شبكة ذي قار
عـاجـل










هذه المقالة بذرة دروس في الوحدة، من واقع أمريكا وأوربا والصهيونية، لتعليم دعاة التقسيم في العراق، والمنطقة، تحت ذرائع شتى، ولما كانت الوحدة أشكال وصور مختلفة فإن هذه المقالة ستقدم أمثلة توضيحية لأهمها في العناصر الآتية:

 

درس في الوحدة الاقتصادية :

في يومي السبت والأحد، الثاني عشر والثالث عشر من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2011م أطلقت مجموعة من الدولة المطلة على المحيط الهادئ، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وحدة اقتصادية فيما بينها، يمكن أن تصبح الأكبر في العالم، هي مشروع ( الشراكة عبر المحيط الهادئ ) ، وقد استضاف الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ، قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ، المعروف اختصارا ب ( آبيك- APEC ) ، في ولاية هاواي الواقعة في المحيط الهادئ، وهي مسقط رأسه، وقد تصدر هذا الخبر الأخبار في هذه الفترة، والمتابعون له عندنا قليلون –في ظني- مع ما له من الأهمية القصوى، باستثناء وسائل الإعلام، وهي –في الغالب- مقلدة لوسائل إعلام عالمية في تغطيتها له، وعلى الرغم من أن مجموعة دول المحيط الهادئ المعلن عنها، تضم دولا مختلفة في الدين واللغة والتاريخ والجغرافية والثقافة إلا أنها اتفقت على إطلاق الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي اكبر منطقة للتبادل التجاري الحرّ في العالم.

 

ويأتي هذ ( الاتحاد الاقتصادي ) في الوقت الذي تصاعدت فيه المطالبات بتحويل محافظات عراقية إلى أقاليم فدرالية، وتنامي المخاوف من أن تكون تلك الأقاليم الفدرالية نواة للانفصال، وهو درس بليغ لدعاة التقسيم، تحت عناوين الفدرالية ونحوها، فأديان مجموعة دول المحيط الهادئ مختلفة ( سماوية، وأرضية، وخليط منهم ) ، ولغاتها لا تنحدر من سلالة لغوية واحدة، ولكل منها تاريخه الخاص، وبينها من البعد الجغرافي ما بينها، وثقافاتهم شتى، لكنهم يقيمون وحدة اقتصادية، ويعملون على تعزيز الروابط فيما بينهم؛ تلبية لحاجات ومصالح شعوبهم.

 

وإذا كان قيام سوق عربية- إسلامية مشتركة، وعملة عربية- إسلامية موحدة ( إطلاق الدينار العربي- الإسلامي ) ، هو أدنى الكمال الذي كانت الأمة تنادي به، فإن القلق يزداد يوما بعد آخر على مصير العراق، بثرواته وموقعه وإنسانه، وكل شيء فيه، والخشية من وضع مشروع جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي لتقسيم العراق إلى أقاليم فدرالية، ثم دويلات، على أساس طائفي وعرقي، موضع التنفيذ، وكذلك يقض المضاجع، مشروع الشرق الأوسط الكبير، لتفتيت المنطقة العربية، وإعادة رسم خريطتها، في ( سايكس- بيكو ) جديد.

 

والسؤال الآن : ما اكتفت أمريكا، الدولة العظمى في العالم بقوتها الاقتصادية فنهجت نهج الاتحاد مع غيرها، فلماذا يسلك الأبناء العاقون لوطنهم وأمتهم، مسالك التفرق حتى في الاقتصاد والتنمية؟! .

 

درس في الوحدة العسكرية :

حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) : اتحاد عسكري، يخطط للدفاع الجماعي عن أمريكا الشمالية وأوربا الغربية، تم تأسيسه في العام 1949م ، وتنص معاهدة شمال الأطلسي على أن أي هجوم مسلح ضد واحدة أو أكثر من الدول الأعضاء في أوروبا أو أمريكا الشمالية يعتبر هجوما ضد جميع أعضاء الحلف.

 

وتعتبر الولايات المتحدة العضو المسيطر على الحلف، والقائد الأعلى للحلف جنرال أمريكي بصفة دائمة، وتؤمّن الولايات المتحدة للحلف معظم الأسلحة النووية، التي يعتمد عليها كقوة ردع.

والناتو حلف قديم- متجدد، فلا زالت أمريكا، ومثلها أوربا تهتم بتعزيزه وتثبيت أركانه، وترسيخ ركائزه في الأرض، وبعد الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية بطائرات مخطوفة في 11 أيلول/ سبتمبر 2001م، أعلن الناتو أن الاعتداء على الولايات المتحدة يعد اعتداءً على جميع الدول الأعضاء في الحلف، وبالفعل فقد صال الحلف وجال في العالم على العموم، والعالم العربي والإسلامي على الخصوص.

 

والسؤال المكرر الآن: ما اكتفت أمريكا، الدولة العظمى في العالم بقوتها العسكرية فنهجت نهج الاتحاد مع غيرها، فلماذا يسلك الأبناء العاقون لوطنهم، وأمتهم، مسالك التفرق حتى في سياسة الدفاع المشترك، الواجبة شرعا ووطنية وقومية وإنسانية ؟! .

 

درسان في الوحدة الثقافية :

في مقال لنا بعنوان: ( لماذا يتفرق الشرق في حين يتحد الغرب ؟! ) عرضنا أمثلة عن الوحدة الثقافية أهمها :

 ( الكومنولث البريطاني ) : وهو إطار يضم المستعمرات البريطانية سابقا، الغرض منه تسيّد اللغة الانكليزية، وبالتالي نشر التاريخ والثقافة المرتبطة بها، ومسخ هوية الآخرين، وقد فتحت بريطانيا الأبواب لمواطني دول الكومنولث ( الجامعات، والأسواق، والمستشفيات، والاستثمارات هنا وهناك، والمساعدات، وغيره ) .

 

ومثل ذلك يقال عن الفرانكوفونية، وهي صيغة ابتكرتها فرنسا، هي الأخرى لربط مستعمراتها السابقة بها أيضا.

 

درسان في الوحدة الشاملة :

الإتحاد الأوربي: سبق لنا أن تناولنا بشيء من التفصيل ( الإتحاد الأوربي ) ، في مقالنا الذي نوهنا قبيل قليل بعنوانه: ( لماذا يتفرق الشرق في حين يتحد الغرب ؟! ) ، وكانت فاضت من أوربا بحار من الدماء خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهي في الأصل حروب أوربية- أوربية، وفي بعض الإحصاءات بلغت ضحايا الحرب العالمية الثانية وحده ( قتلى، جرحى، مشردون ) ما يزيد على الثمانين مليون نسمة بين عسكري ومدني، هذا فضلا عن المدن المخربة، وقد وقع على كاهل أوربا العبء الأكبر منها، وهي اليوم تغمض العينين عن تلك الجبال من جثث قتلاها، ومآسيها، وخسائرها المادية، وتدخل ضمن اتحاد هو الاتحاد الأوربي.

الصهيونية:

 

أقامت الصهيونية وطنا مصطنعا لها في فلسطين المحتلة، ونظمت الهجرة اليهودية إليه، فاليهود الوافدون من أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وروسيا، وأثيوبيا، وغيرها، ينسلخون عن تواريخهم، وجغرافياتهم، ولغاتهم، وثقافاتهم وشخصياتهم، ويذوبون في هوية جديدة، هي الديانة اليهودية، ولغتها العبرية، وتصبح الأساطير اليهودية تاريخهم، وفلسطين أرض الميعاد، ووطن الآباء والأجداد –بزعمهم الباطل- أما طوائفهم المتعددة فالناس عندنا لا يحيطون بها خبرا؛ بسبب تركيزها على المتفق عليه، واجتنابها المختلف فيه.

 

أما نحن فما أكثر دعاة التقسيم على أساس عرقي ( العرب، والكرد، والترك، والأمازيغ، وغيرهم ) ، وعلى أساس طائفي ( السنة، والشيعة الإمامية الاثني عشرية، والزيدية، والدروز، والعلويين، والإباضية، وغيرهم ) .

 

فالصهيونية صنعت من خليط غير متجانس مجتمعا ودولة، مع أنهم أقليات قد جاءت من مجتمعات متناقضة، ودول متباعدة، ونحن حضارة واحدة، ومجتمع واحد، ودولة واحدة حتى الربع الأول من القرن العشرين الميلادي، عندما قسمنا الاستعمار الحديث، فلماذا يمزق فئام منا نسيجنا الواحد بأيديهم، بإيحاء من شياطين أمريكا وأوربا والصهيونية ؟! .

 

وإننا لا نعلم مخبآت الغيوب لنا لكن الحدود المصطنعة التي أوجدها الاستعمار بين دولنا قد طال عليها الأمد، وشاب عليها الوالد، وشب عليها الولد، حتى صارت واقعا، وإذا كانت مجموعة الدول العربية اليوم ( 22 ) دولة، فإنها في ظل مشروع الشرق الأوسط الكبير قد تصل إلى ( 55 ) دولة، ونحن من اجل إجهاض هذا المشروع الخطير والمشبوه، ودفاعا عن شعبنا وامتنا قدمنا هذه الدروس في الوحدة لدعاة التقسيم؛ للحيلولة دون قيام دويلات الطوائف بنوعيها، الطوائف الدينية: ( سنة ستان، وشيعة ستان، ومسيحيون ستان، ونحوه ) ، والطوائف العرقية: ( عرب ستان، وكرد ستان، وتركمان ستان، وغيره ) ، راجين أن لا يكونوا كاهل هذه الآية: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا } [نوح: 7] .

 

 





الثلاثاء ١ ذو القعــدة ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / أيلول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. ثامر براك الأنصاري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة