شبكة ذي قار
عـاجـل










عطفا على ما جاء بحلقتنا الماضية التي دعونا فيها أصحاب الشأن والمسئولين في البلاد العربية كافة، وبخاصة دول الخليج العربي إلى الالتفات لما وصل إليه حال اللغة العربية من الإهمال وتراجع دورها، وما أصابها من العقوق من أهلها والتنبه لمعاناتها والعمل على نصرتها قبل فوات الأوان فنكون وحدنا الخاسرين.


قبل عشرين سنة عملت في جامعات عربية، وفوجئنا يومها بزيارة السفير الفرنسي، لكلية الآداب زيارة شخصية وجلس يجاذبنا أطراف الحديث بالعربية، وينشد الشعر العربي، بطريقة لا تجاري شدتنا وأطربتنا، وبدا صديقا ألفناه، تكررت زيارته الشخصية واقترح أن تقوم سفارته بناء قسم لتدريس اللغة الفرنسية وتجهيزه بكل المستلزمات الصوتية والمرئية والمحاضرين، استوعبنا أبعاد الاقتراح، ولكن نحن نسعى لتعليم أبنائنا اللغات الأجنبية، وافقت الجهات المعنية وبني القسم على نفقة فرنسا، وتخرج فيه عشرات الطلبة، وأمطرت يوما بغزارة فجرفته السيول، وعاودت السفارة الفرنسية بناءه وتجهيزه ثانية، وتعرفت على شابين صينيين يدرسان العربية باللهجة العامية، احدهم مندوب شركة أغذية أوفدته لدراسة المطبخ العربي، والثاني يدرس الذوق العربي في تصميم الملابس والأحذية والإكسسوارات لتستطيع شركته المنافسة، هذا درس يعلمنا كيف تحترم الأمم لغتها وهويتها وتخدم مصالحها، فنشر اللغة يفتح نوافذ الثقافة وتلاقح الأفكار.


في الخليج عدد الوافدين من كل الجنسيات وبخاصة الآسيويين أضعاف عدد المواطنين الأصليين، ويخشى الدارسون على الأقطار الخليجية التغيير الديموغرافي بسبب غياب التقاليد واللغة العربية والسمات والملابس في الشوارع والمكاتب والبيوت، وأصبح عدد المدارس الأجنبية يفوق المدارس الوطنية، و يقيم هؤلاء وأسرهم سنوات ولا يتعلمون اللغة العربية، بل علينا نحن العرب تعلم لغاتهم لقضاء حاجاتنا في الأسواق والبنوك والشركات والمستشفيات، مع أنهم يعملون لدينا ويتقاضون رواتبهم من دخلنا القومي، ولا يجدون في أنفسهم حاجة لتعلم لغتنا، والكثير منهم مسلمون ومن الأفضل لنا ولهم تعلم العربية. فهل يدل هذا على وعي بالمسؤولية تجاه هويتنا ولغتنا التي جعل الله الحديث فيها والنظر إلى حروفها عبادة؟ وهل نحن أحفاد من نشروا العربية والإسلام شرقا وغربا وعربوا آسيا وأفريقيا؟ كل الدول الأجنبية حينما تقبلك للعمل أو للدراسة على نفقتك تطالب بما يثبت إجادة مستوى من لغتها قبل الموافقة على استقدامك، مع أنهم المستفيدون، ليضمنوا حدا أدنى من التواصل والتطور، إلا العرب هانت عليهم لغتهم، ولا يلقون بالا للحفاظ عليها!


ترى لو اشترطنا على الوافدين للعمل معرفة مائة لفظة عربية أو خمسين جملة مفيدة متداولة في الاستعمال اليومي أو الاختصاص، لمنح تأشيرة العمل والإقامة سنة بعدها يجتاز الوافد اختبار اللغة لتجديد إقامته، أو يحصل على شهادة من معهد لتعليم اللغة خاضع لاعتماد إدارة الجودة، وبهذا الإجراء البسيط؟ سنصدر إلى العالم ملايين المتحدثين بالعربية، وملايين ممن يسعون إلى تعلمها لغة عالمية في سوق العمل، سنغزوهم نحن بثقافتنا بدل غزوهم لنا، وسنعلم المسلمين دينهم الحق وقراءة القرآن الكريم والحفاظ على قيمهم الإسلامية ومقومات استمرارهم وأجيالهم مسلمين، ونخدم أمة العرب حاضرا ومستقبلا، ونكسب تعاطفهم وتواصلهم مع قضايانا، ونؤكد وجودنا أمة بين الأمم. ستفتح مئات المعاهد في المدن الآسيوية والغربية لتعلم العربية، وسيجد أبناؤنا هناك لهم موطئ قدم في أسواق العمل، وسنفتتح مئات المعاهد لتعليم العربية في بلادنا تستقطب خريجي الجامعات، ونزيد الطلب على سوق العمل من خريجي أقسام اللغة العربية ونحل مشكلة العاطلين منهم، ونعوض شيئا من الدعم الذي يدفع للسلع الاستهلاكية المستوردة وتذهب لغير مستحقيها، فضلا عن زيادة الإقبال على تخصص اللغة العربية وثقافتها بما يعزز الحفاظ على الهوية العربية. وتصوروا كم سنقدم من الخدمة لأمتنا بعد أن عجزنا عن خدمتها في كثير من المجالات السياسية والاقتصادية؟ وما أسهل أن نتخذ هذه الإجراءات البسيطة التي توفر لعروبتنا وديننا الكثير من المكتسبات والمزايا، ونُبقي على الخليج عربي الوجه واللسان. فهل من يتبنى هذه الفكرة ويطبقها؟ ألسنا أولى من غيرنا بنشر لغتنا وثقافتنا ما دام العالم كله يتهافت على الاستثمار والعمل لدينا؟ ولماذا نضيع الفرص المهمة التي تعود على اقتصادنا وهويتنا وتفرض احترامنا على الآخرين؟هذه مهمة المسؤولين عن قضايا تفعيل التنمية والثقافة والتربية، وسوق العمالة الوافدة.


بهذه الدعوة نناشد محبي اللغة العربية والإسلام إلى تبنيها مركزيا وتأييد هذا المشروع والعمل على بث الوعي بأهمية إحياء دور اللغة العربية في الحياة، والبحث عن خطوات بناءة يرد بها العرب الدين للغتهم التي حفظت تاريخهم وأمجادهم، وكجزء مما يمكن أن يقدمه الخليج العربي وأبناؤه الأصلاء للعربية لغة وثقافة وكيانا، وتتصدره مملكة البحرين، لعل الله يكتب على أيديها لهذا المشروع النور، أم أنه مفروض علينا أن يبقى خيرنا لغيرنا!

 

 

 





السبت ١٢ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / شبــاط / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عمران الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة