شبكة ذي قار
عـاجـل










"السلطة الفلسطينيّة فقدت مبرّر وجودها" .. كانت هذه هي الحقيقة الوحيدة التي تضمّنتها رسالة الرئيس الفلسطينىّ محمود عبّاس إلى رئيس الوزراء "الإسرائيليّ" بنيامين نتانياهو .. فالسلطة الفلسطينيّة فشلت في كلّ شيء تقريبا .. لم توقف الاعتقالات، ولم تضع حدّا للاغتيالات، ولم تحرّر آلاف الأسرى، ولم تنجح في وقف الاستيطان، ولم توسّع قاعدة الاعتراف بها .. وبديهيّ أنّها لم تنجح في اقتسام السيطرة على القدس أو عودة اللاجئين، مثلما أنّها لم تنجح في إجبار الصهاينة على العودة إلى حدود 1967 أو غيرها من الحدود التي يؤكّد بقاؤها عجز السلطة وفشلها وخيبتها ..
 تلك إذن هي الحقيقة الوحيدة التي تضمّنتها رسالة عبّاس إلى نتنياهو ..
 
 لكنّها حقيقة منقوصة ..
 نعم .. هي كذلك لأنّه كان أحرى بعبّاس أن يبعث رسالة إلى شعبه يعترف فيها ويعتذر ..
 يعترف بأنّ خيار التسوية كان الخيار الخاطئ بكلّ المقاييس .. وأنّه وصل إلى نهايته ..
 ويعتذر عمّا لحق بالفلسطينيّين من مصائب وما خسروه من مكاسب جرّاء هذا الخيار .. يعتذر على الأقلّ عمّا أصاب عقيدة المقاومة من إساءة وعمّا اقتطعه الأشاوس من أبناء فلسطين من كرامتهم وكبريائهم ثمنا لوهم السلام وسراب التسوية ..
 
 لكنّ عبّاس لم يعترف .. ولم يعتذر .. ولا أظنّه سيفعل .. لا اليوم ولا غدا ..
 هو يدرك يقينا أنّ السلطة بلا سلطة .. وأنّه لا يملك من السلطة سوى منع المقاومة من ممارسة حقّها في المقاومة، وتنفيذ حملات الاعتقال بحقّ النشطاء أيّا كانت انتماءاتهم السياسيّة .. والحرص على تنفيذ بنود الاتفاقات الأمنيّة بحذافيرها .. فهي وحدها التي ترفع اسهمه في بورصة الصهاينة ..
 
 "سنستمرّ في تنفيذ ما علينا من التزامات" .. هذا ما قاله عبّاس حرفيّا في رسالته إلى نتنياهو .. وهذا يعني أنّ السيّد محمود عبّاس لن يتورّع عن ملاحقة المقاومين والمطلوبين لـ"إسرائيل" .. وكذلك مواصلة التعاون الاستخباريّ، ووقف التحريض على "العنف والكراهية" بكلّ أشكاله، واستكمال تغيير المناهج التعليميّة بما يرضي الصهاينة ..
 
 لم نكن ننتظر من عبّاس موقفا مختلفا من حيث المبدأ .. لكنّنا كنّا نتوقّع أنّ السيّد رئيس "السلطة التي ليست لها سلطة" يمكن أن يستثمر السعار الصهيونيّ بشكل أفضل .. ويترك نتنياهو دون نصير فلسطينيّ .. نتنياهو الذي أربكه عشرات المتضامنين الأجانب الذين لا يحملون سوى سلاح واحد .. هو شعار بسيط في لغته، عميق في دلالاته:
 
 "مرحبا بكم في فلسطين"
 رسالة عبّاس تزامنت مع وصول أولئك المتضامنين إلى مطار بن غوريون في فلسطين المحتلّة. وكان بالإمكان أن يؤجّل أبو مازن رسالته لأيّام، فهؤلاء الذين تحمّلوا مخاطر السفر والإبعاد والاعتقال والإهانة إنّما جاؤوا دفاعا عن فلسطين .. وأهلها .. وحقّهم في الحرّيّة .. وجاؤوا رفضا لإرهاب الصهاينة وتشويههم لحقائق الجغرافيا والتاريخ ..
 
 كان ممكنا إذن أن يقف عبّاس إلى جانب المتضامنين وهم الذين جاؤوا ليقفوا إلى جانب شعبه .. وكان ممكنا أن يعبّر عن تقدير الفلسطينيّين لمثل هذه الحركة، ومن ثمّ دعمها عبر مزيد فضح الممارسات "الإسرائيليّة" وتعرية وجه الصهيونيّة القبيح وبيان ما يلحق الشعب الفلسطينيّ من أذى وإذلال .. في أراضي الضفّة الغربيّة .. وقطاع غزّة .. وكذلك في أراضي 1948.
 لكنّ عبّاس مرّة أخرى .. لم يفعل .. ولن يفعل ..
 
 تُرك المتضامنون الشجعان عرضة لصنوف من الانتهاك والتعدّي حتّى قبل أن تطأ اقدامهم أرض فلسطين .. فقد وزّعت سلطات الهجرة في وزارة الداخليّة "الإسرائيليّة" على شركات الطيران الأوربيّة قائمة تضم أسماء 1200 ناشطا جرى حظر دخولهم إلى فلسطين المحتلّة.
 
 ومن ضمن حوالي 1500 متضامن كان يُفترض حلولهم بأرض فلسطين للتنديد بسياسة الاحتلال الصهيونيّ ضدّ الشعب الفلسطينيّ لم ينجح في الوصول إلى هناك سوى بضع عشرات .. وما إن وطئت أقدامهم تراب فلسطين حتّى احتجزتهم الشرطة الصهيونيّة وحقّقت معهم وأعادت ترحيلهم.
 
 لا نشكّ لحظة أنّ السلطات الصهيونيّة تعيش حالة رهاب حقيقيّة، وتنظر إلى أيّة محاولة فلسطينيّة أو عربيّة أو دوليّة للدفاع عن الفلسطينيّين والتذكير بحقوقهم على أنّها تهديد مباشر لوجود دولة "إسرائيل"، وتستوجب التعامل معها بأقصى قدر من القوّة بقطع النظر عن التبعات الناشئة عن الإجراءات الصهيونيّة الظالمة أو مواقف الرأي العامّ الدوليّ إزاء هذه الممارسات الصهيونيّة.
 
 ولا شكّ أنّ ذاكرتنا تحتفظ بالسلوك الصهيونيّ الوحشيّ الذي رافق المتضامنين سابقا ورافق حملات كسر الحصار البحريّ عن قطاع غزّة .. بل إنّنا على يقين أنّ مثل هذا الخوف من كلّ ما هو فلسطينيّ والخوف من كلّ حركة تعاطف مع الفلسطينيّين إنّما هو المؤشّر الأبرز على هشاشة هذا الكيان وفزعه ممّا تخبّئه له الأيّام ..
 
 المتضامنون نظّموا حملتهم تحت شعار: "مرحبا بكم في فلسطين" .. أمّا أبو مازن فإنّه ما زال مصرّا على تنفيذ التزامات السلطة الفلسطينيّة تجاه الاحتلال .. وهو بذلك يقيم الدليل من جديد على أنّه بارع في خذلان شعبه .. وخذلان المتضامنين معه ..
 
 
 akarimbenhmida@yahoo.com

 

 





الجمعة٢٨ جمادي الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٠ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الكريم بن حميدة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة