شبكة ذي قار
عـاجـل










اللغة العربية أهم مقومات الهوية القومية، ترسخ دعائمها وتؤصل أركان العقيدة الإسلامية، وفي الحرص عليها تعزيز للشخصية الوطنية، وبقوتها تأكيد للوجود القومي، وتحظى اللغة القومية لدى الأمم العريقة بعناية رسمية وشعبية، وتفتخر الشعوب بخدمة لغتها، ويحرص الرؤساء على التزام التحدث بلغتهم القومية في المؤتمرات والندوات الدولية فخرا واعتزازا، وكان اهتمام العرب وحكوماتهم بلغتهم بعد الاستقلال في أواسط القرن الماضي أفضل حالا منه اليوم وبخاصة في مجال التعريب العلمي في الجامعات والتعريب الثقافي والفني والأدبي، والكسب السياسي، فقد كافح الرؤساء العرب زمنا من اجل اعتراف العالم بلغتهم في المحافل الدولية، ولا زلت اذكر وأنا شاب كيف فرحنا وتباهينا حين أصر عبد الناصر على إلقاء خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة باللغة العربية واستجيب لطلبه، واعتلى المنصة في الخامس من سبتمبر1960، وصفق له رؤساء العالم بما لم يحظ به رئيس أخر في دورة الرؤساء حيث حظيت تلك الدورة بالتقدير وجمعت أكبر قطبين في الحرب الباردة الرئيس الأمريكي أيزنهاور والزعيم السوفييتي نيكليتا خروشوف، وزعماء حركة عدم الانحياز التي كانت في أوج فاعليتها بوصفها أملا وسطا للعالم، بزعمائها الثلاثة نهرو وتيتو وعبد الناصر، وكانت دورة مفصلية شهدت أول خطاب سياسي باللغة العربية يلقى من فوق منصة الجمعية العامة ممثلا لتجربة قومية واعدة جسدت بامتياز بزوغ قوة عربية كوكبية جديدة تحت سماء العالم الثالث.وواكب هذا الإنجاز تفعيل استخدام النفط سلاحا في المعركة بعد عام 1967 و تنبأت يومها المحافل الدولية بأن العرب يمكن أن يشكلوا قوة سادسة في عالم ذلك الزمان.


وقد اعتمدت اللغة العربية رسميا في الأمم المتحدة 1973 واعترف بها لغة سادسة عالميا. والمعنى الذي نرصده أن قوة أي أمة أو شعب رهين بقوة اللغة التي تنطق بها، ويقدر احترام العالم لأي دولة في ضوء ما يحققه وينجزه مواطنيها على صعيد اللغة، وما خفت صوت العرب وهانوا هذه الأيام إلا نتيجة لانكفاء لغتهم بعد أن أهملوها وتقاعسوا في خدمتها داخليا بعد إن حققت اعترافا خارجيا لم يعكسه الداخل؟


في عام 2005 قررت اليونسكو أن قضية اللغات تقع في صميم اختصاصاتها ومجال التربية والعلم والعلوم ‏الاجتماعية والإنسانية، والاتصال والمعلومات، فأسندت الأمم المتحدة إليها دور الوكالة ‏الرائدة فيما يتعلق بهذا الحدث. و‏أعلنت سنة 2008 سنة دولية للغات، فاللغات وسيلة جوهرية للتواصل ‏بكافة أنواعه، والتواصل هو ما يجعل التغيير والتطور ممكنا في المجتمع البشري. فاستخدام أو عدم استخدام ‏لغة معينة كفيل بفتح أو بسدّ الأبواب أمام شرائح واسعة من المجتمع للإفادة منها في أرجاء شتى من العالم.‏ ودعت اليونسكو الحكومات وهيئات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع ‏المدني والمؤسسات التعليمية والجمعيات المهنية وجميع الجهات المعنية إلى مضاعفة أنشطتها الرامية إلى تعزيز ‏وحماية جميع اللغات، ولاسيما اللغات المهددة بالانقراض، يقول مدير اليونسكو بمناسبة ‏الاحتفال بالسنة الدولية للغات في رسالته إلى العالم، اللغة من مقومات الهوية الجوهرية للأفراد والجماعات، وعنصر أساسي للتعايش السلمي. وعامل ‏استراتيجي للتقدم نحو التنمية المستدامة، والربط السلس بين القضايا العالمية والقضايا المحلية... فأين مؤسساتنا الوطنية والقومية والدينية من هذه الدعوة؟‏ وما بالنا اليوم نستهين بلغتنا ولا نفطن لأخطار العولمة القادمة، ونهمل استخدامها في مظاهر حياتنا اليومية وبخاصة في المعاملات الرسمية على مستوى الوزارات، وفي فواتير الأسواق الاستهلاكية فضلا عن المستشفيات والشركات والاتصالات الهاتفية، فرسائل بتلكو وزين وفيفا تستخدم اللغة الأجنبية غالبا، وكان عليها احترام مشاعر مواطنيها العرب الذين يشكلون نصف المجتمع؟ وأي عذر للبنوك الإسلامية على سبيل الحصر والمثال حينما تتواصل معنا على هواتفنا باللغة الإنجليزية؟ وكيف تكون إسلامية وتزدري اللغة العربية وتهملها، بلا مبرر في ظل صراع العولمة، حقا إنها مأساة! حتى وصل الأمر ببعض الجامعات الخاصة إلى تدريس مقرر اللغة العربية الوحيد في مناهجها فتدرسه باللغة الانجليزية، فهل فطن مجلس النواب لهذا الخلل القومي والعقائدي المخالف لقرار اتحاد الجامعات العربية؟


إن تعميم استخدام اللغة العربية في مؤسساتنا وحياتنا لا يتطلب أكثر من قرارات مركزية ملزمة بوضع اللغة قيد التعامل بها لغة رسمية أولى في الواقع وليس مجرد مادة نسخت فيها أوراق الدستور. فهل ستستفز وزارات التربية، والثقافة، والإعلام، لنصرة اللغة القومية، وهل فطنت وزارات الشؤون الدينية والأوقاف الآثار السلبية لإهمال لغة القرآن؟ ألا يدخل مبدأ احترام اللغة العربية في صميم احترام الدين والتاريخ والمواطنين الناطقين بها؟ نأمل أن يكون مقالنا تذكيرا بتصحيح ما اعوج، فلا نريد أن نحمل الأمر مقاصد أخرى. ولا نقول علينا إهمال اللغات الأجنبية وتعلمها، ولكن ليس على حساب لغتنا الأم.







الاحد ١٣ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / شبــاط / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عمران الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة