شبكة ذي قار
عـاجـل










 

بسم الله الرحمن الرحيم

( أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله وإتبعوا أهوائهم )

سورة محمد الآية 14

 

المقدمة :

عندما يريد باحث سياسي أو أي مثقف أن يبحث في أسباب العداء الإمبريالي الصهيوني العميق للعرب بشكل خاص، والمؤمنين بشكل عام، عليه أن يتحرى بدقة وصبر في منهج العرب الإيماني ومنهج الغرب الإمبريالي، وبعلمية تامة ومن دون إنفعال، ليجد الأسباب الحقيقية، ويدقق بوعي فكري وسياسي، مبني على وقائع مادية سياسية وإقتصادية وإجتماعية، ليصل الى أدلة موضوعية دامغة وكاشفة لأسباب ذلك العداء، ولكي ننهج هذا المنهج ككتاب لابد من الغور في الأعماق التاريخية، التي تؤرخ لظهور ونمو هذه العدوانية من الغرب ضدنا، أقول العدوانية الغربية ضدنا، لأننا مؤمنون، والمؤمن لا يبغي ولا يحقد، بل يُصلح ويدعو للخير والسلام، ولابد أن يفهم العالم كله إننا لا نعادي شعوب الغرب، ولا حتى تلك التي كانت إداراتها السبب فيما نعاني منه، لأننا نعلم وبشكل أكيد أن النخب السياسية المتنفذة والفاعلة في إتخاذ القرار، والمهيمنة على الفكر السياسي العدواني هي التي تعادينا، خاصة اللوبيات الصهيونية في تلك البلدان، فهي من يعادي الأمم والشعوب في العالم أجمع، ومن ضمنها أمتنا، تعادينا كشعوب وكحضارة وقيم، لذلك فهي تعادي الإسلام والمسيحية معا، وحتى اليهودية الحقة رسالة نبي الله موسى عليه السلام، بل كل رسالة تدعو للخير سماوية كانت أم وضعية، لأن تلك الرسالات تدعو للفضيلة والعدل والخير، فرسالات السماء تدعو للسلام والعيش الكريم لكل الناس، والتعاون بين الأمم والشعوب، والمساواة بين كل الناس، دون تمييز بينهم بسبب الدين والعرق واللون والجنس، وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي والعدوان، وهذا يتعارض مع المنهج الإمبريالي، فالإمبريالية تعادينا لأننا متمسكون بالإيمان والفضيلة، لأن منهج الإمبريالية وأساليبها مبنيا على البغي والفحشاء والمنكر، وقوى الإستعمار تعادينا كعرب، لأن الأمة العربية هي حاضنة تلك الرسالات وحاملتها للبشرية، والعرب جندها ودعاتها، فالأمة العربية ومنهجها وإنسانها جُبل على التمسك بتلك القيم العظيمة، وترسخت في أعماقه، فباتت صفته وجوهره، لا يتخطاها في كل جوانب حياته، والإمبريالية تعادي البعث والبعثيين لأنها تعلم أنهم طليعة هذه الأمة، وضميرها وذراعها في مواجهة أعدائها، وحملة لوائها للتحرير والخلاص، وارى كأحد الكتاب العرب المناهضين للعدوان والإرهاب والبغي، من أي طرف من طرفي المواجهة، أن أكتب عن منهج الطرفين العرب المؤمنين ومن يؤاخيهم بالأيمان أو الدعوة للخير والسلام كطرف، والغرب الإمبريالي بزعامة أمريكا كطرف آخر، آملا من كل الكتاب المؤيدين لما أراه، والمناهضين بالإطلاع على ما كتبت والرد أو الإضافة، لأن ردودهم وإضافاتهم ستغني الموضوع وتزيده وتقومه، وهذا يخدم البشرية ويزيد وعي الناس ويخدم قضية البشر عموما، وشعوب العالم المضطهد المشابهة لقضية العرب.

 

المحاور تتلخص بـ :

1.     المشروع القومي الإيماني الإنساني للعرب.

2.     المشروع الإمبريالي الإستعماري لدول الغرب.

 

المشروع القومي العربي

 

في بداية إنتقال الإنسان من مرحلة الحياة الفردية والعصبية الاسرية والعمل الفردي، أي مرحلة إنتقال الإنسان من عصر جمع القوت الى عصر إنتاجه، وما نتج عنه ورافقه من تحول إجتماعي، بإنتقال التجمع البشري من مرحلة الأسرة الى بدايات تكوين المجتمعات الأوسع، وظهور المدن والدويلات بدأت الحاجة لتكوين صيغ الحكم الأولى، وبروز الحاجة لتكون نظام حكم أكثر تطورا وأوسع رؤية (الحكومات)، بأي صيغة مجلس المدينة أو القبيلة(الملك أو رئيس القوم)، سواءا كان التكوين الإجتماعي يعتمد على روابط القبيلة أو المجتمع البدائي، وحتى بدايات تكون المجتمعات المدنية الحضارية المتطورة نسبة لأزمنتها، كان لدور الهدي الديني والإيمان بوجود قوة خفية عظيمة مقدسة ذات قدرة كبيرة تدير الكون، هذا الشعور موجود في عقل وتفكير الإنسان وبالذات العربي، فكان للأسس والشرائع الدينية أثرا واضحا في ذلك التكوين والتطور، وكان للإيمان بالله تعالى بأشكاله الصحيحة من خلال مجتمعات الأنبياء والرسل، حيث إن التعاليم التي جاءوا بها (بعثوا بها)، المنزلة عليهم عبر الوحي أساس الإصلاح لأوضاع البشرية، وحتى دعوات الزعماء المصلحين والملوك الذين تركوا آثارا واضحة في تطور الفكر البشري، وتطوير الجانب الحضاري والإنساني، كانت متأثرة بقيم السماء، فقد كان الجميع يرجع في سلطة التغيير الذي يدعون له الى الله سبحانه وتعالى، أو الى من أعتبروهم آلهة لهم، بأشكال صحيحة جدا كما هي للأنبياء عليهم السلام حاملي رسالات السماء، أو أولئك الزعماء والقادة الذين دعو لإصلاح الوضع من خلال إدعائهم أنهم ممثلي إرادة السماء أو ممثلي الآلهة في الأرض، كما تبين في كثير من ملوك أكد وأور ونينوى ومصر وسبأ، فتلك مسلة حمورابي وموادها، تدل دلالة أكيدة أنها تنطلق من تأثر كبير وعميق بالقيم السماوية، الداعية للخير والسلام والعدل حتى بالقصاص، وكذلك كان فرعون مصر وعزيزها الذي بعث في عصرهم نبي الله يوسف الصديق عليه السلام، حتى من طغى وتجبر وارتد وكفر، لم يخرج عن هذه القاعدة، فذاك النمرود ملك أور الذي بُعث إبونا إبراهيم صلى الله عليه وسلم في زمانه، عندما رأى مانتج عند دعوته لتحريق أبونا إبراهيم عليه السلام، أذعن وترك إبراهيم وشأنه، فهاجر من أور وتوجه غربا الى الشام ثم مصر .. ، وفرعون مصر الذي بعث نبي الله موسى عليه السلام في عصره، لم يقول أنه رب الناس بقناعة مطلقة، بل إنه يعلم أنه محدود القدرات، وإن هناك من هو أكثر قوة وقدرة منه، ولذلك كان يستعين بالسحرة والغيب بمواجهة معضلات الحكم والكون، وعندما أنتقم الله منه بإغراقه وجنده باليم، عاد ليقول الآن آمنت برب موسى وهرون، أي إنه كان في داخله يعرف أنه مدع للربوبية، وليس مقتنعا بما كان يقوله للناس، ويدعيه بهتانا بأنه ربهم الأعلى، ولكنه تبع الشيطان فاغواه وأضله، وشغف بحب الدنيا وتيسرت له إمكانات البغي كالقوة وكثرة النفير فطغى وتجبر وإدعى الربوبية، وكذلك قوم بلقيس التي جاء الهدهد لنبي الله سليمان عليه السلام بخبرهم، أي أن التكون الإجتماعي العربي بكل عصوره لم يخرج عن منظومة تشريعات السماء كليا، وإنما إنحرف عنه في بعض العصور والأزمان، فإتخذ أشكالا دينية منحرفة، منها الشرك بالله تعالى، والتوسل بالأصنام للتقرب لله سبحانه بها زلفا، أو عبادة الشمس والقمر والأجرام السماوية، أو الظواهر الطبيعية كالغيم والمطر والماء، ولم يرد في ما سجله التاريخ البشري أن العرب إتخذوا المال والمعادن الثمينة كالذهب والفضة آلهةَ ٌ وأرباباٌ.هذا يقودنا الى إستنتاج أن التكوين النفسي والطبيعة البشرية خلقت ومعها نزعة الإيمان.

 

ومن خلال هذا التراكم القيمي، ودور الأمة العربية التي إحتضنت وحملت كل رسالات السماء، وبعث منها وفيها أنبياء الله عليهم السلام، وهذا تكليف رباني وليس إمتياز أوأدعاء، فالأنبياء منذ أبونا إبراهيم حتى خاتم النبين محمد صلى الله عليهم وعلى آلهم وسلم، بعثوا من أمة العرب وفيها، تأثر التكوين الإجتماعي والفكري والتشريعي للأمة وأبنائها بالقيم السامية ومكارم الأخلاق، التي دعت لها تلك الرسالات الربانية المقدسة، التي بُعث بها أنبياء الله جميعا، تلك الرسالات المتتابعة المصدقة لبعضها، الموحدة في أسسها بالدعوة لعبادة الله وعدم الشرك به، والداعية لمكارم الأخلاق والعمل الصالح، والإيمان بيوم الحساب، والمتكاملة في تشريعها ودعوتها للهدى والرحمة والخير، الذي أنعم الله به على بني آدم، ولا إختلاف في رسالات السماء، لأنها جميعا من رب العالمين سبحانه، وما يراه الناس من تباين في فروضها وأحكامها ماهو إلا تخفيفا للفروض وتسهيلا للأحكام في الرسالات اللاحقة عن سابقاتها، رحمة من عند الله تعالى بالعباد، لذا فإن  المشروع القومي العربي الذي هو نتاج فكري وإستخلاص واع ٍ لتجارب الأمة وخلاصة تراثها وقيمها جاء متأثرا ومستلهما لتلك القيم الراسخة العظيمة، قيم الخير والمحبة والسلام والتسامح والتعاون، كما جاء المشروع القومي نابذا للفواحش كلها والفتن والصراعات، فنظرة موضوعية للحياة الإجتماعية العربية في كل جوانبها يوضح ذلك، فقد قامت وتبلورت في هدي ثوابت قيمية عظيمة، كان لدور التشريع الرباني ورسالات الـسماء أثرا كبيرا وبارزا في الحياة العامة والخاصة للمجتمع والأفراد العرب، ومنارا ومنهلا ومعينا لقوانينهم وسننهم، حتى في القرون الأولى  للحياة البشرية.

 

وكون الأمة العربية تلقت الرسالات السماوية جميعا وبلغتها السامية، وحملتها للبشرية، فقد كانت أكثر الأمم تأثرا بالتشريع الرباني، وما التراكم القيمي في المجتمع العربي إلا وليد ذلك الأثر، وإمتدادا للشعور العميق بوجود الخالق والمتحكم بالكون والقناعة المطلقة بقدرته، وهذا هو ما ذكره كثير من المؤرخين والباحثين بعلم الإجتماع البشري، فقد أشارت كتاباتهم لوجود أناس كثر في المجتمع العربي، وأقصد في عصر الجاهلية، كانوا غير مقتنعين بعبادة الأصنام والأجرام السماوية وتأليه الأشخاص، رغم إنهم وجدوها مترسخة، وشبه بديهية في مجتمعاتهم، وتوارثوها عن آبائهم الأولين، بل كان هؤلاء كثيروا التأمل والإنفراد للتفكير بحقيقة الخلق وماهيته، ومنهم أشخاص ذكروا بالأسماء، سبقوا بعثة الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، رغم أنهم لم يـُنذروا ولا آبائهم الأولون، بل إنهم إنقطعوا عن أخبار الوحي منذ عهد النبي إسماعيل بن النبي إبراهيم صلى الله عليهما وسلم، حيث أن كل الرسالات والأنبياء بعد إسماعيل عليه السلام تركز نزولها وبعثوا في الشام والعراق ومصر، حتى جاء مبعث نبي الله وحبيبه وخاتم رسله للبشرية جمعاء في القرن السابع الميلادي في جزيرة العرب، والذي كان له ولكتاب الله الكريم الكريم (القرآن) الدور الكبير والجوهري في تأصيل وزيادة ترسيخ قيم الخير والمحبة والسلام والتسامح والإبداع في النفس العربية، ثم صارت تلك القيم صفات لعموم المسلمين والمؤمنين، فقد نقى الإسلام من خلال النبي العربي والقرآن الكريم الإنسان العربي من الأدران والعادات الجاهلية والإنحرافات الأخلاقية التي ظهرت نتيجة لطبيعة النفس البشرية المزدوجة التكوين، فالنص الرباني يوضح طبيعة التكوين المزدوج للنفس البشرية بقول الله تعالى: (ونفس وما سواها* فالهمها فجورها وتقواها* قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دساها*)، تلك الإنحرافات جاءت نتيجة إغواء الشيطان للإنسان ومن نفسه الأمارة بالسوء، إذن مع وجود الإنحراف والتحريف والطغيان والبغي في المجتمع، لم يستطع كل ذلك من إلغاء الفطرة الإيمانية للإنسان، لذلك نجد العربي مسامحا عندما يتقدم منه خصمه بالمعذرة، ويقبل بشيء بسيط من التعويض للضرر الذي أصابه، بل قد يعفو ولا يقبل دية وتعويضا، ونراه كريما لأن الكرم ومساعدة السائل والمسكين وإبن السبيل، وإقراء الضيف والترحيب به وتكريمه من مكارم الأخلاق، إضافة لكونها واجبا شرعيا، وتجده شجاعا لأن الجهاد والدفاع عن الخمسة التي فرض الله على البشر القتال دونها (المقدسات الدينية والوطن والعرض والمال والنفس)، حقا وواجبا شرعيا للإنسان، فصارت الشجاعة جزءا من تكوينه الشخصى والنفسي، وتأصلت في تكوينه وأعماقه، حتى عندما يكون منحرف الإيمان ومشركا بربه، فإن تلك القيم صارت جزءا من طباعه وصفاته، فعندما بعث رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله في جزيرة العرب، وتلا عليهم آيات القرآن الكريم، وجد العرب توافقا كبيرا بين ما يدعوا له هذا القرآن وبين ما في نفوسهم، ولكن رفضهم لدعوة النبي الذي يعرفوه، بل سموه هم بالصادق الأمين، كان لأسباب عديدة لا تمت لحقيقتهم الفطرية وتكوينهم النفسي، ولا تتعارض مع جوهر الدين، بل هي أسباب جاهلية كما سماها الرسول والقرآن، فهم يعرفون أن كل شيء في الكون هو من رب قدير عظيم خبير، وأن الأصنام التي يقيموها ويتعبدون عندها هي مجرد جمادا لا ينفع ولا ينطق، ولكنهم إتخذوها مجرد وسائلا يتوسلون بها لله زلفى، لتقربهم من الله كما يتصورون خطئا وإنحرافا عن المنهج الحق، ورفضوا الدعوة الجديدة لأنهم لا يستوعبوا أن يكون سادة القوم وذو المال والنفوذ والقوة والبأس منهم من الطبقة العليا متساوون مع باقي الناس، ومشتركون معهم في أنهم جميعا عبيدا لله الواحد الأحد، الذي لا يملكونه وهو يملكهم، وبعضهم رفض الإسلام وقاومه لأسباب إقتصادية وإجتماعية، كسيطرتهم على التجارة والثروة وتحكمهم بتجارة العالم انذاك، فضنوا أن الإسلام ومحمد العظيم يريد أن يسلبهم هذه المزيّة، وآخرين رفضوا الدين لأنه يساوي بين الناس جميعا، بل يساوي بينهم وبين عبيدهم الذين يملكون، ويعتبروهم من أملاكهم وشيئا دونهم تكوينا وخلقا، وإن هذا الدين يسلبهم السطوة والجاه، ويجردهم من ميزة تجعلهم فوق الباقين وهي أصالة النسب والفخر به، فالقرآن ينص على أن لا فرق بين إنسان وإنسان غير التقوى والعمل الصالح، ويشركهم مع الجميع حتى في ما يملكون، حيث ينص القرآن إن للسائل والمحروم حق في أموالهم، وإن مساعدة المحتاج والفقير والمسكين ليس تفضلا منهم، بل هو واجب فرض عليهم، ولا يكتمل إيمان المرء ولا يتطهر ويتزكى إلا بدفعه.

 

 





الاثنين١٧ جمادي الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٩ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سعد أبو رغيف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة