شبكة ذي قار
عـاجـل










تنطلق الدعوات من حين لآخر إلى انفصال شمال العراق، وجنوب اليمن، كما انفصل جنوب السودان، هذا فضلا عن محاولات خلق بؤر توتر، مثل قضية القبط في مصر، والأمازيغ في بلاد المغرب، وغيرها، وهو يحملنا على القول: انه لمن المحزن أن يسير الشرق الواحد في سبل التنازع المفضي إلى الفشل وذهاب الريح، في حين يسرع الغرب من خطواته المتلاحقة باتجاه الوحدة، وتحقيق التكامل، وبلوغ أقصى درجات التنسيق المشترك، واقرب واصدق مثال هو الاتحاد الأوربي، الذي يضم ( 27 ) دولة لحد الآن، وعلى الرغم من انه يضم شعوبا وأمما وثقافات متباينة، ولغاته الرسمية فقط ( 23 ) لغة، إلا أنه يسير قدما باتجاه بناء نظام سياسي فريد من نوعه في العالم، وإقامة مؤسسات الدولة الواحدة وفي مقدمتها البرلمان الأوربي، والسوق الموحدة ذات العملة الواحدة ( اليورو ) ، وعلم وشعار ونشيد، وسياسة صناعية وتجارية وزراعية مشتركة، وسياسة صيد بحري موحدة، وقد تطور الإتحاد الأوروبي من جسم تبادل تجاري إلى شراكة اقتصادية وسياسية حقيقية، ووحدة وجدانية وشعورية ومصيرية متجذرة في عقول وضمائر الأوربيين حكومات وشعوبا.


ومع أن أوربا لم تكن في يوم من الأيام دولة واحدة، وليس بينها قواسم مشتركة كتلك التي بين العرب والمسلمين، وفاضت في حروبها الداخلية بحار من الدماء، وخاصة في الحربين العالميتين الأولى والثانية، إلا أن حلم الوحدة ظل يداعبها، وحدثت محاولات للوحدة بقسميها: الوحدة القسرية، والوحدة الطوعية، ومن الأمثلة على الوحدة القسرية محاولة نابليون بو نابرت في القرن التاسع عشر الميلادي، والأخرى في أربعينيات القرن العشرين الميلادي على يد هتلر، وهما تجربتان لم تتمكنا من الاستمرار إلا لفترات قصيرة؛ بسبب اعتمادهما على الإخضاع العسكري للأمم الرافضة، مما أدى إلى غياب الاستقرار، وبالتالي كان مصيرها الفشل في النهاية.
أما الوحدة الطوعية من خلال التعاون والمساواة في العضوية فأول من دعا إليها المفكر الأوربي فيكتور هيكو في العام 1851 م دون أن تحظى بفرصة جادة في التطبيق.


وقد تولدت قناعة راسخة لدى الساسة وعموم شعوب أوربا، على اثر النتائج الكارثية للحربين العالميتين الأولى والثانية، بضرورة تأسيس ما عرف فيما بعد باسم ( الاتحاد الأوروبي ) تجنبا لاحتمال وقوع حرب شاملة أخرى، مدفوعين بالرغبة في إعادة بناء أوروبا، ومغلبين المصلحة.


وقد حذت حذو أوربا إفريقيا فانشأت دولها الاتحاد الإفريقي، ومع أن الاتحاد الإفريقي لم يتعد الطابع الشكلي والمرحلي، إلا انه يدل على وجود وعي بضرورة التلاحم، من اجل التصدي للخطر، وتحقيق الأمن والاستقرار، وتوفير أدنى مستويات العيش الكريم.


ولو فتشنا فإننا نجد أن مشروعي الوحدة الأوربية والإفريقية يقومان على أساس الجوار الجغرافي فقط، فهو الرابطة الوحيدة بينهم أو تكاد، بخلاف الأمة العربية والإسلامية، التي تربطها رابطة طبيعية هي الإسلام، عقيدة وشريعة وحضارة وتاريخا وجغرافية ولغة دينية وفكرا وثقافة وعاطفة وشعورا ومصيرا واحدا، وغيرها، {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء: 92] لكن عند تأمل حالهم وحالنا نجد أنهم اجتمعوا واختلفنا، اتحدوا وتفرقنا، تقاربوا وتباعدنا؛ ففازوا فوزا عظيما، وخسرنا خسرانا مبينا !! فنحن وهم كما حكي عن علي بن ابي طالب –كرم الله وجهه- انه قال: " فَيَا عَجَباً !! عَجَباً – وَاللَّهِ- يُمِيتُ الْقَلْبَ، وَيَجْلِبُ الْهَمَّ، مِنِ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ القومِ عَلَى بَاطِلِهِمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ" .


فمهلا يا دعاة فصل الجزء عن الكل.. أيتها الأصوات التي تتعالى منادية بسلخ العرب أو الكرد أو الأمازيغ عن الإسلام، وسلخ القبط أو الموارنة أو الكلدان أو الآشوريين وغيرهم عن الشرق، فلو لم يكن بيننا من رابطة تربطنا، أو جامع يجمعنا سوى الشرق فهو حسبنا، ومعلومةٌ العلاقة بين هذه الأسماء الكريمة: ( الإسلام، والعربية، والشرق ) ولا أغالي إذا قلت: إنها علاقة ترادف:


هي العروبة لفظٌ إن نطقت به فالشرق والضاد والإسلام معناه
إننا في عصر يشهد توجها عالميا للاندماج في نطاق التجمعات الإقليمية، بل ظهرت تجمعات ليس بينها صلة سوى أنها مستعمرات سابقة لدولة عظمى، مثل:


- دول الكومنولث، أو الكومنولث البريطاني: وهو عبارة عن اتحاد طوعي مكون من ( 53 ) دولة جميعها من ولايات الإمبراطورية البريطانية سابقاً باستثناء موزمبيق والمملكة المتحدة.


- الفرانكوفونية، أو المنظمة الدولية للفرانكوفونية: هي منظمة دولية للدول الناطقة باللغة الفرنسية ( كلغة رسمية أو لغة منتشرة ) تحتوي المنظمة على ( 55 ) عضوا وحكومة و ( 30 ) مراقبا. و قد عرَّفَ الكاتب والباحث السياسي اللبناني قاسم محمد عثمان الفرنكفونية بـ : أنها واقع معاش، ونمط تفكير، وسلوك حياة، قبل أن تكون انخراطاً في نموذج سياسي أو في كيان جغرافي.. فهي كيان يتحرك فيه الإنسان ضمن تنوعه العرقي والوطني والديني، وهي مكان للتلاقي بين البشر ولتبادل المعلومات وتناقل المعرفة وتقاسم الثقافة. وهي إطار للتلاقح المثمر ولتقدير الحياة بالمعنى الإنساني والأخلاقي للكلمة. ولأجل ذلك كله، تعيش الفرنكفونية وتتطور وتترسخ ضمن التعددية واحترام خصائص الآخر وخصوصياته واختياراته.


والأمثلة عديدة، ضربنا عنها صفحا لنوجه السؤال الاستنكاري إلى دعاة الانفصال لا الوحدة في بلادنا الواسعة، فنقول: لماذا تستكثرون على الشرق أن يكون موحدا كالغرب؟! ولماذا تستصغرون العربية وترون أنها دون أن يكون لها كالكومنولث والفرانكوفونية، وغيرها؟! ولماذا تنسون أو تتناسون أن الإسلام كان دولة كبرى تمتد من الشرق إلى الغرب، واستمر كذلك حتى سقوط الخلافة العثمانية في 3 آذار/ مارس 1924 م ؟! ولماذا تتنكرون ل ( الكل ) بزعم المطالبة بحقوق ( الجزء ) ؟! وهل يقبل عاقل الدعوة إلى قطع عضو من جسده– لو أطلقت- ؟!


لكن صدر الأمة رحب، فمتى ما قررتم التكفير عن الماضي والعودة، فستقول لكم أمتكم: أهلا وسهلا ومرحبا.

 

 





الخميس ٢٦ شــوال ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / أيلول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. ثامر براك الأنصاري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة