شبكة ذي قار
عـاجـل










القول الشائع في مجالسنا العراقية هو أن لا نتكلم بالسياسة أو الدين ، ومصدر ذلك هو الخوف من أن يتحول النقاش السياسي أو الديني الى حالة غضب وتصادم بين الأصدقاء فيفسد الجلسة ويحول الأصدقاء الى أعداء .

 

لاشك أن وراء ذلك حكمة ، ولكن نحن نعلم أيضا أن ذلك قد حصل على مدى سنوات طويلة ومزق المجتمع وحتى العائلة الواحدة . فلقد نشأنا في بيئة يسودها الصراع السياسي لدرجة العنف والقسوة والقتل وعلى مدى أكثر من ستة عقود من الزمن .  كما تميز المجتمع العراقي والعربي والإقليمي كذلك بصراعات دينية ومذهبية مخفية أحيانا وظاهرة في أحايين أخرى عندما تسنح الفرصة لذلك .

 

ولأن التجربة والممارسات الحياتية تعلّم الإنسان عادة ماتعجز عنه المدارس والجامعات والشهادات ، فقد إكتشفنا من خلال ذلك أن الصراع المذهبي بين أبناء الدين الواحد .. والصراع الديني بين طائفة وأخرى ، تقف وراءه أحزاب تحمل في ظاهرها الإسم الإسلامي ولا تخرج في جوهرها عن الأطر السياسية وألاعيب السياسة القذرة . وفي سبيل ذلك تقوم بتوظيف رجال عرفناهم تحت مسميات ( رجال الدين ) و ( علماء الدين ) والفقهاء وأصحاب الفتاوى . واكتشفنا أكثر من ذلك .. أنه حين سنحت الفرصة لهذه الأحزاب بتسلم السلطة والحكم في العراق على سبيل المثال أو في بلدان عربية أخرى من خلال ربيعها ، رأينا الدعاة من رجال الدين وفقهائه يشغلون المناصب السياسية ويتحول الجميع الى تحقيق الأهداف السياسية لأحزابهم ( السيادينية ) وهو مصطلح أجد نفسي أخترعه للجمع بين السياسة والدين .

 

لا أعتقد أنني أتجنى أو أخطئ التقدير والأمثلة أمامنا شاخصة سواء في العراق أو بعض الدول العربية أو الإقليمية الأخرى .

 

ويبقى السؤال :

هل أن هذه الأحزاب الدينية عملت على خدمة الدين والتي رفعت شعاره لسنوات طويلة ، أم أنها إتخذت من الدين مطية لكي تحقق أهدافا سياسية محضة لخدمة القوى السياسية الكبرى في العالم ومنها الصهيونية والتي تضع وتحرك السياسة العالمية بشكل واضح وعلني دون الإستتار وراء عمامة أو حجاب ..؟

 

قد يقول البعض أن هذه الأحزاب فرضت تطبيقات شرعية من الدين على البلاد والعباد تحت حكمها . منعت الخمور بيعها أو تعاطيها .. منعت الميسر وأغلقت أبواب المحال التي تمارسه .. منعت الدعارة واتخاذها مهنة .. التزمت بالشعائر والممارسات الدينية وألزمت الناس بها .. فرضت الحجاب والنقاب على النساء .. وشجعت على إطلاق اللحى للرجال ... والى آخر القائمة

 

أقول نعم .. هي فعلت ذلك ، ولكن ، هل هذه جميعها تمثل كل الدين ..؟ أم أنها فقط جزء منه فيما يتعلق بالمظاهر والظواهر ..؟ تمت إساءة إستخدام بعضها وتحول البعض الآخر منها الى السر بدل العلن أو تم إلباسه لباس الشرعية المزيفة فتحولت الدعارة أو الزنى على سبيل المثال الى مسميات جديدة مشرعنة مثل المتعة والمسيار والمسفار والزواج العرفي ... وهكذا .

 

ثم ماذا عن إذكاء الصراع بين مذاهب الدين الواحد ..؟

هل رأينا مثل ذلك كما يحدث اليوم في العراق مثلا في ظل أي حكم سياسي علماني مرّ على العراق ..؟ أترك الجواب للعراقيين أنفسهم ومن كلا الطائفتين .

 

وليس فقط العراق .. رأينا ذلك في كل بلدان المنطقة عربية أو غير عربية .

 

عندما كان الفكر العلماني يحكم ، كانت هناك الممارسات الدينية للشعائر والمناسك طبيعية وفي أفضل حال . وبقيت علاقة الفرد بربه وتمسكه بدينه قائمة لاأحد يجبره على تركها أو تغييرها الى طائفة أخرى أو مذهب آخر أو التحول من دين لآخر .

 

وهنا يمكن أن أضرب مثل حي على دولتين إقليميتين كبيرتين .. إيران وتركيا ، وكلاهما يمثل المسلمين فيهما نسبة أكثر من 90% من مجموع السكان .

 

إيران دولة دينية تطلق على نفسها إسم الجمهورية الإسلامية . وتركيا دولة مبنية على النظام العلماني .

 

بمقارنة بسيطة نرى مايلي :

 

تركيا العلمانية ، ومن زار تركيا واطلع عليها عن كثب يعرف ذلك ، تملأ مدنها المساجد التاريخية من العهد العثماني . يتوجه الناس الى هذه المساجد خمس مرات في اليوم ، وتزدحم بهم أيام الجمع والأعياد وفي ليالي شهر رمضان . لا أحد يمنعهم أو يضع العراقيل في طريقهم أو يجبرهم على طقوس معينة دون أخرى أو يكفّرهم أو يجبر إمام وخطيب الجامع بأن يدعو خيرا في خطبة الجمعة لعبد الله غول أو رجب طيب أوردوغان ..!! وكلا الرجلين وهما رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء يعتبران ذي توجه إسلامي  وترتدي زوجتيهما الحجاب .

 

تركيا السياسية تعلن للعالم أنها عضو في حلف الناتو .. ولا تخفي علاقاتها السياسية والإقتصادية مع أميركا والغرب وحتى إسرائيل .. وتطالب بالدخول الى منظومة الإتحاد الأوربي .

 

على الجانب الآخر إيران الإسلامية .. هدمت آلاف المساجد التابعة لمذهب أهل السنّة وتضييق الخناق عليهم وتحاول فرض فردية المذهب الواحد . تفرض ، وهي الدولة المسلمة ( ولا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى ) الفكر العنصري القومي على سكانها من غير الفرس مثل الأحواز العربية أو الأكراد أو التركمان أو البلوش .. وغيرهم . تسب أميركا وتسميها " الشيطان الأكبر " وتتحالف معها في السر ضد العراق وأفغانستان ، وهذا باعتراف قادة سياسيين فيها ومعممين في نفس الوقت . تعلن عداءها لإسرائيل وتمد معها الجسور سراً .. " إيران كيت " مثل واحد من أمثلة كثيرة . تقف موقف العداء والتآمر من جيرانها العرب . هذا الموقف العدائي هو موقف سياسي أصلا ويتخذ من " تصدير الثورة الإسلامية " أي فرض مذهبية معينة ، شعارا وبحجة المظلومية التي برع بها مّن يُسمَون " رجال الدين " !!

 

وإذا مانقلنا المثل أو المقارنة التركية ـ الإيرانية الى دول عربية أخرى ، نراه ينطبق تماما .. بعضه قد اشتد عوده ، وبعضه في دور الحضانة ، والبعض الآخر قد خرج للتو الى الوجود كما هو الحال في النظام السياسي العراقي حالياً .

 

ونتساءل مجددا : ماالذي يحدث ..؟ هل أصبح الدين في خدمة السياسة .. أي وظيفة وجسر للوصول الى أهداف سياسية ..؟  والمؤلم هنا أن هذه الأهداف السياسية قد وُضعت منذ سنوات طويلة من قبل أساطين السياسة في العالم والصهيونية العالمية .. ومن أبرز أهدافها التي لم تعد سرا هو تمزيق وضرب الإسلام كدين وعقيدة بواسطة أنظمة سياسية إسلامية .

 

أختتم مقالي بمقال للمرحوم الدكتور مصطفى محمود ، قرأته مؤخرا وفيه وضعَ الكثير من النقاط على الحروف .

 

Lalhamdani@rocketmail.com

للإطلاع على مدونة الكاتب

http://www.blogger.com/profile/18395497774883363689

 

 * * * * * * * *

 

 الاسلام ما هو ..؟  


بقلم د مصطفى محمود
 
الاسلام ما هو  : ليس حرفة و لا يصلح لأن يكون حرفة و لا توجد في الإسلام وظيفة اسمها رجل دين و مجموعة الشعائر و المناسك التي يؤديها المسلم يمكن أن تؤدى في روتينية مكررة فاترة خالية من الشعور ، فلا تكون من الدين في شيء و ليس عندنا زي اسمه زي إسلامي .. و الجلباب و السروال و الشمروخ و اللحية أعراف و عادات يشترك فيها المسلم و البوذي و المجوسي و الدرزي .. و مطربو الديسكو و الهيبي لحاهم أطول .. و أن يكون اسمك محمدا أو عليا أو عثمان ، لا يكفي لتكون مسلما و ديانتك على البطاقة هي الأخرى مجرد كلمة .


و السبحة و التمتمة و الحمحمة ، و سمت الدراويش و تهليلة المشايخ أحيانا يباشرها الممثلون بإجادة أكثر من أصحابها و الرايات و اللافتات و المجامر و المباخر و الجماعات الدينية أحيانا يختفي وراءها التآمر و المكر السياسي و الفتن و الثورات التي لا تمت إلى الدين بسبب


ما الدين إذن ... ؟!
الدين حالة قلبية .. شعور .. إحساس باطني بالغيب .. و إدراك مبهم ، لكن مع إبهامه شديد الوضوح بأن هناك قوة خفية حكيمة مهيمنة عليا تدبر كل شيء .


إحساس تام قاهر بأن هناك ذاتا عليا .. و أن المملكة لها ملك .. و أنه لا مهرب لظالم و لا إفلات لمجرم .. و أنك حر مسئول لم تولد عبثا و لا تحيا سدى و أن موتك ليس نهايتك .. و إنما سيعبر بك إلى حيث لا تعلم .. إلى غيب من حيث جئت من غيب .. و الوجود مستمر و هذا الإحساس يورث الرهبة و التقوى و الورع ، و يدفع إلى مراجعة النفس و يحفز صاحبه لأن يبدع من حياته شيئا ذا قيمة و يصوغ من نفسه وجودا أرقى و أرقى كل لحظة متحسبا لليوم الذي يلاقي فيه ذلك الملك العظيم .. مالك الملك هذه الأزمة الوجودية المتجددة و المعاناة الخلاقة المبدعة و الشعور المتصل بالحضور أبدا منذ قبل الميلاد إلى ما بعد الموت .. و الإحساس بالمسئولية و الشعور بالحكمة و الجمال و النظام و الجدية في كل شيء .. هو حقيقة الدين إنما تأتي العبادات و الطاعات بعد ذلك شواهد على هذه الحالة القلبية .. لكن الحالة القلبية هي الأصل .. و هي عين الدين و كنهه و جوهره و ينزل القرآن للتعريف بهذا الملك العظيم .. ملك الملوك .. و بأسمائه الحسنى و صفاته و أفعاله و آياته و وحدانيته .

 

و يأتي محمد عليه الصلاة و السلام ليعطي المثال و القدوة .
و ذلك لتوثيق الأمر و تمام الكلمة .
و لكن يظل الإحساس بالغيب هو روح العبادة و جوهر الأحكام و الشرائع ، و بدونه لا تعني الصلاة و لا تعني الزكاة شيئا .


و لقد أعطى محمد عليه الصلاة و السلام القدوة و المثال للمسلم الكامل ، كما أعطى المثال للحكم الإسلامي و المجتمع الإسلامي .. لكن محمدا عليه الصلاة و السلام و صحبه كانوا مسلمين في مجتمع قريش الكافر .. فبيئة الكفر ، و مناخ الكفر لم يمنع أيا منهم من أن يكون مسلما تام الإسلام .


و على المؤمن أن يدعو إلى الإيمان ، و لكن لا يضره ألا يستمع أحد ، و لا يضره أن يكفر من حوله ، فهو يستطيع أن يكون مؤمنا في أي نظام و في أي بيئة .. لأن الإيمان حالة قلبية ، و الدين شعور و ليس مظاهرة ، و المبصر يستطيع أن يباشر الإبصار و لو كان كل الموجودين عميانا ، فالإبصار ملكة لا تتأثر بعمى الموجودين ، كما أن الإحساس بالغيب ملكة لا تتأثر بغفلة الغافلين و لو كثروا بل سوف تكون كثرتهم زيادة في ميزانها يوم الحساب .


إن العمدة في مسألة الدين و التدين هي الحالة القلبية .
ماذا يشغل القلب .. و ماذا يجول بالخاطر ؟
و ما الحب الغالب على المشاعر ؟
و لأي شيء الأفضلية القصوى ؟
و ماذا يختار القلب في اللحظة الحاسمة ؟
و إلى أي كفة يميل الهوى ؟


تلك هي المؤشرات التي سوف تدل على الدين من عدمه .. و هي أكثر دلالة من الصلاة الشكلية ، و لهذا قال القرآن .. و لذكر الله أكبر .. أي أن الذكر أكبر من الصلاة .. برغم أهمية الصلاة .
و لذلك قال النبي عليه الصلاة و السلام لصحابته عن أبي بكر .. إنه لا يفضلكم بصوم أو بصلاة و لكن بشيء وقر في قلبه .
و بهذا الشيء الذي وقر في قلب كل منا سوف نتفاضل يوم القيامة بأكثر مما نتفاضل بصلاة أو صيام .
إنما تكون الصلاة صلاة بسبب هذا الشيء الذي في القلب .


و إنما تكتسب الصلاة أهميتها القصوى في قدرتها على تصفية القلب و جمع الهمة و تحشيد الفكر و تركيز المشاعر .
و كثرة الصلاة تفتح هذه العين الداخلية و توسع هذا النهر الباطني ، و هي الجمعية الوجودية مع الله التي تعبر عن الدين بأكثر مما يعبر أي فعل .
و هي رسم الإسلام الذي يرسمه الجسم على الأرض ، سجودا ، و ركوعا و خشوعا و ابتهالا ، و فناء .. يقول رب العالمين لنبيه :
 (( اسجد و اقترب )) .


و بسجود القلب يتجسد المعنى الباطني العميق للدين ، و تنعقد الصلة بأوثق ما تكون بين العبد و الرب .
و بالحس الديني ، يشهد القلب الفعل الإلهي في كل شيء .. في المطر و الجفاف ، في الهزيمة و النصر ، في الصحة و المرض ، في الفقر و الغنى ، في الفرج و الضيق .. و على اتساع التاريخ يرى الله في تقلب الأحداث و تداول المقادير .


و على اتساع الكون يرى الله في النظام و التناسق و الجمال ، كما يراه في الكوارث التي تنفجر فيها النجوم و تتلاشى في الفضاء البعيد .
و في خصوصية النفس يراه فيما يتعاقب على النفس من بسط و قبض ، و أمل و حلم ، و فيما يلقى في القلب من خواطر و واردات .. حتى لتكاد تتحول حياة العابد إلى حوار هامس بينه و بين ربه طول الوقت ..


حوار بدون كلمات ..
لأن كل حدث يجري حوله هو كلمة إلهية و عبارة ربانية ، و كل خبر مشيئة ، و كل جديد هو سابقة في علم الله القديم .
و هذا الفهم للمشيئة لا يرى فيه المسلم تعطيلا لحريته ، بل يرى فيه امتدادا لهذه الحرية .. فقد أصبح يختار بربه ، و يريد بربه ، و يخطط بربه ، و ينفذ بربه .. فالله هو الوكيل في كل أعماله .
بل هو يمشي به ، و يتنفس به ، و يسمع به ، و يبصر به ، و يحيا به .. و تلك قوة هائلة و مدد لا ينفد للعابد ال عارف ، كادت أن تكون يده يد الله و بصره بصره ، و سمعه سمعه ، و إرادته إرادته .
إن نهر الوجود الباطني داخله قد اتسع للإطلاق .. و في ذلك يقول الله في حديثه القدسي :
 (( لم تسعني سماواتي و لا أرضي و وسعني قلب عبدي المؤمن )) .
هذا التصعيد الوجودي ، و العروج النفسي المستمر هو المعنى الحقيقي للدين .. و تلك هي الهجرة إلى الله كدحا .


 (( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه )) .
و لا نجد غير الكدح كلمة تعبر عن هذه المعاناة الوجودية الخلاقة ، و الجهاد النفسي صعودا إلى الله .
هذا هو الدين .. و هو أكبر بكثير من أن يكون حرفة أو وظيفة أو بطاقة أو مؤسسة أو زيا رسميا
 
ـ منقول عن المجموعة البريدية : " نور على الدرب "

 

 





الخميس ٨ شعبــان ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / حـزيران / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي الحمـــداني نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة