شبكة ذي قار
عـاجـل










تحت راية "الله أكبر" والآية الكريمة "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا".. دقّ زعماء قبائل وسياسيّون ليبيّون أوّل مسمار في نعش ليبيا الدولة.. وأعلنوا منطقة برقة في شرق ليبيا "إقليما فيدراليا اتحاديا" واختاروا الشيخ أحمد الزبير الشريف السنوسي رئيسا لمجلسه الأعلى.


تفرّقوا إذن .. ولم يعتصموا بأيّ حبل ..
لا الله .. ولا العروبة .. ولا ليبيا..
لم يعتصموا، ولم يتّحدوا.. وإنّما قرّروا تقسيم ليبيا .. وشرعوا في تنفيذ قرارهم ..


لنترك جانبا الادّعاءات الكاذبة.. تلك التي يقول بعضها إنّ ما حدث لا يتجاوز إعلانا للحكم الذاتي ضمن حدود الدولة الليبيّة، ويزعم بعضها الآخر العمل في إطار "مؤسّسات السلطة الانتقاليّة المؤقّتة القائمة حاليّا واعتبارها رمزا لوحدة البلاد وممثّلها الشرعيّ في المحافل الدوليّة"..
إنّ كلّ هذا ليس صادقا ولا كافيا ولا مقنعا، لا بالنسبة إلى المتابعين ولا بالنسبة إلى الليبيّين أنفسهم..


المواطنون الليبيّون خرجوا في مسيرات غاضبة في طرابلس والبيضاء وشحات ودرنة وطبرق.. وفي بنغازي ذاتها. ورفعوا لافتات تنادي بالوحدة الوطنيّة، وتنبذ العنصريّة والجهويّة والقبليّة.. كانوا يحتجّون على إعلان برقة إقليما لأنّهم يدركون بالفطرة أنّ تلك الخطوة ليست إلاّ مقدّمة بديهيّة لإعلان الانفصال. وهم يرون فيها خيانة لدماء أبنائهم، وخيانة للثوّار الحقيقيّين، وخيانة للثورة ذاتها.. بل إنّ من حقّهم أن يتساءلوا عن مصير الثورة، وأن يعودوا بذاكرتهم أشهرا قليلة إلى الوراء للنظر بموضوعيّة وعقلانيّة في المسار الذي انحرفت إليه الثورة بدءا بعسكرتها وانتهاء بطلب التدخّل العسكريّ الأجنبيّ.


لم يكن المواطنون الليبيّون وحدهم يحتجّون، بل أصدرت جهات سياسيّة وحقوقيّة وأحزاب مختلفة سيلا من بيانات التنديد بالفيدراليّة، وخرج رئيس المجلس الانتقاليّ مصطفى عبد الجليل ناقدا ومحذّرا.. ومهدّدا، واعتبر إعلان منطقة برقة إقليما فدراليا بداية لمؤامرة علي ليبيا والليبيّين، وقال إنّ ما حدث في مدينة بنغازي "سيعرّض البلاد للخطر إذا لم يقابل بوعي جماهير ناضج". ثمّ مضى إلى ما هو أبعد عندما هدّد باستخدام القوّة لمنع تقسيم ليبيا...


لم يكن عبد الجليل يرجم بالغيب، وما كان له أن يتوقّع القادم دون الاستناد إلى جملة معطيات لا تقود إلاّ إلى تقسيم ليبيا..
جاء في الإعلان المكوّن من ثماني نقاط أن مجلس محافظة برقة أنشئ ليدير شؤون المحافظة وحماية حقوق شعبها.. وهذا إقرار صريح بأنّ المواطنين في هذا الإقليم يشكّلون شعبا، وبالتالي يجوز له الانفصال والعودة إلى "الوضع الطبيعيّ" الذي كان عليه.


وأضاف الإعلان أن المحافظة تريد نظاما فيدراليّا تتمتّع فيه الأقاليم التاريخيّة، وهي برقة وفزّان في الجنوب وطرابلس في الغرب، بقدر كبير من الاستقلال عن الحكومة في طرابلس. وهذا يعني أنّه يشجّع بقيّة المناطق والقبائل على الانفصال تحت دعاوي متنوّعة.. لكنّها جميعها غير مقنعة.


يرفض الإعلان آليّة انتخاب الجمعيّة الوطنيّة في جوان المقبل في تحدّ صريح للسلطة المركزيّة، وهي خطوة تذكّرنا بالانتخابات التي نظّمتها مصراتة قبل أسابيع قليلة دون أن تقيم وزنا للتوسّلات التي أطلقها المجلس الانتقاليّ بالامتناع عن إجراء انتخابات بشكل منفرد عن بقية المدن الليبيّة.
ليس هذا فقط...


ينصّ الإعلان أيضا على إحداث وزارات وجيش مستقلّ وحتى عَلم خاص !!! ورغم ذلك يقول الانفصاليّون إنّ الخطوة لا تهدف إلى تقسيم ليبيا !!!
من الواضح أنّ عوامل عدّة تتداخل في تقييم عبد الجليل لإعلان "مجلس برقة" لعلّ أهمّها مسألة النفط. فهذا الإقليم يتمتع بأهمّيّة حيويّة لليبيا، إذ يحوي نحو ثمانين بالمائة من احتياطيّات النفط والغاز في البلاد، كما أنّ موقعه استراتيجيّ، فهو يمتدّ على ما يقارب ستّين بالمائة من الساحل الليبيّ. وهو إلى كلّ ذلك يضمّ خمسة موانئ لتصدير النفط، ويحتوي على ثلاث مصافٍ للنفط من أصل خمس في ليبيا.
الأخطر من كلّ هذا أنّ تقارير إعلاميّة تشير إلى أنّ إعلان برقة يندرج ضمن خطّة استعماريّة قديمة تسعى إلى تقسيم البلاد إلى خمسة أقاليم إداريّة هي برقة وطرابلس ومصراتة وجبل نفوسة وفزّان حيث يضمّ إقليم برقة المنطقة الشرقيّة وجميع الحقول النفطيّة بينما يضمّ إقليم مصراتة محافظات سرت وبني وليد وترهونة وزليتن والجفرة.


ولا شكّ أنّ هذه التقارير تجد صدى كبيرا وتثير توجّسا أكبر بسبب المخاوف من نشوب حرب أهليّة طاحنة بين غرب ليبيا وشرقها للسيطرة على الثروة النفطيّة الليبيّة..
اليوم تبدو ليبيا وكأنّها تسير على خطى السودان والعراق والصومال.. والتقسيم يجد دائما مبرّراته ومسوّغاته التي لا تقنع أحدا.


قبل أكثر من عقدين.. ولدت دولة كردستان.. ثم جمهورّية أرض الصومال.. ثم دولة جنوب السودان.. واليوم تولد دولة برقة.. مبروك عليكم يا عرب الغفلة والهزيمة هذه الدولة الجديدة.. في انتظار ميلاد علم جديد ومقعد جديد في جامعة الدول العربيّة.. قد يكون عنوانه اليمن أو السودان مرّة أخرى أو السعوديّة أو الجزائر... أو.. أو...
مبروك عليكم يا عرب..

 

 





السبت١٦ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٠ / أذار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الكريم بن حميدة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة