شبكة ذي قار
عـاجـل










قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عن علائم الساعة “انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة ويسود الرعاع على اقوامهم .. قالوا وما “الرويبضة” يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة “. صدق رسول الله

 

عودة الى المشهد السياسي العربي الراهن تستدعي هذا الحديث الشريف وتعيده للذاكرة مع استدعاء قراءة هذا المشهد على ضوئه. ونبدأ من ليبيا حيث الأحداث التي يشهدها ذلك البلد بعد سقوط القذافي تثبت أن غزوَ دولة ما وتشكيلَ حكومةِ دمىً لا يؤسس دولا ولا يصنع استقرارا. فقد بات معلوما أن المجلس الانتقالي منقسمٌ على نفسه وغير قادر على تأمين المنشآت النفطية الأمر الذي اضطر الولايات المتحدة لأخذ هذه المهمة على عاتقها بإنزال قوات خاصة لحماية تلك المنشآت. حيث بدأت عمليات شحن المنتجات البترولية من  هذه المنشآت إلى الولايات المتحدة بسعر 25 دولار للبرميل. لهذا هدد مقاتلو المقاومة الليبية بتفيذ عمليات خاصة، تستهدف المدينتين المذكورتين، وتفجير مجمعات تكرير النفط مع حراسها الأمريكان المتواجدين هناك، بالإضافة إلى احراق جميع خزانات النفط. فهل يبرر سعر ال25 دولار قتل ستين الف مواطن ليبي وانزال عسكري امريكي لمجرد حماية منشآت تبيع النفط الليبي بهذه التسعيرة؟!.


بالانتقال الى مصـر فهي تواجه اليوم أزمة مالية حادة قد تقوض التحول السياسي وتشكل تحديا حقيقيا أمام السلطة الحالية. ومع نمو الديون المتصاعدة والاقتصاد الضعيف والاحتياطيات من النقد الأجنبي في تراجع، يواجه الحكام العسكريون والبرلمان الجديد الذي يقوده الإسلاميون بعض الاختيارات الصعبة، بدءا من تخفيض قيمة العملة الذي يعد لا مفر منه، والذي سيدفع أسعار السلع الغذائية وغيرها إلى ارتفاع. بما يعطي مؤشرات مثيرة للقلق لجهة الاحباط الذي سيصيب المصري العادي وهو يرى نتائج تحركه وآماله المهدورة.


بالوصول الى الازمة السورية فان قفزات متسارعة في ملف هذه الازمة كرستها في واجهة المشهد الاقليمي والدولي بعد سلسلة مفاجآت القرارات العربية في كل اجتماع للوزاري العربي. حيث انتقلت القرارات من تقصد الفجاجة في طلب موافقة سوريا على بعثة المراقبة العربية الى واقعة تجاهل تقرير هذه البعثة مع التشكيك بذمم المبعوثين الذين اختارتهم الجامعة نفسها. مع ما رافق ذلك من تصعيد عربي بقيادة السعودية بدل قطـر يكاد يسلم بحتمية الحرب الاهلية السورية.


اما في لبنان الذي كان شرارة الفوضى الامريكية البناءة في المنطقة فان الاستقرار مرتبط فقط بالعوامل الخارجية لان قراءة الاصطفافات الداخلية تؤكد ان البلد متفجر بانتظار شرارة الفوضى الدموية كمرحلة لاحقة للفوضى البناءة. حيث تقوم السياسة الامريكية على الانتقام بتوظيف الفوضى. ولها في ذلك سوابق واجبة الذكر والاستحضار. حيث الانسحاب الامريكي من الصومال في التسعينات اشعل حرباً اهلية لا تزال دائرة حتى اليوم. ومثله انسحاب المارينز من لبنان عام 1983 الذي جدد للحرب الاهلية اللبنانية لغاية توقيع اتفاق الطائف وقس عليه.


وفق هذه السياسة فان واشنطن تركت فتائل الفوضى الدموية والحرب الاهلية في العراق وفي ليبيا وقبلهما في لبنان. وها هي تحاول زرع فتائل مشابهة في دول جديدة وفي مقدمها سوريا انطلاقاً من مسلمة تاريخية قوامها ان الاحقاد الدموية عصية على التجاوز. وبالتالي فان تحويل الاحقاد في المنطقة  الى دموية هو غاية امريكية بحد ذاتها.


هنا نفتقد لآراء المفكر العربي محمد حسنين هيكل الذي اسكتته الجزيرة بعد مقابلته الصحفية مع الاهرام حول الربيع العربي. وبعد فشلها في دفعه للتراجع عن تلك الآراء في حلقة خاصة خصصتها الجزيرة مع هيكل لهذا الهدف. ثم جاء صمت هيكل وسكوته في المرحلة الاصعب حيث يعاني المواطن العربي من فقدان التوجه ويحتاج الى من يساعده على استعادة قدرته على التوجه في بحر الظلمات الحالي.


الم يقل هيكل تكراراً ان ديدن الامريكيين ان يأتوا باشخاص من قاع المجتمع ليضعوهم في واجهته السياسية كي يتحكموا بذلك المجتمع؟. الا يقترب هذا القول من الحديث الشريف المذكور اعلاه؟. فلماذا سكت هيكل وغاب عن السمع؟!..


عودة الى المشهد السياسي العربي فليقف كل منا وقفة ضمير وينظر حوله ليتبين حجم سيادة الرعاع من حوله وامكانية تحقيق اية اصلاحات يأملها على ايدي الرعاع. وهل يمكن للنخب ان تركب مركب الفوضى وان كانت بناءة او امريكية؟. وهل يمكن للنخب ان تقبل بتعريض مجتمعاتها لتهديد امن مواطنيها واستقرارهم بدون بدائل جاهزة. وهل تقبل النخب ان تكون البدائل الجاهزة هي تمويل من هنا وتدخل استخباراتي وعسكري من هناك؟.


النخب العربية الحقيقية وذات الحيثية لا تستبدل امان المواطن العادي بمغامرات اي يكن نوعها. وهي لا تهضم او تبتلع واقعة تسبب الاحتلال الامريكي للعراق بسقوط مليون قتيل مقابل ما يسمى بديموقراطية امريكية نقرأ تطبيقها في العراق الحالي. كما ان هذه النخب تطلب التحقيق في مقتل المدنيين الليبيين في غارات الاطلسي وكذلك التحقيق في التقارير المفبركة لتبرير التدخل العسكري الاطلسي.


بعد هذه الاسئلة فان العودة الى لبنان تفرض نفسها لان لبنان اقل دخاناً من باقي الدول لغاية الآن والاهم ان نجاح التدخل الامريكي ببناء فوضاه يفضح استار تلك الفوضى. وبعد عرضنا لمواقف النخب المطروحة نتساءل من من الواجهات السياسية الحالية يستوفي شروط النخبوية؟. هل هو الفريق الذي يسعى للعودة الى الحكم بتعريض البلد لمواجهات داخلية وخارجية لا يحتملها؟. ام الفريق الصارخ دائماً انهم يحاولون اغتيالي!. ام فريق المجرمين الساعي لاستعادة ميلشيا القتل والاجرام بنتظار تقسيم العراق ليكون تقسيم لبنان مرحلة تالية له؟.


في لبنان اليوم قرار امريكي برفض تولية النخب ومحاربتها عبر اعتماد سياسة توظيف الحمير. ولهذه السياسة قصة اذ كان مسؤول سوفياتي يعمل كجاسوس لصالح واشنطن وكان هذا المسؤول يحمي نفسه عبر عمله بخطة توظيف الحمار فقد كان دائماً يختار الأشخاص الحمير في كل اختصاص وأوظفهم. ويشرح الجاسوس: لهذا السبب لم يستطع احد أن يثبت بأني عميل للأمريكا أو ان يجد اي دليل على ذلك.


صحيح ان كل الدول العربية مفتوحة اليوم على كل صنوف المفاجآت لكن لبنان يمتاز عنها بصناعة كارثته بيديه.  فبعض الواجهات السياسية الحالية تعمل على مواجهة سوريا واسقاط نظامها غير مدركة لفارق الاحجام وهي لا تمانع في التعامل مع الشيطان للعودة الى الحكم. بما يدفعها لتحويل لبنان الى رأس حربة في الفتنة المذهبية المقرر اشعالها امريكياً في المنطقة. عداك عن تصريحات الرويبضة من على الفضائيات وخوضهم غمار القناعات السياسية. والرويبضة في موقع ادنى من ان تكون لهم مثل هذه القناعات لكنهم يخوضون في امور العامة.


لما كان المواطن في وضعية تخلي وفقد للتوجه فان عليه ان يعمل على التمييز بين النخب الحقيقية وبين الرعاع السياسي المستحدث. وعليه فلينظر كل منا حوله مستذكراً قول الرسول الكريم: انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة ويسود الرعاع على اقوامهم ..


في هذا التفريق تكمن الخطوة الاولى لنجاة المواطن من التضليل ومن التحول الى وقود لمشاريع تغتال مجتمعه وبلده وانتماءه تحت شعارات براقة لكنها وهمية خلبية. من شعارات الديموقراطية الامريكية الى شعارات الربيع العربي وتعزيز مشاركة الشباب..الخ من الشعارات التي نشهد سقوطها وتكشف خلفياتها عن سعي امريكي لشراء النفط ب 25 دولار بدل ال 100 دولار. فهل نكون الضحايا لتحقيق هذا الهدف ومثيلاته من الاهداف الامريكية ؟…


اذا كان للديموقراطية معنى انساني قابل للتحقيق فهو ان يكون من حق المواطن استبعاد الرعاع والرويبضة واختيار قياداته من بين نخبه الوطنية والقومية العفيفة وهو اختيار تمنعه واشنطن بالقوة والتهديد وحتى بالحروب. راجعوا في ذلك جولات جيفري فيلتمان في العواصم العربية التي تحولت دماء شعوبها لمهدورة امريكياً… وتذكروا ان فيلتمان يختار شخوصه العرب من قاع المجتمع ويسودهم عليه….

 

 





الاثنين٢٧ ربيع الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٠ / شبــاط / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د محمد احمد النابلسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة