شبكة ذي قار
عـاجـل










يصيبك الغثيان حقيقة لا مجازا، مع مزيج من القهر، وربما استنفرت فيك مشاعر الحقد أيضا وأنت تقرأ تحقيق صحيفة «الغارديان» البريطانية الذي نشرته بتاريخ 7/1/2012 بعنوان «ابنك يتعرض للتعذيب، سيموت إذا لم تدفعي»، والذي يتابع بعضا من فصول الموت والفساد والتعذيب في بعض السجون العراقية، ومعها شبكة الفساد التي تحيط بتلك المنظومة الشيطانية.


مثل هذه الأجواء التي ينقلها التحقيق عشناها في رواية «شرق المتوسط» لعبدالرحمن منيف، والتي لم يتمكن الكاتب من إخفاء نكهتها العراقية رغم أنها تتحدث عن بلد غير محدد يقع شرق المتوسط، كما عشناها في روايات أخرى تحكي جانبا من فصول الموت والتعذيب في سجون النظام السوري أيام الأسد الأب، وبالضرورة أيام الأسد الابن، لاسيَّما هذه الأيام التي تزدحم بها السجون بالمعتقلين من رجال الثورة (لا يعني ذلك عدم توفرها في بلدان عربية أخرى).


يبدأ التحقيق بحكاية تلك المرأة العراقية التي يطلق عليها مجازا اسم أم حسين، إذ لا ينبغي كشف الأسماء، لا أسماء الضباط ولا أسماء المعتقلين والمعذبين، وهي حكاية بالغة المرارة عن أم لها خمسة أبناء وبنت، يُقتل ابنها الأول ثم يخطف الثلاثة الآخرون ويقتلون من دون الوصول إلى جثثهم ( تعلق صورهم الأربعة على الحائط تجسيدا لبؤسها )، ويبقى الخامس الذي يختفي لتكتشف من خلال أحد ضباط السجون أنه معتقل ولا يزال على قيد الحياة، وأن بوسعها زيارته مقابل رشوة، الأمر الذي تم في مشهد أصاب الأم بالذهول لحظة المواجهة مع «أطلال» ولدها بعد مسلسل التعذيب الذي تعرض له، قبل أن يقولوا لها إن بوسعها الإفراج عنه مقابل ستة آلاف دولار، نزلت بعد مفاوضات مضنية إلى ألفين جمعتها من أيدي الناس.


بين سطور التحقيق ثمة معلومات مذهلة جاءت حسبما قالت الصحيفة حصيلة لقاءات مع 14 معتقلا وخمسة ضباط في أقسام مختلفة من الدوائر الأمنية في بغداد. جميع المعتقلين قالوا إن عليهم دفع المال من أجل إطلاق سراحهم رغم قرارات المحاكم بإخلاء سبيلهم. يقوم الضباط بتغيير اعترافات المعتقلين –التي تؤخذ تحت التعذيب- مقابل المال. في إحدى الحالات أتلف الضابط وثائق المعتقل مقابل رشوة مالية فأطلق سراحه لعدم توفر الأدلة. إطلاق السراح ليس معناه النجاة، فمن يطلق سراحهم، بحسب أحد الضباط، غالبا ما يعاد اعتقالهم، لأن العائلة التي تدفع مرة من أجل إطلاق سراح ابنها تصبح هدفا للمزيد من الابتزاز.
لا حاجة هنا لاستعادة فصول التعذيب المرير، وأشهرها تعليق المعتقل من يديه المكبلتين إلى ظهره في السقف أو في حديد النافذة لساعات، وأحيانا لأيام، يتخللها الجلد بالعصي و «الكيبلات»، الأمر الذي يجعله جاهزا للاعتراف بأي شيء.


تلك هي الحكاية التي تفسر اعترافات مجموعة الحماية التابعة لنائب الرئيس طارق الهاشمي، فلو طلبوا منهم الاعتراف على آبائهم وأمهاتهم لاعترفوا، فكيف على مسؤولهم الذي يصعب الجزم بطبيعة علاقتهم به.


من يخضع لمثل هذا اللون من التعذيب لا بد أن يعترف، باستثناء حالات محدودة يواصل «البطل» فيها صموده وصولا إلى الموت في كثير من الأحيان، أو الإفراج بسبب عدم توفر الأدلة فيما ندر من الحالات.
يتحدث التحقيق عن شراء المناصب في مؤسسة الأمن «المالكية»، ما يذكرنا بسياق مشابه عن شراء المواقع في المؤسسات المدنية، وحيث زور آلاف من أزلام ...... شهادات عليا من أجل الحصول على مناصب في مؤسسات الدولة.


ولا تسأل عن أكبر عملية نهب في التاريخ البشري تمت في عراق ما بعد الاحتلال، بعضها تم بالتواطؤ مع الأميركان، وبعضها تم من خلال المؤسسة الطائفية التي تسلمت السلطات أثناء وجود المحتل، وبعد رحيل معظم قواته، ومن يتابع أخبار من كانوا يعيشون على المعونة الحكومية في بريطانيا، ثم أصبحوا يملكون عشرات الملايين، وربما أكثر بالنسبة لبعضهم، سيدرك ذلك من دون شك.


بعد ذلك يأتي نوري المالكي ليحدثك عن القضاء المستقل، ويستهدف نائب الرئيس لأنه رفض ابتزازا من لون ما، مع أن سيرة الأخير معهم لا تدعو إلى الفخر، فهو الذي كان يساهم في التضحية بورقة العرب السنة مقابل فتات لا يسمن ولا يغني من جوع ولا تهميش.


مثل هذا النظام الفاسد، من الطبيعي أن يصطف إلى جانب بشار الأسد في حربه ضد شعبه، لأن الروح الطائفية هي التي تتحكم باللعبة، إذ يدرك أن سقوط النظام في سوريا سيخلق أجواءً جديدة في المنطقة لن تمنحه فرصة المضي في برنامجه الطائفي القائم.


خلاصة القول هي أن ربيع العرب لن يكون ربيعا إذا لم يأت على هذا النظام الطائفي البشع في العراق، ويعيد التوازن بين مكونات هذا البلد الحيوي، الأمر الذي سيحدث من دون شك بعد التخلص من النظام المشابه في دمشق. إنه ربيع يعيد الاعتبار للإنسان بصرف النظر عن أصله ومذهبه.

 

 





الجمعه١٤ جمادي الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٦ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ياسر الزعاترة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة