شبكة ذي قار
عـاجـل










نفهم كمثقفين القول بأن أخلاقنا وتعاليم ديننا لا تسمح بالتصرف الهمجي أو الوحشي أو التسرع في اتخاذ المواقف التي تفضي إلى نتائج غير مدروسة وعواقب غير مأمونة الجوانب كردود أفعال لممارسات أقل ما توصف به أنها لا أخلاقية، وأيضاً يعي المتعمقين في الدين وكذلك الوسطيين ما يدعو إليه البعض من التصرف بمثالية أخلاقية لطالما دعت لها تعاليم إسلامنا الحنيف، لكننا أزاء أزمة أخلاقية عالمية لم تكن وليدة الأزمات الراهنة، أو نتيجة آنية لأفعال قبيحة، تلك مرحلة بلغ فيه هواننا وذلنا العربي والإسلامي مبلغاً عظيماً، حتى تربعت فيها شعوبنا أعلى مراتب مقاييس الإذلال والمهانة، إنها نتيجة عهود من الاستهدافات والاعتداءات تكاملت فيها كل مقومات الانفجار جراء الكبت والقهر الذي يمارس بحق شعوبنا المقهورة عالمياً، حتى بات من الصعب اقناع الأجيال الجديدة بأن الاسلام كان يوما ما قوياً عزيزاً وسط تشويه ممنهج للإسلام، ويحق للبعض القول بأنه زمن ولى ولن يعود، ذلك كله لم يكن نتيجة ردود افعال المسلمين على هذا الاستهداف، بل هو رد فعل لمؤامرة قبيحة لا زالت مستمرة ولم تحقق بعد غاياتها الشيطانية بعيدة المدى....


من اجاز أمكانية تجزئة القضايا في العالم حسب تصنيفات معينة؟؟ ومن يضع هذه التصنيفات؟؟ ولنأخذ مثالاً بسيطا من واقع العراق المرير، لو إن أحد العراقيين الذين فقدوا أكثر من عزيز عليه أو فقد عائلته بسبب رعونة جندي أمريكي وحسب مفهوم التبرير الأمريكي للقتل "الدفاع المشروع عن النفس" وهنا ليست أية نفس!! إنها النفس الأمريكية!! المهم لو قرر هذا المكلوم بأهله أن يقتل أي أمريكي يراه في الشارع لتفريغ مكنونات نفسه بسبب عمق مأساته وخسارته العظيمة وربما فقدان ما تبقى من عقله، فما سيكون حكمه؟؟ هل سيكون حكمه كالذي قتل هذه العائلة أو لنقل مئات الألوف في العراق والذين برأتهم المحاكم الأمريكية؟؟ هل ستبرئه تلك المحاكم وتعطف عليه نظراً لحالته النفسية كما برأت كلابها في العراق؟؟ كلا طبعاً!!


ولكن لم هذه الازدواجية ؟؟ الجواب بكل وضوح لأن الدم الأمريكي أغلى كثيراً من الدم المسلم أو العربي أو العراقي، ولن يقف مخلوق على الأرض مع هذا العراقي في محنته، لكن في المقابل سينبري الملايين بلومه وتأنيبه على عدم التعقل وطرق الابواب الكفيلة بأخذ حقه ممن قتل عائلته بدلا من قتل أمريكي!! وهي أساليب من نسج الخيال، فلا سبيل له اليوم سوى أن يقول حسبي الله ونعم الوكيل على أمريكا...


أليست هي أمريكا التي قتلت مليون ونصف المليون نفس بريئة لبلد ليس له أي صلة بمقتل ثلاثة آلاف أمريكي في حادثة برجي التجارة الدولية؟؟ اين هي العدالة والثقة بالنفس والتحلي بالمنطق والعقلانية لدولة تعتبر نفسها راعية الديمقراطية العظمى بين دول العالم؟؟ أليست هي من خططت ونفذت أغتيال الرسامة الشهيدة ليلى العطار كعقوبة دون محاكمة لرسمها صورة بوش الأب على أرض مدخل أحد فنادق بغداد؟؟ هل هذا هو الرد المناسب لدولة عظمى ضد حرية التعبير عن الرأي؟؟ وهل هنالك من يجرؤ على تكذيب أو تشويه معلقة الهولكوست الشهيرة؟؟ فلماذا تستباح محرماتنا ومقدساتنا بدعوى حرية التعبير عن الرأي؟ بينما تنقلب الدنيا على من يشكك بقصة لم تثبت سوى بقصص وحكايات بعض الناجين من الحرب العالمية الثانية! فلماذا تستنكرون دفاع الشعوب عن دينهم ومعتقداتهم بغض النظر عن الوسيلة؟ أية أزدواجية هذه أيها الديمقراطيون؟؟


لنستعرض هنا أزمة الفلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم دون المرور على محتوى الفلم الذي أنتقده الغرب قبل العرب، ولكن لنطرح السؤال التالي; كم من مرة استهدفوا رسول الله؟؟ وكم مرة جعلوا منه لعبة سمجة حاشاه ألف مرة؟؟؟ وكم مرة رسموه واساؤوا لصورته الشريفة؟؟ ماذا فعل علماؤنا وكيف عالجوا هذه القضية؟؟؟ وهل أتت بنتائج؟؟ هل توقف الاستهداف؟؟ بالطبع كلا!! بل تطور الأمر كثيراً، وصَبَر المسلمون طويلاً، ولم ولن يقف الاستهداف حتى لو خرج خلفاؤنا الراشدون من قبورهم ليعيدوا تلك العهود التي كانوا يقنعون فيها غير المسلمين برسالة الإسلام بالمنطق والاقناع، فعالم اليوم هو عالم الفوضى، وعالم تتداخل فيه الشياطين والجن والانس لتحكمه، لا مكان للمنطق أو العقل، تُدمر دول بجرة قلم، تنتهك أعراض، يُسب الأنبياء، تغتصب الأحرار، تباد شعوب، والعامل المشترك هنا أمريكا...


ليس صعباً أن يتوقع الإنسان الأسوء حينما يسب ديانة أو معتقد غيره أو نبي من أنبياء الله، فليس له عقل من يفعل ذلك، وعندما يفعله حاقد مجنون عليه أن يعي بأن رد الفعل من جنس الفعل أو أقبح، فليس جميع المسلمين مثقفين أو واعين أو وسطيين ليستطيعوا مجابهة التطرف بالعقلانية ولغة المنطق التي أتاحت في أغلب الأحيان لأعداء الإسلام الإيغال بالتهكم والإساءة، والتطرف في الاستهداف، وكيف لا وهذا الحاقد المجنون تقف وراءه قوانين تدعمه وتحميه كونه فقط يحمل الجنسية الأمريكية!! تسمح له لفعل ما يشاء، وقتل من يشاء، واغتصاب من يشاء، فهل سيبقى للمنطق مكاناً بالتعامل مع هؤلاء المجانين؟؟


نعم، ما شاهدناه من رد فعل ليس من المنطق بشيء، ولكن هل الغوغاء وحدهم من لا يعترف بالمنطق؟؟ ولو تأنت الشعوب وتصرفت بتعقل قليلاً فماذا ستجني؟؟ كيف سنسيطر على مشاعر وعواطف شعوب ربما تختلف فيها الثقافات والمفاهيم والطبائع لكنهم يشتركون معا جميعاً بعامل واحد وهو حبهم لدينهم ورسول الله؟ ومن حقهم اعتبار الإساءة لنبيهم خطاً أحمر، ولهم مطلق الحرية في التعبير عن غضبهم في زمن الديمقراطية الامريكية المقنعة، والمفارقة هنا أنها نفس الشعوب التي خرجت إلى شوارع مصر وتونس واليمن واليوم سوريا بداعي حق الشعوب في التعبير عن الرأي وأختيار نظام الحكم في البلاد! وقد اعادت الكرة وخرجت اليوم للتعبير عن سخطهم على أمريكا ومواطنها الذي أساء للنبي!! لماذا يتم وصفهم اليوم بمجموعة خارجة عن القانون ولا تمثل الشعب في موقفها ضد أمريكا! بينما وقفتم مع المجموعات التي خرجت لإسقاط الحكومات وقلتم بأنها تمثل الشعوب كلها!! أليس هنالك عنف وفوضى في الحالتين؟؟ ألم تحرق الدوائر والسيارات وقُتل الناس في الحالتين؟؟


ربما تكون هذه التظاهرات مدبرة، ولا يهمنا من دبرها، فليس المهم هنا ان نثبت باننا لن ندافع عن نبينا بسبب خلفية وأهداف من يقف خلف هذه التظاهرات، أو خوفاً من الإساءة لسمعة العرب والمسلمين، فسمعتنا والحمد لله لا نحسد عليها، ليس بسبب هذه التصرفات فحسب، بل بسبب خطط كبيرة ليست بحجم دول او مجموعات صغيرة! انها بحجم امريكا والغرب، يحاولون فيها نقل صورة بشعة لشعوبنا وكإنها وحوش كاسرة يسوغ لهم الدين القتل والذبح، حتى باتت الشعوب الغربية غير آبهة لما تسقيه جيوشهم من عذابات ومآسي لشعوبنا.


لا شك إن هؤلاء الغاضبين يعبرون عن كبت عظيم، الكبت الذي يولد الانفجار، ولا يمكن بأي حال من الأحوال السيطرة على عصف الانفجار وتأثيراته، نعم يمكن التحكم بوقت الانفجار ومكانه، لكن ليس على آثاره ومستوى تدميره، وكان ينبغي على أمريكا على الاقل أن تتخذ خطوات بسيطة لوأد الفتنة بدلا من التصرف بفضاضة بإعتبار الزنديق منتج الفلم بأنه فوق الشبهات فقط لأنه يحمل الجنسية الأمريكية، كما لا تجوز محاكمة حامل هذه الجنسية أو حتى منعه من قول الترهات والتفاهات، هل هذا هو الحلم الأمريكي البغيض، وتلك هي ديمقراطيتهم العوراء؟؟


العنف سيولد العنف... والدم يولد المزيد من الدماء.. والحقد يولد الحقد..وما سنراه في القريب يفوق أضعافاً من مجرد نشر فلم مسيء، إنه الانفجار الذي لن يصغي لأي صوت عقل أو منطق، هو بركان يغلي زمنا طويلاً، وكان ينتظر شرخ بسيط لينفجر، وقد انفجر.


وللتذكير، لدينا من الثقافة والوعي الذي تفوق ثقافة الكاوبوي الأمريكية.. نعم، فلسنا من يعبر المحيطات كي ندمر البلاد ونقتل العباد من أجل كذبة اسمها الديمقراطية! ولسنا من يغتصب الأسرى والمعتقلين في السجون! ولسنا من يسرق قوت الشعوب ويغير الحكومات طبقا لمخططات استعمارية! ولسنا من ينتج الأفلام المقرفة ويرسم الصور المسيئة للأنبياء ويحرق الكتب المقدسة للآخرين بداعي التعبير عن حرية الرأي! لسنا المستعمرين والمعتدين هنا! وليست هذه أخلاقياتنا، لكن ومع كل ذلك لم نطير فرحاً بمقتل الأمريكان في السفارة الأمريكية في بنغازي، ولم نؤيد أفعال الجماهير الغاضبة التي خرجت عن السيطرة، لكننا وللوهلة الأولى آمنا بأن دمائنا ليست أرخص من دمائهم ولا يجب أن تكون بغض النظر عن الطريقة، ولو كانت هنالك مجرد اشارات بسيطة عبر التأريخ نستدل بها في وضع حد ومعاقبة لمن يعتدي على مقدساتنا، لوافقناهم دون تردد في استهجانهم لأفعال الجماهير، ولو كانت هنالك بعض شواهد تؤكد نظريتهم في وجود طرق اخرى لنيل الحقوق من المسيئين والمعتدين لكنا أول السالكين لهذه الدروب، لكن أمريكا واضحة في هذا التعنت الفض والانحياز الأعمى دون حق لمواطنيها ذوي الدماء الزرقاء ضد اي طرف في العالم ؟؟


ليست التظاهرات أو العنف اللامنطقي هو الغريب بنظرنا، بل ما نراه من تهافت لقادة عرب وكتاب ومثقفين أصبحوا فجأة يكرهون التظاهر والعنف في الشوارع واستهداف الدوائر الحكومية بعد ما كانت تلك التظاهرات حالة صحية تمر بها بلدانهم!! وهي نفسها التي اعطتهم الفرصة على طبق من ذهب ليتبؤوا المناصب الرئاسية، أليست هي نفس الديمقراطية التي يجب أن تعبر عن إراء الشعب؟


لا بأس بالإعتذار لمقتل السفير الأمريكي أو كائناً من يكون ولأي بلد ينتمي، لكن لماذا التشكيك بالشعوب التي خرجت لتقول كلمتها بصرف النظر عن الطريقة والأسلوب؟ لماذا يُتهمون بأنهم خرجوا بتمويل من جهات خارجية؟ ولماذا انتفضتم حينما وجهت نفس الاتهامات للمتظاهرين في ثورات الربيع العربي؟ ينبغي أن لا نذهب بعيدا في تحقير شعوبنا إلى الحد الذي رأيناه وسمعناه من إعتذار رؤساء الدول لأمريكا وبطريقة غير محترمة، من عليه أن يعتذر للشعوب هي أمريكا.. لكنها لا تعتذر أبدا، وهيلاري كلنتون قالتها واضحة.. "الفلم كريه ومقزز، لكننا لا نستطيع منع من يحمل الجنسية الامريكية من ممارسة حقوقه بسبب حرية التعبير عن الرأي"!!! فهل هنالك من يسألها لماذا لم تتخذوا موقفاً من أغتصاب الرجال قبل النساء في أبو غريب!! فهل هي قضية حرية شخصية؟؟؟ أم إن الجنسية الأمريكية صادرة من مكان مقدس خارج الكون الذي نعيشه!!!


نعم هو سفير يمثل بلاده في الخارج، ولكن لدينا نحن العراقيين معنى آخر أو لنقل ذكريات سيئة عن سفراء أمريكا المتعاقبين في عراق ما بعد الاحتلال، فهم يحكمون وينهون ويأمرون ويهينون الآخرين وكأنها بلادهم، ولا يحاكمون من يعتدي من جنودهم على الابرياء في العراق، ولا يرف لهم جفنا لما يسببه قواتهم بمأساة كبيرة للشعب العراقي، بل يساهمون في تحريك والتخطيط للكثير من القضايا في بلادنا، إذن هم مسؤولون عن تصرفات أمريكا في الدول، وهذا ليس دفاعاً عن الفعل الخارج عن السيطرة في بعض الدول، لكن لتعلم أمريكا بان هنالك رد فعل أياً كان وصفه لفعل سيحتم عليها دفع ثمنه، وعليها أن تقبل نتائج سياستها تجاه العالم..

 

 





الاحد ٣٠ شــوال ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / أيلول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب وليد المسافر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة