شبكة ذي قار
عـاجـل










قد تخرج من الجزائر الصورة المثالية لعروبة المستقبل. ذلك لان شعب الجزائر قد عرف الألم الإنساني كما لم يعرفه شعب في العالم. ونضال الجزائر هو مقياس حيوية الأمة العربية وقدرتها على التجدد والإبداع. فلقد ظهرت في هذا العصر حركات وثورات كانت بالنسبة إلى العالم مفاجأة ومثار دهشة. إما ثورة الجزائر فكانت مفاجأة العروبة لنفسها.


لقد اعتدنا في أقطار الشرق العربي منذ مطلع هذا القرن ان نرى الحركات القومية متمثلة في الطبقات الوجيهة المتزعمة، فخالط قوميتنا من جراء ذلك الشيء الكثير من معاني الترف المادي والعاطفي والفكري. وبدت هذه القومية، وهي بعد ناشئة في المهد، ومغلوبة مضطهدة، كأنها تتكلم لغة ليست لغتها الطبيعية، دخلها الاصطناع والتزييف والغرور والتبجح منذ تمتماتها الأولى. وهذا ما جعلها، ردحاً طويلاً من الزمن، معزولة عن الشعب وحياته الصادقة الصميمة، كما جعل صوتها عاجزاً عن أن يتجاوز نطاق أرضنا، ويتجاوب مع مشاعر الشعوب الأخرى ويكسب عطفها وتأييدها.


كانت جماهير شعبنا العربي في جميع أقطارها وما تزال تعيش في الألم، ألم الحرمان والظلم والتأخر. لكن صوت الشعب المتألم كان يضيع في جلبة المعركة القائمة بين البلاد والمستعمر الأجنبي.


إما في الجزائر فقد عمل الاستعمار الفرنسي طوال اكثرمن قرن، بحرب منظمة للإفقار والإبادة، على تحقيق المساواة بين أفراد الشعب العربي، في الفقر والظلم، فتحققت بذلك للشعب وحدة الشعور ووحدة القضية، ولأول مرة في تاريخ النضال العربي ضد الاستعمار اتحد المعنى القومي بالمعنى الإنساني اتحاداً تاماً، لان الاستعمار أوصل الشعب في الجزائر الى هذا الحد المتطرف الذي يدافع فيه الإنسان عن مجرد البقاء وعن مجرد الكرامة التي لا يستطيع مخلوق بشري ان يحيا بدونها.


وهكذا قدر للعروبة في الجزائر ان تبلغ جذور إنسانيتها وان تتعرى من كل ترف وتزييف وتمتلئ بالمعنى الايجابي لأنها عانت وقاست كل مراحل السلبية والحرمان لتصبح عروبة الحق والحرية والعدالة، ولتستطيع أن تولد هذا النضال الشامل الجبار الذي بلغ الغاية في الرجولة والرصانة والعمق.


ان النقص الذي كنا نشعر بوجوده في نضالنا القومي يسده اليوم نضال شعبنا في الجزائر، لأنه منبعث من الم كبير، وهو ألم اكبر من ان يستنفده الحقد ويتوقف عند الهدم ويستسلم للغرور والأهواء أو للضعف والاستكانة.


فبمقدار ما يتضامن الشعب العربي في أقطاره الأخرى مع نضال إخوانه في الجزائر، وبمقدار ما يؤازر هذا النضال ويضحي في سبيله، بمقدار ما يتحقق التفاعل بين أجزاء شعبنا الواحد، وتتوحد تجربته، ونعجل في تحرير قوميتنا العربية مما علق بها ودخل عليها من سطحية الطبقات المترفة ونفعيتها، لنغمس هذه القومية في معين ألم الشعب وصدقه وإنسانيته.

 

 





السبت٠٢ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٥ / شبــاط / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زيد احمد الربيعي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة