شبكة ذي قار
عـاجـل










تبدأ في موسكو يوم غد 18 / حزيران ـ يونيو / 2012 جولة جديدة من المفاوضات بين ايران والستة الكبار( مجموعة 5 + 1 ) مع الاتحاد الاوربي حول الملف النووي الايراني ، وهي جولة مكملة لسلسلة جولات آخرها جولة بغداد الفاشلة التي انتهت في 24 / ايارـ مايو الماضي دون اي نتيجة، اذ قدمت ايران في جولة بغداد عرضاً بخمس نقاط يتعلق بمجمل مشاغل النظام الايراني وليس فقط الملف النووي ، فيما شدد الستة الكبارعلى مطلب تخلي ايران عن مساعيها لامتلاك التكنلوجيا النووية المؤهلة لصنع السلاح النووي، مقابل تخفيف العقوبات الحالية المفروضة على ايران واعادة النظر في العقوبات المشددة المقررة على قطاعي الطاقة والمال { النفط و تعاملات البنك المركزي الايراني الخارجية } والتي يفترض ان تطبق في شهر تموزـ يوليو المقبل والتي ستكون مؤثرة ، لهذا تحاول طهران جاهدة لالغائها او تأجيل تطبيقها لتأثيراتها الخطيرة، لاسيما وان اضرار العقوبات الحالية الشكلية رغم محدوديتها كانت واضحة رغم مكابرة الملالي في انكارها والتي ادت الى انخفاض سعر العملة المحلية { ريال وتومان} وتذبذب اسعار النفط وتراجع معدلات التبادل التجاري مع عدد من الدول وانعكاسات ذلك على الشارع الايراني المحتقن؟ ، لهذا يتوقع بعض المتفائلين ، وهم قلة ،ان تشهد جولة موسكو تنازلات ايرانية وسط اجماع على استمرار مجموعة الكبار على موقفها ؟ فماذا عن جولة موسكو ؟ هل ستكون كسابقاتها مجرد لقاءات عقيمة هدفها المشاغلة والمماطلة كسباً للوقت ام ان هناك صفقة ما او ضربة عسكرية لانهاء اللعبة النووية بين ايران من جهة والولايات المتحدة ومن معها من جهة اخرى؟

 

المسعى الايراني لامتلاك السلاح النووي لايحتاج الى اثبات وهذا ما تدركه واشنطن والعواصم التابعة وجميع المعنيين بذلك ، وهذا ما يفضحه النشاط الايراني المحموم لتخصيب اليورانيوم والذي تجاوز نسبة الـ 20 بالمائة ،اذ اكتشفت الوكالة الدولية للطاقة بعد جولة مفاوضات بغداد مباشرة ورغم انكار ايران المستمر لاهدافها الحقيقية و بما يجهض ادعاءها من ان مساعيها سلمية،قيامها بتخصيب اليورانيوم بنسبة 27 بالمائة في منشأة { فوردو} في مدينة قم الايرانية،وهذا ما اقلق الاخرين لانه يعني الاقتراب من دخول { النادي النووي }، ثم لم يكن خافياً على احد.. ان ايران ومنذ سبعينيات القرن الماضي تسعى وتعمل بدأب على امتلاك سلاح ردع نووي وبعلم ومساعدة اغلب العواصم المعترضة اليوم ،وقد تضاعف سعيها في ظل نظام الملالي وفور التربع على السلطة عام 1979 انطلاقاً من مبدأ " تصدير الثورة " كخط عا م لسياسة النظام التوسعية بهدف احياء حلم " امبراطورية فارس الكبرى" وربما كان تدمير مفاعل تموز النووي العراقي عام 1980 المحفز والدافع الجدي للنظام الايراني في مضاعفة الجهود لامتلاك السلاح النووي اذ نسب لرأس النظام ( خميني ) قوله متشفياً " لو امتلك صدام حسين السلاح النووي لاستخدمه ضد ايران ؟" وكانت العلاقات مع العراق ، انذاك، متوترة والحرب على الابواب نتيجة التصعيد و استمرارالاعتداءات الايرانية ، وبعد توقف حرب الثمان سنوات مع العراق وما اعقبها من احداث الكويت في 2 اب ـ اغسطس 1990 والعدوان الثلاثيني الغاشم على العراق عام 1991 نشط ملالي ايران بشكل مكثف لامتلاك التكنلوجيا النووية باستغلال الظروف الدولية والاقليمية وظروف المنطقة العربية بشكل خاص باعتبار"ان من لايملك قنبلة نووية يعتدى عليه، ومن يملكها يسلم من ذلك" وهو نزوع ينسجم واستراتيجية النظام الرامية الى التوسع على حساب دول الجوار العربي ولتسيّد المنطقة العربية ذات الموقع الهام والثروات الغـزيرة ، والملفت للنظر.. ان الولايات المتحدة وحلفاءها وكذلك المنظمة الدولية للطاقة الذرية لم يحركوا ساكناً ا زاء النشاط الايراني النووي اذ كانت هناك في العام 1993 تحركات وتصريحات خجولة لاتتناسب ونشاط طهران المحموم في هذا الجانب والتي تكشف التساهل وغض النظر المتعّمد والسياسة اللينة تجاه ايران اذا ما قورن الوضع بالتعامل العدواني الظالم مع العراق الذي حوصر شعبه ودمر واحتل لاكذوبة "حيا زته على اسلحة محظورة " التي ثبت بطلانها ، ولم يثرهذا الموضوع ، اي الملف النووي الايراني، الاّ في العام 2003 بعد افتضاح ا قدام ايران على عمليات تخصيب اليورانيوم في احدى المنشآت الايرانية العديدة المتناثرة على مساحات متباعدة داخل الاراضي الايرانية المترامية الاطراف اضافة الى المنشآت السرية المخفية داخل الجبال وفي باطن الارض، ولم تنخذ اية اجراءات عقابية على النظام الاّ في السنوات الاخيرة ،واستمرت هذه السياسة اللينة حتى مع وصول ايران نووياً الى ما يسمى بـ " عتبة النادي النووي " وتجاوزها في مجال التخصيب المستوى المعروف علمياً للاستخدامات السلمية للذرة؟ فسياسة الحوار والاغراءات بالحوافز رغم فشلها مع النظام الايراني الاّ انها مازالت مستمرة ، وهذا ما يخدم التوجهات الايرانية وسعيها الحثيث لامتلاك السلاح النووي اذ ان ذلك يوفر للايرانيين المزيد من الوقت لبلوغ هدفهم بممارسة سياسة المماطلة والمراوغة والتسويف { سياسة تجار البازار} ، ففي كل جولة جديدة من المفاوضات ، و حسب تأكيد، ( كاترين اشتون) مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الاوربي والتي قادت وفد الستة الكبا ر في جولة بغداد .. تبرز " اختلافات جوهرية " بين الموقفين ، وتضيف " ان هناك تراجعاً قد حصل في جولة بغداد عما تم التوصل اليه في جولة استنبول " ومع هذا فأن الجانب الايراني يلقي باللوم على الطرف الاخر داعياً القوى الكبرى الى التوقف عن " تسيس المسألة النووية والقبول بموقف طهران اذا ارادت تسوية الازمة الحالية " وكأن طهران لم تكن السبب في الاطالة والتسويف؟ لهذ لايتوقع ان يحصل اي تقدم في جولة موسكو التي ستكون كسابقاتها .. وهي جولة لهدر المزيد من الوقت وهو ـ على ما يبدو ما يحتاجه الطرفان ، فايران سائرة بوتيرة متصاعدة ومكثفة لانجاز برنامجها النووي قبل حصول متغييرات في المواقف والظروف قد تعيقها ، وسيا سة الممطالة والمراوغة والتسويف يكسبها المزيد من الوقت الذي تحتاجه لبلوغ مرحلة تصنيع السلاح النووي الذي هي على مقربة منه ؟ لاسيما وان طهران تدرك ان الظروف الدولية والاقليمية الراهنة لصالحها ،وانه ،لحد الان، لم تلمس الجدية في موقف الطرف الاخر في معارضته لبرنا مجها النووي .

 

الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بحاجة الى الوقت كذلك ، فأدارة الرئيس ( باراك اوباما ) منصرفة بشكل اساس للعمل على ضمان كسب انتخابات الولاية الرئاسية الثانية ومعالجة الوضع الاقتصادي والداخلي ، والعالم الغربي منشغل بالازمات المالية الخانقة التي يعاني منها اكثر من بلد والتي تتهدد اغلب بلدانها، فضلاً عن الخشية على المصالح التجارية الواسعة مع ايران وعلى تدفق النفط الايراني لبعض هذه البلدان ، وحتى العالم العربي الذي يستهدفه البرنا مج النووي الايراني والذي ستطال اضراره الخطيرة، سواء نجح او اجهض، دول الجوار وبالذات دول الخليج العربي والعراق.. يعاني من الضعف والتمزق بعد تدمير العراق واحتلاله عام 2003 ووضعه تحت هيمنة ايران التي شاركت في العدوان والاحتلال ،وحتى" ثورات الربيع العربي" فقد زادت من ضعف و تردي وتمزق الوطن العربي؟؟ بعد الالتفاف عليها وتوجيه دفتها بما يخدم مصالح القوى الكبرى ومخططاتهم في رسم الخريطة الجديدة للشرق الاوسط والتي ستكون ضحيتها دول وشعوب المنطقة وتحديداً الامة العربية؟؟ ومع هذا فان تشدد الستة الكبار في موقفهم في جولة بغداد الاخيرة بالتأكيد على عدم السماح بتخصيب اليورانيوم داخل الاراضي الايرانية وتعليق عمليات التخصيب بشكل عام وتدمير منشأة{ فوردو} مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية وتجهيز ايران بيورانيوم مخصب بنسبة لاتتجاوز 5 بالمائة لاغراض الصناعات الدوائية والطاقة الكهربائية، وما صاحب ذلك من تصريحات مشددة والتلويح بالخيار العسكري وبالذات من جانب اسرائيل وترك الخيارات مفتوحة بالنسبة للاميركان وحلفائهم؟ ، والاهمال المتعمد لعرض المساومة ذي النقاط الخمس الذي طرحه الجانب الايراني في مفاوضات بغداد والذي" قفزت فيه ايران على الملف النووي لتفرض حلولاً لملفات اخرى كالملف السوري والبحريني والوضع في لبنان والمطالبة بدور اقليمي متنفذ " اذ لم يفهم من هذا العرض ولا من طروحات المفاوض الايراني الاستجابة للمطالب الدولية فيما يخص البرنامج النووي؟ بل ان المسؤولين الايرانيين بعد الاستغراب من عدم اجابة الستة الكبار على عرضهم .. حمّلوا الطرف الاخر مسؤولية فشل مباحثات بغداد واتهموهم بعدم التعاون بجدية مع ايران ، فدعا ( جليلي ) رئيس مجلس الامن القومي وكبير المفاوضين الايرانيين خلال الجلسة المفتوحة لمجلس الشورى الايراني التي عقدت لمناقشة الملف النووي قبيل جولة موسكو دعا.. الطرف الاخر الى التخلي عن اساليب التهديد والترغيب اذا ما اراد نجاح المفاوضات قائلاً " ان استراتيجية الضغوط وصلت الى نهاية المطاف " ،واضاف ( لاريجاني ) رئيس مجلس الشورى بعد تأكيد دعم المجلس للوفد الايراني المفاوض مؤكداً ان ".. الغرب لايملك حق تقديم اي مطالب حول البرنامج النووي الايراني " وهذا يكشف ، بدون لبس، مضي ملالي طهران في اجندتهم السياسية ازاء المنطقة ودأبهم الحثيث في تحقيق اهدافهم ، والمناورة بالملف النووي للحصول على دعم ايران اقليمياً لبسط الهيمنة على المنطقة و تحقيق مخطط التمدد حتى باكستان وافغانستان لاقامة ما يسمى بـ " الهلال الشيعي " ضمن حلم احياء "الامبراطورية الفارسية" ؟. ما تقدم .. يشير الى ان موقف الكبار المتشدد ازاء البرنامج النووي الايراني سيستمر في جولة موسكو اذ لايوجد ما يشير الى ان ايران ستوقف نشاطها النووي وتلتزم بشروط التخصيب وفق الشروط الدولية، فامتلاك السلاح النووي، حسب الافق الايراني الطامع، امر اساسي في تحقيق الاستراتيجية التوسعية الايرانية وطموح حكام طهران في تسيد المنطقة ، ولكن لايستبعد ان تتقدم ايران في جولة موسكو ببعض التنازلات المرحلية ضمن صفقة لضما ن تحقيق حلول للوضع في سوريا والبحرين ولبنان ينقذ حلفاءها ويعزز تواجدها ويؤكد هيمنتها في هذه البلدان،ولكن هذا التكتيك الايراني حتى وان تجاوب معه الطرف الاخر لايعني نهاية اللعبة النووية الايرانية، فالوقت مازال مبكراً على نهايتها طالما ان ايران بحاجة الى المزيد من الوقت للوصول الى مرحلة انتاج وحيازة السلاح النووي ولايضيرها التأخر فاللعبة وان لم تنته حسب ما يتمنى حكام طهران الى الان بنجاح فانها اليوم ورقة مساومة لتمرير ما تريده لتحقيق اهدافها الاستراتيجية في هذه المنطقة الهامة ،وكذلك الوضع بالنسبة للاطراف المعنية الاخرى ، فالولايات المتحدة مستفيدة من سياسة النظام الايراني بشكل عام طالما انها لاتتقاطع ومصالحها في منطقة الطاقة [ النفط والغاز] سواء في الشرق الاوسط او في اسي الوسطى والقوقاز، كماان سياسة ملالي ايراني والاصرارعلى مواصلة البرنامج النووي سيدفع بلدان المنطقة العربية وبالذات دول الخليج العربي الثرية الى الارتماء اكثر في احضان القوى الكبرى بما ينشط سوق السلاح ويزيد من كثافة التواجد وزيادة القواعد العسكرية ويد يم عمليات الحلب والابتزاز للمزيد من مليارات الدولارات مع استلاب السيادة بحجج حماية هذه الانظمة من " البعبع الايراني المخيف" ؟ ، وكذا الحال بالنسبة للغرب الاوربي ،والذي على الرغم من ان مواقفه وقراراته غالباً ما تكون خاضعة للقرار الاميركي او متأثرة به، فان سياسة المهادنة وسعة الصدر في الحوار مع الجانب الايراني في هذا الظرف الذي تمر به دول الاتحاد الاوربي وما يتهددها من ازمات مالية ومشاكل اقتصادية خانقة والتي بدأت طلائعها في اليونان واسبانيا ..

 

لا تضربمصالح هذه الدول بقدر ما يخدمها ، لاسيما وانها ترتبط بعلاقات تعاون اقتصادي وتبادل تجاري واسعة مع ايران اذ وصل معدل التبادل التجاري الى عشرات المليارات من الدولارات ، وان اغلب الدول الاوربية تعتمد على النفط الايراني ، فالتصعيد واستخدام خيارات غير محسوبة سيكلف هذه البلدان خسائر جسيمة وربما سيساعد على اتساع هوة الانهيار المالي والاقتصادي ليس على الصعيد الاوربي وانما سيعرض الاقتصاد العالمي عموماً الى هزات عنيفة نتيجة لما سيطرأ على اسعار النفط من قفزات مخيفة ؟ ، وحتى اسرائيل اكثر المعارضين لايران نووية والتي ستجردها من ميزة التفرد كقوة وحيدة في الشرق الاوسط ،فان المسعى النووي الايراني و سياسة نظام الملالي المعادية للعرب يصرف الانظار عن اسرائيل ويشغل العرب بعدو جديد يستهدف وجودهم ويطمع في اراضيهم وثرواتهم ؟، وحتى في حالة نجاح ايران في امتلاك السلاح النووي ، وهذا ما لن تسمح به ليس اسرائيل فقط وانما الولايات المتحدة والغرب بشكل عام لانه يشكل خرقاً لامن هذه الدول التي تعتبر امن اسرائيل جزءاً من امنها القومي ؟، فان" السلاح النووي الايراني سيوجه للعرب وان ايران ليست عدوة لاسرائيل؟" حسب اراء اكثر من مسؤول اسرائيلي وهذا ما اكده كذلك ( لاريجاني ) رئيس مجلس الشورى الايراني بقوله " ايران لاتعادي اسرائيل وان المفاعلات النووية الايرانية لاتشكل تهديداً للامن الاسرائيلي " ؟ نخلص الى ان جولة موسكو التفاوضية بين ايران والستة الكبار اضافة الى الاتحاد الاوربي حول الملف النووي الايراني.. ستكون على خطى الجولات السابقة رغم ما تسّرب عن وجود صفقة مبيتة؟ ، وهو امر مشكوك فيه ، بالنسبة للعارفين بالسياسة الايرانية وبطبيعة وتفكيروعقلية ملالي ايران واحلامهم في احياء امبراطورية فارس القديمة باستغلال الظروف الدولية والاقليمية الحالية ،فالصفقة تتطلب التفاهم والاتفاق بين الجميع وتقديم التنازلات المتقابلة،وهو كما نرى.. امر مستبعد في الاجندة الايرانية في هذه المرحلة ، فالظرف لم ينضج والوسائل المتاحة لم تستنفذ لحد الان ، وهذا لاينفي وجود الصفقة ولايستبعد استخدام خيارات اخرى منها الخيار العسكري، فلكل شيء نهاية حتمية ولابد ان يحين الوقت لوضع نهاية للعبة النووية الايرانية؟.

 

 





الثلاثاء٢٩ رجــب ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٩ / حزيران / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مأمون السعدون نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة