شبكة ذي قار
عـاجـل










بمناسبة تعليق صور الخميني في العديد من ساحات العاصمة بغداد نهدي هذا المقال للمفتونين العراقيين بحب من قاتلهم ثماني سنوات وشبه وقف حمام دماء المسلمين بكأس سمٌ جرعه مغصوبا رغم أنفه.

 

يوم غدير خم الذي يصادف 18 ذي الحجة من العام الهجري العاشر، يسميه البعض عيدا ثالثا للمسلمين بل يعظمونه أكثر منهما. فقد ذكر الشيخ الطوسي في كتابه ( تهذيب الأحكام ج6/24 ) بأن "عيد الغدير أفضل عيد في الكون" أي ليس على الأرض بل الكون كله! وليس للمسلمين فقط بل لشعوب العالم قاطبة كإنما الإمام خليفة كوني وولايته حاكمة لكل الشعوب والأمم. والأنكى منه أن نسبوا للنبي ( ص ) حديثا" يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي" بحار المجلسي 37/109. ولا نعرف لماذا لم يرد نص قرآني حول هذا العيد طالما إنه أفضل من العيدين الأضحى والمبارك؟ ولماذا لم يحتفل به النبي والخلفاء من بعده سيما الإمام علي نفسه على إعتبار إن العيد مخصص للإحتفاء بولايته؟ وهل كلما خطب الرسول أو مدح أحد الصحابة سيعتبر ذلك اليوم عيدا؟ قد عرفنا للعيدين الأضجى والفطر مراسم كالحج في الأضحى، والصوم في عيد الفطر. فما هي مراسم عيد الغدير بإعتباره أفضل منهما؟ ولماذا لم ترد المراسم لا في القران ولا في السنة النبوية؟

 

تشير الروايات الى أنه بعد عودة النبي ( ص ) وجمع من المسلمين من حجة الوداع خطب النبي ( ص ) فيمن كانوا بصحبته تحت شجرة قرب غدير يسمى ( خم ) ، مبينا فضل الإمام علي ( ع ) بعد أن تناهى الى سمعه بغض بعض المسلمين منه. وأراد النبي من الناس محبة صهره. وفسر بعض المؤرخين بأن الخطبة لم تخرج عن موالاة الإمام وعدم بغضه. فيما يرى فريق آخر بأنها دلالة على ولاية الأمام علي الخلافة بعد الرسول.

 

روت بعض المصادر الإمامية حديثا عن ( البراء بن عازب ) في حديث عن محمد بن عبد الله بأنهم كانوا مع النبي في سفر ونزلوا في غدير خم، وبعد صلاة الظهر مسك النبي بيد علي وسأل من معه" ألستم تعلمون أني أولى بالمسلمين من أنفسهم"؟ وإستطرد" من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله". فهنئه عمر بن الخطاب ( رض ) بقوله" هنيئا يا إبن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة" مسند احمد بن حنبل ج4/281. لكن الذي يضعنا في حيرة إن صح الحديث إن الله جل جلاله لم يستجب لدعاء نبيه الحبيب فلم ينصر الإمام علي بل نصر من عاداه!‍ أنصاره وابنائه من بعده، بل إن عدوه الخارجي عبد الرحمن بن ملجم لم يخُذل في عزمه عل قتل الإمام! فهل بموجب هذا الحديث إن الله نصر إبن ملجم وخذل علي مولى نبيه؟

 

يذكر الشيخ الأميني في ( عيد الغدير في الإسلام ص/21 ) بأنه" قال زيد بن أرقم: عند ذاك بادر الناس بقولهم، سمعنا وأطعنا على أمر الله ورسوله وكان أول من صافق النبي وعلي هم ابو بكر وعمروعثمان وطلحة والزبير وباقي المهاجرين والأنصار". وقد إستمد الأميني حديثه هذا من المؤرخين ابن طاووس وابن خاوند شاه، والمولوي ولي الله اللكهنوي، وعبد الرحمن الدهلوي، واسمائهم هؤلاء الرواة تَدلك على عنصرهم وسبب مغالاتهم!

 

الذي يهمنا في هذا الموضوع ان الراوي سليم بن قيس حكى القصة وختمها بالقول" قال رسول الله ( ص ) بعد نزول الآية/3 من سورة المائدة (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دين )) الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي وبولاية علي من بعدي" بحار المجلسي 37/195. في هذا الحديث فإن الإمام علي له الولاية على المسلمين بعد رسول الله. ومن منا لا يرحب بهذه الولاية فإن للإمام حظوة أكبر من غيره عند المسلمين جميعا مع إنه لم يقدم للإسلام بقدر ما قدمه الخلفاء الراشدين الثلاثة ومعاوية نفسه. لكن الحظوة بسبب قربه من النبي ( ص ) نسبا ومصاهرة وليس غيرها. ولكن الأمور لم تجرِِ حسب الأهواء والقرابة، فالحقائق تفرض نفسها على أرض الواقع، وليس في الخيال والأحلام والتمني.

 

صحيح إن الإمام علي كان يرغب في الرئاسة شأنه شأن غيره، وهذا حق لا أحد يزايد عليه فهو يرى إنه الأقرب من غيره لها بحكم قرابته وزواجه من بنت رسول الله، لذلك رفض هو وسعد بن عبادة ( سيد الخزرج ) مبايعة أبي بكر الصديق ( رض ) دون يقية الصحابة والناس، ورفضا حتى حضور بيعة ابي بكر. وبسبب فقدان سعد بن عبادة الرئاسة والإعتداء عليه في السقيفة  فإنه تعنت بقوة في رفضه مبايعة الصديق وخلفه عمر بن الخطاب ( رض ) . ومن الملاحظ في حديث سقيفة بني ساعدة إنه لم يتطرق الحضور مطلقا خلال مناقشاتهم عن الخلافة بل إنصب الحديث عن الرئاسة لذلك قالوا" منكم أمير ومنا أمير" ولم يطرحوا لا فكرة القرابة من النبي ( ص ) ولا حديث غدير خم  ولا وصية الإمام علي! ولم يستشهدوا بنص من القرآن أو أحاديث النبي ( ص ) حول من يخلفه. حتى أنصار الإمام علي لم يتبجحوا بحديث خم ويحاججون به أقرانهم! بل إن  أبو بكر الصديق إقترح على الحضورأميرا بقوله" من ( أي المهاجرين ) الأمراء ومنكم ( أي الأنصار ) الوزراء" ولم يتلفظ احد بلفظ امامة او ولاية أو وصاية‍ او عن إستخلاف النبي للإمام علي وأبو ذر وعمر بن أم مكتوم خلال غزواته ولا عن إمامة ابو بكر للمسلمين خلال مرض الرسول.

 

كما إن رفض الإمام علي لبيعة أبي بكر كانت في الأساس بسبب فدك وعدم رغبته بإذاء مشاعر زوجته فاطمة التي كانت ساخطة على رفض أبي بكر توريثها أرض فدك. يذكر الشيخ الطوسي" إن فاطمة ( رض ) لما طالبت فدك من أبي بكر، امتنع أبو بكر أن يعطيها إيّاها فرجعت فاطمة وقد جرعها من الغيظ ما لم يوصف ومرضت، وغضبت على عليّ لامتناعه عن مناصرتها ومساعدتها وقالت: يا ابن أبي طالب اشتملت مشيمة الجنين وقعدت حجرة الظنين بعد ما أهلكت شجعان الدهر وقاتلتهم، والآن غُلبت من هؤلاء المخنثين، فهذا هو إبن أبي قحافة يأخذ مني فدك التي وهبها ليٌ أبي جبراً وظلماً ويخاصمني ويحاججني، ولا ينصرني أحد فليس ليٌ ناصر ولا معين، وليس لي شافع ولا وكيل، فذهبت غاضبة ورجعت حزينة أذللت نفسي تأتي الذئاب وتذهب ولا تتحرك ، يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً إنما أشكو إلى أبي وأختصم إلى ربي" كتاب الأمالي/295

 

والدليل على كلامنا إنه بعد موت فاطمة سارع الإمام علي لمبايعة أبي بكر بقوله" لم يمنعنا من مبايعتك إنكار لفضيلتك، ولا نفاسة عليك بخير ساقه الله اليك، ولكن كنا نرى ان لنا في هذا الأمر ( أي فدك ) حقا فأستبددتم به علينا! فأجاب ابو بكر: والله إني ما ألوت في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم غير الخير، ولكني سمعت رسول الله يقول" لا نورث ما تركناه فهو صدقة". لذا كان الخلاف كما يلاحظ حول الأرث فقط. ولو بايع الإمام علي ابو بكر بالتقية كما يدعي البعض من الرواة! فلماذا امتنع عنها 6 شهور ولم يُؤذه احدا او يُجبره على المبايعة؟ ولو صح حديث غدير خم حول الولاية للإمام علي: لماذا إذن  رضي علي بمبايعة من سبقوه؟ ولم قبل أصلا بالتحكيم مع معاوية؟ ألا يعني هذا الزعم بأن من خرجوا عن طاعته بسبب التحكيم كانوا على حق؟ ولاشك إن تأخر بيعة الامام علي لأبي بكر أدت إلى إنشقاق المسلمين وبذر نواة الفرقة ( السنة والشيعة ) رغم ان صيغة الصراع لم تطفو على السطح الا خلال المؤامرة على عثمان بن عفان ( رض ) .

 

والحقيقة إن الإمام على وإبن عباس هم وراء كل الملابسات التي جرت بشأن موضوع الولاية. ولو تجرأ أي منهما على سؤال النبي ( ص ) عمن يخلفه من بعده، لتغير مجرى التأريخ الإسلامي، وجنبونا شرور هذا الصراع المرير والمستديم. فقد رفض الامام علي أن يسأل النبي يوم وفاته عمن سيخلفه بناء على مشورة ابن عباس الذي طلب منه استيضاح النبي عمن يخلفه، بعد أن إشتد عليه المرض بقوله" فإن كان فينا؟ علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا؟ أمر به فأوصى بنا. فأجاب علي: والله لئن سألناها فمنعناها، لا يعطيناها الناس أبدا، لا والله لا أسألها رسول الله أبدا". تأريخ الطبري ح2/ 371 وهذا ينفي حديث خم واحاديث الولاية، فهو يؤكد إن الامام علي خشى ان لاتكن الخلافة له، لذلك رفض أن يسأل النبي ( ص ) عنها! فقد كانت مناورة سياسية لترك الأمور غامضة، لكن الرياح جرت بما لا تشتهيه السَفَن.

 

الولاية هي واحدة من أهم أسباب الخلاف بين السنة والشيعة، وقد بالغ الصفويين في تعظيمها وتفضيلها على جميع الفرائض! فالنوبختي في كتابه ( فرق الشيعة ) /19 يعتبرها بعد النبوة منزلة، ومحمد حسين كاشف الغطاء في ( أصل الشيعة/54 ) / يساويها بالنبوة. والكليني يعتبرها أعلى من النبوة ( الكافي/1-175 ) . في حين يرى نعمة الله الجزائري في ( زهر الربيع/12 ) / وكذلك هادي الطهراني ( ودائع النبوة/114 ) / بإنها فوق درجة النبوة والرسالة. وأوجب الشيخ المفيد ( كتاب العيون ج1/127 ) توفر ثلاثة شروط في الإمام هي العصمة والنص والمعجزة.

 

في القرآن الكريم إشارات واضحة حول الفرائض لا تأويل فيها ولا باطن، في حين لم ترد كلمة الولاية في القرآن سوى في سور محدودة وبمعاني مختلفة كسورة المائدة/ الآية 55 (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )) . وهذ الآية واضحة تؤكد بأن الولاية لله ورسولة والمؤمنين بشكل عام وليس فيها تخصيص لأحد. لكن الشيخ الطوسي اعتبرها" من أوضح الدلائل على صحة إمامة علي بعد النبي" ( مجمع البيان ج2/128 ) . ومن الغرائب أن لايعتمد النص القرآني الصريح وتعتمد الرواية حول تصدق الإمام علي بخاتمه! ويدعي البعض إن هذه الرواية وردت في الصحاح والسنن وهذا دَس وإفتراء إنما وردت في كتب التأريخ والتفسير مثل ( تفسير ابن كثير ج2/76 ) بقوله" ليس بصحيح شيء منها بالكلية لضعف اسانيدها وجهال رجالها". حتى لو فرضنا جدلا بأن الآية نزلت في الإمام علي فإنها تخص ولاية الإمام علي فقط وليس ذريته! وبذلك يخرج الرواة من حفرة ليقعوا في بئر لا قرار له. كما إن الإمام علي أثناء نزول الآية كان معفيا أصلا من الزكاة لكونه فقيرا، وتشترط زكاة الفضة ملك النصاب حولا وما كان للإمام علي منها شيئا. هناك آيات أخرى تخص النبي إبراهيم مثلا في سورة المائدة / الآية 56 (( ومن يتولَ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون )) . وفي سورة الكهف/44 (( هنالك الولاية لله الحق وهو خير ثوابا وخير عقب )) الولاية إذن لله. وفي سورة البقرة/257 جاء (( الله وليٌ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور )) الولاية لله فيها أيضا. كذلك في سورة فصلت/32 (( نحن اولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة )) . نستنتج من هذه الآيات الكريمة وغيرها ان الولاية لله ورسله وانبيائه وأولى الأمر والمؤمنين عامة، اما أن تفسر سورة المائدة/55 بشخص الإمام علي فقط ففي ذلك إجحاف بحق بقية المؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، وهو أمر عسير لا يرتضيه الإمام علي نفسه.

 

عيد الغدير وفريضة الولاية المزعومة ومئات الأحاديث المروية عن تعظيم ولاية الإمام علي ( ع ) وتكفير من لا يعترف بها، نسفها الخميني في كتابه كشف الأسرار، وبذلك طَمَر غدير خم الذي كان يروي ظمأ الصفويين والغلاة بقوله" من الواضح ان النبي لو كان قد بلغ بأمر الولاية طبقا لما أمره الله وبذل المساعي في هذا الأمر لما نشبت في البلدان الاسلامية كل تلك الخلافات والمشاحنات والمعارك" ( كشف الأسرارص/ 55 ) ! هذا الكلام الخطير يمثل إعترافا جليا بأن النبي ( ص ) لم يتحدث عن ولاية الإمام علي، ولم يبلغ بها لا في غدير خم ولا في غيره! لذلك يحمل الخميني غيضا وحقدا كبيرا على النبي ( ص ) فيتهمه بمخالفة أمر الله ويحمله مصائب الأمة. إذن الأحاديث المروية عن تبليغ ووصية النبي بولاية الإمام علي جميعها مفبركه من إختراع الشعوبيين الذين وجدوا في موضوع الولاية والمغالاة في الإمام علي وذريته أفضل طريقة لزرع بذزر النفاق والشقاق في أرض الإسلام. كلام الخميني صريح وواضح غير قابل للتأويل يتفق فيه مع علماء السنة في تكذيب أحاديث الولاية. وهنا يقفز في عقل اللبيب سؤال وجيه: لماذا لم يبلغ النبي ( ص ) بأمر ولاية إبن عمه وزوج إبنته وأب أحفادة وأقرب الناس إليه؟ هل هي عدم قناعته بإبن عمه لإستخلافه أمر المسلمين؟ أم وجود من هو أحق أو أفضل منه؟ أو لسبب آخر، فلابد من وجود سبب معقول يُفسر أو يُبرر عدم تبليغ النبي وعصيانه الرب- معاذ الله- في عدم تبليغ الأمة بأمر الولاية؟ نترك الأجابة الى المهوسين بحب الخميني عسى ان يجدوا له مخرجا من هذا النفق المظلم.

 

المسألة الأخرى: إن الخميني في الحديث السابق رغم الفيض من سيول الهذيان اللفظي واللغوي والسفسطي يقر بأن الله أمر النبي بولاية الإمام علي ولكن النبي عصى أمره بإمتناعه عن تبليغ أمر الولاية للناس. ولكن بعد صفحات في نفس كتابه يكذب حديثه بنفسه، مبينا إن الذات الإهية المقدسة لم يأمر بالولاية، فقد ترك مصير المسلمين بعد وفاة نبيه دون تقرير من يخلفه! ثم ينسى نفسه الوضيعة معبرا عن غيضه على الباري عزٌ وجل بسبب" عدم قيامه- لفظ الجلالة- بتقرير مصير الأمة بعد وفاة نبيه" أي تعيين الولي ( كشف الأسرار ص/123 ) . تناقضات عجيبة في كلام الخميني تُشهر إفلاسه من العلم والمعرفة، فلا يشفع له فيها إحتجاج المتنطعين ولا سفسطة المتفلسفين.

 

 





الاربعاء٣٠ رجــب ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٠ / حزيران / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي الكاش نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة