأمريكية تعويضا مجزيا مكافئا للتعويضات التي فرضتها على الحكومة العراقية للرعايا الأمريكان الذين احتجزوا عام 1990 ، مع الأخذ ينظر الاعتبار الفارق بين حجم الضرر الواقع في كل حالة على حدة .

 

 





الثلاثاء٢٦ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٨ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة