شبكة ذي قار
عـاجـل










في الذكرى الخامسة والأربعين لثورة السابع عشر-الثلاثين من تموز، وجه الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، القائد الأعلى للجهاد والتحرير عزة إبراهيم كلمة إلى شعب العراق والأمة العربية، تناول فيه هذا الحدث التغييري، بمقدماته ونتائجه بكل ما له وما عليه، وما تحقق من إنجازات نضالية على الصعيدين الوطني والقومي.

 

في هذا الخطاب، تم تناول بعض القضايا ذات الصلة بمعطى الوضع في العراق، وأطلق مواقف سياسية، جاءت متماهية مع مسيرة الثورة لخمسة وأربعين سنة خلت وما تزال مستمرة في مواجهة التحديات التي واجهت وتواجه العراق والأخطار المحدقة بالأمن القومي العربي.

 

ان هذا الخطاب الذي حفل بالمضمون التعبوي وهذا ضروري إلا أن بعض العناوين السياسية التي تطرق إليها الخطاب، قرئت خارج سياقها السياسي، وبما دفع بعض وسائل الإعلام إلى الأخذ باستنتاجات، لا تستقيم وسياق النص في تكامل مضامينه، ومما أدى إلى حصول التباسات عند البعض.

 

إن العناوين السياسية التي يجدر التوقف عندها تتمحور حول أربعة :

 

1- الصمت العربي حيال ما يجري في العراق.

2- تناول "القاعدة" والتفجيرات الدموية.

3- دور المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي في الحرب مع إيران.

4- بعض مسارات التعامل مع الأقليات القومية ( الكرد )

 

فكيف يجب النظر إلى هذه القضايا في ضوء ما رمى إليه الأمين العام للحزب ؟وحتى لا يذهب كثيرون إلى تأويلات يراد إليها أن تحدث تشويشاً حول موقف الحزب والمقاومة لما يجري العراق ومحيطه نقرأ البعد السياسي للخطاب الذي تناول العناوين التالية:

 

أولاً: حول الصمت العربي حيال ما يجري في العراق

جاء في الكلمة بالنص الحرفي: "أقول للحكام العرب ولجماهير الأمة العربية معهم وخاصة الأحرار من حكام الأمة أن كان فيهم أحرار يملكون إرادتهم، أين أنتم مما يحصل في العراق، عراق العروبة على مدى أكثر من عشر سنوات من القتل والذبح والتشريد والتفجير والتخريب والتدمير لكل معالم الحياة في في بلد الحضارات والتقدم والشعب الذي قدم للأمة ما لم يقدمه أي شعب لأمته على امتداد تاريخ البشرية. ما هذا الصمت أيها الشياطين الخرس، حاشى الخيرين منكم أصحاب النخوة والغيرة والشرف، ماذا ستقولون للتاريخ الذي لا يرحم الكبير ولا الصغير، ولا يرحم القوي والضعيف منكم، كيف ستنظر إليكم والى تاريخكم الأجيال القادمة التي هي كذلك لا ترحم"، ويضيف أن كنتم تخافون وتخشون من أميركا، فقد سقطت في وحل العراق".

 

هذه القضية كيف يجب النظر إليها؟ هل ينظر إليها باعتبارها تنطوي على تبرئه للنظام العربي من الاثم  السياسي الذي ارتكبه بحق العراق، عندما انضوى هذا النظام تحت يافطة الموقف الأميركي، أم تنطوي على نقد يرتقي حد الإدانة ليس للنظام الرسمي وحسب، بل لقوى شعبية يفترض فيها أن تكون دائماً في خندق المقاومة للمشاريع والمخططات العدوانية التي تستهدف الأمة والتي دخلت مرحلة متقدمة من خلال العدوان على العراق واحتلاله؟

 

إن التأشير على هذه القضية وبهذا الوضوح ما كان ليطرح وبهذه الحدية لو لم يتبين لقوى المقاومة في العراق قيادة وكوادر وحاضنة شعبية، ان الحصار السياسي والإعلامي الذي يفرض على الفعل المقاوم للاحتلال الأميركي ومن بعده للاحتلال الإيراني من الباطن، يراد له يجهض النتائج السياسية والنضالية التي تحققت خلال عشر سنوات من الفعل المقاوم. وهذه المحاصرة بأثارها السلبية، لا تقل خطورة عن العدوان المباشر وكل أشكال القتل والتدمير والتخريب المرافقة له والناتجة عنه.

 

إن أميركا التي قادت التحالف الدولي والإقليمي للعدوان العراق واحتلاله، كانت تهدف إلى تقويض البنيان الوطني العراقي، وضرب أهم مرتكزات القوة في الوضع العربي، وعندما تستطيع المقاومة العراقية أن تطرد الاحتلال، فهذا يعني أنها أصبحت في وضع بات يؤهلها لإسقاط نتائج العدوان والاحتلال في بعده العراقي، وبدء التأسيس لإعادة الاعتبار للموقع العراقي كأحد مرتكزات القوة العربية وهذا ما لا تريده كل القوى التي تناصب العراق والأمة العربية العداء أياً كانت مشار بها الفكرية والسياسية.

 

من هنا، فإن الخطاب في تناوله لهذه القضية، إنما ينطوي على تحذير وتطمين في آن .فأما التحذير فهو اصرار المقاومة العراقية بكافة قواها وأطيافها، بأنها ستتعامل مع ملحقات الاحتلال وإفرازاته ومن يمن النفس بوراثته بنفس الأسلوب التي اعتمد في التعامل مع الاحتلال الأميركي. وبالتالي فإن السكوت وتعمية البصائر مما جرى ويجري في العراق وخاصة من خلال الدور الخطير الذي يضطلع به النظام الإيراني، إنما يرتقي حد العدوان المباشر على العراق وشعبه، وهذا يخدم المشروع الأصلي الذي يتناوب أعداء الأمة على تنفيذه. وهذا بطبيعة الحال لن يقبل به شعب العراق ولا مقاومته. ومن أراد أن يبقى ضمن خط الالتحاق والارتباط والارتهان بالمشروع الأميركي ورديفه المشروع الإيراني عليه أن يتحمل المسؤولية، والشعب كما التاريخ لن يرحما هؤلاء الذين وصفوا بالشياطين الخرس، والساكت عن الحق شيطان أخرس.

 

 واما التطمين فدلالاته ثلاثة : الاولى،موجهة إلى الداخل العراقي، وهو أن العراق بعد إسقاط الاحتلال المباشر ومن الباطن وكل إفرازاتهما، ستعاد هيكلة حياته السياسية على قاعدة المواطنة الشاملة واستناداً إلى المشروع الوطني الذي يحفظ للعراق وحدته وعروبته ويجعل الديموقراطية المعبرة عن الطموح الشعبي هي الناظم لحياته السياسية على قاعدة التعددية وتداول السلطة وإشراك جميع المكونات المجتمعية في إعادة بناء العراق الحر والمستقل المتحرر من أشكال الاحتلال والاحتواء والتبعية.

 

أما الثانية، فهي تطمين الذين يخافون أميركا، بأن هذه الأخيرة قد منيت بهزيمة عسكرية وسياسية وأخلاقية من جراء عدوانها واحتلالها للعراق. وهي ان استطاعت أن تقتل وتدمر وتخرب، إلا أنها لم تستطع أن تسلب شعب العراق إرادته في المقاومة، وأنه في صراع الإرادات، انتصرت إرادة الشعب المقاوم على إرادة المستعمر المحتل. وهذا الانتصار ما كان ليتحقق لولا توفر إرادة المقاومة واداتها الثورية  وحاضنتها  الشعبية ومشروعيتها السياسية.

 

إن هذا الانتصار، بذلت لأجله تضحيات جسيمة، وكانت هذه المسيرة النضالية التي جعلت من تجربة العراق في مقاومته تجربة رائدة ومتميزة، كافية لأن تجعل كل الذين طأطأوا الرؤوس لأن يخرجوا من التباسية المواقف، لأن أميركا بعد هزيمتها العسكرية والسياسية وسقوطها الأخلاقي، ليست حالها كما كانت عشية التحضير لتنفيذ استراتيجية العدوان.

 

اما الثالثة، فإن الخطاب تضمن دعوة صريحة لاستنفار أحرار الأمة في كل ميادين نتاجاتها، لأن تساهم ليس في كسر الحصار السياسي والإعلامي وحسب، بل ايضاً بالانخراط في مسيرة إعادة البناء الوطني، لأن العراق لم يكن مستهدفاً لذاته وحسب، وشعب العراق لم يكن مستهدفاً لذاته، بل الوطن العربي والأمة العربية، هما المستهدفان استراتيجياً من خلال استهداف العراق، ولهذا فإن الانتصار للعراق ومقاومته، هو انتصار أحرار الأمة لذاتهم وباستطاعتهم أن يفعلوا كثيراً، وان الجماهير هي صاحبة  المصلحة الحقيقية بالتغيير الثوري وتفعيل الكفاح ضد الاحتلال وأعوانه وأتباعه وإلا فالتاريخ لا يرحم وحكم التاريخ قاسي.

 

ثانياً : تناول "القاعدة" والتفجيرات الدموية

إن أحد الأسباب التي اعتبرتها أميركا ذريعة لشن الحرب على العراق هي علاقة مزعومة مع "القاعدة" لا لسبب، الا لتثبت بأن العراق يقيم علاقات مع منظمات مصنفة إرهابية وفق التعريف الأميركي. وقد ثبت لاحقاً أن الادعاءات الأميركية حول علاقة مع "القاعدة" هي فرية كبيرة كالادعاء الكاذب بامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل.

 

ما أن تطرق القائد الأعلى للجهاد والتحرير الـ "القاعدة" في معرض تناوله الوضع المتفجر في العراق، حتى تلقفت بعض وسائل الإعلام هذه الاشارة لتقول "وأخيراً" اعترف العراق بعلاقة مع "القاعدة". علماً أن الأصيل الذي روج لهذه العلاقة أضطر للتكذيب ولو بعد حين، فيما بعض الأصوات السياسية والإعلامية والتي كان لها دور في الترويج لهذه الافتراءات والمزاعم والأكاذيب، ما تزال تصر على موقفها، وهذا الأصرار ليس بريئاً بل يندرج ضمن سياق سياسي هدفه التشويه على دور المقاومة في العراق وعلى الدور المحوري الذي أداه ويؤديه حزب البعث في المقاومة المسلحة، وفي الحراك الشعبي لضبط إيقاعه ضمن مديات المشروع الوطني، خطاباً وسلوكاً، وفي محاصرته لإفرازات الاحتلال من داخل "العملية السياسية" وخارجها .

 

بالعودة إلى ما تطرق إليه الخطاب حول هذه المسألة يتبين، أنه حمّل أكثر مما ينطوي عليه من أبعاد، ولو جرى التدقيق به جيداً والسياق الذي اندرج فيه، لا تضح، انه ينطوي على تحذير واضح "للقاعدة" من استهداف المواطنين العراقيين المنخرطين في الأجهزة العسكرية والمدينة. وان هؤلاء ليسوا المستهدفين، لأنهم من أبناء هذا الشعب وإنما المستهدف هم العملاء والمرتبطين بالمنظومات الأمنية الإيرانية والمندسين في صفوف المؤسسات العراقية بهدف التخريب وتأليب الرأي العام على القوى الشريفة.

 

إن القائد الأعلى للجهاد والتحرير، ومن موقعه القيادي في قيادة فعاليات المقاومة حدد ثلاث نقاط : النقطة الأولى، ان النظام الإيراني متهم مباشرة ومن خلال المنظومات الأمنية التي يديرها لاستثارة المشاعر المذهبية والطائفية وإيجاد مناخات لانشطارات عامودية في البنى المجتمعية العراقية.

 

النقطة الثانية : ان الحلقة المركزية في المواجهة تتمحور حول مواجهة الدور الإيراني بكل تعبيراته وأدواته، وان الأولوية للنضال الوطني هي لحماية وحدة العراق من مخاطر التقسيم والتفتيت. وان كل من يعمل لوحدة العراق أرضاً وشعباً ومؤسسات فالمجال مفتوح للتقاطع السياسي معه حول مركزية هذا الهدف.

 

النقطة الثالثة : ان القائد الأعلى للجهاد والتحرير، قال "للقاعدة" أنتم أخوة في الجهاد شرط استهدافكم أعداء العراق وشعبه فقط وان جاهد تم  من أجل تحرير العراق فقط. فالشرطية هنا واضحة لالبس بها ولا التباس حولها. إذ طالما أن الهدف المركزي المرحلي للمقاومة، هو تحرير العراق والتصدي لأعداء العراق وشعبه، فإن كل من ينخرط في سياقات هذه المهمات الوطنية يمكن التعامل معه على قاعدة هذه الشرطية، وإلا فإن من يستهدف شعب العراق بالتفجيرات العمياء والعشوائية، فعمله إنما يندرج في سياق تنفيذ المخطط الإيراني المشبوه.

 

إذاً، ان الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، في تطرقه لسلوك "القاعدة" كان منبهاً ومحذراً ومحدداً لأولويات ومركزية الأهداف وأنه في سياق هذا التطرق حاججها بالقرآن والسنة. وكي لا يلتبس الموقف عند من قرأ الخطاب، قراءة سياسية بسوء نية وبعيدة عن مراميها الحقيقية، كان استحضاره للموقف المبدأي لحزب البعث من الطائفية والطائفيين." أقول للطائفية ومن أي مخبأ خرجت من مخابئ "السنة" أو من مخابئ "الشيعة"، أو من المسيحيين وطوائفهم، وبأي لون اصبطغت، وأقول للدنيا كلها أن حزب البعث العربي الاشتراكي منذ ولادته ووفق عقيدته ومبادئه ودستوره أعلن حرباً مقدسة ودائمة على الطائفية وليس على الطوائف وعلى كل الصيغ الاجتماعية والسياسية والعقائدية التي تفرق بين أبناء وفئات المجتمع الاشتراكي الحر الموحد الذي يناضل البعث من أجل إقامته".

 

إن استحضار هذا الموقف المبدأي لحزب البعث في سياق التطرق  السلوكية "القاعدة"، هو رد مباشر لكل من يريد أن يسقط التباسات على موقف حزب البعث من ظاهرة القاعدة فهو في تطرقه إلى "القاعدة"، وكما وردت  في الخطاب، تطرق إلى سلوكيتها وعلى أساس أن العراق حرم على الاحتلال الأميركي، وحرم على الاحتلال الإيراني، وأن دم العراقيين حرم على أعداء العراق والعملاء وأن دم العراقيين غال على البعثيين خاصة وعلى قوى العراق المقاومة عامة.

 

إن الأمين العام لحزب البعث في خطابه، حصن هذه الإشارة السياسية، بمبدأيه الموقف كي لا يذهب المؤلون بعيداً، وأنه اعتبر دم العراقيين حرم ومن يحترم هذا الحرم، يكون هناك إمكانية للتقاطع السياسي معه حول أولوية مواجهة المشروع الإيراني وما ينطوي عليه من مخاطر ضد العراق بكل مكوناته وأطيافه.

 

وعلى هذا الأساس، فإن من ينظر إلى هذه الإشارة خارج السياق السياسي الذي وردت فيه، ففي ذلك أما قراءة سياسية مسطحة عند حسني النية، وأما افتراء وتشويه لأغراض سياسية عند سيء النية وهؤلاء هم الكثر.

 

ثالثاً : دور المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي في الحرب مع إيران.

جاء في الكلمة "أقولها للتاريخ لولا المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي ما كان العراق انتصر في قادسية العرب الثانية على الغزو الصفوي للأمة."

 

إن الأمين العام للحزب، وهو الذي كان في الدائرة العليا في هرمية قيادة العراق، يعرف أكثر من غيره، ان العراق انتصر في هذه الحرب بفضل التضحيات الجسيمة التي قدمها شعب العراق، وبفضل الوحدة الوطنية التي كانت بمثابة الصخرة الصلبة أمام محا ولات الاختراق الإيراني، وبفضل الصراع الذي اتخذ بعداً شمولياً وانخرطت فيه كل قوى وفعاليات العراق المدنية والعسكرية، وبفضل الدور الذي لعبته القيادة السياسية، والتي وضعت الصراع في سياقه القومي. و لهذا كان انتصار العراق، انتصاراً قومياً للأمة. وعندما يشير الأمين العام لحزب البعث إلى الدور الإيجابي الذي لعبته المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، في الحرب مع إيران، فهذه الإيجابية، لم تنطو على مشاركة ميدانية في فعاليات المواجهة العسكرية بل تجلت في ثلاثة مظاهر.

 

المظهر الأول : إنها نظرت إلى الصراع باعتباره صراعاً قومياً، وان العراق يشكل خط مواجهة أمامي للمشروع الفارسي التوسعي والتخريبي.

 

المظهر الثاني : ان وضع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي هذا الصراع في إطار بعده القومي، جعل ظهر العراق آمناً، بحيث قاتل على الجبهة وهو مطمئن إلى ظهيرته، وهذا عامل مهم وأساسي في كسب الحروب. فالسعودية ودول الخليج وأن كانوا يشكلون كيانات قطرية إلا أنهم جزء من الداخل العربي في إطار المكون القومي. وان العراق عندما يخوض حرباً تستمر لثماني سنوات، فإن حماية ظهيرته كانت عاملاً مساعداً للانتصار في هذه الحرب علماً ان من نسج علاقات تحالفية مع النظام الايراني كان عاملاً مساعداً على اطالة امد الحرب وكان موقفه اختراقاً للموقف القومي .

 

المظهر الثالث : أنه من خلال اعتبار مواجهة نوازع التوسع الإيراني، هي مواجهة ذات أبعاد قومية، فإن الدول العربية التي تعتبر نفسها مهددة بمخاطر التوسع والتخريب الإيراني لعبت دوراً إيجابياً، في توفير دعم سياسي وإعلامي وتسهيلات مالية للعراق، وهذه كلها كانت عوامل مساعدة في اعتبار مواجهة العراق للخطر الإيراني هي حماية للمداخل الشرقية للوطن العربي بقدر ما هي حماية للعراق كياناً وطنياً وبناء مجتمعياً.

 

إن العراق الذي صد العدوان الإيراني، كان صادقاً مع نفسه ووفياً لأهداف شعبه وهو الذي دفع الثمن الأكبر من دعم أبنائه، واقتصاده ونموه لأجل دحر هذا المشروع الخطير.

 

وعندما يقف قائد قومي ومناضل بعثي هو في الموقع الأول في هرمية الحزب القيادية ليطلق موقفاً كالذي أعلنه في خطابه فهذا يجسد ذروة الصدق مع النفس والأمانة في قول الحقيقة.

 

إن حزب البعث عندما يطلق موقفاً مبدئياً لا يساوم في السياسية على حساب المبادئ، وهو لا يجحد العلاقة في أخلاقيات التعامل فمن يؤدي دوراً إيجابياً خدمة للأمة، يعطى حقه من التقييم ومن يؤدي دوراً سلبياً تجاه قضايا الأمة ينتقد موقفه ضمن معطى النقد السياسي الموضوعي، وعندما يطلق الأمين العام لحزب البعث هذا الموقف، حيال قضايا يتعلق بها أمن الأمة العربية فهذا يندرج في إطار التقاطع السياسي الإيجابي حيال مسائل يتلاقى عليها من هم متمايزون ومختلفون في منظومات المفاهيم الفكرية، والاستراتيجيات السياسية. فعندما يكون العراق مهدد بوحدته الوطنية فلا حرج عند القوى الوطنية العراقية الحريصة على وحدة العراق لأن تتقاطع مع قوى في الداخل والخارج حول درء مخاطر التقسيم عن العراق. وعندما يكون العراق مهدد بتشويه هويته القومية فلا حرج عند القوى العروبية أن تتقاطع من قوى في الداخل والخارج ترى في تشويه عروبة العراق خطراً على الهوية الوطنية وعلى الانتماء القومي. أما حول طبيعية النظم السياسي، فالشعب هو الذي يحدد أي نظام سياسي يريده.

 

رابعاً : بعض مسارات التعامل مع الأقليات القومية ( الكرد )

من خلال قراءة الخطاب يتضح أن الأمين العام لحزب البعث سجل نقداً ذاتياً لمسيرة لثورة في الذكرى الخامسة والأربعين لانطلاقتها. الأولى حيال ما ارتكب من اخطاء وهفوات قبيل إعلان بيان 11 آذار. والثانية الهفوة التاريخية التي أدت إلى دخول الكويت وما تولد عنها من تداعيات.

 

فكيف ينظر إلى هذه المسألة؟ قد يقول قائل أن هذا بشكل اعترافاً متأخراً بأخطاء ارتكبتها قيادة العراق في تعاملها مع قضيتين. قضية في الداخل الوطني، وقضية مع الخارج الوطني وأن كان من ضمن الداخل القومي.

 

بالنسبة لقضية الداخل، والمقصود بذلك العلاقة مع المكون الكردي، فإن قيادة العراق قبل العدوان وبعد دحر الاحتلال تدرك جيداً، ان العراق لن يكون موحداً، إلا إذا كان المكون الكردي كأقلية قومية وازنة من أساسيات الوحدة الوطنية.

 

وهذا الأمر ينسحب على أقليات قومية أخرى. وعندما تعطي قيادة العراق في ظل ثورة السابع عشر الثلاثين تموز، حكماً ذاتياً للأكراد، فهي تتعامل مع هذه القضية من منظورين ،وطني وإنساني. المنظور الوطني، هو باعتبار الأكراد وسائر الأقليات الأخرى من مكونات الشعب في العراق، والمنظور الإنساني، هو أن لهذه الأقليات خصوصيات ثقافية واجتماعية يجب احترامها ومراعاتها. وهذا ما كان ليؤخذ به كنهج للتعامل مع الأقليات القومية لولا المضمون الإنساني للمنظومة الفكرية لحزب البعث العربي الاشتراكي.

 

إن الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي وهو الذي واكب مسيرة الثورة منذ انطلاقاتها وعايش كل تجاربها في إطار العلاقات الداخلية وفي إطار العلاقات مع الخارج يعرف جيداً، أن كل تجربة كالتي عاشها العراق ويعيشها، ترافقها ظواهر سلبية في الأداء. والثورة كما حققت إنجازات عظيمة، فإنها تعرضت في بعض مراحل مسيرتها لاخفاقات أن بسبب أداء ذاتي، وأن بسبب فعل عدائي من قوى التخريب في الداخل وقوى العدوان الخارجي. وعندما تكون قوى في الداخل مفتوحة على عوامل التأثير الخارجي، وقوى في الخارج تتقاطع مع مواقف ومشاريع إيذائية للثورة ومسيرتها، يفرض على الثورة خيارات لا تريدها لكن تصبح مواجهتها شراً لا بد منه.

 

ضمن هذا السياق، تشكلت عوامل الوضع المأزوم مع الكويت وضمن سياقاتها ، تشكلت عناصر الصراع الذي تفجر مع الاتجاه السياسي المهيمن لدى المكون الكردي، ولهذا حرصت قيادة الثورة لايجاد حل لأزمة الصراع في الداخل عبر بيان 11 آذار، وكما حرصت بداية لحل الأزمة مع الكويت ضمن محاولات الاحتواء لكن دون ان تجد محاولاتها مناخات ايجابية للتعامل معها.

 

وعندما يقف أعلن مرجع حزبي، ومن موقعه كقائد للجهاد والتحرير، ليقول بأن أخطاء وهفوات ارتكبت في التعامل مع ملف صراع الداخل مع الأقليات القومية وفي ملف الخارج، وأن ما وصلت إليه الأمور من تأزم يتحمل مسؤوليته طرفي الأزمة داخلاً وخارجاً، ففي هذا تعبير عن شفافية في الموقف وصدقية في صياغة علاقات جديدة على قاعدة تجاوز السلبيات التي شابت العلاقة السابقة.

 

إن هذا الموقف أن دل على شيء فإنما يدل على أن قوى المقاومة والطرف المحوري فيها، هم في الموقع الذي يمكنهم من إطلاق المواقف الشجاعة والجريئة وهذا دليل قوة وليس دليل ضعف .فالقوي والواثق من نفسه هو الذي ينتقد نفسه كما ينتقد غيره. وهو الذي يوجه رسائل الاطمئنان لمن يشويه هواجس من سوابق في التعامل السياسي كما يوجه رسائل التحذير لمن ينخرط في مشاريع تدمير العراق.

 

إن الأمين العام لحزب البعث في إشارته إلى هذه القضية، حسم الموقف بأن التجربة ستقيم بصدقية وشفافية، واليد ممدودة للتقاطع السياسي الإيجابي حول هدف واحد مبدأي هو استراتيجي الا وهو تحرير العراق من الاحتلال الإيراني الذي أوغل في دماء العراقيين وفي أعراضهم وحرماتهم ومقدساتهم.

 

خلاصة :

إن هذا الخطاب، أطلقه قائد سياسي يمثل الشرعية الوطنية العراقية، والشرعية السياسية، والشرعية المقاومة، ومن خلال موقعه يخاطب الأخرين باعتباره يجسد الرمزية الوطنية العراقية، وأن الحزب بصدد تقييم تجربة المسيرة الكفاحية لثورة 17-30تموز وان النظام الإيراني متهم بالتفجيرات وأعمال التخريب والتدمير والنهب الاقتصادي، وان دم العراقيين حرم على أعداء العراق، والسلوك السياسي لقيادة لحزب في العراق محصن بالموقف المبدأي والذي هو أساس نظريته الثورية .

 

ان  المرونة في السياسية مبدأ قائم في التعاطي السياسي، إلا أن هذه المرونة لا تخرج من منظومة الثوابت هذا ما احتواه الخطاب وضمن هذا السياق يجب قراءته لانه الأهم في دلالاته السياسية حتى الآن.

 

 





الثلاثاء ٦ شــوال ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / أب / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة