شبكة ذي قار
عـاجـل










من حقنا أن نستغرب كيف أن رياح ما يعرف بالربيع العربي لا تجد غير أرض أمة العرب لتهب عليها فقط وبهذا العنف في حين لازالت تمر نسمات خفيفة وخجولة على دول أخرى في المنطقة والعالم بعضها بامس الحاجة للعواصف التي تقلع جذور كياناتها!.


وهذه الرياح التي تهب أينما تكون لماذا يقولون أن مركزها يعود دائما لرياح هذا الربيع العربي الذي يعصف بشيبها وشبابها وتنتقل موجاتها عبر الحدود التي رسمها المستعمر؟
وقبل ان نضع إجابات مثل : إن مواطن العرب بمكامنها وثرواتها وتأريخها وموقعها تبقى وعلى مر الأزمنة مركز إشعاع للعالم!،
أو إن بلادنا إن هي إلا منبع الثورات ضد الطغيان ومعلمة الآخرين كيف تكون الثورات!،


أو لأن العرب ذاقوا الأمرين من الديكتاتورية والظلم والإستعباد والتسلط في حين ينعم من يحيط بهم بالأمن والإستقرار والرفاهية والديمقراطية!،
أو لأن للغرب وخاصة أمريكا وإسرائيل أجنداتها في المنطقة وهي التي تحرك هذه الأحداث بشكل مباشر أو غير مباشر!.
يبدو أنه وقبل ذلك أصبح من الضروري ان نفهم بشكل دقيق معنى الثورة ، والحركة الإحتجاجية، والمظاهرات المطالبة بالديمقراطية، والتمرد ، والعصيان لكي نتمكن من وضع معيار لما يحدث في هذا البلد العربي أو ذاك.


ثم علينا أن نفهم أين تجري هذه الأحداث ومن هم هؤلاء (الثوار) الذين يؤججون لهيب الحماس الوطني من جهة ويشعلون حرائق غير مسبوقة في كل مكان .
علينا أن نعرف من يدعم هذا الحراك لنحدد بضوء ذلك تعريف لما يجري هناك لعدم تطابق ظروف جميع الانتفاضات العربية وتباينها واختلاف طبيعتها من بلد إلى آخر والتي لايمكن وضع تعريف موحد لما يجري.


وعلى الرغم من وجود مسببات واحدة سواء تلك المعلنة او بعض المخفي منها والتي تشتر ك بها حركات الاحتجاج في البلدان العربية والتي تتمثل بوجود تهميش واضح لدور الشعب وغياب العدالة الإجتماعية والاقتصادية والسياسية وعدم وجود فرص التعبير الديمقراطية وحالة الحرمان التي تشيع بين الناس إلا أن المحركات الأساسية الحقيقية لهذه العوامل تبقى إما بيد هؤلاء المحرومين أو تتحكم بها جهات تتربص لإقتناص الفرصة للإستيلاء على السلطة مستخدمة هذه الأسباب وسيلة لتحريك مشاعر وقوى الشعب الرافضة.


كانت كل الثقافات الشائعة تشير الى ضرورة إرتباط مفهوم الثورة عموما بالنظرية الثورية والتي تحتاج لقيادة ثورية ..والهياج الجماهيري حتى وإن إستند الى أحقية تأريخية وإجتماعية وسياسية وإقتصادية فهو بحاجة لتوجيه لكي لايتحول الى فوضى تهدد بشيوع مفهوم (نحن نعرف ما لانريد ولكننا نفتقر لمعرفة ماذا نريد بالضبط).


ولو ذهبنا مباشرة الى مصر سنرى انه من المعروف للقاصي والداني بأن الثورة في مصر بدأت بالهياج الجماهيري وتأججت نارها (بالتنظيم) الذي قاده الإخوان وحصدو نتائجه لتشرق شمس يوم جديد في مصر حيث يجد (الثوار) أنفسهم يتظاهرون من جديد ضد ( مالايريدونه) في حالة من (عدم معرفة مايريدونه بالضبط) في حين حصل الآخرون على ما يريدون!.


وتلك هي نتائج المعارك التي يديرها أصحاب المناهج والبرامج .
في تونس تتشابه الحالة بينما في ليبيا تختلف كليا ..
ففي ليبيا كانت الغاية منذ البداية هي إسقاط نظام القذافي وكانت الأجندة الخارجية متهيئة (لمساعدة الثوار) ووصل الأمر لقيام حلف الأطلسي بالإطاحة بالنظام ليتحول المشهد الى حالة معقدة تتداخل فيها الألوان بين الوطنية وأخلاقية الوسيلة،لاسيما أن الجميع يعرف إن ما حدث لم يكن لأجل مصلحة وسواد عيون( الشعب الليبي او الثوار).
وهذا هو اليمن بعدما أرغمت عواصف الربيع الرئيس علي عبدالله صالح على التنحي ليستيقظ اليمن كل يوم على فوضى جديدة ومطالب معقدة لاتنتهي.


في سوريا يتجه المشهد الى حالة أقرب ما تكون لصراع إقليمي وأممي حيث دخلت إيران وروسيا والصين في الصراع بشكل مباشر ضد الإرادة الغربية للإطاحة بالنظام السوري ،ومثلما تحولت الإرادة الشعبية الى وسيلة تتجاوز حدود الشعارات ليتحول الأمر في سوريا الى صراع بين الإرادة الأمريكية والغربية من جهة والإرادة الروسيةمن جهة اخرى، روسيا التي فهمت متأخرة كيف تم إستغلالها منذ غزو إفغانستان وإحتلال العراق الى قصف ليبيا وإسقاط القذافي، روسيا تهرف اليوم كيفية إدارة اللعبة وتساندها الصين ولكن هذه المرة على حساب ارادة الشعب السوري وتحاشيا لمطالبه.وهكذا يراد للإرادة الشعبية العربية ان تتحول رغما عنها الى ورقة مساومات بين الأطراف الدولية الطامعة بوجود دائم في المنطقة.


وفي الأردن ترغب الإرادات السياسية المنهجية بإستثمار إرادة الشعب بالإصلاح، وهي تدفع بتغذية إستمرار تظاهرات الجموع التي ( تعرف جيدا ما لاتريد) وسط فهم مطلق بين المتظاهرين بوجود حالة من ( تباين السقوف في المطالب وإختلاف الرؤية عن ماذا يريدون بالضبط )، حيث يسود مشهد الرغبة بالإصلاح بوجود جهات تشجع لإشاعة مفهوم أن تكون ( المطالب بدون تحديد حدود لهذا الإصلاح والى أي مدى)..وقد وصل الأمر ببعض المتظاهرين كما تقول الأخبار انهم يرفعون لافتات كبيرة يطلبون فيها زيادة سلفة الزواج وضرورة تدخل الدولة في تأمين دخل لمن لايرغب بممارسة العمل!. هي إذا وكما يبدو الرغبة بجعل الحراك مستمرا بهدف او بدونه لتكون في النهاية وحدها الجهات التي تستغل هذه التظاهرات هي التي ستستفاد من تطور الحالة لأنها ( تعرف ماذا تريد بالضبط) ولايهمها ما تحققه الدولة لمطالب المتظاهرين، تماما مثلما سلحت دول عظمى وتنظيمات دولية شعوب المنطقة بوسائل سياسية ليكون في فوهات المدافع مباشرة في صراع مصطنع مع الدولة تتداخل فيه الأهداف بما يجعل الحكمة والتروي والعقل من أنجع الوسائل التي يجب ان يتبعها الحاكم الحريص على شعبه ووطنه .


وفي العراق حيث تمارس السلطة أقسى أنواع الشدة والعنف ضد المتظاهرين يختلف الأمر كليا.
في العراق ترى السلطة إن أي مظاهرة أو إعتصام أو إستنكار أو إحتجاج أو مقاطعة او معارضة أو نقد سواءا كان من المعارضة أو من أي من الكتل المتحالفة في الحكم هي محصلة تقف ورائها جهات تتربص بهم وهي جات ( تعرف جيدا ماذا تريد)!.


عموما ..
في أي حراك أو إعتصام او تظاهر شعبي أو شبابي ، ربيعي كان أو خريفي ، مبرمج او عفوي ، سيكسب فيه فقط من يعرف مايريد، وسيخسر في النهاية من لايقف مع شعبه، وسيعلو الحق مهما علت لافتات الباطل ، وستسمع من أقصى حدود الوطن صرخة المظلوم مهما تعالت نبرة الظالم وغطت صوره كل الفضائيات .


المجد للشعب العربي وشبابه الواعي أينما كان ، هذا الشباب الذي يحتضن قياداته المخلصة له ويدافع عنها حتى الشهادة ، والمجد لهذا الشعب ولشبابه الذي ينتفض على هذه القيادات والحكام إذا كانت بعيدة عن معاناته وحاجاته وضروراته.

 

 





الجمعة٠١ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٤ / شبــاط / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كامل المحمود نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة