شبكة ذي قار
عـاجـل










اصبحت ظاهرة العولمة الاقتصادية تمثل أحد أبرز التطورات الاقتصادية التي يشهدها الاقتصاد العالمي في نهاية القرن العشرين، وهي مرحلة من مراحل تطور المنظمة الرأسمالية التي تتميز بالانتقال التدريجي من الاقتصاد الدولي الذي تتكون خلاياه القاعدية من اقتصاديات إنتاجية كونية، وهيمنة معلومة على موارد الكوكب، وإدارة اقتصادية شديدة المركزية للعلاقات الاقتصادية العالمية، الى العولمة.


وعلى هذا الأساس فإن العولمة لا تتطلع فقط إلى تعميم طقوس اقتصاد السوق لدرجة دفعه إلى المماهاة مع مجتمع السوق، ولا إلى نشر قيم الليبرالية الخالصة لتغدو قيم الكون برمته، وتعمد إلى رهن مواطنة الفرد بالقدرة على الاستهلاك وامتلاك القابلية على التملك في مناخ تعمم فيه شعار "البقاء للأقوى"، ولمجريات ومغريات الاقتصاد العالمي وشيوع منطق القرار الاقتصادي للعولمة ومقومات السيادة الاقتصادية العالمية بدلاً من مقومات السيادة الاقتصادية الوطنية. بل تتطلع ايضا الى ثقافة العولمة الاقتصادية.


وتهدف ثقافة العولمة الاقتصادية إلى ما يأت
1- السيطرة على رؤوس الأموال العربية وحجز استثماراتها في الغرب حيث تقدر بمليارات الدولارات عيناً وعلى هيئة نقد.


2- الهيمنة الأمريكية - القطب الواحد - على اقتصاديات العالم ومصادر الطاقة، من بينها النفط، للتحكم في العالم من خلال القضاء على سلطة وقوة الدولة الوطنية في المجال الاقتصادي.


3- تحقيق مصالح المجموعات الغنية في الدول الغربية، والقوى المتحالفة معها في الدول الأخرى على حساب الشعوب.


وتستند العولمة إلى مرجعيات غاية في الأهمية بالنسبة لاقتصاديات الجنوب، ومنها الاقتصاديات العربية، ويشير مفهوم العولمة في المنظور الاقتصادي إلى تحول العالم إلى منظومة من العلاقات الاقتصادية المتشابكة، التي تزداد تعقيداً لتحقيق سيادة نظام اقتصادي واحد، فيه يتبادل العالم الاعتماد بعضه على البعض الآخر، في كل من الخامات والسلع والمنتجات والأسواق ورؤوس الأموال والعمالة والخبرة، حيث لا قيمة لرؤوس الأموال من دون استثمارها ولا قيمة لسلع دون أسواق تستهلكها.


يقول رئيس وزراء ماليزيا الأسبق: مهاتير محمد الذي عانت بلاده من آثار العولمة في السنوات الأخيرة، : "إن العالم المعولم لن يكون أكثر عدلاً ومساواة، وإنما سيخضع للدول القوية المهيمنة. وكما أدى انهيار الحرب الباردة إلى موت وتدمير كثير من الناس، فالعولمة يمكن أن تفعل الشيء نفسه، وربما أكثر من ذلك في عالم معولم سيصبح بإمكان الدول الغنية المهيمنة، فرض إرادتها على الباقين، ولن تكون حالهم أفضل مما كانت عليه عندما كانوا مستعمرين من قبل أولئك الأغنياء.


وقال أيضاً: "كانت ماليزيا لسوء الحظ قد جربتها في الفترة الماضية ووجدتها لم تشكل لإغناء دول العالم أجمع، ومنهم الدول النامية مثلنا، لقد كنا على وشك أن نعلن إفلاسنا الكامل بسبب نظام العالم المعولم، وكدنا نتحول إلى متسولين وعالة على غيرنا، وأن نوضع تحت وطأة أوامر القوى الكبرى.


لقد شاع استخدام هذا المصطلح بداية في مجال المال والتجارة والاقتصاد، لكنه سرعان ما تعدى هذا الإطار المحدود بالاقتصاد ليصبح الحديث عنه على أنه نظام عالمي يتضمن في شمولية مجالات المال والتبادل، والاتصالات وتقيدها وصولاً إلى مساحات السياسة والفكر.


فقد أكد التقرير الاقتصادي الصادر عن مجلس الوحدة الاقتصادية العربية على أن الجزائر مثلاً ستخسر سنوياً ما بين 1,5 إلى 2 مليار دولار بانضمامها وتطبيقها لقرارات اتفاقية التعرفة الجمركية "الجات".


وقام " المليادير جورج سورش" أحد المستثمرين الأجانب وهو أحد رموز العولمة - باللعب في البورصة، مما أدى إلى ضرب التجارة التنموية وإحباطها يقول الدكتور مجدي قرقر: "إن الشركات متعددة الجنسيات أدى تطورها وتضخمها إلى تعميق العولمة اقتصادياً، وتعدد أنشطتها في كل المجالات: ومنها الاستثمار والإنتاج والنقل والتوزيع والمضاربة، ووصول الأمر إلى أنها قد صارت تؤثر في القرار السياسي والبعد الثقافي والمعرفي، وفي ظل العولمة استطاعت هذه الشركات الاستفادة من فروق الأسعار، من نسبة الضرائب، و مستوى الأجور لتركيز الإنتاج في المكان الأرخص وبعد ذلك ينقل الإنتاج إلى المكان الذي تكون فيه الأسعار أعلى ويتم تسويقه هناك.


ومما تقدم يمكن رصد أخطار العولمة الاقتصادية بالاتي:
أ- تركيز الثروة المالية في يد قلة من الناس أو قلة من الدول، فـ (358) مليادير في العالم يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه أكثر من نصف سكان العالم. و20% من دول العالم تستحوذ على 85% من الناتج العالمي الإجمالي، و84% من التجارة العالمية. ويمتلك سكانها 85% من المدخرات العالمية.


ب- سيطرة الشركات العملاقة عملياً على الاقتصاد العالمي، وإن خمس دول – الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وفرنسا وألمانيا وبريطانيا - تتوزع فيها (172) شركة من أصل مائتي شركة من الشركات العالمية العملاقة.
ويمكن أن نعرض إحصائية أولية لقوة تلك الشركات متعددة الجنسيات، فهناك (350) شركة كبرى لتلك الدول تستأثر بما نسبته 40% في التجارة الدولية، وقد بلغت الحصة المئوية لأكبر عشر شركات في قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية 86% في السوق العالمي، وبلغت هذه النسبة 85% في قطاع المبيدات، وما يقرب من 70% في قطاع الحاسبات و60% في قطاع الأدوية البيطرية، و35% في قطاع الأدوية الصيدلانية و34% في قطاع البذور التجارية.


ج- تعميق التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين الناس وبين المواطنين في الدولة الواحدة، واختزال طاقات شعوب العالم إلى طاقة دفع لماكنة الحياة البرجماتية الاستهلاكية للقوى الرأسمالية والسياسية الغربية المسيطرة.


د- استئثار قلة من سكان الدولة الواحدة بالقسم الأكبر من الدخل الوطني والثروة المحلية، في الوقت الذي يعيش أغلبية السكان حياة الفاقة والشقاء ويوضح ذلك أن 20% من الثروة الوطنية، و20% من الفرنسيين لا ينالون من الدخل الوطني سوى نسبة 6%.هـ- النمو المطرد للبطالة وانخفاض الأجور، وما يرتبط بها من تقليص في قدرة المستهلكين، واتساع دائرة المحرومين، وقد دلت الإحصائيات على حقائق خطيرة، ففي العالم (800) مليون من البشر يعانون من البطالة وهذا الرقم في ازدياد، وفي السنوات العشرة الأخيرة عملت 500 شركة من أكبر الشركات العالمية على تسريح أربعمائة ألف عامل، على الرغم من ارتفاع أرباح هذه الشركات بصورة هائلة .


وفرض السياسات الاقتصادية والزراعية على دول العالم وخاصة النامية، بهدف تعطيل التنمية الاقتصادية وإبقائها سوقاً استهلاكية رائجة للمنتجات الغربية.


ز- إضعاف قوة موارد الثروة المالية العربية المتمثلة في النفط حيث تم إضعاف أهميته كسلعة حينما تم استثناؤه من السلع التي تخضع لحرية التجارة الدولية، أسوة بتجارة المعلومات.من تخفيض الضرائب والقيود الجمركية المفروضة عليه من الدول المستهلكة، فما زالت هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ترفض اعتبار النفط والمشتقات البتروكيمياوية من السلع التي يجب تحريرها من القيود الجمركية والضرائب الباهظة، التي تفرضها الدول المستهلكة، وبذلك تجني هذه الدول الأرباح الهائلة.


ح- ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الدول الإسلامية نتيجة إلغاء هذه الدول الدعم المالي الذي كانت تقدمه للسلع الغذائية، وبسبب الاحتكار والمنافسة غير المتكافئة من الدول الكبرى.


بضوء ذلك يصبح العالم مقسما إلى قسمين لا ثالث لهما ؛ قسم ينتج ويطور ويبدع ويصدر وهو الدول الغربية ، وقسم يستهلك ويستورد فقط وهو الدول النامية ومنها الدول الإسلامية ووطننا العربي. وهذا هو مغزى الاستعمار قديما وحديثا ، يعني امتصاص خيرات الشعوب الضعيفة وجعلها دائما تابعة للدول الصناعية الغربية


أن السياسات المنفذة مبنية على النموذج الغربي في التنمية ، النابع من النظريات الاقتصادية الغربية ، وهو أمر يفرض على الدول النامية فرضا، ولا يؤخذ رأيها فيه ، مما يؤكد الأهداف الخفية المتمثلة بعولمة اقتصاديات الدول النامية وربطها بالنموذج الرأسمالي الغربي .

 

 





الاربعاء ١٢ رجــب ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / أيــار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. شاكر كريم القيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة