شبكة ذي قار
عـاجـل










 مقدمة

ـــــــــــــــ

كانت ولم تزل منطقة الشرق الاوسط التي تضم الى جانب العالم العربي ، تركيا وايران .. ساحة تنافس وصراع بين اكثر من طرف اقليمي لبسط النفوذ والسيطرة على هذه المنطقة ذات الموقع الاستراتيجي الهام والارث الحضاري المتميز ، والتاريخ القريب شاهد على هذا الصراع في الحروب التي نشبت بين العثمانيين الاتراك والصفويين الفرس ابرز لاعبين اقليميين الى جانب العرب في اكثر من مرحلة تأريخية وحتى العقد الثالث من القرن العشرين ،بعد ان حلت الجمهورية التركية محل الامبراطورية العثمانية ، وأزاح رضا بهلوي الاسرة القاجارية ليتربع على عرش ايران، فيما مزقت اتفاقية سايس ـ بيكو العالم العربي الى عدة دول بعد قضم اجزاء منه، حيث اخذ التنافس بعداً اخر بعد اكتشاف النفط بهذه الكميات الغزيرة لتصبح المنطقة اقتصادياً من ابرز الاسواق الاستهلاكية .

 

ففي ايام المجد العربي كان العثمانيون الاتراك والفرس الايرانيون تحت عباءة الدولة العربية الاسلامية والتي استمرت حتى سقوط الدولة العباسية عام 656 م اي اوائل القرن السادس عشر ، ومنذ تلك الفترة كانت المنطقة العربية ساحة صراع وتناحر بين الاتراك والايرانيين لبسط نفوذهما في هذه المنطقة والتمدد اقليمياً رغم بعض فترات التقارب بينهما مطلع القرن 19 والذي شهد توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية بين انقرة وطهران منها معاهدة صداقة عام 1926 ومعاهدة ترسيم الحدود عام 1932، والانضمام الى حلف بغداد بقيادة اميركا عام 1955والذي ضم الى جانب ايران وتركيا .. العراق وباكستان ، وقابل ذلك تحالف ، غير معلن، بقيادة الاتحاد السوفيتي ضم الدول العربية الاخرى ، فصار الشرق الاوسط مركز استقطاب وصراع دولي وليس اقليمياً فقط رغم بروز ثلاثة اطراف اقليمية اساسية هي العرب والاتراك والايرانيون .

 

ومنذ ذلك الوقت كانت سياسة المستعمر الغربي والقوى العظمى وبالذات الولايات المتحدة استبعاد الطرف العربي من دائرة التنافس ولعب اي دور اقليمي قيادي رغم الموقع الاستراتيجي الهام للعالم العربي الذي يطفو على بحيرة من النفط فضلا عن الارث الحضاري العريق، فزرعوا الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي وامدوه بعوامل القوة والتفوق النوعي على باقي دول المنطقة ليكون عامل اضعاف ومصدر قلق دائم للعرب ، والمراهنة عليه لخدمة مصالحها ، ورغم اقرار هذه القوى انذاك .. من ان مصر كونها اكبر الاقطار العربية وما لها من ثقل حضاري وتأريخي هي الطرف العربي المؤهل للعب دور تنافسي في الشرق الاوسط ،لاسيما وا نها تخشى من الاتحاد السوفيتي السا بق من مد خيوطه

 

واحكام شبكة علاقاته مع العالم العربي بما يؤثر على مصالحها وامنها وامن حلفائها في المنطقة ، و هذا الطرف العربي لم يستقر على حال بسبب السياسات الاستعمارية الطامعة في خيراته فكانت الحروب مع اسرائيل التي انتهت بسياسات استسلامية اخرجت مصر بموجب اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 من حلبة الصراع العربي ـ الاسرائيلي ليلحق بها اخرون ا؟ وكذلك خروجها من دائرة التنافس الاقليمي ، كما ان حروب الخليج قد اضعفت الطرف العربي كثيراً باخراج العراق من معادلة توازن القوى في المنطقة بعد العدوان عليه في العام 1991 وتدمير قوته وتطويقه بحصار ظالم انتهى باحتلاله عام 2003 مما زاد من ضعف العرب وتهميش دورهم الاقليمي فتعا ظمت ادوار الاطراف الاخرى " تركيا وايران واسرائيل "، تحت ذريعة ملء الفراغ العربي ، ولم يتوقف التنافس على منطقة الشرق الاوسط بل تعداها الى اسيا الوسطى وبحر قزوين والقوقاز حيث الاحتياطي المستقبلي للنفط والغاز في العالم ؟

 

التنافس التركي ـ الايراني

 

الدور التركي .. كانت تركيا ومنذ نشوء النظام الجمهوري عام 1923 وحتى مطلع القرن الحادي والعشرين ،اي قبل استلام حزب العدالة والتنمية بقيادة "رجب طيب اردوغان"السلطة في تركي في العام 2002 ..بلا هوية سياسية خارجية مستقلة، بل كانت في الظل وتحت خيمة السياسة الاميركية، تعمل على ارضاء اميركا والاوربيين وتحقيق مصالحهما الاستراتيجية والاقتصادية ، املاً في قبول عضويتها في الاتحاد الاوربي ، وقد استخدمت الولايات المتحدة ، في مرحلة الحرب الباردة ،..تركيا و كذلك ايران كـ " مصدّ"يمنع الاتحاد السوفيتي السابق من التمدد في المنطقة بعد ان عمل الاميركان والاوربيون على تحصينها كموقع هام على الحدود الجنوبية لروسيا وعلى مضيق بحر مرمرة قبل ضمها الى حلف السنتو ثم الناتو ، وبعد انتهاء الحرب الباردة وزوال الاتحاد السوفيتي وجدت تركيا نفسها غير ذات اهمية لحلفاء الامس فسعت الى لعب دور اكبر في الشرق الاوسط الذي اهملته لعدة عقود وبما فسر على انه محاولة تركية لاستعادة دورها التاريخي في المنطقة ، وهذ ما اكده " ديد ييه بيلون " الخبيرالفرنسي بالشؤون التركية بقوله"..ان تركيا تسعى لاسترجاع دورها المفقود كدولة اساسية ومحورية في قضايا الشرق الاوسط" فيما وصف احد الخبراء التحرك التركي بأنه.. " موقف سياسي يهدف الى اعادة التموقع في الخارطة السياسية الجديدة " ، اما " د. ناتالي توتشي " فقد اعتبرت، في مقال عن ابعاد الدور التركي في المنطقة بأنه" عودة تركية لاكتشاف الشرق الاوسط بعد ان تجاهلته المؤسسة التركية العلمانية الموالية للغرب لعقود ".

 

وبعد تولي حزب " العدالة والتنمية" برئاسة " رجب طيب اردوغان " السلطة في العام2002 .. مارست تركيا سياسة " تصفير المشاكل" أي حل مشاكل دول المنطقة سلمياً، ومهندس هذه السياسة وزير الخارجية " احمد داود اوغلو " والتي وصفت بسياسة استرجاع " الدور المفقود في الشرق الاوسط " كدولة محورية ذات ارث ودور تأريخي وموقع جغرافي هام وامكانات اقتصادية وقوة عسكرية كبيرة تؤهلها للعب دور اكبر في المنطقة لاسيما وانها لم تعد بذات الاهمية الاستراتيجية للولايات المتحدة كما في السابق، وليأسها من قبول عضويتها في الاتحاد الاوربي للمماطلة الواضحة في ذلك ، ولضعف العرب وهشاشة النظام الرسمي العربي ، ومن خلال هذه السياسة تستطيع التمدد شرقا وجنوباً لحل المشاكل المستعصية مع دول الجواروبما يخدم مصالحها ،وقد قوبل هذا النشاط والتحرك التركي لتطبيق هذه السياسة بالارتياح لدى الولايات ومن معها من عواصم الغرب لانها لاتصطدم بمصالحهم وترى فيها ثقلاً موازياً للدور الايراني ، وهذه السياسة شملت ايضاً الدول المتاخمة لتركيا {الغنية بكميات هائلة من النفط والغاز}التي تشكل الامتداد الجغرافي والثقافي لها ، كدول القوقاز والبلقان واسيا الوسطى الناطقة بالتركية ، فتركيا تنتمي من الناحية الجيو استراتيجية الى اربعة اقاليم هي ( الشرق الاوسط ، القفقاس ، البلقان واوربا )

 

الدوافع التركية .. تعاظم الدور التركي في منطقة الشرق الاوسط.. تقف وراءه الدوافع التالية :ـ

1 ضعف الدور العربي .. شجع تركيا { القوة الاقليمية الاكبر والمتنامية عسكرياً واقتصادياً } للتمدد وبسط النفوذ في هذه المنطقة لما لها من وشائج وروابط الجيرة و التأريخ و الحضارة المشتركة ، فضلاً عن المنفعة الاقتصادية ووجود النفط في المنطقة العربية ذات الموقع الاستراتيجي الهام، لاسيما وان حجم التبادل التجاري قد قفز عام 2000 من( 7 ) مليار الى ( 17) مليار عام 2008 ، وتعتبردولة الامارات العربية المتحدة المستورد الاول من تركيا ،وايران الاولى في التصدير، كذلك هناك تطور في حجم التبادل التجاري مع الكيان الصهيوني .

 

2ـ الخشية من الاطماع الايرانية وسعي طهران الى بسط نفوذها على المنطقة وذلك لميل ميزان القوى لصالح طهران بعد احتلال العراق حيث صارت طهران الاقوى على الساحة العراقية وامساكها بورقة العراق بأكراده الذين يمثلون العازل الجغرافي لتمدد تركيا في الساحة العراقية ، ومما زاد من قلق انقرة النشاط الايراني المحموم لامتلاك التكنلوجبا النووية للاغراض العسكرية؟.

 

3ـ ادراك تركيا بأنها فقدت اهميتها الاستراتيجية لدى الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة و بعد مما طلة اوربا في قبول عضويتها في الاتحاد الاوربي ،الامر الذي دفعها للنشاط اقليمياً لتأكيد قدرتها على لعب دور سياسي واقتصادي قوي في هذه المنطقة الهامة بموقعا وثرواتها النفطية الهائلة والتي تشكل هاجساً دائماً للغرب الصناعي ، وبما يمكن تركيا من عرقلة اية ترتيبات غربية تتم بمعزل عنه ( انها رسالة تركية الى الولايات المتحدة والغرب الاوربي ).

 

4ـ ادراك تركيا من انها اكثر قبولاً لدى دول المنطقة في لعب هذا الدور مقا رنة بالمنافسين الاساسيين ايران الطامعة والحالمة باحياء" امبراطورية فارس" وذات السياسة الطائفية الاستفزازية حيث التمدد في العراق بعد المشا ركة في تدميره ، واستمرار احتلالها الجزرالاماراتية الثلاثة والادعاء بمملكة البحرين، والتهديد باستخدام الاقليات التابعة لها في دول الخليج العربي بالتمرد وإثارة القلاقل لزعزعة الاستقرار ، وكذلك اسرائيل التي تغتصب الارض العربية ؟[ فنموذج تركيا الاسلامي المعتد ل هو المفضل الذي يمكن ان يكون مضاداً للتطرف الاسلامي، وقوة في مواجهة اطماع ايران في المنطقة ] ـ

 

5ـ القبول الاميركي من النشاط الاقليمي لتركيا ..والذي يشكل رادعاً لسياسة طهران التوسعية ومخاطرها المحتملة على الوجود والمصالح الاميركية والحلفاء في هذه المناطق الحيوية . فتركيا مهمة للاستراتيجية ليس فقط انها شرق ـ اوسطية واوربية وان هناك لغة مشتركة بين تركيا ودول المنطقة ، وانما بحكم اهميتها الجيو بوليتيكية فهي محاطة بثلاثة بحار وهي الجسر الذي يربط قارتي اسيا باوربا ، كما انها تقع على تقاطع بين اورب ومصادر الطاقة في المنطقة العربية وبحر قزوين ،كما انها مهمة للاميركان لاحكام سيطرتهم على" قوس النفط الكبير" الممتد من اسيا الوسطى وحتى الخليج العربي وبما يضعف من دورايران التي تشرف على المنطقة النفطية في اسيا الوسطى وقزوين من ناحية الشرق فقط ،فيما تركيامن الشمال، ومن الجنوب حيث التواجد الاميركي في المحيط الهندي وبحر العرب ، ومن الغرب البحرا لمتوسط حيث الاساطيل والقواعد الامريكية واسرائيل .

 

التحديات.. هناك تحديات رئيسية تواجه السياسة الخارجية التركية في صراع الهيمنة على المنطقة ، وفي مقدمتها :

 

1ـ ايران .. احد منافسي تركيا الاقوياء في هذا الصراع ، فميزان القوى بين البلدين متقارب، وماتخشاه تركيا رجحان كفة ايران في حالة نجاحها في امتلاك السلاح النووي في هذا الظرف الدولي الذي سمحت به واشنطن لايران بالتمدد الواسع في العراق ، وان عدم ممارسة سياسة رادعة في مواجهة الملف النووي الايراني قد يسمح لايران بالنجاح مما يدفعها اكثرللتدخل وبسط النفوذ لاسيما وانها لاتخفي سعيها لاقامة "الهلال الشيعي الصفوي"وانها اليوم تحضرلهذا المخطط مهدد ة باتباعها وتدخلها المباشرلتغيير انظمة الحكم في بعض دول الخليج وبما يزعزع امن واستقرار المنطقة؟ والتحدي الايراني لطموحات تركيا لم يقتصر على الشرق الاوسط وانما كذلك في اسيا الوسطى وبحر قزوين والقوقاز حيث غزارة النفط والغاز" محور ارتكاز أمن الطاقة العالمي "اذ تعتبر ايران ممراً لتركيا الى وسط وجنوب اسيا كما هو حال المنطقة العربية ، فالنفوذ الاقليمي التركي لايمر الا عبر بوا بة العراق وسوريا وهما اليوم ـ عملياً ـ مع ايران ، وهذا ما يثير المخاوف من تجدد الصراع التأريخي بين تركيا وايران في المنطقة الممتدة من قازاخستان شرقاً واذربيجان غرباً، كما ان الاستراتيجية الروسية لا تسمح باي نفوذ في اسيا والقوقاز وبحر قزرين.؟ كذلك التحدي الاسرائيلي المدعوم امريكياً في منع الاطراف الاقليمية الاخرى من التفوق عليها كقوة اقليمية تمتلك السلاح النووي ، لخشية حكام تل ابيب من ان تسيّد اي طرف اقليمي في شرق اوسط جديد سيصب في مصلحة العرب غالبية سكان المنطقة والذين تربطهم بالاطراف المتنافسة وبالذات التركي وشائج تأريخية وروابط الجيرة والدين، وكذلك في اسيا الوسطى وقزوين والقوقاز.

 

2ــ العالم العربي .. ان غياب العرب وضعف النظام الرسمي العربي ..لايمكن ان يدوم طويلاً ولابد ان تتغير الظروف الاقليمية والدولية فتعود مصر بثقلها السياسي والحضاري ويعود العراق القوي على يد ابطال المقاومة الوطنية الشريفة لتتوحد الجهود وتنضج الظروف ليأخذ العرب دورهم الذي يتناسب ووزنهم وارثهم الحضاري وهذا ما يخشاه الطامعون في خيرات وثروات المنطقة العربيةكأحد التحديات المستقبلية.، وضمن هذا العامل .. يمثل الاكراد عازلاًجغرافياً بوجه التمدد التركي الاقليمي في العراق، فمشكلة أكراد تركيا مستعصية على الحل ولم تشملها سياسة " تصفير المشاكل " ، وهذا العامل سيكون اكثر تأثيراً وفعالية عندما ينفصل اكراد العراق في كيان مستقل ـ وهم اليوم عملياً شبه منفصلين ـ بما سيصعد من المعارضة الكردية المسلحة ضد السلطات في تركيا وسيكون ذلك) ( .. مثالآ مزعجاً لتركيا امام اعين الاقلية الكردية المضطهدة فيها )

 

الدور الايراني .. ايران ابرز منافسي تركيا في سباق النفوذ في منطقة الشرق الاوسط ، وكذلك في اسيا الوسطى وبحر قزوين ، فصراعهم التأريخي على تسّيد المنطقة معروف منذ هزم العثمانيون بقيادة "السلطان سليم" الفرس الصفويين في موقعة جالديران عام 1514م التي أ نتهت بهروب"اسماعيل الصفوي" من ساحة المعركة تاركاً وراءه تاجه وزوجته ليحتل العثمانيون تبريز عاصمة الفرس؟ ، وفي ظل حكم "الشاه محمد رضا بهلوي" كان الدور الايراني متميزاً كون ايران الحليف الرئيس للولايات المتحدة الامريكية ، ولم تخف طهران اطماعها التوسعية في سياسة خارجية واضحة وذلك للهيمنة على المنطقة بذريعة حماية المصالح القومية وضمان امن واستقرار المنطقة وخطوط نقل النفط عبر الخليج ، فأحتلت ايران عام 1971 جزيرتي ( طنب الكبرى وطنب الصغرى ) الاماريتين العربيتين،ثم اكمل نظام الملالي الحالي في العام 1992 احتلال ( ابو موسى ) الجزيرة الثالثة، كما تهدد ايران والى اليوم باحتلال البحرين وتدّعي عائديتها الى ايران، كما مارست سياسة تدخلية مباشرة في دول المنطقة من خلال الدعم المالي والعسكري ،فدعمت التمرد الكردي في شمال العراق ، وتدخلت في الحرب الاهلية اليمنية مابين عامي 1962 و 1970 لصالح الحكم الملكي ، ولم تتغير الاستراتيجية الايرانية في ظل الجمهورية الاسلامية بل ازدادت تطرفاً وعنفاً وعدوانية مولدة الخلافات مع اغلب العواصم الاسلامية ، فالى جانب رفع شعار " تصدير الثورة" برؤية طائفية ضيقة، اكد" خميني " وهو في طريقه من باريس الى طهران بعد نجاح الثورة عام 1978 بقوله ..( آن للفرس ان يحكموا المنطقة لقرون طويلة مقبلة) ، وقوله لاحد المسؤولين الكويتين عند لقائه به في طهران للتهنئة( إن لايران الحق في الهيمنة على منطقة الخليج بضفتيها الشرقية والغربية ) فالتوسع على حساب دول المنطقة هي ابرز مرتكزات سياسة ايران الخارجية وذلك لتحقيق حلم اعادة "امبراطورية فارس " بالعمل على اقامة "ايران الكبرى " او مايعرف بـ " الهلال الشيعي الصفوي"الذي يمتد ليشمل المنطقة العربية وحتى افغانستان وباكستان ؟؟، ولهذ ا ضاعف حكم الملالي الجهود لامتلاك السلاح النووي لتحقيق اهدافه هذه ، وقد خدمتهم الظروف الاقليمية والدولية حيث التهاون وسياسة المهادنة اللينة في التعامل الاميركي والاوربي مع الملف النووي الايراني ، واشراك ايران في تدميرالعراق واحتلاله عام 2003 مما سمح لايران بالتمدد الواسع في العراق ومن خلاله الى دول المنطقة مهددين بزعزعة امن واستقرار دول الخليج العربي بواسطة الحرس الثوري واتباعهم في المنطقة. وهم بهذا قد تجاوزوا في سياستهم الخارجية .. حدود الاهتمام بالامن القومي والاقليمي ـ كما يدّعون ـ الى مرحلة الهيمنة وبسط النفوذ ؟.

 

الدوافع .. ولايران دوافعها للتمدد في المنطقة العربية طمعاً في ثرواتها النفطية الهائلة ، وهي :ـ

1ـ شعور الحكام بان ايران هي اكبر دول المنطقة واكثرها قوة ، مما يحرك فيها الرغبة في احياء اطماعها التأريخية لاعادة " الامبراطورية الفارسية القديمة".باستغلال الضعف العربي ، وبالذات بعد العدوان الاميركي على العراق وقبله افغانستان والذي خدم حكام طهران باسقاط قوة اساسية في المنطقة متمثلة بنظام الرئيس الشهيد صدام حسين ، وكذلك اسقاط قوة طالبان في افغانستان ، مما فسح المجال لايران والاحزاب التابعة طائفياً ، وبالتواطؤ مع المحتل الاميركي، للامساك بالسلطة في العراق، والتحكم بقوة في افغانستان ؟.

 

3ـ سياسة المعايير المزدوجة التي تنتهجها الولايات المتحدة ، حيث المفاوضات والنفس الطويل والعقوبات التدريجية مع الملف النووي الايراني بخلاف التعامل مع العراق والذي دمر واحتل جراء اكذوبة حيازته على اسلحة دمارشامل" اعترفوا ببطلانها ".. هذا التعامل المزدوج كان وراء السياسة الايرانية الحالية، ووراء التمادي بالتهديد باغلاق مضيق هرمز لمنع تدفق نفط الخليج العربي الى العالم الخارجي، والاستمرار في برنامجهم النووي لتحقيق هدف اقامة" ايران الكبرى".

 

4ـ الخشية من تعاظم دور تركيا في المنطقة المدعوم امريكياً، ولاتخفي طهران قلقها من تنامي النزوع التركي نحو " تركيا الكبرى " والتنافس على العراق والخليج العربي وتأثير تطور العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة واسرائيل على هذا الجانب ،وايران الملالي لم يخفوا قلقهم من سياسة [ اردوغان] في المنطقة والتي وصفوها بانها تخدم المصالح الاميركية كما جاء في التصريح الاخير لـ [ رحيم صفوي] المستشار العسكري لـ خامئني .. محذراً ومهدد تركيا ، اذا لم تغير سياستها،من ان دول الجوار العراق وسوريا وايران .. ستعيد تقييم علاقاتها مع انقرة ؟، اما [ ميرعلي حاجي زادة ] قائد سلاح الجو في الحرس الثوري فقد صرح قائلاً: " ان ايران لن تتردد في مهاجمة منشآت الدرع الصاروخي للحلف الاطلسي داخل تركيا رداً على اي تهديد؟"كما شنت وسائل الاعلام الايرانية مؤخراً هجوماً على تركيا التي تشكل ـ حسب احد المقالات ـ " اكبر تهديد للمصالح الايرانية " وان لدى تركيا اردوغان اطماع عثمانية، وانها المنافس الاول لايران في العالم الاسلامي وخصوصاً في سوريا والعراق وافغانستان "

 

التحديات.. تقف بوجه السياسة التوسعية الايرانية التحديات التالية :ـ

1ـ العامل الدولي ..بلغة المصالح ولاسباب معروفة تفضل الولايات المتحدة تركيا على ايران في صراع النفوذ في الشرق الاوسط وكذلك في اسيا الوسطى وبحر قزوين والقوقاز،علما ان البلد ين مهمان لمصالح الولايات المتحدة وفي المنظور الاستراتيجي الامريكي ، ولكن ، بعد اسرائيل، تأتي الحليفة وعضو الحلف الاطلسي تركيا .. لانها مقبولة اكثر من ايران كونها دولة اسلامية علمانية معتدلة وذات نهج ديمقراطي يصلح لان يكون نموذجاً لدول المنطقة ورداً على التطرف الاسلامي الذي تمثله ايران الملالي ، وما تمارسه من سياسة عدائية استفزازية وطائفية مثيرة لقلق ومخاوف دول المنطقة، كذلك هناك العائق الروسي ، فروسيا تحاول الهيمنة على دول اسيا الوسطى وقزوين ولا تسمح لاية قوة بفرض هيمنتها على محيطها الجغرافي ذي الثروات الهائلة من النفط والغاز ، حتى وان كانت ايران على الرغم من العلاقة الجيدة التي تربطها بها .

 

2 العامل الاقليمي .. اجماع عربي واقليمي ودولي على رفض اي دور اقليمي لايران في ظل سياسة ملالي ايران الحالية حيث التمدد والتوسع والتدخل في شؤون بلدان الجوار مما يشكل خطراً على امن ومصالح الجميع وبالذات دول المنطقة العربية وبما يعرض مصالح وامن ووجود اميركا الى المخاطر ، وكذا الحال بالنسبة لجمهوريات اسيا الوسطى وقزوين ،فالانجذاب الى تركيا اكثر من ايران لاسباب سياسية واقتصادية ومذهبية ( وقف امتداد النفوذ الشيعي ) اضافة الى وجود الروابط العرقية والثقافية المشتركة حيث تتكلم 5 جمهوريات لغة قريبة من التركية ، وكذلك لاسباب اقتصادية اذ لاقدرة للاقتصاد الايراني مقارناً بالاقتصاد التركي ، على القيام باي دور استثماري او تمويل المشاريع الكبرى هناك,ـ كما تتخوف ايران من تفّجر المطالب الاذربيجانية داخل ايران بالوحدة مع الدولة الاذرية ( يوجد بحدود 25 مليون اذربيجاني داخل ايران اذ يشكلون القومية الثانية بعد الفرس ) ؟.

 

3ـ الخشية من الدورين "التركي والاسرائيلي" في الشرق الاوسط ، وكذلك في اسيا الوسطى وقزوين والقوقاز حيث المساندة الدولية من قبل الولايات المتحدة والغرب ، اما ايران فرغم العلاقات الجيدة مع روسيا والصين الا انه لايمكن اعتبارذلك سنداً قويًا لطهران، كما ان مصالح روسيا في اسيا وقزوين والقوقاز تتقاطع مع اطماع ايران ، فالطموح الروسي يرمي علناً للهيمنة على هذه المنطقة الغنية بالنفط والغاز فضلاًعن الموقع الاستراتيجي للمنطقة عموم .

 

ـ ورغم وقوف تركيا الى جانب ايران ، اول الامر، فيما يخص الملف النووي ومعارضتها توجيه عقوبات دولية لطهران .. الا ان تركيا قلقة من طموحات ايران النووية ، وهذا القلق ربما سيدفع دول اخرى في المنطقة واولهم تركيا الى التفكير جدياً باقامة مفاعلات نووية ، وهذا ما سيصّعب من نجاح ايران اقليمياً اذا ما اضيف الى ذلك تأثيرات الصراع التأريخي الصفوي ـ العثماني ، ونزوع كلا البلدين لاحياء دولة " تركيا الكبرى"او " ايران الكبرى "

.

الولايات المتحدة و صراع النفوذ في المنطقة

الولايات المتحدة بحاجة الى الدور التركي في الشرق الاوسط ، كذلك في اسيا الوسطى وقزوين كونها دولة شرق اوسطية واوربية، ولان النموذج التركي ( الحكم العلماني والديمقراطي والاسلامي المعتدل ) هو المفضل و البديل الانسب قي مواجهة " التطرف الاسلامي " وللحد من نفوذ ايران وسياستها الاستفزازية و التوسعية ، كما ان تركيا اكثر قبولاً في العالم العربي من اسرائيل التي تغتصب الارض العربية ، وايران التي تحتل الجزر العربية ولاتخفي اطماعها في المنطقة بشكل عام ؟، وكذلك لدى دول اسيا الوسطى وقزوين والقوقاز، واميركا اليوم تبدي ارتياحها من الدورالتركي وتفضله على الدور الايراني ، ولكنها في المنظور الاستراتيجي المستقبلي وحسب ما خلص اليه " ستيفن كنزر " في كتابه ( اعادة: تركيا وايران ومستقبل اميركا ) تهدف الى ما هو ابعد بـ ( عقد تحالفات جديدة مع كل من تركيا وايران للسيطرة على منطقة الشرق الاوسط برمتها بالتعاون مع اسرائيل بعد حل مشاكلها العالقة بينها وبين ايران وتركيا ) ، وبالنسبة للعرب فأن الولايات المتحدة بعد تدمير واحتلال العراق عام 2003 والذي استكملت فيه تواجدها العسكري المكثف في منطقة الخليج العربي الغنية بالنفط مصدر الطاقة للعالم الصناعي الغربي ، لم تعد تنظر الى الدور العربي في منطقة الشرق الاوسط بذات الاهمية التي كان عليها خلال وقبل الحرب الباردة ، اذ قيدت مصر اكبر الاقطار العربية واخرجتها من معادلة توازن القوى مع " اسرائيل" بموجب اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 ؟ ودمرت قوة العراق البوابة الشرقية للامة العربية بعدوان 1991 وما صا حبه من حصار شامل وتواجد عسكري اميركي وغربي مكثف في المنطقة، استكمل باحتلال العراق عام 2003 وتسليمه ـ على طبق من ذهب ـ لايران التي نفذت الى داخله من كل منفذ بعد ان وضع اتباعها على رأس السلطة في العراق مما زاد من كفة ايران في ميزان القوى في المنطقة وبما حرك في دواخل حكامها نوازع احياء حلم " الامبراطورية الفارسية القديمة " بممارسة سياسة توسعية حيث التمدد والتهديد بزعزعة امن واستقراردول الخليج بما لديها من اتباع{ رتل خامس } تستغلهم طائفياً ، فضلاً عن نشاطها المحموم لامتلاك السلاح النووي ، هذا الوضع اضعف الموقف العربي كثيراً مما استغله الطامعون بثروات هذه المنطقة حيث التنافس الاقليمي اليوم بين ابرز الاطراف الاقليمية تركيا وايران واسرائيل على دور" الدولة المركز "لبسط النفوذ عليها ، وهذه الاطراف الثلاثة مدعومة بشكل واخر من القوى الكبرى وبالذات الولايات المتحدة وبما يتناسب و اهمية وتقارب وخدمة كل طرف لمصالح هذه القوى، والمعروف ان اسرائيل هي ربيبة الولايلت المتحدة التي لاتخفي انها مسؤولة عن ديمومة بقائها الاقوى والمتفوقة على جميع دول المنطقة ، ومع هذا فان الطرفين الاخرين مهمان لمصالح واشنطن في منطقة الشرق الاوسط واسيا الوسطى وبحر قزوين والقوقاز،مع ميلان الى تركيا ورتياح لنشاطها الاقليمي بعكس الموقف من النشاط الايراني وذلك بسبب سياسة حكام طهران التي تثير القلق والمخاوف لدول المنطقة وكذلك على الوجود والمصالح الاميركية والغربية. وهذا القلق قد يصبح مخاطر جدية عندما تنجح ايران في تحقيق حلمها النووي ، وايران تبقى مهمة في المنظور الاستراتيجي الاميركي لاشرا فها من جهة الشرق على منطقة الطاقة في اسيا الوسطى وقزوين ،ولابد من التفاهم الاميركي مع طهران بما يسهل على اميركا السيطرة على طوق النفط الممتد من اسيا الوسطى وحتى الخليج العربي؟ وفق هذا المنظور ستحاول اميركا استخدام الاطراف الثلاثة لخدمة مصالحها وتواجدها في المنطقة . فالموقف العربي مقارناً بالاطراف الاقليمية الثلاثة هو الاضعف وحتى ثورات " الربيع العربي " لا يوجد ما يشير الى انها ستساعد في تصحيح هذا الوضع وبما يعيد للعرب المكانة التي تؤهلهم للنهوض بدورهم المطلوب في المنطقة وبما يتزامن مع الحراك التنافسي الاقليمي الحالي ويتناسب مع كونهم الاقوى والاوفر نفطاً ومالاً مع الارث الحضاري والثقافي العريق ، حتى ان " ستيفن كون " قد وصف في مقال له نشر في مجلة السياسة الخارجية في 5/5/2011 " ثورات الربيع العربي [ بأنها بدت وكأنها فصلت على " مقاس تركيا الجديد " لبسط نفوذها الواضح والمتنامي في الشرق الاوسط ].ان الدور العربي في حلبة التنافس الاقليمي مؤجل لاسباب قاهرة احا طت بالوضع العربي عموما ، مصر مازالت محكومة باتفاقية كامب ديفيد وتأثيرا ت التغيير الجديد تحتاج الى وقت للظهور وهي محكومة ايضاً بتطورات الوضع الدولي والاقليمي ، كما ان العراق هو الاخر يحتاج الى سنوات للتخلص من بلاء ماهو فيه ؟، والدول العربية الاخرى وبالذات دول مجلس التعاون الخليجي،التي يراهن عليها لملء الفراغ، هي في وضع معقد لاتحسد عليه لطبيعة تكوينها ولسياساتها ولتشابك العلاقات مع اميركا والغرب وللوجود العسكري الاجنبي في المنطقة من جهة ، ومن جهة اخرى علاقا تها مع دول الجوار الاقليمي وبالذات تركيا وايران.

 

الاستنتاجات .. نستنتج مما تقدم الآتي :ـ

 

1ـ الصراع التنافسي الاقليمي في منطقة الشرق الاوسط سيستمر باطرافه الثلاثة ، التركي والايراني والاسرائيلي ،سواء ظل الفراغ بغياب الطرف العربي قائماً ام لا ، فالزعامة الكونية الامريكية للعالم بعد انفراد الولايات المتحدة كقوةعظمى وحيدة على الساحة الدولية وماحصل في العالم خلال فترة الزعامة قد اعاد " شريعة الغاب " في التعامل وصار الجميع يتعاملون بلغة القوة وبالذات تلك الدول والكيانات التي تدعم وتغذ ي نشاطها " الولايات المتحدة "لخدمة مصالحها واحكام طوقها على منطقة النفط والغاز والمعادن ( مستودع الطاقة العا لمي) من الخليج العربي وحتى حوض بحر قزوين ا؟.

 

الوضع العربي لن يستمرعلى ضعفه ، فأخراج العراق بعد مصر من دائرة التأثير ومعادلة توازن القوى في منطقة الشرق الاوسط قد ترك بصماته على هذا الوضع، فعلاً ، ولكن هذا لايعني الاستسلام لانهما عائدان بالتأكيد مع مرورالوقت ، فمنطقة الشرق الاوسط ستبقى في حالة قلق واختلال الامن ولن تعود لحالتها المستقرة الّا ان يؤكد العرب حضورهم الفاعل بما يضمن حقوقهم ويثبت انهم عامل التوازن في هذه المنطقة الحيوية.

 

3ـ مخاطر صراع التنا فس بهدف الهيمنة على المنطقة العربية تزداد اذا ما نجحت ايران في تحقيق حلم امتلاك السلاح النووي ، وتعزيز نفوذها في عدد من الدول العربية وبما يسّرع من اندفاعها المحموم لاقامة " ايران الكبرى" وهذا ما يدفع الاطراف الطامعة الاخرى وابرزهم تركيا التي تحلم هي الاخرى باقامة " تركيا الكبرى " ..الى تحريك نشاطها النووي المؤجل ؟ لاسيما وان هناك طموحات ومخططات في هذا المجال ، فقد كانت انقرة قداختا رت منطقة ( سينوب ) على البحر الاسود لاقامة المفاعلات النووية ،اضافة الى ردود الفعل المتوقعة من " اسرائيل " التي تمتلك ترسانة نووية منذ اكثر من نصف قرن ؟ فالمخاطر قادمة الى المنطقة سواء تحولت الى ترسانة اسلحة نووية ام دمر البرنامج النووي الايراني بضربة عسكرية متوقعة؟.

 

4 ـ نجاح اي طرف من اطراف النزاع رهن بتطورات الظروف الداخلية و الاقليمية والدولية لاسيما وان المنطقة العربية في حالة فوران وحركة تغييرات محركها الشعوب التي اطاحت في ثورات ( الربيع العربي ) بأنظمة عتيدة وحكام اقوياء، ومازالت حركة التغيير مستمرة وهي تأتي بعد انسحاب اميركا من العراق حيث الهزيمة بفشل سياسة القوة الاميركية في العراق وافغانستا ن ، وهذه التطورات تؤكد ان طاقات الشعوب قادرة على فعل المستحيل ،وان دول المنطقة العربية لايمكن ان ترضى بتّسيد اي طرف اقليمي ، كما ان اطماع الاطراف الدولية القوية وبالذات الولايات المتحدة ستهيمن على ما سيحققه اي طرف اقليمي ؟

 

 

{ يتبع }

 

 





الخميس٢٦ جمادي الاخر ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٧ / أيــار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مأمون السعدون نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة