شبكة ذي قار
عـاجـل










من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، من قعر الموقع إلى أعلاه.. من النزول لمستوى لجم كلب مسعور يعض ذيله بأنيابه، ويعوي بوجه القمر عقب كل مقالة لي، إلى الصعود للسطح لتقاسم الهموم مع فلسطينيين حقيقيين من النوع الذي يشرّف بلده ويشرّف من يقاربه، الأخوة أبو عمر وأبو محمد وأبو فارس وعبد الجليل سلطان وغيرهم كثير كما أحسب، هذا هو آخر تحديث حالة لي ، لذا فأنا أنضو عني لبعض الوقت بدلة العرضات هنا، وأستمتع بإستراحة المقاتل .


وأنا أوجه هذه المقالة للذوات الكرام أعلاه، وبالذات للأخ الغالي أبو فارس شريكي في الغربة وفي مصيبة فقدان الوطن وفي أكثر من رابطة، والذي تفضل فذكر كيف يتميز العراقيون بخصوصيات محببة للنفس وبسخرية متميزة لا تتعارض مع مبدئيتهم ( أحسبه قد خط بيده عنوان مشروع مقالة ليست بالميسّرة لي مطلقاً، وأعني بذلك مشروع الإجابة عن السؤال التالي: من هم العراقيون ؟ ) ، وكان جو بوب برِكَس قد كتب قبل بضع سنين مقالةً قصيرة ومتميزة ،وجّهها إلى مواطنيه في أميركا ، في وقت كان غالبيتهم يحسبون أنّ العراقيين هم ( هنود سمر ) أو فيتناميون بملامح صحراوية ، لا بأس بإبادتهم والتنكيل بهم فهم عالة على البشرية ، فجاءت هذه الموجزة و البليغة منه لتفتح عيوناً مغمضة وتنوّر أدمغة منشغلة بكل شيء دنيوي إلا جرائم الجمهوريين في العراق وأفغانستان ، ولتبتديء مشوار التوبة والإحساس بالذنب الذي إنتهى قبل أيام بجنود مارينز يرمون أوسمتهم أمام القصر الأبيض ويعلنون البراءة مما ورطتهم فيه قياداتهم . المقالة كانت بعنوان ( من هم العراقيون؟ ) ، ضمنها الكاتب مآثر سطرها أجداد العراقيين الحاليين على مدى التاريخ وغابت ليس فقط عن بال مواطني بلده هو ، بل عن بال غالبية العراقيين ممّن هم غافلين عن تاريخهم الحقيقي، وأعني تراث الإنسانية النافع والذي ساهموا به إن لم ييتولوا كبره ويمتطوا موجته لوحدهم ويقدّمونه هدية للعالم كله، هذا هو ما أقصده، وليس موروث المَقاتل التي حصلت على أراضيه وتم تصويرها لاحقاً كما لو كانت معارك السماء خاضها العبد الصالح المعصوم نيابةً عن الملائكة، وفق نفس معتقد مناصري الحملات الصليبية الذين كانوا يخدرون عقولهم وضمائرهم بتهمة يلبّسونها على أهل المشرق، أنهم الرس الشرير المستحق للقتل بالجملة ، لذا رأينا ما جرى على أرض العراق هو هوَ نفسه، الخليفة يذبح ويقطع الرءوس بالآلاف معتمداً على مقولة نسبها إلى نبي الرحمة ( !! ) ، والعباد يسبحون لله ويهزجون له بالثناء على معجزة إستئصال آلاف المسلمين من حفظة القرآن الزاهدين ، كما لو كان إهدار دماء المؤمنين بالله عملاً تقرّبياً لله تعالى تصفق له الملائكة حول العرش وتستحسنه، كما لو كان الله تعالى قد خوّل إبن عم النبي وصهره في نفس الوقت، ما لم يخوّله لأحد من العالمين سواه ! وتلك كانت واحدة من الطامات الكبرى الثلاث ، التي حرفت مسار الإسلام من طرح الذات ومجابهة عوالم الوثنيين والمستعمرين القدامى في فارس و روما على التعاقب، إلى نقض الذات وقتال البعض مع البعض الآخر ، فأخذ الإسلام يدور في دوامات فراغية لا تغني ولا تسمن من جوع، بدل المجرى الهادر الذي إتسم به قبل خلافة علي بن أبي طالب وعقبها، ولا تعجبوا من بعدها كيف أنّ دالة تاريخنا تلف وتدور حول نفسها كتيارات الدوامة ، ومن ثم تزول بدل التوسع ، بدل التقدم للأمام كما هو شأن بقية الأمم المتحضرة، ولا تتعجبوا لماذا لا نشهد أيّ تحسن بالأداء طالما هناك ملة من البشر يروّجون للبغضاء من مبتداهم ويرضعون أطفالهم كل ذلك ويحرصون عليه متصورين أنهم يحسنون صنعاً ، فما فائدة أن تزرع أنت إذن وغيرك يُعلم ولده كيف يتفنّن وهو يقطع ويتلف ويخرّب ؟ وهذه هي حالة من حالات العراق حيث المتخلفون عن ركب الحياة يضاددون المتنورين في كل العصور، ويحاولون سحب البساط من تحت أقدامهم بحجة كونهم ورثة الأئمة وجنود المرجعية المجنّدين فهذا هو أفضل غطاء يستر تخلفهم العقلي وبشاعة نفوسهم من الداخل ،لكن كل ما ينجحون به في نهاية المطاف كان إفشال الأمة وتخريب مكتسبات من سبقهم وإزالتها من على وجه الأرض للعودة للمربع الأول ، إيد من وره وإيد من كَدام كما يقال ! الموضوع متعلق بالحسد وبالغيرة ، وبإصرار الخاسرين على تولي دور القيادة . نحن الأمة الوحيدة التي تقزّم نفسها بنفسها لتنتج عقول البونزاي هذه، رجال بعقليات صبيان، حيث لا أحد مسموح له أن يقارن مع من سبقه بل يتم تقييمه بمدى خضوعه لمن سبقوه ، لا بكم من التجديد يجلبه وكم من الغموض يزيح، والسبب الرئيسي لذلك هو تبعية ملايين العرب المسلمين لحوزة قم وطهران تبعية الخراف للكبش ، فهاتان المثابتان تؤلفان الأساطير والخرافات وقصص التفضيل والتأليه منذ قرون، تطبع الكراسات وتوزعها هنا وهناك ، وتتوليان إخراج ومونتاج السيناريوهات المتخلفة التي تجعل العقل العراقي الشوارعي يجتر نفسه ويبتلع طعام الأمس البعيد عاماً بعد عام، جيلاً عقب جيل ،ومن ثم يقشمر واحدهم نفسه بأنه ( يستمتع ) بما يبتلع ويستفيد ! وكان يقال قبلاً: مصر تؤلف وبيروت تطبع وبغداد تقرأ، فما أحلى المضمون، اليوم: طهران تؤلف وتطبع، و بغداد تقرأ، والعراق كله يرجع للخلف !


سبع عشر نقطة موجزة من أصل تسع عشر سطرها الأمريكي المنصف ،تعرضت لسبق العراقيين لغيرهم من أمم الأرض بما يلي: نظام الري،حساب الوقت، الكتابة ،الرياضيات، الفلك، تدوين التاريخ والشعر والملاحم على مدى ألاف السنين، حماية الضعفاء والأيتام والأرامل وفق شريعة حمورابي ، الفلسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام ، إستباق نظرية فيثاغورس بألف وسبعمائة عام، إبتداع مادة بناء تمكنهم من تشييد صروح عالية ، كونهم أول من لجأ لبناء المدن والسكن فيها ، زج الخيالة بالحروب بفعل إتقانهم ترويض ومكاثرة الخيول، فتح جامعات إستقدمت العلماء والمفكرين من كل أنحاء الأرض بحدود العام 800 ميلادي لتدريس الطب و الرياضيات والفلسفة واللاهوت والأدب والشعر . أما بقية النقاط فقد أوردها فقط لإبراز أهمية موجودات متاحف بغداد من الأثريات المهمة للعالم كله ، وكون بغداد إحدى أهم عواصم العالم رقياً وحضارةً طيلة الإثني عشر قرناً الأولى من عمرها، ولإبراز عائدية البشر كلهم لمدينة أور ، وكونها مهد الخليل إبراهيم مرجع الديانات السماوية الرئيسية الثلاث .


و هناك على إحدى المواقع حيث تم نشر هذه المقالة ، لم تنج من تعليقات بعض الحمقى ممّن فضحوا بأسئلتهم مدى جهلهم بالعالم من حولهم، أحدهم قارن بغداد بدمشق أو حلب ، وآخر ركز على الخيول لأنه حصان كما يبدو ، لكن عموماً، فقد فات جهابذة البنتاغون أن يلقنوا جنودهم قبيل الغزو الأخير محتويات هذه المقالة الموجزة لبركَس، فقصروا حملة التثقيف التي عمّموها على جنودهم الغزاة ، على جملة أمور من وزن ( لا تحدقوا بوجوه النساء، لا تجلسوا وأحذيتكم تواجه وجوه الرجال هناك، وهكذ ) !


ولكنني لا أفكر يا أخي أبا فارس الفلسطيني مثل جو بركَس حتى، أنا يتنازعني أمران حيال غالبية هذه النقاط ،ولو شئت أن أفعل مثل مفرطي الوطنية من العراقيين والسوريين واللبنانيين على الموقع هؤلاء ممّن لا أراهم إلا كما كان جورج أورويل يراهم، أهل باطل يغطون عليه بما يحسبونه فضيلة لا مجال للتشكيك بها ، لطبلت وزمرت لهذه المقالة ، أنا في حقيقة الأمر لا أجد نفسي مع عراقيين بالملايين ربما، لا تجمعني بهم أية رابطة ، لم يتلقوا من التربية والأخلاقيات أيّ شيء ، ولا مكان لحروف إسم الله في قلوبهم ، وأراهم سبب بلاء العراق ومصدر اللعنة التي نزلت علينا ، فالبلاء يوم يحلّ، لا يحلّ على ملة لا تستحقه، الموضوع يحتاج لتجرّد كبير وتعقب مصادر الخلل في المجتمع وفي القيادات، ومن ثم التبرؤ منهم وخلعهم بدل التعصب لهم باعتبارهم ( من لحمنا ودمن ) ، وهذا ما حكاه أحد الأخوة الفلسطينيين أعلاه، لذا تراني أسأل هنا :


من هم العراقيون حقاً من بين هذه المزدوجات؟
العراقي الذي قاتل الصهاينة في عام 48 و 73 وقصف تل أبيب في التسعين الأخيرة، أم ذاك الذي قتل الفلسطينيين بالبلديات جنوب شرق بغداد وطارد أقرباءهم في كل مدن العراق حتى أخرجهم في شتات آخر إلى أميركا الجنوبية ليُحلّ الأعاجم السفلة محلهم؟


العراقي الذي بنى العراق وبلط شوارعه في أبعد الجبال وأعلاها وأشدها وعورة أم الذي نهب في كل موقعة وأحرق و دمّر ، ولا زال مستعداً أن يفعل؟
العراقي الذي اجتهد أن يكون الأول في كل سباق ومضمار تنافس علمي أو رياضي أو أدبي أو فني ، ليكون فخر بلاده بنظر الغربيين لدرجة تمنيهم أن يعمل لديهم ، أم ذاك الممعن بالفساد والشهوات والتغالب مع غيره بدون وجه حق لدرجة تبغيض الناس بكل العراقيين؟


العراقي الذي لم يثنه الحصار الطويل عن إستقامته ونزاهته أم ذاك الذي إتخذ شكل الإناء الذي وضع فيه، وليس له وزن؟
العراقي الذي ربّى أولاده وبناته على ما تلقاه من والديه من أفضل أشكال التربية والتوجيه ، رغم معرفته بأنها بضاعة خاسرة لو تم تقييمها وفق معايير المادة و السوق والشارع وحتى أنظمة الدولة التي لا تميز بين صالح وطالح، لا بل تجعل الذين لا يعلمون خيراً من الذين يعلمون؟ هذا أم ذاك الذي يربي أولاده ليكونوا كلاباً وضباعاً وذئاباً لا تحسن سوى نهش غيرهم من الناس كما لو كانوا نعاجاً مستحقة للنهش؟


العراقي الذي اقام محكمة العدل والحق بقلبه ، بلا شريعة حمورابي بلا نيله كما يقول المصريون، أم ذاك الذي ألزم نفسه بعقلية العشائرية والمحسوبية وشريعة الغاب؟ ما نفع مسلة حمورابي طالما هي نصوص منقوشة على الحجر ،لا دستور لدينا لغاية اليوم ولا قوانين أو حصانة تشريعية تننتصر للعدالة وتنفذها على الجميع، بحيث نفتخر بها؟


العراقي الذي لم يكن شنآن حاكم البلد يجرمه أن يجنح لإقتراف السيئات بحق أبناء بلده ، أم ذاك الذي كان يحارب كل منجزات الدولة بفعل معارضته للحكومة أو القيادة آنذاك، يشكك بكل برامج التعليم والتوعية الصحية بغية تسقيطها، ويتحجج بما يخوض به الحاكم كي يخرّب الوطن أكثر ممّا هو مخرّب أصلاً، باعتباره من الناس الذين هم على دين ملوكهم، أو بعبارة أصح ، الناس الذين هم على لا- دين ملوكهم، وهو في الحقيقة معارض لهم عقائدياً !؟


العراقي الذي مرجعيته هي ( الله- الوطن ) ولا شيء غير ذلك ، أم الذي يعيش ضمن حلقات من التعصب والإنتماءات المنافية للوطنية، المدينة، العشيرة، الطائفة المذهبية، القومية، وغير ذلك من الهويات التي ينبغي لها أن تعمل لوحدها فحسب، وفي مناطق تأثيرها لا غير ، لكن ليس كبديل عن الوطنية ، مطلقاً ؟ العراقي الوطني أم العراقي الطائفي الذي مرجعيته هي ( الإمام –أولاد الإمام- إيران الإمام ) ولا شيء منه للأمام بل هو كله للخلف !؟


وهي مقارنة بين من شنقه الخمينيون على سبطانة دبابة في البسيتين وهو يذب عن حدود العراق ( سنياً أو شيعياً أو غير ذلك ) ، ومن شنق الناس بالجملة أيام قاسم الحمراء تلك، وأيام الجعفري قبل سنين كونهم من أهل السنة أو من الشيعة العراقيين غير المتفقين معه بتبعيته لإيران ، من هو العراقي من بين هؤلاء؟


وهي مقارنة أخرى، بين من زغردت للغوغاء وحملت قاذفة القنابل في التسعين تحت عباءتها لترمي بها جنوداً حموا عرضها طيلة عشر سنين، ومن ثم هزجت وهللت لدبابات المحتلين عقبها بسنين فهذه هي ( شغلته ) القديمة نفسها.... ومن زغردت لجنازة الشهيد إبنها أو إنهارت على تابوت إبنها المقتول بلا ذنب، من هي العراقية حقاً؟ ومع من يصطف الشرف؟ أيّة واحدة من هذين الصنفين من الأمهات تسير بها قدماها فوق زعفران الجنة وعشبها حقاً؟


وهي مقارنة بين أمّين، واحدة تزرع المقت الطائفي وبغضاء الصحابة وأمهات المؤمنين في عقول صغارها مع الحليب الزنخ، من عمر الطفولة وقت لا عقول تحسن التمييز قد تشكلت داخل رءوسهم بعد، وأخرى تجتهد ألا تسمح لهكذا تعاليم بالمرور فوق رءوس أولادها أو تستقر على أطراف ألسنتهم ، من الأجدر بهوية العراقية؟


وهي مقارنة بين من رتّب ألف كذبة إضطهاد ملفّق، ليخرج من العراق عقب الحرب الأخيرة إلى ترف الحياة الأوربية والكندية والأمريكية وإعانات السوسيال ، بعد أن عاش فيه عمراً غير مبارك فيه، لا عطاء نضح منه ولا نفع بدر منه للبلد وأهله، إن لم يكن نقيض ذلك، بغضاء وسرقة وضرّاء للغير ، هذا مقابل ذاك الذي بقي يتلظى فهو قابض على الجمر ، أو خرج بأعذاره وإنقاذاً لعرضه وأهله إلى أتون غربة أخرى تزيد جروحه جراحاً، مَنْ مِنَ الفريقين أجدر بالأمن وبهوية العراق؟


 ( لا يخلو زور من واوي ) ، كذا يقول العراقيون، في كل بيئة هناك اللص والسيء والسمسار والخائن غير المؤتمن والإنتهازي المتلوّن ، والعراق ليس إستثناءاً لهذه القاعدة ، إلا أنّه تم إختباره وتمحيصه بالنار أكثر من مرة ، وإلى أعلى من درجات إتقاد النفوس، فاحترق من احترق ليطفو كالخبث، وبقي من ينفع الناس ماكثاً في القاع .


ميزة مهمة للعراقيين هي الراديكالية، فهم إنعكاس لبيئتهم وأنواء الجو التي تحكمهم ويكفي حر الصيف لتفسير ذلك، فالشدائد تخلق التنافس المحموم وتخلق التدافع وتجهز على الأخلاقيات والتقاليد وترفع التكلف وتخلق جو المباشرة بالتصرف عندما يرجع الإنسان إلى ما قبل عصور الأتيكيت فيأخذ ما هو بحاجة ماسة إليه، وبكل فظاظة ، وهذه هي واحدة من أقبح نتائج الحصار وضعف الإيمان، لذا ترى ما لا يسرّك غالباً، لكنه إنعكاس الظروف الخارجية أكثر منه طبيعة مخلوقة، وهو نمط توريث العادات بفعل الإنغلاق الثقافي والجمود الديني والإجتماعي، والتزاوج من الأقارب وعدم تغيير بيئة السكن إلا لماماً .. المجتمعات العراقية هي مجتمعات ستاتيكية تنقصها الديناميكا، باستثناء بغداد ولدرجة ما .. الراديكالية هذه تجعل طيّبهم طيّباً فوق العادة، وخبيثهم لا مثيل له في أيّ بلد آخر ربما ، لذا يصح مع أمثال الأخير هذا فرط الكراهية والبغضاء ، لأنّ المسيئين لا يمكن التصالح معهم ولا يمكن مقاربتهم أو مودتهم .. مرحباً بكم في عراق ما قبل ... بعيداً بالماضي يوم كانت السذاجة دمغة واقعية وسمة عراقية ، قبل أن يشرع البائع بدس الماء في الحليب، ويوم كانت الضيافة طقساً إلزامياً قبل أن تفسدها زحمة المعيشة المدينية وتلاشي القيم الأصيلة ، ويوم كانت العفوية بالكلام هي الغالبة على اللسان وكان الكفر واللعن شيئاً يوجب الصفع واللطم من كل عابر سبيل ، مرحباً بكم في عراق ما قبل.. بعيداً بالتاريخ قبل عام 1958 ، قبل أن تصدر الأوامر من موسكو فتبتديء مهرجانات شنق الناس في بغداد والموصل وكركوك بدافع المظلومية الشيوعية، والتلذذ بمناظر الموت وعدم إدانتها ولا السماح بمحاكمة مرتكبيها لأن الهوية الحزبية طغت على الهوية العراقية ، وقبل أن تبتديء محاكمات إعدام الضباط الوطنيين بكل الحجج ليسود الجبان الإنتهازي ويُجتث الشريف البطل ، ومن ثم لينقلب الشعب على السلطة المجرمة تلك عقبها فيذيقها بعض ما أذاقته للوطنيين الأبطال ، وتستمر هذه المشاهد في كل مرة يتغير فيها نظام الحكم، حتى انتهينا بما إنتهينا إليه وبه . لقد تعرض هذا البلد بأناسه ومقدراته إلى أقسى إختبارات، وتم وضعه مقابل خصوم أكبر منه حجماً وكان مقدراً له أن يتغير، لكن لا زال البعض يعيشون في فقاعة خارج الزمان ويتصرفون وفقها فهم محافظون ، بينما البقية انزلقوا، فتراهم يغشون التموين ويسرقون ساعات التشغيل للمولدات ويتقاضون الرواتب كموظفين من دون عطاء يجعل رزقهم حلالاً ، ويسيئون الجيرة كما لو لم يسمعوا بكم وصّى الأمين نبينا الكريم بحسن الجوار.. وكله بحر يموج ببعضه، إختلط فيه الحابل بالنابل ولم يعد ممكناً تلمس الخط الأبيض من الخط الأسود من ليل العراق البهيم، ترى كثرة من هؤلاء وقلة من أولئك لذا تنطبق عليهم الآية الكريمة ( ظهر الفساد في البر والبحر... ) كما أرى والله أعلم، ربما إنّ ما يمنعه تعالى من أن يقلب الأرض على رءوس هؤلاء القوم الذين أهلكوا الحرث والنسل في بحر تسع سنين لا أكثر، هو وجود بقية لا زالت على عهدها مع خالقها ، فمن هم العراقيون المستحقين للمديح، أولئك أم هؤلاء؟


وهو حال غالبية البلدان والمجتمعات من حولنا كما هو مفهوم ، لكن البلد الذي صنع الأبجدية واستقدم العقول والكتب لينشر العلم في العراق وما جاوره، حريّ بأن يكون حاله أفضل بآلاف المرات من المستوى الذي تردى إليه بفعل الطغمة الحاكمة وما أوصلوه إليه، اليوم ، ومقارنة مع ما أورده السيد بركَس،لا نظام ريّ يعمل كالسابق بل الجفاف والتصحر هما السائدان، فالأمن المائي تم تخريبه قبل غيره لذا يستورد العراق كل حاجاته الغذائية من جيرانه فكذا تم التخطيط له ، ولا أبنية أو مدن تستحق التقدير بل عشوائيات قبيحة مترتبة على التهجير وتغيير الخارطة الأثنوغرافية ، والتخطيط العمراني للمدن العراقية لا ينزل لمستوى إنحطاطه حتى تخطيط المدن الأفريقية التي لا نفط فيها ولا غاز أو معادن .. لا طب يستحق الإحترام ولا رياضيات ولا فلسفة ولا فلك بل تنجيم بالسحر والشعوذة والأحجار الكريمة وقواها الخفية ، لا تدريس كالسابق بل ( تحفيظ ) على القلب في مكافحة شريرة لدور العقل وهذا ما معمول به منذ عقود والعرض مستمر نحو الأسوأ اليوم ، لذا لا غرابة أن يتردى مستوى العراقيين اليوم، بالمجموع وليس القلة المتنورة منهم، عن أولئك الذين أتحفوا العالم بكتب واجتهادات وتفسيرات لم تتقيد بعلوم الدين فحسب بل علوم الحيوان والإجتماع والطب والرياضيات . ليسمع المأمون في قبره بما جنته أيدي المعممين على العراق وعلى بغداد التي جعلها قبلة للعالمين في عصره فأصبحت مثابة شذاذ الأفاق والمنحرفين، لا شيء تبقى من عاصمة كانت عَلماً بين المدن وقبلة للعشاق من طالبي العلم والأدب والفنون ، لا شيء منه بل مزابل متجاورة وجدران الكونكريت القبيحة ، والسلاح ومخافة الإعتقال يجبران المواطن على الإبتسام والقاء التحية بوجه قاتليه عند السيطرات كل بضعة دقائق ، لا متحف كالذي كان في بغداد وبقية مدن العراق مما حكى بركَس عن كم سيتسبب بالحزن لمتعشقي العلوم والآثار في كل العالم لو طالته قذيفة، فقد طال القصف والنهب والتهريب كل ذلك التاريخ ، والوزراء والمسئولين في الحكومات ضالعون كلهم بالخراب هذا ، قبل وبعد ، لكن ( بعد ) هذه فاقت كل الحدود، فحزب الدعوة الإيراني يتولى تهريب الآثار لإنكَلترا في واحدة منهن فحسب مما إنكشف أمره، وما خفي كان أقذر، لذا وجب الكلام ولزم البوح.

 

 





الجمعة ٢ شعبــان ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / حـزيران / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كتابات أبو الحق نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة