أن تؤكد استطلاعات دولية بأن شعوب قطر والامارات والسعودية , أكثر شعوب العالم العربي سعادة ورخاء, فهذا يعني ان حكام هذه الاقطار العربية الخليجية , أستطاعوا أن يوظفوا عوائد نفوطهم وغازهم توظيفا عقلانيا وذكيا, بينما وعلى مقربة منهم يوجد جار شقيق عبث حكامه بعوائد نفطه وغازه عبثا لايرضى به الله ولا شعبه الجائع المتعب. ولعل عراق اليوم هو هذا الجار الذي يعد النموذج الصارخ .
سأتناول فقط المشاريع الثلاثة كنموذج على اخلاص حكام الدول العربية الخليجية الثلاث , وعن جار هو العراق الذي يبز بما يمتلكه من ثروات أمم المنطقة بأسرها. لكن شعبه اليوم يرزح تحت طائلة البؤس والجوع والخوف والارهاب.
عن مشروع البان ابو غريب والبان المراعي السعودية
صعقت وانا اشاهد برنامجا دعائيا عن شركة البان المراعي السعودية , كأكبر شركة البان في العالم. في بلد مترامي الاطراف بالرمال . لايمتلك مصادر مياه غير المياه الجوفية ومعامل تحلية مياه البحار. لكنه يمتلك نفطا غزيرا وظف في تحويل هذه الرمال الى مساحات هائلة من المراعي , تتهادى عليها الابقاركما لو اني اشاهد مزارع ابقار في الدنمارك او هولندا. بينما كان العراق وقبل نصف قرن يمتلك أكبر شركة البان في الشرق الاوسط , هي شركة البان أبي غريب. يكشف عن حقيقة أن هذا المصنع , وضعت أسسه منذ منتصف عقد الخمسينات ,كان المعمل مرميا في الهواء ولا يوجد من يفكر ان يستغله الا أن العمل لم يجر به الا بعد عام 1960.وكانت قدرات مديرعام مصلحة الالبان العراقية وقتذاك الدكتور خالد تحسين علي هائلة . فتحولت مصانع ابو غريب تحت قيادته الى معمل البان يضاهي مصانع هولندا الشهيرة, لما أتسمت به من صورة حضارية ولقد كان خبراء في صناعة الالبان من اوربا يندهشون لما يرون من نظافة ونوعية ممتازة تضاهي أرقى مصانع الالبان في اوروبا. وكانت منطقة ابو غريب التي ارتبطت اليوم بأذهان العالم بسجن ابو غريب الرهيب, منطقة ريفية غاية في الروعة والجمال. حيث البساتين الكثيرة ونسائم الهواء العليل, لتشكل بقعة أخاذة تفتن الناظر. و بنى الدكتور تحسين بيوتا للموظفين والعاملين ليكونوا قريبين من أماكن عملهم . وكجزء من رفع مستوى معيشة العاملين وراحتهم. حتى المدير العام والمديرون الفرعيون كانت لهم بيوت تتسم بالبساطة تحيطها الحدائق . كانت مصانع الالبان تنتج الحليب المعقم والمطعم بانواع الفواكه كالحليب المطعم بالموز والبرتقال والليمون والفراولة والكاكاو والزبد والاجبان بانواعه واللبن . وكانت العبوات مفخرة للصناعة العراقية في الجودة والنظافة والشكل .
تصوروا هذا كان في عام 1961 من يصدق !!!!!! اين المعمل الان؟ واين الانتاج؟
البداية كانت بجمع الالبان من اصحاب الابقار اوهم يجلبونها في عبوات تعقمها المصلحة . ولكن صدر قرار ببناء قرية قريبة من المعمل اسموها قرية الذهب الابيض وتم بناء مساكن لمربي الالبان وكانت المصلحة ترسل سياراتها لتجمع الحليب وتجلبه للمعمل .
الدول المتحضرة يقاس أمنها الغذائي بتوفر مشاريع استراتيجية للغذاء , ولعل مشاريع الالبان صورة حضارية من مشاريع هذا الامن . لمن لايعرف ان نيوزيلنده في الطرف النائي من الدنيا دولة من الجزر لايتعدى عدد سكانها عن اربعة ملايين نسمة , لكنها تملك 70 ملايين بقرة .. بقرة .. بقره .
مترو بغداد ومترو دبي
في عقد الثمانينات من القرن الماضي , وضعت اسس مترو بغداد , بذلك تكون بغداد وقتذاك سباقة عن مترو القاهرة ولاحقا مترو دبي, الا ان الحصار الجائر الذي قادته الولايات المتحدة الامريكية البغيضة على العراق , أقضت مضاجع قدراته الاقتصادية فأهمل المشروع. وأذ أشاهد مترو دبي اليوم لايسعني الا أن ألعن كل من حارب العراق وساهم في أرجاعه الى الوراء. فمترو دبي هو مفخرة لهذه الامارة وأميرها المبدع الذي نقل الدنيا الى أمارته عبر مشاريع تبهر العالم . تصوروا ان الانفتاح في عقلية هذا الامير الخلاقه دعته الى ان يشجع أمرأة أماراتية لقيادة المترو. بذلك تكون اول أمراة في العالم تقود قاطرة.
من التجربة العراقية في التعليم والطب الى الانجاز الهائل لدولة قطر
ماليزيا ومنذ ثلاثة عقود ابهرت العالم , عندما ألتفتت الى التعليم فأرسلت البعثات الى الخارج وعادت بكفاءات علمية وطبية هائلة. ولعل دولة قطر خير من حاكت هذه التجربة ولكن بصورة خالفت كثيرا من التجربة الماليزية , فبدلا من ارسال البعثات فتحت أمارة قطر فروعا لكبرى الجامعات الاوروبية والامريكية على ارضها, فتوافد الشباب القطري على هذه الجامعات العالمية الامريكية والالمانية والفرنسية والبريطانية. كما اقامت مستشفيات عالمية بخبرات الدول الاوروبية المتقدمة . مؤمنة بأن التعليم والطب الطريق الأمثل لبناء الانسان القطري وتطويره ودفعه الى الامام . وهذا يعني خلال السنوات القليلة القادمة سيكون كل قطري من حملة الشهادات العلمية, وتحت رعاية طبية مستمرة تقضي على كل الامراض الخطيرة في هذه الامارة.
وماذا عن عراق الأمس؟.
العراق سبق ماليزيا في ارسال البعثات العلمية الى الخارج. ولمن لايعرف الكم الهائل من هذه البعثات , فأحيطه علما بأن العراق كان يستقبل سنويا مايقرب من الف مواطن من حملة شهادات الدكتوراه والماجستير, في وقت كان منشغلا في درء العدوان الايراني الصفوي عن بوابة العرب الشرقية في حرب السنوات الثمان.
كما نجح عراق الأمس في القضاء على الامية بشهادة منظمة اليونسكو الاممية . كما نجح في القضاء على كل بؤر الامراض المتوطنة في دول العالم الثالث , وايضا بشهادة منظمة الصحة الاممية. ووصل الابداع العلمي لعراق ماقبل الغزو الانجلو امريكي ايراني , الى منح اليونسيف كثيرا من انواع الامصال المنتجة في معامل سامراء لصناعة الادوية . أمصال معتمدة عالميا وبمواصفات عالية الجودة.
ترى لماذا كتبت هذه المقالة وفي هذا الوقت؟ .. أقول لمن يتساءل بأن أعلانا تلفزيونيا تبثه قناة الشرقية تحت عنوان " بغداد .. الحلم" , هو من أستفزني ولم يستفز أي أمير من أمراء الطوائف في عراق النهب والسلب بالرغم من ان القناة تبثه كل يوم وقبل كل نشرة اخبار. يتخيل بغداد بصورة تحاكي أمهات العواصم العالمية. يبدوعدم أستفزاز هؤلاء الامراء وأستيقاظهم, مرده انهم أصبحوا جميعا وكما نقول باللهجة العراقية "غيره سزيه" , أي بدون غيرة اوحياء عن بغداد التي كانت يوما ما حاضرة الدنيا .
