شبكة ذي قار
عـاجـل










لن يتغير مصير بشار ولن يفلت من العقاب لو أتاه ألف وفد من العناصر الإنتهازية ، كذلك الوفد الأردني الذي ألبسه عباءة النفاق والنّفَس الطائفي مدعيا أنه يُمثّل شعب الأردن ، وسط استنكار مختلف شرائح هذا الشعب من أحزاب ونقابات وشخصيات وطنية لهذه الزيارة التي رتبها سفير النظام في عمّان الشبّيح الطائفي بهجت سليمان ، صاحب مقولة "بشار الأسد يُمثّل الحسين والمعارضة تُمثّل يزيد " ، وهو بالمناسبة أحد أزلام رفعت الأسد أيام كان رئيسا لسرايا الدفاع ( وما أدراك ما سرايا الدفاع) ، وهو الذي درّب بشار على إطلاق الرصاص تنفيذا لرغبة أبيه حافظ كما كتب ذلك بقلمه قائلا بالحرف : " طلب مني عندما كنت في موقع استخباري أن أصحبه معي الى مقر الإستخبارات ، لتعليمه كيفية إطلاق الرصاص على من تثبت خيانتهم في القوات المسلحة " . وهو حسب مصادر أردنية مطلعة الذي أوعز بضرورة جلب الطبيبة النفسية تحديدا ضمن هذا الوفد ، وتلك حكاية أخرى.
لكن مصير بشار المحتوم لا يعني بالضرورة أن أهداف قوى المعارضة ستتحقق كما يُرتجى ، خصوصا إذا بقي ثوار الداخل وهُم الثقل الأساس بلا دعم نوعي وحقيقي رغم الإنجازات اليومية التي يحققونها بدمائهم وبقدراتهم المحدودة ، بينما تقصر مجموعات الخارج فعالياتها على التنقل من عاصمة لأخرى ، وعقد الاجتماعات والمؤتمرات التي أصبحت أكثر من الهمّ على القلب.


في ظل هذه الوضعية المستمرة منذ حوالي العامين ، تبدو آفاق سورية الوطن والشعب مفتوحة أكثر من السابق على أسوأ الإحتمالات المدفوع باتجاهها من قبل الكبار ، في تناغم ولا أغرب يجمع الحلفاء العلنيين للنظام مع نظرائهم السريين ، وفي صدارتهم الولايات المتحدة وحليفتها الاستراتيجية الأولى الراغبة ببقاء نظام "الممانعة" إلى ما لا نهاية ، خوفا من البديل المتمثل بانتصار الثورة على الظلم والدكتاتورية والتمييز الطائفي.


وعليه ، إذا كان وضع النظام معروفا ، ولا حاجة لإثبات إصراره على البقاء ولو على جثث كل السوريين الذين يُبادون بصواريخ سكود المخصصة للحروب لا لقتل الشعوب ، كما فعل بالأمس في حلب الشهباء وغيرها ، فإن من الجنون التصور أن بشار على استعداد للتخلي عن هذا الإصرار بعد كل ما اقترفه من جرائم الإبادة الجماعية ، وما مارسه من مراوغات وأكاذيب كان آخرها قوله أمام الوفد الذي يضم المصلحي والطائفي المتستر برداء قومي أوماركسي : " أنا صاحب مشروع ولا تهمني المناصب . فليتفق الشعب السوري على مشروعنا الذي حددنا عناوينه بدون شروط" . وتأكيدا على "زُهده" بالمناصب عَمَد إلى تذكير الحاضرين بعيادته التي لم يكن لها اصلا أي وجود ، وعبّر عن استعداده للعودة إليها على اعتبار أنه "طبيب عيون" . ثم عاد بعدها إلى الجزم بأنه باق ولا يُفكّر بالتخلّي وقد يرشح نفسه لولاية جديدة في العام 2014


إذا كان ذلك معروفا ، فإنه لابدّ من الإقرار في المقابل أن وضع المعارضة الحالي ـ والمعني هنا تشكيلات الخارج ـ لا يُطمئن ولا يريح ، ليس لجهة التأرجح في المواقف وتضاربها أو حتى الإختراقات فحسب ، بل من زاوية عدم الإتفاق على الأساسيات . وهنا دعونا نتساءل : ما هي الجوانب السياسية والإقتصادية وغيرها التي تحدد أرضية الاتفاق بين سائر التيارات المشاركة في كل من المجلس والإئتلاف الوطنيين ، باستثناء شعار إسقاط النظام ، دون أن ننسى أن هذا الشعار لم يكن مطروحا في البداية ،بل فرضته وحشية النظام نفسه في التعامل مع انتفاضة شعبنا منذ يومها الأول ، انطلاقا من مقولة بشار "كل من يُشارك في الفوضى ـ أي الإنتفاضة ـ يُشارك في الإرهاب " ، وهي المقولة التي تفضح أكذوبة قوله أمام مجلس الشعب " أردنا من الصبر في بداية الأزمة أن نكشف المؤامرة"، مع أنه لم يصبر ساعة واحدة على الاحتجاجات السلمية لأهلنا في درعا!


هذا يعني بالإضافة لما سبق أنه إذا كانت معارضة الخارج ستستمر على وتيرة مؤتمر هنا وآخر هناك يُكرر ما صدر عن سابقه مع بعض تنازل جديد ، ووعد بمبادرة جديدة ، فإن النتيجة التي يسعى إليها عالم الذئاب سوف تصب في خانة معسكرهم إذا ما استمرت عملية محاصرة الداخل وخنق ثورته . أقول هذا وأمامي شريط الأحداث الجديدة التي تتابعت بعد الدعوة التي وجهها النظام على لسان وزير خارجيته وليد المعلم إلى "من يحمل السلاح من أجل الإصلاح" كي يأتي للحوار ، وتخصيصه بالإسم التنسيقيات للمرة الأولى ، الأمر الذي دفع رئيسها إلى الإسراع للإدلاء بدلوه قائلا بكلمات تقطع الشك باليقين : " إن روسيا والولايات المتحدة قد توصلتا إلى تفاهم على أن يكون الحل سياسيا في سورية " . ثم أتى تصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى مجلة "نيو ريبابليك" مؤشرا على نفس الإتجاه ، بقوله للمرة الأولى أيضا : "بالنسبة للوضع السوري يجب أن أسأل هل يمكن أن يُحدث تدخلنا أي تأثير ، وما الذي يُوفر أفضل احتمال لنظام مستقر بعد الأسد".


بعدها فاجأتنا حزمة من المتغيرات المتضاربة داخل الائتلاف الوطني ، بدأها أمينه العام معاذ الخطيب بالتفرّد في الإعلان عن استعداده لمحاورة النظام ، وقد أثار ردود فعل معترضة عليه لكنها سرعان ما هدأت ، فعاد الإئتلاف إلى اعتبارإعلانه مجرد رأي شخصي . وتلا ذلك مباشرة خبر اجتماع الخطيب مع الروس والإيرانيين ، حلفاء النظام . وكان لافتا عندها إعلان المتحدث الرسمي باسم الإئتلاف أن ما طرحه الخطيب ( حول استعداده للحوار)كان بعلم الإئتلاف وموافقته أيضا ، مع الإشارة إلى أنه مع أي حل سياسي يوقف مسلسل القتل والتدمير .وهكذا تمت المسارعة الى عقد اجتماع الهيئة التأسيسية للإئتلاف في القاهرة يوم 14 شباط/ فبراير الجاري ، لكي تضع إطار الحل السياسي ، وأصدرت بيانا تضمن ثماني محددات"جوهرية" لم تأت بجديد يُذكر على ما سبق إعلانه ، بل تضمنت مبادئ عمومية مكررة. أما الأغرب من ذلك فقد تمثّل في عودة التآلف بعد خمسة أيام فقط من إقرار هذه المحددات إلى الأعلان عن أنه سيُصدر مبادرة جديدة للحل السلمي.


يبقى علينا الآن أن نكشف عن سر هذا التخبّط ، وما هو المخفي وراء التساكن الهادئ بين الولايات المتحدة وروسيا طوال العامين الماضيين على أرضية الموقف من القضية السورية ، دون أن نسمع عن أي إشكال بينهما حولها أو مجرد نقد من أحدهما للآخر، حتى اللحظة التي أعلن فيها الإئتلاف بدافع اليأس تعليق مشاركته في مؤتمر أصدقاء سورية ، وعدم تلبية الدعوة الموجهة إليه لزيارة واشنطن وموسكو ،"احتجاجا على الصمت الدولي المخزي تجاه الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري" كما قال ، أو شعورا منه استمرار بتصميم الكبار على ابتزازه وتركيعه وهي جرائم تؤكد في كل الأحوال إصرار النظام أكثر من السابق على ترجمة مقولة " بشار أو الدمار " كل يوم ، بدعم غير محدود من إيران الملالي التي لا يجهل أحد دورها السرطاني في المنطقة الذي عبرعنه بلسان محمد علي أبطحي " لولا طهران لما سقطت كابول وبغداد " . ومع ذلك لم يبدر من أي منهما ما يضع حدا لذلك حتى بعد إقرار قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري في أول اعتراف رسمي بوجود قوات إيرانية على الأرض السورية لدعم النظام ، وعدم استبعاد انخراطها في المواجهة العسكرية إذا اقتضى الأمر.


هذا الإقرار إذا كان مفاجئا للبعض ، فإنه لم يكن كذلك بالنسبة للأميركان والروس ، وإلا لما لاذوا تجاهه بالصمت المطبق مثلما فعلوا على ما سبق أن أعلنته وكالة الأناضول ، حول وجود اتفاقية سرية بين الحكومتين الإيرانية والعراقية على توريد السلاح إلى سورية عبر الأجواء العراقية ، بعلم الولايات المتحدة وموافقتها أيضا.


في أجواء هذا الصمت الذي يخفي وراءه أسباب إطالة المشهد السوري الدامي ، لم يعد غريبا أن يخرج علينا المعمّم مهدي طائب بالإدعاء أن سورية هي المحافظة الإيرانية رقم 35 ، وأنها أهم من الأهواز ، دون أن يُحدث تصريحه هذا أي أثر في العالم "الحر"، علما بأن خلف ادعائه تطلعات خطيرة تُهدد السلم والأمن الدوليين ، ولو من وجهة نظر الأميركان والروس أنفسهم على الأقل.


أخيرا ، قد يبدو من السذاجة التساؤل: كيف ستتحقق مصلحة روسيا مع ما تبتغيه الولايات المتحدة من خلال أدائها دور المتفرج الفاعل من وراء ستار ، أم أن كل ما يجري ليس إلا حلقة في مسلسل سايكس بيكو جديد تشارك فيه باطنية الملالي بدور الشريك القديم ـ الجديد ؟

 

 





الاثنين ٢١ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عمار البرادعي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة