شبكة ذي قار
عـاجـل










 

بسم الله الرحمن الرحيم

 ( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على السواء إن الله لا يحب الخائنين )

صدق الله العظيم

 

 

الناس ترى بفطرتها وبديهيتها، أن الخيانة فعل فاحش يدل على قذارة نفس الخائن، والأمور الإجتماعية التي يعرفها المجتمع بالفطرة، ويجعلها مسلمات لا تقبل التأويل والتبديل، من الصعب تعريفها وتحديدها بمحددات، فهي شيء لا يقبل الجزئية والنسبية، يا أبيض يا أسود، ليس هناك تباين في كشف معادن الناس تجاهها، فلا يوجد نصف أو ربع أو قليل الإقرار بوحدانية الله، ولا يوجد نصف أو ثلث مؤمن، كذلك لا يوجد نصف وطني، ولا نصف شريف، فهذه المسلمات أولا إنها بديهية في وجدان الإنسان وثانيا ليس فيها نسبية، ولذلك أصعب شيء يواجهه مفكر أو كاتب أو مثقف أن يضع لها تعريف، ولذلك يلجأ الى المقارنة والأدلة والأمثلة لتوضيح معانيها، ويعرف القانون الخيانة أنها جريمة مخلة بالشرف ... هذا التوصيف القانوني والإجتماعي دقيق جدا وينطبق عليها تماما، فهي ليست جريمة جنائية، ولا خطأ يرتكبه شخص ما بجهل، أو رد فعل على ظلم أو حيف تعرض له من قبل فرد أو جماعة، كأن يكون الحاكم أو الحكومة، بل هي إستعداد نفسي لفعل الدونية، وهي إنحراف أو بتعبير أدق شذوذ أخلاقي لممارسة فعل واطيء بوعي ودراية تامين، ولهذا يعبر الناس عن فاعلها وأمثالها من الأعمال الفاحشة بالساقط أخلاقيا. فكم اليوم في العملية المخابراتية القائمة في العراق من هؤلاء؟

 

إمتهن البعض الخيانة والعمالة مهنة يتكسبون منها، وباتوا يتصورون أنها أمست أمرا عاديا ومقبولا إجتماعيا، لكثرة من ركس فيها وسقط في ذلها وهوانها، وبوضاعة البعض وموت ضمائرهم، وعندما يجعل المرء نفسه سلعة معروضة للبيع تصبح الخيانة أمرا مألوفا ومقبولا عند هذا البعض ويحاول أن يوجد له مبررات، ويضع له فلسفات تبيحه وتشرعنه، وحقيتها هي سلوك لا أخلاقي ينتج عن وضاعة في نفس فاعلها، ودنائة ناتجة عن طمعه في كسب المال والمنصب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبة وسلم: ( تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة ) .

 

كل من يقف مع الفساد والمشروع الفارسي متمثلا بالمالكي ينطبق عليه ذلك.

 

كل الناس يرددوا القول العام ( الشرف كالزجاج إن كسر لا يصلح ) ، فالخيانة ليست خطءاً يعتذر المرء عنه فيقبل إعتذاره، ولا ذنب يتوب عنه فيغفر، بل هي فاحشة دنيئة وساء سبيل، كالزنا بالمحارم، وهي مثيل للنذالة والديوثية لا تمحى بتوبة أو بإعتذار، فالمثل الشعبي يشبه الخيانة بالموت، فيقول العرب: ( الخيانة زي الموت لا رجعة فيه ) .

 

 فالشرف ليس ثوبا قد يتسخ فنغسله ليستعيد نظافته ورونقه، وليس إناءا تنجس بولوغ كلب فيه فنعفره ونشطفه ليطهر، ويستعيد صلاحيته صحيا وشرعيا ويصبح قابلا للإستخدام.

 

كان أحد الأصدقاء يحدثنا مرارا عن شخص غاية في الثراء، يملك مالاً كثيرا وأطيان وحرث وأنعام، لكنه لا ينجب، راجع أطباء كثيرون، فقالوا له لا يوجد خللا يمنع زوجتك من الحمل فكلاكما صاح ولا توجد علة فيكما، فأشار عليه بعض مقربيه بأن ينذر نذرا لله إن ولد له طفل، فأخذ بنصيحتهم، وبعد مرور فترة الحمل وهب الله له ولدا، ولكنه لم يفي بنذره، 

 

الخيانة إحدى صفات المنافق، وهذه أقوال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تؤكد ذلك: ( آية المنافق ثلات: إذا حدث كذب، وإذا وعد خلف، وإذا أؤتمن خان ) ، و: ( لكل غادر لواء يوم القيامة يقال هذه غدرة فلان ) .

 

والخيانة هي كفر وهي فاحشة في مجال الدين والوطن والجماعة والأهل،  وقد ما ورد في القرآن المجيد عن خيانة إمرأة نوح وإمرأة لوط ، قال تعالى: ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين ) التحريم 10، فقد سأل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن نوع خيانتهما، فقال : ( كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تطلع على سر نوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، وأما امرأة لوط فكانت إذا أضاف لوط أحدا أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء ) .

 

والزنا هو خيانة الحياة الزوجية، وقد نهى الله تعالى عنه بمحكم كتابه الكريم : ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيل ) الإسراء 32.

 

وكان العرب قبل الإسلام يرون خيانة الوطن جريمة يستحق فاعلها الرجم، وقد جاء في سيرة ابن هشام رحمه الله أن أبرهة بنى كنيسة وأراد أن يصرف العرب إليها فذهب إليها رجل من العرب وأحدث فيه ( أي تغوط وبال ) ، فعزم أبرهة على هدم الكعبة، وسير لذلك جيشا وخرج معه بالفيل حتى وصل الطائف، فخرج إليه مسعود بن متعب فقال له: أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ونحن نبعث معك من يدلك الطريق، فبعثوا معه أبا رغال، وفي الطريق الى مكة مات أبو رغال فرجمت العرب قبره. فقبره الذي يرجمه الناس بالمغمس عند إدائهم لمناسك الحج، وظل العرب ‘لى يومنا هذا يلعنوه ويصفون من يخون بأبي رغال.

 

فنستعيذ بالله من الخونة والخيانة، ( إن الله لا يحب من كان خوانا أثيم ) ، النساء 107، فلعنة الله على كل خائن نجس في كل وقت وحين.

 

 





الثلاثاء ٦ شعبــان ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / حـزيران / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الله سعد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة