شبكة ذي قار
عـاجـل










إن تعريف الثورة كمصطلح ومعنى لم يطرء علية تغيير ، ومتفـق عليـه بين اصحاب الفكر والساسة والمهتمين بالشان العام للمجتمع من باحثين ومثقفين وفلاسفة حيث ذهبوا جميعا الى إن الثورة هي الفعـل الذي يُحدث تغييرأ شاملا وجذريا في المجتمع ويرسم شكل هيئة الدولة وتوجهات الحكم الفكرية لبناء علاقات جديدة بين مكونات المجتمع الواحد . ولم يتغييرهذا المفهوم ولم يفرق بين الثورة الفرنسية 1789 وثورة اكتوبر البلشفية 1917 وثورات اوربا الشرقية الحديثة للخروج من المعسكر الاشتراكي ، على الرغم من تباين وتضـاد أهداف كل من هذه الثورات إلا إنها أحدثت تغييرا شاملا في التوجهات بايجابية يقبلها المجتمع التي ناد بها وعمل وهيئ الظروف من اجل قيام هذه الثورة او تلك.


تاريخ الثورات العربية الحديثة يعنون من بداية الثورة العربية الكبرى 1919 التي اندلعت ضد حالة التتريك التي سادت في العقود الاخيرة من السلطنة العثمانية وحالة الازدراء بالعرب الذي وصل حد المهانة والضرائب ( الاتاوات) التي تفوق قدرة الانسان العربي وإنشغال سلاطينها بهوى الدنيا وابتعادهم عن القيم والاسس الصحيحة لقيادة الامة الاسلامية . وضد الظلم الانكشاري الذي تسبب في ضعف وتفتيت السلطنة العثمانية ، هذه الثورة العربية التي كان من أهـم اهدافها قيـام كيان عربي قـوي يعيد للأمة مجدهـا يمكنها من إعادة الخلافـة بقوامها الصحيح حيث تكون أمة العرب القوة الديناميكية المؤثرة لمرحلة إسلامية جديدة . إلا إن قوى الثورة المضادة العالمية ، قوى العدوان الاستعمارية كانت هي الأقـوى واستطاعت إجهاض الثورة العربية في مراحلها الاولى حتى سارت بها الى سايكس بيكوا لتكون الدولة العربية في الجزيرة والمشرق العربي حلما صعب تحقيقه أمام مخطوطات سايكس بيكو المستحدثة إستعماريا لانها اشبعت رغبات النفوس الرخيصة لتكون في عليين الحياة الدنيا وفي مقامات لم يخطر ببالهم حتى في الكوابيس فمنهم من اصبح أميرا وملكـا وهو ليس له من ذلك نصيب يؤهله لهذا المقام . فاصبحت الثورة العربية ودمـاء الشهداء جوازا لحياة السلاطين للنخاسة من البشر مع ذلك انها ثورة.


إن تدهور الحياة الاقتصادية والظلم والتبعية للاجنبي الذي أجلسهم على العروش دفع بالمواطن العربي للبحث عن تغيير جذري وشامـل لحياته وتهيئة الظروف العامة الموضوعية للقيـام بثورة إلا انهـا افتقـدت الظروف الذاتية للثورة أي الوسيلة والاداة لاحداث التغيير الثوري الشامل والبحث عن القوى القادرة للانابـة عن الشعب وطموحاته بالحياة الحُرة الكريمـة . لم يكن أنـذاك غير الجيش الذي عاني من تواطئ الحكـام لاذلاله بحرب 1948 في فلسطين . فاصبح الجيش في الاقطار العربية وكثير من بلدان العالم الثالث ألامـل وطليعـة تمثـل إرادة الشعب.


وفي صباح 23 يوليو / تموز من عام 1952 حقق أهلُنا في مصر غايتهم في إحداث التغيير الجذري بثورة قادها الجيش وطليعته المؤمنة بضرورة التغيير بنقل السلطة من الملكية الى النظام الجمهوري وتسلم الضباط الاحرار مقاليد السلطة وغيروا شكل النظام السياسي والتوجهات الفكرية للدولة نحو فكر قومي عربي مؤمن بالوحدة ، وعملوا على إحداث ثورة زراعية واقتصادية لتطوير الحياة الاجتماعية للمجتمع المصري لتكون مصر طليعة متقدمة لحلم الامة في وحدتها التي اجهز المستعمر البغيض على مشروعها في الدولة العربية الكبرى.


لقد أمتدت شرارة الثورة الى سورية ولعب الجيش دوره في إحداث التغيير في نهج السلطة . وفي العراق انتهج الجيش طريقة اخوانه في مصر وتبلور تنظيم الضباط الاحرار ليقود ثورة أدت الى تغيير النظام الملكي الى جمهوري في صبيحة 14 يوليو / تموز 1958 . إلا إن قوى الثورة المضادة عرقلت مسيرة الثورة مما دعت الحاجة لانجـاز التغيير بعد عقد من الزمـان قاد الجيش مع القوى السياسية ثورة تموز / يوليو 1968 التي أنجـزت ثورة في أهم مجالات الحياة كالصحة والاقتصـاد والتنمية البشرية والتعليم والجيش . إن انتكاسة 1967 لعبت دورا كبيرا في تفعيل دور الجيش باحداث التغيير الشامل في بعض الاقطار العربية منها العراق .


وكذا الحال حدثت ثورات في عدد من الدول العربية تمكنت قوى الردة من ايقافها وعودة القسم منها الى عصر الطواغيت .


إلا إن ثورة الجزائر التي دامت سبع سنوات ونيف امتشقت طريق الكفاح المسلح الثوري ضد المستعمر الفرنسي وكان للضباط الجزائريين وهم ضمن صفوف الجيش الفرنسي دورا قياديا في طليعة الثوار نحو النصر الذي أنجز عام 1962.


إن هذه السلسلة من الثورات في الوطن العربي إصبحت تحديا قويا للحكام والسلاطين ملوكا وامراء ورؤساء فعملوا بجـد وتخطيط منظـم لابعـاد الجيش عن التفاعل مع المجتمع ، فكان الاقامات الجبريـة ونقل الضباط الى وظائف مدنية ودبلوماسية والاحالة على التقاعد وترغيب البعض منهم بالعقارات ومـد سلاسل التجارة حول اعناقهم من الاساليب الناعمـة ، أما الاعتقـال والقتل والتهديد واستخدام وسائل غير اخلاقية أسلوبا قسريا لابعـاد ضباط الجيش عن الشعب وخلق حالة الجفــاء بين شراح المجتمع المدني والعسكري مما حدى بالمواطن العربي إن يشعر بان الجيش دار ظهره للشعب بحجة حماية الوطن ، فليذهب المواطن الى جحيم الفقر والفساد والجهل ومجاهـل طريق المستقبل . وتمكنت قوى الظلم وقوى الثورة المضادة من الانفراد بالشعب وذلك بضربها كل القوى الطليعية في المجتمع من الجيش وكذلك الاحزاب والتنظيمات والنقابات المهنية . بهذا وضعـوا الأساس المتيـن لبناء جـدار يعـزل الشعب عن مفاسدهـم حتى لا يبصـر شيْ منهـا وذاك كـان جـدار الخــوف حتى أصبح النقـد همــسا والتندر بالاشـارة والاحتجاجات داخل اروقة الجامعات . أحُتل العراق وجدار الخوف هذا ساهم بصمت الشارع العربي وانتُهكت كل مقدسـات الامـة في فلسطين وغيرها و جدار الخوف يفعل فعـله وينشط مع الفسـاد السياسي السائد ، وجاعـت غـزة وقُتل أبنائها وجدار الخوف صـامد لم يتصـدع.


لقد أصبحت الحاجـة الى ثـورة ضرورة ملحة والبحث عن أليــة جديدة تستطيع حلحلت الكتلة الصمـاء التي أعتلت على صدور الناس لعلو جدار الخوف في نفوسهم . ولم تنفع وسائل الاحتجاج المعتادة وبعض الاعتصامات والمظاهرات لاحداث أي تقـدم بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم حيث اصبح جدار الخوف نظام جديد يعم كل مرافق الدولة ومفاصل الحياة العامة للمجتمع . نظام الخوف الممنهج رسـم صورة للمجتمع يراها رصينه غير قابلة للانهيار ، وهنـا تعددت مسميات الانظمة منها أشتراكي ورأسمالي ومختلط ودكتاتوري وملكي ونـظـام الخوف . إن قلـع نظـام الخوف ثـورة حقيقية وليس مخاضا وتملتلك الدلالات الكافية لمعنى الثورة لان الفعـل وازاحـة نظـام الخـوف يفضي الى خلق نظـام جديد يختلف كليا عن مرحلة ما قبل الثورة ويغير شكل الدولة والحكـام معا والقبول بصندوق الانتخابات و سماع الناس دون جـدار من الخوف وايجاد أليـة شعبية لاجبار السلطات على مواكبة الشارع الذي يملك القوة في استمرارية الثورة . إن الوسيلة التي أبتكرهـا ابناء الشعب العربي في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمـن هي الثورة بالكتـل البشرية لازاحـة النظـام القديـم بعد هـدم جـدار الخـوف ولم يكن الشهيد محمد بوعزيزي أو خالد سعيد وغيرهـم من خط الرسم البياني للثـورة إلا انـهم كانـوا من اصحاب الخطـوات الاولـى لزحف الكتـل البشرية التي لا يستطيع نظـام جائـر صـده أو منعـه لان هذه الانظـمة أطمئنت خلف جدار الخوف ولم تتوقـع أو تخمـن مقدار قـوة الكتلة البشرية الثائرة بشكلها الصحيح . هذه الثورة غيرت المجتمع سياسيا فانتهى نظـام الخوف ولم تعد كلمـة شخص دخل سنين الخرف تمثل شعب ، وذلك ينعكس على تغيير مسار النهج الاقتصادي وازالة وتحريم تزاوج السلطة والمال وفي المجال الثقافي فتغيير لغة الخطاب السياسي من اهم الانجازات لثورة الكتل البشرية فالاختلاف مع الحاكم لم يعد خيانة، وهذا سيدفع الوضع الاجتماعية للتطور .


لقد كان للثورات العربية تأثير سلبي كبير وموجع على أجهزة المخابرات العالمية الامريكية والبريطانية والفرنسية والروسية والصهيونية والفارسية افضى الى حدوث تغييرات كبيرة في طواقـم هذه الاجهزة في أغلب الاقطار العربية لقصور الاطقمـة السابقة من استباق الاحداث وتحديد بوصلتهـا ومعرفة قدرتها وتقدير حجمها الحقيقي وانقاذ مصالحهم ورجالهم . وبالتاكيد نحن ليس في حلم وردي فأعدائنـا ليسوا عاجزين عن استعمال وسائل التخريب والتضليل والتشويه ، وستبقى الساحة مفتوحة للصراع بين قوى الثورة ومخلفات الانظمة الهالكة متضامنة مع قوى الشر العالمية ومخابراتهـا بأطقمها الجديدة من جهة و الشعب الذي أراد الحياة من جهة اخرى .

 

 





الاربعاء ١ ذو الحجــة ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / تشرين الاول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب شاهين محمد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة