شبكة ذي قار
عـاجـل










قبل أن يحل الموعد المحدد لانسحاب القوات الأميركية من العراق المقرر نهاية عام 2011، شنت حكومة المالكي حملة اعتقالات واسعة، طالت مئات المناضلين البعثيين والوطنيين وضباطاً من الجيش العراقي، وقد برر المالكي هذه الحملة، بأن حزب البعث يحضر لانقلاب واستلام السلطة، ولهذا أدرج هذه الخطوة في إطار العمليات الاستباقية.


هذه العملية الأمنية التي نفذتها الأجهزة المرتبطة مباشرة بمكتب المالكي تؤشر على حالة، وتميط اللثام عن المنحى الجديد للترتيبات الأمنية والسياسية بعد الانسحاب العسكري الأميركي.


أما الحالة التي تؤشر عليها، فهي أن حزب البعث، رغم صعوبة الظروف التي عاشها ومر بها، ورغم الملاحقات والاعتقالات والاغتيالات التي طالت قياداته وكوادره وعناصره، ما يزال موجوداً كقوة تنظيمية، تمتد على مساحة العراق. وهذا ما يدلل على مسألتين، الأولى، أن حزب البعث الذي كان دائم الحضور في الحياة السياسية العراقية قبل استلامه للسلطة واثنائها ، يستمر حضوره من خلال الدور الذي اضطلع به في مقاومة العدوان والاحتلال. والثانية، إن قرار الاجتثاث الذي اتخذه الحاكم الأميركي –بريمر – واعتمدته الإدارات السلطوية المحلية نهجاً ثابتاً لها، بقيت مفاعليه محصورة في إطار أجهزة السلطة وأدواتها العقيمة. وهذا القرار لم يأخذ طريقه الى الأوساط الشعبية بدليل حالة الاحتضان الشعبي للبعثيين.


أما بالنسبة لارتباط عملية اعتقال البعثيين والوطنيين بالترتيبات الأمنية والسياسية التي تعقب انسحاب القوات الأميركية، فإن المالكي وجهازه الإداري والأمني، يعملون تحت سقف التوجيهات الإيرانية، حيث يحضر النظام الإيراني نفسه لملء الفراغ الأمني والسياسي الذي يعقب الانسحاب الأميركي. وهذا الفراغ حاصل لا محالة لأن الاحتلال الأميركي لم يعمل على إعادة تشكيل جيش وطني قادر على حماية أمن الداخل الوطني وأمن المداخل، ولهذا أطلق على الجيش اسم الحرس الوطني لإسقاط الهالة المعنوية للجيش العراقي الذي كان مفخرة للعراقيين والعرب. وإذا كانت الإدارة الأميركية حريصة على عدم قيام جيش وطني عراقي قادر عدة وعدداً، فإن النظام الإيراني أكثر حرصاً لهذه الناحية، لأنه يريد أن يبقى العراق ضعيف البنية العسكرية لقواته المسلحة، ومهلهل الوحدة الوطنية، ومشتت القوى السياسية. وإذا كانت أميركا، لا تريد للعراق أن يستعيد وضعه السابق للعدوان، كدولة مركزية قوية وككيان وطني متماسك، فإن النظام الإيراني يريد أكثر من تقسيم العراق إلى مكونات اقاليمية ذات كيانية سياسية شبه مستقلة، وحتى يمتد الانشطار الوطني إلى المكونات الطائفية، ومن ثم شطر هذه المكونات الطائفية إلى مكونات مذهبية، وأكثر من ذلك شطر المكونات المذهبية على قاعدة تقسيم المقسم،كل ذلك لجعل عملية إعادة توحيد العراق أكثر صعوبة، ولكون ذلك يسهل عليه احتواء الوضع السياسي الداخلي، وجعل الجميع يسعون للاستقواء به في لعبة الصراع على السلطة.


إن النظام الإيراني الذي يعتبران فرصته التاريخية قد سنحت لقطف ثمار تعاونه مع أميركا في احتلالها للعراق، يرى أن فرض وصايته على العراق امنياً وسياسياً لا تستقيم الا باحتواء مرجعية حوزة النجف الأشرف، وجعل الاجتهاد "القمي" بتقدم على الاجتهاد النجفي، و إبقاء حالة الانشطار الوطني قائمة. ولتحقيق ذلك يتطلب الامر محاصرة وضرب القوى التي تحمل مشروعاً وطنياً توحيدياً للعراق، وحزب البعث في طليعة هذه القوى، خاصة، وأن الحزب الذي استطاع أن يقود مقاومة ناجحة ضد الاحتلال الأميركي، وهذه واحدة من مهماته النضالية، قادر على إعادة توحيد العراق وإعادته إلى التموضع الطبيعي لموقعه في أمته العربية.


إن حزب البعث الذي خاض غمار مواجهة شاملة مع الاحتلال، يعتبر أن الاحتلال لا ينتهي بالانسحاب العسكري وحسب، بل لا بد من إسقاط الإفرازات السياسية لهذا الاحتلال، ومنها إسقاط الواقع التقسيمي القائم وكل الأدوات السياسية التي ارتبطت به وأدارت الوضع الداخلي تحت إشرافه.


إن النظام الإيراني الذي يسابق الوقت لفرض وصايته الأمنية والسياسية على العراق، بدأ يمارس احتلالاً مقنعاًً يوازي في خطورته أن لم يفق الاحتلال الأميركي، كونه يعرف أن هذه الوصاية الأمنية والسياسية لا يمكن أن تحصل إلا إذا اندفع العراق إلى مزيد من التشظي الوطني والسياسي والمكونات المجتمعية.


من هنا، يجب وضع الأصوات التي ترتفع لإعطاء المحافظات الوضعية الدستورية للأقاليم، والتي يؤيدها المالكي ضمناً ويعمل على تنفيذها، وأن بدا معارضاً ظاهرياً لها، في سياق المخطط الإيراني الهادف إلى جعل العراق مجموعة ولايات وأقاليم ستكون محكومة بالتنازع على المغانم.


والحملة إذا اشتدت على البعث في الآونة الأخيرة، فلأن الحزب هو القوة السياسية والشعبية التي أثبتت قدرتها على قيادة المقاومة للتحرير وبالتالي فهو مهيئ لقيادة عملية إعادة التوحيد، مستنداً بذلك إلى رصيده النضالي وتراكم خبرته وانتشاره العابر للمناطق والطوائف.


إن الحملة على البعث عشية الانسحاب الأميركي، هي عملية استباقية أقدمت عليها الأجهزة الأمنية والقوى السياسية التي تعمل وفق الإملاءات الإيرانية، علّ ذلك يمهد الأرض للاجتياح الإيراني تحت مسمى المساعدة الأمنية والنصح السياسي. وعليه، فإن كشف إبعاد المخطط الإيراني حيال العراق واستطراداً الى العمق القومي العربي، هو الذي يجعل المواجهة الجديدة مع الإفرازات السياسية الداخلية في العراق تأخذ بعديها ،الوطني والقومي ففي البعد الوطني، أن حزب البعث ومعه كل الوطنيين الحريصين على وحدة العراق وعروبته معنيون بإسقاط الواقع التقسيمي وطنياً و مجتمعياً، وفي البعد القومي، فإن مواجهة هذا المخطط الإيراني المكشوف المستور، يندرج في سياق حماية عروبة العراق أرضاً وشعباً، وبها يعاد للعراق موقعه كحام للأمن القومي العربي من بوابة الوطن الشرقية، وبما يثبت أن الوطنية العراقية، وهوية الانتماء القومي لشعبه بكل أطيافه أقوى من مناورات النظام الإيراني السياسية، وأقوى من كل أدواته التي يريدها أن تلعب دور حصان طروادة جديد في تسهيل عملية الاختراق للداخل العراقي. ومن يستطيع أن يقاوم أعتى قوة عسكرية في العالم، قادر على مواجهة من يناصب العراق العداء وأياً كانت الشعارات التي يتلطى وراءها. والاعتقالات التي تطال البعثيين هي وسام شرف نضالي يعلق على صدروهم وسيثبتون أنهم الأقوى وان احداً لا يمكن ان يتجاوز او يلغي دورهم في الحياة السياسية للعراق....

 

 





السبت١٦ ذو الحجة ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٢ / تشرين الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة