شبكة ذي قار
عـاجـل










كم تمنينا أن تكون في دولنا العربية قوى معارضة وطنية نزيهة تنافس الحكومات بإعداد الخطط والبرامج التنموية، وتعمل على تنمية الوعي الاجتماعي والثقافي وتطويرهما؛ ومراقبة الانحرافات والفساد سلميا، رغبة في خدمة البلاد والعباد وليس وسيلة للقفز إلى السلطة، وكنا نعيب على حكوماتنا غياب مثل هذه الأحزاب والجماعات ذات الدور الفعال في العالم المتقدم ونتهمها بالدكتاتورية، ونشعر بالفراغ الذي يتركه غياب هذه القوى المنظمة في أقطارنا، وكم حسدنا غيرنا ممن لديهم قوى معارضة سلمية، كثيرا ما نجدها  تساند الحكومات وتتعاون معها في إقامة مشروع أو خدمة مجتمعية مفيدة، وعند الأزمات والكوارث والتحديات. وكم نحزن حين نجد أحزابا شمولية معارضة في دولنا، تعمل في السر والعلن، دأبت على تحين الفرص لإسقاط الحكومات والقفز على السلطة، تستغل الأزمات الطارئة ولو على حساب الوطن ومصالح الأمة!


كان أملنا بعد ثورات الربيع العربي أن تكون لدوله معارضة وطنية تمتلك الحكمة وعيون واعية، وتمارس أدوارا فاعلة بشفافية وتجرد. استوعبت قواعد اللعبة الديمقراطية على أصولها تتعاون مع السلطات لتجاوز الأزمات، تواكبها وتنصحها إن أخلت وانحرفت، وتشق طريقها بالمنافسة الشريفة لتولي المسئوليات مستقبلا، ومن قواعدها اختيار قياداتها ومرشحيها للمسئوليات والمناصب بالصندوق داخليا قبل أن تطرحهم على عموم الشعب؟ لا أن تتمسك بزعيم  تقليدي “نصف إله” هو من يقرر وفق مواقفه الشخصية جمع حوله أولياء وأقرباء ومحسوبين يتولون المسئوليات نيابة عنه باسم المعارضة.


لقد سمحت الفرصة للشعوب كمصر وتونس وليبيا بعد ثورات الربيع بممارسة حقها في اختيار ممثليها في الدولة، ولكن لم يكن أمام الناخب غير اختيار الإسلاميين، ربما لأنهم الأفضل أو الأقرب لهموم للناس، وربما لعدم وجود منافس بماض ومواقف مشهودة، أو لأنهم الأحكم تنظيما والأوسع انتشارا، وسواء كان الدافع هذا أو ذاك اكتسب الإسلاميون شرعيتهم بموجب صندوق التجربة الديمقراطية التي كنا نتمناه. ولهم الحق بأخذ فرصتهم. وكان الشعب المصري بحاجة إلى قوى معارضة نزيهة تكون رديفا للحكومة تسهم في إقامة الدولة ولها حق النصح والتنبيه، ولكن ويا للحسرة لم يحصل ذلك!


المحزن أن المعارضة في مصر اليوم لم تخضع لقيم المعارضة الشعبية الوطنية النزيهة بتجرد كما في الدول المتقدمة، وإنما تشكلت وفق معايير فوقية، قيادات تقليدية من تركات الزمن الرديء، وريثة مناصب وأمجاد وهمية، أمين سابق لجامعة الدول العربية، ورئيس سابق لمنظمة الطاقة العالمية، ووزير دفاع سابق، زمرة متقاعدين في حكومات كان أداؤها سيئا، وفشلوا في انتخابات الرئاسة، فدفعهم الحقد والحسد إلى البحث عن منافذ لمناصب جديدة، تعاونوا مع أحزاب قديمة أصبحت جسدا بلا روح كانت نائمة وأفاقت كحزب الوفد، ومسئولين سابقين استقووا بمراكزهم الوظيفية في القضاء والإعلام، “فالتم المتعوس على خائب الرجاء” الشامي على المغربي، على أسس غير ثابتة، بلا مبادئ رصينة، وليس لهم ماض مشرف، اتفقوا وما كانوا يتفقون، يشاع أن حيتان عربية لم تدرك سوء العواقب مولتهم؟ وتحلق حولهم  ليبراليون معادون للإسلام والعروبة عرفوا أم جهلوا، وتلحف بهم البلاطجة، جمعتهم نزعة باطنية وطموح شخصي للكرسي، تمنيهم أنفسهم بحرق الرئيس الحالي وإسقاطه، وهم ليسوا بأفضل منه.


همّ المعارضة المصرية اليوم إسقاط الرئيس وإفشاله وعدم السماح له بأداء دوره حسدا ومكرا، بالحق وبالباطل، ولو على حرق مصر وتهديمها! فأصبح الرفض من اجل الرفض لكل خطوة وقرار، معارضة من اجل المعارضة، استغلوا الوقت الحرج وأجواء الحرية فلم يدعوا منقصة ولا اتهام إلا ورموا بها رئيس الدولة وحزبه هزوا وجدا، وما كانوا يجرأون على الكلام قبلا، واليوم يتنادبون بطريقة لا حضارية، حرقوا المؤسسات واعتدوا على رجال الأمن، كل يوم تظاهرة شغب وإضراب واعتصام تلو آخر؛ لتعطيل مسيرة الحياة ودواليب العمل، أصبحت الحرية فوضى بلا إحساس بالمسئولية ولا ورع ولا ترفع، ومن دون اعتبار بأنهم بعملهم هذا إنما يهددون مصر أكبر دولة عربية؟ وأنها بسبب معارضتهم أصبحت على شفى الهاوية انقساما واقتصادا وأمنا، بعد سنتين من الصراع بعد الربيع زادت مصر ضعفا على ضعف.


المعارضة المصرية اليوم شأنها شأن المعارضة البحرينية، “أخرّب أو أحكم”، أو كالمعارضة العراقية يوم مهدت لاحتلال العراق وعطلت دوره العربي، فجلبت لأمتنا المآسي والأخطار بعمالتها وسوء مكرها. ولا تقل المعارضة المصرية خطورة، فهل تتنبه الدول العربية لهول الكارثة وتدفع عن مصر ما يحيق بها من أذى؟ وهل تدرك الدول العربية أن الحفاظ على السلم الأهلي في مصر حفاظ على أمن الدول العربية نفسها؟ وان تهديد أمن مصر تهديد للأمن القومي؟ وهل يدرك العرب ما سيجري لهم فيما لو جثت مصر على ركبتيها لا سامح الله؟

 

 





الثلاثاء ٣٠ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عمران الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة