شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد أربعة عشر عاما على حرب كوسوفو ترتفع أصوات في الغرب لتفضح بوثائق وتفاصيل حقائق أهداف الولايات المتحدة ودول التحالف في الحروب التي شنت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية بدءا من الحرب على العراق في 1991 الى حرب كرواتيا ثم حرب البوسنة . ومن أفضل الكتب التي صدرت حديثا في باريس عن دار نشر فايار هو : "كوسوفو حرب "عادلة" من أجل دولة مافيويه"، للكاتب المعروف بيار بيان.يتألف الكتاب من ثلاثين فصلا يتناول فيها الكاتب حرب كوسوفو منذ بداياتها ويكشف خفايا ومعلومات لم يتناولها الأعلام الغربي بل أنه ومع سبق الإصرار سمح للرواية الرسمية-السيناريو- التي نسجها البنتاغون وحلف شمال الأطلسي فقط باحتلال المشهد الإعلامي في الولايات المتحدة كما في أوربا ومنها فرنسا.


يشرح الكاتب المعروف بتوثيقه لكل ما يكتب توثيقا دقيقا يرافق كتبه كيف هيأت الأدارة الأمريكية الديمقراطية هذه الحرب التي لم تكن عادلة "لتفادي كارثة إنسانية" كما أدعى الرئيس الأمريكي كلينتون ووزرائه بل أنها سرعت بكارثة إنسانية في يوغسلافيا السابقة بتدخل الأطلسي الإجرامي وانتهت بوضع حكومة مافيويه تتاجر بالأعضاء البشرية ،يحاكم بعضا من أعضائها اليوم أمام المحاكم بهذه التهمة من بين عشرات من الجرائم الأخرى. فما هو سيناريو هذه الحرب التي أبتعدت ذكراها وطوتها اربعة عشر عاما من السنين ،وكيف سوقت لها أجهزة الأعلام الغربية ولماذا تنسى الذاكرة الجماعية بسرعة نفس الأكاذيب التي تطبخ لها حول الحروب وتصدقها لشن حروب جديدة بنفس الوصفات ؟؟


منذ الحرب العالمية الثانية أعتاد البنتاغون سيناريو واحد في حروبه التي يشنها على بعض دول العالم وهذا السيناريو يحتوي على اربعة عناصر هي وجود ضحايا اولا ثم ديكتاتور شرير ومقاومون ورابعا منقذ يأتي ليحررهم بما يسمى "حربا عادلة" .وقد توافرت للولايات المتحدة الأمريكية هذه العناصر الأربعة عام 1999 في يوغسلافيا السابقة وفي منطقة كوسوفو الخاضعة للسيطرة الصربية حيث الصراع بين الأقليتين الصربية والألبانية على أشده بعد تفكك يوغسلافيا ومحاولة الصرب استعادة السيادة على المنطقة بقيادة الرئيس سلوبودان ميلوفيتس. وقد وضع البنتاغون سيناريو الحرب على كوسوفو في سياق تاريخي هو الحرب العالمية الثانية والإنزال الأمريكي الذي تم في النورماندي في فرنسا لأن العالم يتذكر وبالأخص شعوب أوربا والشعب الأمريكي كيف قامت القوات الأمريكية بإنزال قواتها عام 1944 في فرنسا لطرد الجيش الألماني منها ومشاركة الأتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا الحرة في احتفالات النصر على الرايخ الثالث الذي تحقق أصلا بفضل المقاومة البطولية لشعوب الإتحاد السوفيتي ومقاومتهم للهجوم الألماني في ستالينغراد ودخلت الولايات المتحدة متأخرة الى جانب هذه الدول لتحصد معها نصرا في اللحظة الأخيرة وتسند جزء كبير منه الى تدخلها في مجرى الحرب. كما عمد البنتاغون وتوابعه في أمريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرها الى التهريج والصراخ بأن هذه الحرب هي حرب لأسباب إنسانية وهل هناك حرب إنسانية ! لتبرير ثان بروفة لحروب الأطلسي الأستباقية ضد بلد هو يوغسلافيا السابقة بعد الحرب الثلاثينية على العراق فالحلف لم يسبق له ان خاض حربا لأن مهمته وتأسيسه قاما على أسس الدفاع عن أوربا الغربية ضد أي هجوم من قبل الكتلة الشيوعية ولشن أي حرب لا بد من حجج للتنصل من القانون الدولي ومن مجلس الأمن،فكان استخدام كلمة النازيين ضد الصرب واعتبار ميلوفيتس هتلر وقيل ان الألبان يتعرضون الى أبادة جماعية ويرسلون الى معسكرات الموت في اشارة الى معسكرات الموت ضد اليهود ويجب التدخل لتفادي أبادة جماعية كما صرح ليونيل جوسبان رئيس الوزراء الفرنسي الاشتراكي الذي سوق الحرب على انها ضربات فقط وليست حربا بالمعنى التقليدي. أما طليعة المحرضين وابواق دعاية حلف الأطلسي والذراع الأعلامية الضاربة فقد وجدت خصوصا في فرنسا وتمثلت بنفس النخبة الصهيونية التي لا تغادر وسائل الأعلام الفرنسية المختلفة منذ عقود من برنار هنري ليفي-كاتب- الى فينكلكروت -فيلسوف-الى لوران جوفرن-رئيس تحرير مجلة الى جان دانيال-رئيس تحرير مجلة معروفة- وكلوكسمان-فيلسوف- وباسكال بروكينر-كاتب-وفرانسواز جيرو -صحفية- الذين أطبقوا بضجيجهم ولمدة ثمانية أسابيع –فترة قصف كوسوفو-على كل تحليل حقيقي وواقعي لما يجري في كوسوفو ووصلوا الى حد أتهام كل من تسول نفسه من الصحفيين الفرنسيين الذين لا يشاركونهم أرائهم باتهامه بالداعم للنازية وبأنه مثل أصحاب القمصان السود من اليمين المتطرف أبان صعود النازية والفاشية في أوربا في فترة ما بين الحربيين العالميتين وربطوا بين المانيا وصعود هتلر وبين الرئيس الصربي ميلوفيتس ليحيدوا أي موقف بوجه خطط الولايات المتحدة وحلف الأطلسي.ولم يتجرأ على قول الحقيقة حول كوسوفو الأ بضعة مثقفين وصحفيين مثل الصحفي المعروف الصديق دانيال ميرميه من فرانس انتر-الأذاعة الفرنسية الرسمية- ودانيال بن سعيد الأستاذ الجامعي والمفكر المعروف وداني برومان الرئيس السابق لأطباء بدون حدود ودومينيك فيدال من اللوموند ديبلوماتيك ، وهم بالذات من قال الحقيقة أيضا حول غزو العراق والحرب على أفغانستان مبكرا حتى قبل نشوبها وقاموا بتحليل علمي لأزمة النظام الرأسمالي الاقتصادية الذي يتجدد بالحروب وبتدمير الدول فيما أصبح تجارة رابحة تدر المليارات على عوائل مثل عائلة بوش وشركات هاليبرتن وبي بي النفطية وتشيني وأصدقائهم من المحافظين الجدد صهاينة الولايات المتحدة مهندسي هذه الحروب لمزيد من الهيمنة والأرباح. يقول الكاتب بيار بيان ان مادلين اولبرايت وزيرة خارجية كلينتون هي التي حرضت على هذه الحرب ويقول انه يمكن ان يسميها بحرب مادلين اولبرايت وبينما يعزو "بيان" هذه الحرب اليها لأنه ربما يتجنب الإشارة الى خطط اللوبي الصهيوني الأمريكي بشكل مباشر لكي لا يشيطن بدوره في فرنسا كما غيره من الكتاب والصحفيين الذين لا يطيعون الخط الصهيوني ، فاولبرايت لا تنطق لأسباب شخصية بل انها واحدة من أعضاء حلقة المحافظين الجدد وبعض معاهد Think-Thank الذين وضعوا مشروع القرن الحادي والعشرين الأمريكي لاستمرار الهيمنة الأمريكية على العالم . ورغم قبول الصرب بالتنازلات في مؤتمر رامبويه في باريس الذي كانت تسيطر عليه الولايات المتحدة فقد رفضت تنازلاتهم أمام الألبانيين لأن الهدف كان الحرب وليس السلام .


من قاد عملية تسويق حجة الحرب على كوسوفو المسماة fer à cheval أي "حديد على الحصان" والتي ظهرت فيما بعد كاذبة من ألفها الى يائها هو يوشكا فيشر وزير الخارجية الألماني الذي قال أنهم حصلوا على وثائق سرية ومعلومات من المخابرات النمساوية عبر البلغار وهي وثائق عن الخطط الصربية للأبادة ضد الألبان. أضافة الى ذلك فقد ساق الأطلسي أكاذيب أخرى منها ان الأبادة والتطهير العرقي موجود قبل التدخل الغربي وهو غير صحيح بحسب المراقبين الدوليين الذين ذهبوا للتحقق ضمن لجان المحكمة الجنائية الدولية. لقد أكتشف خبراء المحكمة الدولية قليل من الجثث للألبان 187 جثة لم تكن عليها آثار تعذيب وقالوا هناك جرائم تتعلق بالحرب لكن ليس هناك جرائم ضد الأنسانية ولا أبادة جماعية ولم تكتشف هناك أي مقابر جماعية. أن العكس هو ما كان يجري مع من تدعمهم واشنطن وحلف الأطلسي فهم أمراء الحرب من الألبان وأمراء الجريمة المنظمة الذين يرتبطون مباشرة بمادلين أولبرايت وهم من قام بالتطهير العرقي وبالمجازر ودفع الى التهجير الواسع بعلم الولايات المتحدة والدول الغربية المشاركة في هذه الحرب.يقول احد المتخصصين بالبلقان وهو ايضا احد اعضاء” اليوسكا”-الفصيل المدعوم أمريكيا على أنه المقاومة ضد الصرب- : هناك بلدان كانا يعرفان كل شيء وكل ما يدور في كوسوفو عام 1999 هما فرنسا وبريطانيا ،كل شيء كان ممكنناحينها،كل الجرائم والأنتقام وكل أنواع التجارة الممنوعة و كل شيء كان يدور علنا" ويضيف :في نفس هذا العام كل جريمة-ومنها المتاجرة بالأعضاء البشرية- كانت تجري بمعرفة )برنار كوشنر( -صديق أكراد العراق -وزير الصحة في حكومة ليونيل جوسبان والذي عينه الأطلسي حاكما لكوسوفو مثل بريمر على العراق.وقد علم بهذه الجرائم العسكريون وليس فقط السياسيون لكن الجميع كان مستعدا لتنفيذ الأوامر الأمريكية-الأطلسية.يقول شومسكي بهذا الخصوص : ان ضباط "حفظ السلام" في كوسوفو- KFOR – الذين أرسلوا بدعوى أحلال السلام قد أستلموا أوامر بتجاهل الجرائم التي تقترفها منظمة اليوسكا الألبانية.وتقول القاضية ديلا دو مونتي من المحكمة الجنائية بانها قد منعت بشكل ممنهج للتحقيق في جرائم “اليوسكا” من قبل "المجتمع الدولي" ومن الأمم المتحدة. ويقول المختص بالبلقان :لقد حصلت “اليوسكا” وأمثالها على الضوء الأخضر لقتل منافسيهم السياسيين وقتل وأنهاء كل من هو غير ألباني لكي يضعوا محلهم سماسرة ومجرمين بشرط : ان لا ينظموا تظاهرات ضد الهيمنة الدولية-الأمريكية –في كوسوفو ! لكن هذا الطلب يخفي حقيقة الخطط الأمريكية الحقيقية في البلقان فبعد ان قام الأطلسي ب37,465 طلعة جوية منها 14,006 طلعة هجومية ولمدة 87 يوما وعلى مساحة محدودة فيمكننا تخيل الخسائر وحجم الدمار الذي تبع كل هذه الحرب وليس الضربات الجوية بحسب ليونيل جوسبان رئيس الوزراء الفرنسي السابق. لقد سببت هذه الحرب تدمير البنى التحتية لكوسوفو وبالأخص الكهرباء والطرق والمشافي بنسبة 40% وانخفضت حالة السكان المعاشية الى ما بين 45-50% تحت خط الفقر.وبعد نهاية الحرب شهدت كوسوفو بناء قاعدة أمريكية حديثة هي قاعدة بوندستيل بنتها شركة هاليبرتن لمديرها مجرم حرب العراق تشيني وهي مدينة كاملة مخصصة للعسكريين البالغ تعدادهم خمسين ألف عسكري ممن حطوا رحالهم ووجدوا موطئ قدم في البلقان في مواجهة روسيا.يقول كلود غيان وزير داخلية نيكولا سركوزي واحد المحافظين الجدد الفرنسيين : "شنت الحرب لتقليل القدرة الصناعية والتجارية ليوغسلافيا السابقة وهي البلد الوحيد الذي قاوم الهيمنة الغربية وكان من مجموعة دول عدم الأنحياز."


كوسوفو هي بروفة غزو العراق وفيها نجد السيناريو نفسه من أكاذيب اسلحة الدمار الشامل الى كذبة المقابر الجماعية التي لا يمكن التثبت منها الا بأجراء تحقيقات محايدة ومن قبل خبراء لم تقم بها حكومات الأحتلال المتعاقبة بل تكذب بها على العالم وعلى الشعب العراقي مدعية قيام النظام السابق بها وأقامت حكومة الأحتلال الخامسة بعقد المؤتمرات المحلية والدولية وأستستدعت صهاينة الى العراق للحديث وتبادل النصائح عن تجربة مأسسه الهولوكوست ونقل الخبرة الى من أتى بهم الاحتلال ونصبهم على الشعب العراقي متغاضيا لهم مثلما فعل مع “اليوسكا” في كوسوفو عن كل الجرائم من التطهير الطائفي والعرقي والتهجير القسري في الداخل والخارج الى جرائم الحرب والجرائم ضد الأنسانية الحقيقية وليس الوهمية التي تقترف وما زالت منذ عشر سنوات ضد شعبنا المظلوم.

 

درس كوسوفو هو ان الولايات المتحدة لا تخوض حروبا عادلة الا كذبا وذلك لوضع حكومات مافيوية منظمة للجريمة وهذا ما تؤكده الحقائق على الأرض من كوسوفو الى بغداد وهذه الحكومات ليست بمنأى عن المحاكم فالجرائم المنظمة وجرائم الحرب والمقابر الجماعية التي تقترفها ضد الأبرياءلا تسقط بالتقادم. ما يحدث في الدول العربية وفي اليونان واسبانيا والبرتغال واليوم تلتحق بها دول مثل البرازيل وتركيا هي ثورات على مافيات السلطة التابعة للشركات العالمية من القلة المتحكمة بمصائر شعوب العالم،وما الفتنة الطائفية وإذكاء المشاعر الدينية والمذهبية ألأ أقنعة تستعمل للفتنة بين الشعوب على قاعدة فرق تسد تمنعها من المقاومة وسلك طريق الثورة على الظلم والحكومات المافيوية المنصبة من الخارج.

 

 

 





الاربعاء ١ رمضــان ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / تمــوز / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ولاء سعيد السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة