شبكة ذي قار
عـاجـل










نشرت جريدة النهار يوم الخميس الواقع في 9/5/2013 في صفحة قضايا النهار، مقالة للسيد حسين عبد الحسين تحت عنوان "لماذا يخشى العرب التطبيع مع "إسرائيل" وفيه يعتبر أن الصراع العربي الإسرائيلي تحول بأكمله من مصلحي حيوي إلى رمزي عاطفي، وان هذا الصراع خرج من المعقول إلى المتخيل، وأن تصور العرب بعزل "إسرائيل" لا يصب في مصلحتهم، وان معارضة التطبيع هي الأسوأ. لأن من يجب أن يخشى من التطبيع هي "إسرائيل" وليس العرب. وأنه حان الوقت ليستبدل العرب مفاهيم الكرامة والإباء وحتى آخر شبر، بمفاهيم مثل الحقوق المدنية، والناتج المحلي وفرص العمل. ويختم إذا كان الصراع مع إسرائيل ممكناً حسمه عسكرياً مع "إسرائيل" في مدى قصير أو متوسط، فليكن، وان كان مستحيلاً، كما علمنا التاريخ، فلا ضير من سلوك الطرق الأخرى مثل السلام. حتى لو لم يكن مثالياً، لكنه قد يعطي العرب والفلسطينيين حياة فيها مقومات أكثر للعيش وتالياً كرامة وشرفاً.


بداية نقدر للأستاذ عبد الحسين جرأته في "تناول قضية، ما تزال عند شرائح شعبية واسعة في فلسطين وبلاد العرب ترتقي حد القداسة بالنظر للثقافة السياسية والشعبية الموروثة والراسخة في الذاكرة الجماعية للشعب، لكن ونحن نقدر جرأته فهذا لا يعني المرور على ما يطرحه دون التوقف عنده والتأشير على تأثيراته السلبية وعليه نسجل على هذه المقالة ما يلي:


1- إن الأستاذ عبد الحسين، ينطلق من معطى واقعي،هو ان مرور عقود عديدة على عدم تمكن الفلسطينيين والعرب من استعادة فلسطين، يجب أن يدفعهم إلى القبول بالأمر الواقع ومن ثم تشريع هذا الواقع من خلال الاعتراف به، ليس انطلاقاً من توفر المشروعية لهذا الواقع بل انطلاقاً من واقع العجز على تغييره. وفي هذا الاستنتاج مفارقة غير عقلانية وغير منطقية، إذ كيف يتصور قبول سلام يمنح حقوقاً متوازية لطرفي عقد السلام، فيما أحدهم يعرض من موقع القوة والآخر يقبل من موقع الضعف. ان معطى هذه الحالة لا ينتج سلاماً، بل ينتج استسلاماً من أحد الطرفين لشروط الطرف الآخر. وبتعبير آخر، فإن "العقد" لا يعدو كونه سوى عقد منبرم بإرادة منفردة. إذ الأقوى يملي والأضعف يتلقى.


هذا من جانب أما من جانب آخر، فإن كاتب المقال يأخذ على الفلسطينيين والعرب طول المدة الزمنية التي انخرطوا فيها في الصراع، ولم يستطيعوا تحصيل مكاسب، وهذا صحيح، لكن الأستاذ حسين، لم يقل ما هي الأسباب، ولو أشار إليها وفندها، لكان فعلاً حدد مواطن الضعف والقوة، وهو ما يعيبه على العرب لأنهم لم ينبروا جدياً لتحديد مواطن الضعف والقوة عند الإسرائيليين.


مما لا شك فيه أن هناك نقاط ضعف وقوة عند أطراف الصراع، ومصلحة أي فريق أن يستغل نقاط الضعف عند الخصم، ويفعل نقاط القوة لديه وإلا كان كمن يذهب للغوص ولا يعرف كيف يعوم. وإذا كانت نقاط القوة عند "إسرائيل" تكمن بما تملكه من عناصر قوة مادية، وما يتوفر لها من حماية دولية، فإن تفعيل هذه القوة لديها يتم من خلال تفكك الواقع العربي المحيط بفلسطين وتباين الرؤى السياسية، في التعامل مع هذا الكيان .ان"إسرائيل" تدرك جيداً هذه الحقيقة، وهي في طرحها لعقد تسويات مع العرب تصر عليها عبر تسويات منفردة. ولذلك، فإن الحلقة المركزية في ضعف الموقف العربي هو واقع التجزئة القائم.


أما لجهة طول المدى الزمني، فإنه يستشف من منطق الأستاذ حسين، تأثره بالمنطق البراغماتي الذي يحكم السلوكية السياسية الأميركية، والتي تغلب المصالح على المبادئ، فهل فلسطين هي قضية مصالح، وحقوق مدنية وحسب، أم هي قضية شعب، تعرضت أرضه للاغتصاب وتشرد منها، ويراد له أن تسقط عنه هويته الوطنية، ويسلخ عن تاريخه بكل محتواه الديني والاجتماعي والموروث الثقافي، ويريد له أن يستسلم للأمر الواقع ويضفي الشرعية على الاغتصاب كونه لم يستطع ان يزيله بعد عقود من الزمن؟


إننا هنا، نسأل الأستاذ حسين عبد الحسين، لو كان أحد اغتصب ملكاً خاصاً له، هل يسكت ويسلم بواقع الاغتصاب مهما طال الزمن ويوقع صك الاعتراف بشرعية وملكية المغتصب، أم يعمل إلى مواجهته أما واقعاً وأما قانوناً؟


فإذا كان المرء لا يقبل اغتصاباً لملك خاص به، فكيف يريد لشعب أن يقبل اغتصاب أرضه ونزع هويته وسلخه عن تاريخه اليس هذا هو المنطق اللامعقول ؟؟


وإذا كان السيد عبد الحسين يعتبر أن المدة التي انقضت حتى الآن طويلة ولم يستطع الفلسطينيون ومعهم العرب استعادة الحقوق وهي كافية للقبول بما يفرض عليهم، فكيف لا يتوقف عند المدة الطويلة التي قطعها المشروع الصهيوني، منذ وعد نابليون ومروراً بوعد بلفور حتى ظهور هذا الكيان الغاصب.


لماذا طول الزمن معيب على العرب، وينظر إليه بإيجابية، لأنه يعكس العزم والمثابرة عند الصهاينة؟
ألم ينتظر الصهاينة مئة وخمسين سنة، حتى تحقق لهم الوعد المزعوم "بأرض الميعاد"، وكيف يكون التفكير الصهيوني الذي يستند إلى مفاهيم توراتية - لا ندري ان كانت صحيحة أم لا- هو تفكير عقلاني، ويكون التفكير العربي بالإصرار على استعادة الحقوق المغتصبة، هو كلام يندرج في الماورائيات والمتخيل الذهني؟


إنها المفارقة، التي تروج للتطبيع النفسي كمدخل للتطبيع السياسي الذي يدعو إليه الأستاذ عبد الحسين، والذي يتماهى مع ما تصر عليه "إسرائيل" وفيه تؤكد بأن شرط التطبيع المسبق هو من الشروط التي تطلبها للعودة إلى طاولة المفاوضات (لطفاً التدقيق جيداً بلائحة المطالب التي قدمتها "إسرائيل" لوزير الخارجية الأميركية) وهي خمسة:


- تجميد توجه الفلسطينيين للأمم المتحدة – عدم التقدم بمراجعة قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية – وقف التحريض السياسي والإعلامي-، وقف جهود المصالحة بين فتح وحماس، الاعتراف الصريح بيهودية دولة "إسرائيل".


إن الصهاينة يعترفون باستلاب أرض فلسطين، فكيف يريد لنا ان نوقع سلاماً معهم، وهم لو كانوا مكاننا هل أقدموا على ذلك؟؟ اننا نحيل الأستاذ عبد الحسين إلى قول بن غوريون لنا حوم غولدمان:
يقول بن غوريون "لو كنت زعيماً عربياً لما عملت تسوية مع "إسرائيل" أبداً، وهذا طبيعي، فقد أخذنا أرضهم، هناك لا سامية النازيون – هتلر واستفتيز، ولكن هل هذا ذنبهم؟ هم يريدون شيئاً واحداً، اننا جئنا إلى هنا وسرقنا بلادهم، لماذا يقبلون هذا"؟


2- إن الأستاذ عبد الحسين، يعتبر أن "إسرائيل" لا يمكنها أن تتوسع إلى حدود الفرات والنيل وتسيطر على المنطقة، بل هي أسيرة وضعها وعليه ان التطبيع هو مقتلها؟


إننا مع الأستاذ عبد الحسين، بأن "إسرائيل" لا تستطيع، ان تتوسع جغرافياً خارج حدود فلسطين، لكن من قال حدود السيطرة وبسط النفوذ هي بحدود الانتشار العسكري؟ ألم يقرأ كتاب شمعون بيريز عن الشرق الأوسط الجديد وملخصه أن الشرق يمكنه أن يتطور إذا ما تكامل دور "إسرائيل" في محيطها، فهي تقدم الخبرة التقنية والإدارية، والعرب يقدمون اليد العاملة والثروة الطبيعية، والسوق الاستهلاكي. بمعنى آخر، ان "إسرائيل" تريد العبور السياسي والاقتصادي إلى العمق العربي من بوابة الاستثمارات المشتركة، وهي بما تملك وتحوز عليه من إمكانات تصبح هي القائدة لهذا الشرق وبالتالي تحويل العرب إلى يد عاملة رخيصة في خدمة الرأسمال الصهيوني.


إن طرح الأستاذ عبد الحسين بالتركيز العربي والفلسطيني خاصة على فرص العمل والحقوق المدنية، يحاكي المشروع الإسرائيلي باستهدافاته الاقتصادية الاستراتيجية وعندها يصبح النفوذ الصهيوني أبعد من حدود دجلة والفرات، لأنه يغطي ساحة الوطن العربي من مشرقه إلى مغربه.


فهل يريد الأستاذ عبد الحسين أن يتحول العرب إلى عمالة رخيصة لدى إدارة الاستثمار الصهيونية لمجرد أنهم لا يستطيعون أن يهزموا "إسرائيل" حالياً أو أن يحققوا توازناً استراتيجياً، يفرض على الأقل تسوية مرحلية متوازنة؟


3- إننا نأخذ على الأستاذ عبد الحسين، استخفافه بالمفاهيم، التي يعتبرها العرب من المكونات المعنوية لشخصيتهم، وهو من المنتمين لهذه الأمة.


ان الإنسان في تكوينه النفسي والاجتماعي، ليس كائناً بيولوجياً يعيش أسير حاجاته المادية وحسب، بل هو كائن مجتمعي، وشخصيته الاعتبارية هي الأهم وعندما يستسهل المرء انتهاك كرامته الشخصية، تهون عنده ان تهان كرامته الاعتبارية.


هل يريد الأستاذ عبد الحسين، أن يكون العرب دون كرامة اعتبارية، لمجرد أنهم لا يملكون عناصر القوة لاسترداد حقوقهم، وهل يريد للعرب أن يأكلوا بثدي نسائهم عندما يجوعون؟


إن أحد مصادر القوة عند العرب، هو أنهم يفخرون بمحطات مضيئة بتاريخهم ونذكر الأستاذ عبد الحسين ومن يتماهى مع طروحاته، ان المعتصم انتفض لصرخة امرأة عندما نادت وامعتصماه، لأن الخليفة اعتبر أن كرامة الأمة انتهكت ولها انتصر، وعلمتنا الكرامة "ان الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها."


كنا نتمنى على الأستاذ حسين عبد الحسين، ان لا يروج لمثل هذه المقولة، لأن هذا ما تهدف إليه "إسرائيل"، وهو أن يكون التطبيع متجاوزاً حدود العلائق الرسمية، إلى العلاقات والمفاهيم المجتمعية العامة، وكان الأحرى به، أن يطالب الحراك الشعبي العربي، أن يستحضر القضية الفلسطينية في خطابه السياسي، وحتى تبقى هذه القضية حية في الذاكرة الشعبية العربية، وفي الذاكرة الوطنية الفلسطينية.


وإذا كانت "إسرائيل" تسعى لتمرير مشروعها في ظل موازين القوى السائدة، فهذه الموازين ليست ثابتة، وهي قابلة للتعديل والتغيير، والخطاب السياسي الذي يؤكد على الحق القومي بفلسطين هو الخطاب الواقعي والعقلاني، فيما خطاب التطبيع الذي يرى ان الواقعية السياسية هي الاستسلام للواقع الراهن الذي تفرضه موازين القوى السائدة في لحظة معينة هو اللاواقعي واللامنطقي.


إن الصراع مع المشروع الصهيوني، ليس صراعاً مطلبياً حتى يتمحور حول الحقوق المدنية وفرص العمل بل هو صراع وطني وقومي بامتياز. وإذا كانت مصالح الدول الكبرى والإقليمية تنظر إليه من خلال مصالحها، فإننا ننظر إليه من خلال الحقوق التاريخية الثابتة وغير القابلة للتصرف، وحيث لا يحق لجيل أن يتنازل عن حقوق شعب تكونت شخصيته الاعتبارية عبر تعاقب وتواصل المراحل التاريخية .


يرى البعض إننا ما زلنا نردد بنظرهم مفردات خطاب سياسي تجاوزته الاحداث ويحاكي الماضي اكثر من محاكاته للمستقبل .ان هذا رأيهم، لكن رأينا وقناعتنا هو ان الخطاب الذي يبقي القضية الفلسطنية قضية حية في الذاكرة الجماعية العربية، هو الخطاب الذي يعبر عن حقيقة المشاعر الشعبية والذي يحقق الامتلاء النفسي لها والذي لا يمكن افراغه من مضمونه الا بالتطبيع ولهذا نرفض التطبيع بكل أشكاله وسنبقى نقاومه.

 

 

 





الخميس ٢٨ جمادي الثانية ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / أيــار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة