شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد ثمانية أشهر على بدء الحراك الشعبي في ليبيا ضد نظام القذافي، أعلن حلف الأطلسي أن عملياته العسكرية شارفت على الانتهاء، وأنه يدرس طلب المجلس الانتقالي تمديد هذه المهمة لمدة شهر.


هذا الحلف الذي تدخل تحت شعار حماية المدنيين، ودمر كل مرافق ليبيا الحيوية والحياتية وأعاد نبش البنى التحتية، لم تنقل وسائل الإعلام إلا آثار القصف على الآليات العسكرية النظامية على الطرق الرئيسية وبقي التعتيم يخيم على قصف المدن بانتظار ما ستنقله وسائل الإعلام بعد انتهاء المهمة العسكرية.


الحلف الأطلسي الذي تدخل في النزاع الداخلي الليبي، بتغطية دولية واستدعاء رسمي عربي، كانت آخر عملياته العسكرية قصف القافلة التي كانت تقل القذافي وبعض أفارد عائلته وأركانه الأمنيين والسياسيين.


وإذا كان الإعلام الذي سمح له بتغطية الأحداث في ليبيا منذ السابع عشر من شباط لم ينقل بالصوت والصورة إلا المظاهر الاستعراضية للميليشيا المحلية في استحضار لمشهدية الأحداث اللبنانية خلال مرحلة 1975 – 1976،فإنه نقل بالصوت والصورة نتائج قصف الأطلسي لموكب القذافي لحظة خروجه من سرت باتجاه مناطق أكثر أمناً.


لقد نفذت هذه العملية بعد يومين من زيارة وزيرة الخارجية الأميركية إلى ليبيا، ودعوتها الصريحة بأن القذافي يجب أن يقتل، ولذلك لم يتأخر القصف كثيراً حتى نفذ أمر العمليات الأميركي والتي كانت المشاركة الأميركية في الرصد والملاحقة والقصف، فعلية هذه المرة وعلنية وكأن أميركا تريد أن تفهم العالم، بأن طائراتها التي أطلقت القذيفة الأولى ووفرت الغطاء الجوي وآلية الرصد والتجسس، أطلقت أيضاً القذيفة الأخيرة في إشارة واضحة، بأنها هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في تحديد اتجاهات المسار السياسي لوضع ليبيا المستقبلي.


لقد تبين من الصور التي بثت عبر وسائل الإعلام، أن القصف الجوي لم يود بحياة القذافي ومرافقيه، بل أدى إلى إيقاعه في يد الميليشيا المحلية، التي تصرفت معه ومرافقيه تصرفاً يتم عن سادية في السلوك لا يستقيم والحدود الدنيا من القيم الإنسانية التي نصت عليها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية.


إن القذافي وفي الوضع السياسي والعملاني الذي كان فيه كان في حالة حرب، ولو كانت بين أطراف داخليين فحسب لقلنا أنها حرب أهلية، أما وأن يكون أحد أطراف هذه الحرب حلف الأطلسي، فهذا يعني أن هذا الصراع الداخلي أخذ بعداً دولياً من خلال المشاركة الدولية بها وبعداً وطنياً من خلال مقاومة القذافي بما هو حالة سياسية مواجهة للطرف الآخر، وعليه فإن المتقاتلين المنخرطين بهذا الصراع تنطبق عليهم أحكام قانون الحرب واتفاقية جنيف المتعلقة بأسرى الحرب. وبالتالي فإن القذافي ومنذ اللحظة التي وقع فيها في قبضة الخصم هو في وضع أسير الحرب وكان يجب أن يحظى بكل أشكال الحماية القانونية والإنسانية التي توفرها أحكام اتفاقية جنيف وملحقاتها المتعلقة بأسرى الحرب.


إن هذا يعني أن القذافي كأسير حرب كان يجب أن يتمتع بمعاملة إنسانية، تحترم إنسانيته وحقوقه الشخصية، ومن ثم إخضاعه لمحاكمة عادلة تتوفر لها أعلى المعايير القانونية إذا كانت تجوز محاكمته.


أما أن يتعرض بهذا الشكل المريع من التنكيل بشخصه والتعرض لكرامته الإنسانية، فهذا لا تقره أعراف اجتماعية ولا تقاليد إسلامية ولا قوانين وضعية، وهذه ليست مسؤولية الانفار الذين أمسكوا بالقذافي وحسب بل تقع المسؤولية بالدرجة الأولى على الذين أداروا الشق الداخلي عسكرياً وسياسياً ضد القذافي ونظامه، وتقع أيضاً على حلف الأطلسي، الذي أدار العملية العسكرية وحدد أهدافها وكانت عمليته الأخيرة واحدة من شريط ستكشف الأيام القادمة كم كانت أثاره التدميرية بالغة التأثير على البشر والحجر.


إن غرائزية الافتراس الحيواني التي عومل بها القذافي وهو في الأسر، ومن ثم الطريقة التي اعتمدت في عرض جثة القذافي وابنه ووزير دفاعه لم تراع المعايير الأخلاقية ولا الإنسانية، وكأن الذين ثاروا ضد القذافي، رأوا أن غليلهم لا يشفى إلا بالتنكيل بالجثث والدفن في أماكن غير معلومة


فهل كان المطلوب شخصنة النزاع السياسي واعتبار تصفية القذافي شخصياً وبالطريقة التي حصلت هي نهاية المطاف، وأن ليبيا ستدخل جنة النعيم السياسي بعد التخلص من "جهنم" القذافي؟


أما كان الأفضل أن يقدم المنتفضون في ليبيا، صورة حضارية لحراكهم، بأنهم سيعاملون أخصامهم السياسيين بعكس ما كانوا يعاملون به، وأن القانون سيكون ناظماً للعلاقات العامة وأن احترام حقوق الإنسان قولاً وفعلاً سيكون العنوان العام الذي تحت مظلته سيمارس المواطنون حقوقهم السياسية وغيرها!!


إن ما تعرض له القذافي، وكان تنفيذاً لأمر عمليات أطلسية، بأيدٍ محلية لا يبشر خيراً بمستقبل ليبيا، لأن القذافي الذي حال دون هيكلة سياسية للمجتمع الليبي، وكان التغيير مطلوباً بإلحاح لإدخال ليبيا، مرحلة جديدة من ديموقراطية الحياة السياسية والإصلاح الاقتصادي، لا تكون بداية التأسيس على المظهرية التي برزت في نهاية مرحلة التدمير.


إن الذي حصل ووقف العالم على مشهديته، لم يكن تدميراً للبنى الليبية المادية وحسب، بل كان تدميراً موصوفاً للذات الإنسانية، وهذا السلوك هو استحضار لأبشع أساليب الاضطهاد الإنساني.


إن الوضع في ليبيا، كان يجب أن يتغير باتجاه الأفضل والخلاف الداخلي مع القذافي كان كبيراً سواء في طريقة حكمه لليبيا، أم في نزقه ومزاجيته السياسية في التعامل مع الخارج، لكن ما لا خلاف عليه أن القذافي قتل في مواجهة عسكرية كان حلف الأطلسي أحد الأطراف الأساسية فيها. وهو عندما أمسك به لم يكن في قصور عامرة ولا في أبراج عاجية، بل كان في الموقع الذي اقتضت ظروف المواجهة ذلك.


لقد دخلت ليبيا في نزاع داخلي بين النظام والحركة الشعبية، لكن عندما أخذ هذا النزاع بعداً دولياً من خلال اشتراك أطراف دولية فيه مع فريق ضد آخر، اخذت مواجهة هذا الطرف الدولي الخارجي بعداً وطنياً، لأن الطرف الدولي الذي انخرط في الصراع العسكري والسياسي وكانت له اليد الطولى في تحديد مسار هذا الصراع، لم يفعل ذلك حباً بجماهير ليبيا، ولا لتمكينها من تحقيق مشروعها السياسي التغييري ببعده الوطني والقومي، بل لأجل أن يكون شريكاً لا بل مقرراً في رسم المسار السياسي المستقبلي وخاصة لجهة إعادة بناء ما دمر ووضع اليد على المقدرات الوطنية وخاصة النفطية. وعليه فإن المواجهة مع الطرف الدولي تأخذ في هذه الحال بعداً وطنياً، ومن يسقط في هذه المواجهة يصح فيه وصف شهيد الوطنية الليبية، هكذا حال القذافي.

 

 





الاربعاء٢٨ ذو القعدة ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٦ / تشرين الاول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة